الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما نقتل القاضي*

سعدون محسن ضمد

2010 / 11 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


جوهر القانون في مغزاه، ومغزى القانون ليس العدالة بل وضع إطار يوقف عملية السعي لتحقيقها عند حد معين، حتى لا تكون هذه العملية لا نهائية... لا يمكن أن ينتهي الجدل حول أي جريمة، ولا يمكن انجاز حكم قطعي على صعيد تحديد الجناة فيها. فمهما كان المدعي العام متأكداً من تورط المتهمين، تجد بأن محامي الدفاع قادر على التشكيك بدقة حكمه، وإزاء مثل هذه الإشكالية ماذا فعل المشِّرع؟
هل ترك المجال مفتوحاً أمام الشكوك أم وضع حداً لها؟
بالتأكيد ستؤدي المحددات إلى التفريط ببعض الحقوق، لكن من جهة أخرى سيؤدي إلغاء المحددات إلى التفريط بكل الحقوق؛ لأننا سَنُبْقي كل القضايا معلقة على انتهاء التحقيق فيها ولن نمسك بأي مجرم.
هذه هي الغاية من الدستور، الغاية التي لم يفهمها أغلب الساسة العراقيون عندما انتهكوه المرة تلو الأخرى، دون أن يدركوا أهمية الوقوف عند حدّ نصوصه وعدم تجاوزها مهما كان العذر. لأنك إن تجاوزتها مرة فقد أعطيت لغريمك حق تجاوزه مرات. لا يستطع الدستور العراقي أن يضمن حق جميع مكونات المجتمع عن طريق تحقيق مستوى تام من التوافق أو مقدار أدق من الشراكة، لأنه لا يستطيع أن يفعل ذلك، بل عن طريق فض نزاع هذه المكونات وإيقافه عند حد معين، وهذا الحد هو تطبيق نصوصه مع قطع النظر عن أي عذر أو مسوغ مهما كان مهماً، لأن ليس هناك أهم ولا أقدس من الحفاظ على الدستور، ليس هناك خطر يمكن أن يهدد بلد ما، أكثر من خرق قوانينه.
برر التحالف الوطني تأجيل البت بصلاحيات المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية بذريعة الحاجة لتشريع قانون لهذه الصلاحيات، وهذا كلام دستوري، لكنه مخيف لأنه نابع من عقلية تكيل بمكيالين، فهناك الكثير من القضايا التي أنجزت والمؤسسات التي أسست دون انتظار تشريع قوانينها أو التصويت عليها داخل مجلس النواب. وهو بالضبط ما حصل مؤخراً مع انتخاب رئيس الجمهورية دون تشريع القانون الخاص بعملية انتخابه. لو سألنا التحالفين الوطني والكردستاني عن سبب تجاوز الدستور في عملية انتخاب الرئيس سيقولان: لأن المصلحة الوطنية اقتضت ذلك، وهذا كلام جيد لكنه يجعل الدستور خاضعاً لمفهوم (المصلحة الوطنية) المطاط والقابل للتأويل ما يدفع بالسياسي (الأكثر قوة أو تأثيراً) إلى احتكار عملية تأويله وإخضاع القانون لمزاجه ونواياه ومصالحه. وهذا ما حصل منذ اللحظة الأولى التي انتهك فيها الدستور العراقي.
جريمة انتهاك الدستور لا يتحملها طرف سياسي عراقي بعينه، لأن الجميع اشتركوا بها، وكل من صوت ـ من أعضاء مجلس النواب وجهاته السياسية ـ يوماً على تمرير موضوع غير دستوري أو سكت عن هذا التمرير فقد غرز نصلاً خبيثاً بجسد الشرعية وحنث بيمينه، وفرط من جهة أهم بمصالحه المستقبلية من خلال القبول بتحقيق مصالح آنية. لهذا السبب لا يحق للعراقية اليوم أن تتظلم من انتهاك الدستور أو تخاف من التراجع عن التعهدات المقطوعة لها، لأنها قبلت في يوم من الأيام بمثل هذه التجاوزات واشتركت فيها. الموضوع بسيط لهذه الدرجة:
عندما تقتل القاضي أو تسكت عن جريمة قتله، فلا يحق لك أن تتظلم فيما بعد من عدم احترام حقوقك، فأنت أول من فرط بهذه الحقوق بقتلك المسؤول عن رعايتها.

ـــــــــــــــــــــــــــ
* جريدة الزمان 25-11-2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليس بالنيات وحدها تشرع القوانين
قاسم السيد ( 2010 / 11 / 27 - 04:03 )
العزيز سعدون
مع كثرة الخروقات الدستورية والتجاوزات القانونية كوننا امة حديثة عهد ريحا لنا من صداع الرأس الذيبالديمقراطية حيث كانت قوانينا قبل التغيير يكتبها القائد الضرورة متفضلا ومتكرما علينا وم قد يصيبنا في حالة التصدي لكتابتها ومجنبا لنا الخلاف والشقاق الذي يصيب سياسينا الان اذ هم ينبرون لتشريع القوانين عن طريق مجلس النواب.. اما بشأن قضية تشريع قانون لغرض تشيكل مايسمى المجلس الوطني للسياسات الأستراتيجيه فحتى تشريع القانون الخاص به لايكفي اذ يحتاج وجود مثل هذا المجلس تعديلا دستوريا حتى يسمح بامرار قانونه لكن غياب الثقافة القانونيه وقلة الخبرة نتيجة قصر الممارسة الديمقراطيةجعل مثل هذا الأمرمتداولا في النقاشات السياسية اما عدم وجود قانون لأنتخاب رئيس الجمهوريه فعلى الأقل هناك غطاء دستوري لذلك فما بالك بمجلس لايملك الأثنين الغطاء الدستوري والتشريع القانوني اما اذا اردنا قي جاس الأمر بالنيات فالنيه من وراء انشاء مجلس السياسات الأستراتيجية هي الحد من صلاحيات رئيس الوزراء التي وردت بالدستور


2 - قاسم السيد
سعدون محسن ضمد ( 2010 / 11 / 28 - 09:02 )
شكرا لمرورك صديقي الكريم..
في الحقيقة لست معنيا بتشريع قانون لرئاسة الجمهورية او للمجلس الوطني، ما يقلقني ويقلق أكثر المعنيين هو تحول عملية خرق الدستور والقفز على نصوصه إلى ثقافة شائعة لدى السياسيين، وما اردت ايضاحه هو ان اختراق الدستور جريمة مهما كان مبررها، وهي جريمة يدفع ثمنها مرتكبها كما يدفع ثمنها المجني عليه فيها..
تحياتي لك ودمت بحب وفرح

اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف