الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوليان أسانج : الرسالة والصفقة.

رائد الدبس

2010 / 12 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لأمرٍ ما قد يكون عصيّاً على الربط المباشر، وبعيدٍ تماماً عن نظرية المؤامرة وتوابعها وملحقاتها، منذ أن بدأت الصحف العالمية تنشر تسريبات ويكي وتصريحات وصور قائد حملتها تملأ الدنيا وتشغل الناس، ظلت تتردد في ذهني فكرة الراحل إدوارد سعيد، عن السعي الدؤوب للاستشراق الغربي لتكريس صورة الرجل الأوروبي الأبيض حامل رسالة وعبء الحضارة والمدنية الغربية، في مقابل صورة الشرق الغارق في ظلمات تخلفه وفُرقته ونميمته وملذاته وعجزه عن تمثيل نفسه بنفسه، لذا فهو ينتظر الرجل الأبيض حامل رسالة الحضارة والمدنية كي يُخرجه من الظلمات إلى النور. وكذلك أيضاً، فكرة إدوارد سعيد عن الحاجة الدائمة لرجال الإمبراطورية الجدد لبدايات طازجة. ومن هنا أيضاً، وبطريقة عصيّة على الربط الميكانيكي المباشر، باتت تقفز في ذهني مقارنة تشمل أوجه الاختلاف الجذري، وأوجه الشبه بين شخصيتين رئيسيتين : شخصية الشاب الأسترالي الطموح جوليان أسانج، وشخصية الرئيس الأميريكي باراك أوباما..!! لكن هذه المقارنة بين الشخصيتين هي موضوع بحث آخر.

أثار نشر وثائق ويكيليكس، نوعاً من الحُمّى أوعدوى التعرف على أيّ قدر ممكن من الوثائق المُسَرَّبة التي تمّ نشرها، وكذلك متابعة وقراءة كل المقابلات الصحفية والإعلامية التي أدلى بها مؤسس الموقع جوليان أسانج والفريق الذي يعمل معه. فالوثائق في حد ذاتها تشكل بحراً بل محيطاً هائلاً من المعلومات التي تُغري أي باحث في أيّ حقل من حقول العلوم السياسية والاجتماعية والإعلامية كي يغرف ويستفيد منها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.. ناهيكَ عن أهميتها لمحترفي الصحافة والإعلام والكُتّاب والمحللين السياسيين، وللقادة ورجال السياسة حول العالم. أما المقابلات الصحفية لجوليان أسانج وزملائه فتكمن أهميتها فيما تمنحه من فرصة وإمكانية، لمحاولة فهم عقلية ومنطق وأهداف ودوافع جوليان أسانج وفريقه، ومن دعموه وأَمدّوه بالوثائق السرية المُسَرّبة، وبكل أشكال الدعم السياسي والقانوني والمادي والمعنوي، حتى هذه اللحظة.

واحدة من أهم المقابلات الصحفية التي أدلى بها جوليان أسانج، هي مقابلته مع مجلة " تايم " الأمريكية بتاريخ 1 ديسمبر - كانون أول/ 2010، وهي المقابلة الأخيرة التي سبقت اعتقاله. الانطباع الذي يتكون بعد قراءة مقابلات أسانج، أنك تجد نفسك أمام رجل يعي تماماً ما يقوله في شؤون السياسة الدولية، ويتمتع بثقافة سياسية عميقة، ويمتلك رؤية إنسانية كونيّة، وقدراً عالياً من الذكاء والخبرة السياسية. وأن هذه الخبرة لا يمكنها أن تكون وليدة أربع سنوات من العمل على دراسة ونشر وثائق ويكيليكس، بل هي خبرة سابقة تطورت واغتنت بفعل الاطلاع على هذه الكمية الهائلة من الوثائق. فما يقوله عن سياسات القوة العظمى الأمريكية أو عن سياسات الاتحاد الأوروبي وعن دول مثل الصين وروسيا ، أو ما يقوله عن حقوق الإنسان والديمقراطية والشفافية وكل القضايا التي من شأنها أن تجعل عالمنا أكثر أمناً وعدلاً واستقراراً، كلها أقوال تستحق الاحترام والتقدير، أو باختصار شديد، يمكن للمرئ أن يتخيل أنه أمام رجل غربي أبيض حامل رسالة حضارة مدنية إنسانية بالتعبير "الإدواردي" للكلمة .

لكن السؤال الكبير الذي لا يزال مطروحاً بعد دراسة تسريبات ويكيليكس هو : لماذا تعاني تلك التسريبات مما يشبه الفجوة فيما يتعلق بإسرائيل؟
قد يساعد حديث أسانج في مقابلته المذكورة مع مجلة تايم، وإشادته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تقديم جزء من الجواب عن هذا السؤال. فالرجل لم يُخفِ إعجابه بشخصية نتنياهو كما أنه استشهد بما قاله الأخير عن أن تسريبات ويكيليكس سوف تخدم الديبلوماسية العالمية وقضية السلام . وسوف تقلل من قدرة الزعماء (يقصد العرب) على ممارسة خطاب مزدوج، واحد في السر وآخر في العلن.
الجدير ذكره، أن كلام أسانج وإشادته برئيس الوزراء الإسرائيلي كنموذج للشفافية، جاء في سياق إجابته عن أول سؤال طرحه عليه ريتشارد ستينجل ، من مجلة "تايم"، وهو حول ما يتوقعه ويأمل حدوثه من الجولة الأخيرة من هذه التسريبات الأخيرة ؟ وتلك إجابة تطرح من الأسئلة أكثر مما تقدم جواباً . فلماذا ذكر بنيامين نتنياهوعلى وجه التحديد والحصر، وليس أي شخصية أخرى، أوروبية أو عالمية مثلاً؟
ثم على ماذا يدل هذا الجواب في حد ذاته ؟ أيدلّ على سذاجة سياسية أم تعاطف وإعجاب أم ماذا؟ وكيف تنسجم انتقاداته الحادة لسياسات القوة الأمريكية وانتهاكات حقوق الإنسان في أكثر من مكان، وتبرئة إسرائيل من كل ذلك؟

قد يأتي أيضاً جزء من الإجابة عن بعض هذه الأسئلة مما صرح به مؤخراً شريكهُ السابق في إدارة موقع ويكيليكس
الألماني دانييل دومخيت ـ بيرغ ، في مقابلة مع مجلة "الحقيقة" نُشرَت بتاريخ 6 -12- 2010. قال دانييل دومخيت- بيرغ فيها: "أن مدير الموقع جوليان أسانج حصل على تمويل من جهات إسرائيلية شبه رسمية ، وأنه أبرم مع هذه الجهات اتفاقا مكتوبا ومسجلا بالصوت والصورة يتضمن تعهدا من قبله بعدم نشر أي وثيقة يمكن أن تتسبب بأذى أو ضرر لمصالح إسرائيل الديبلوماسية أو الأمنية " . إذا صحّ وصدق ما يقوله دانييل دومخييت-بيرغ عن هذه الصفقة، فإنها قد تعطي تفسيراً وتوضيحاً يضاف إلى ما قاله أسانج في مقابلته مع مجلة "تايم" ، كما أنه يعطي تفسيراً منطقياً لحقيقة الفجوة المتعلقة بإسرائيل وعدم نشر أي وثائق قد تسبب ضرراً أمنياً أو ديبلوماسياً لها.

غير أن أسئلة أخرى كثيرة تبقى مطروحة. لعل واحداً منها هو كيف نجحت الديبلوماسية الإسرائيلية في عقد صفة تحمي ذاتها من التسريبات، حيث فشلت قوى ودول عظمى في ذلك، وعلى رأسها الولايات المتحدة؟؟ وهل نحن أمام رجل حامل رسالة أم رجل طموح وذكي يطمح أن يكون لاعباً ضمن لعبة الأمم، أو نجماً من نجومها ؟ ربما سنحتاج إلى ويكيليكس آخر يكشف بعض الحقائق الخفيّة التي قد تقدم مزيداً من الأجوبة. لكن وفي جميع الأحوال، ليس من المُستَبعَد أن تعلنه مجلة تايم رجل العام 2010 .

أخيراً، فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني، يمكن القول بأن جوليان أسانج، لو امتلك أي وثيقة تظهر ازدواجية في خطاب قيادات منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، لنشرها دون أي تردد، ولو من باب التأكيد على أقواله عن بنيامين نتنياهو وإكسابها مزيداً من المصداقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة