الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حالة أسر

علي شكشك

2010 / 12 / 14
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


حالة أسر
علي شكشك
مكابدةٌ من المكابدات العميقة هي حالة الأسْر, وهي مجرد عَرَضٍ للحالة الفلسطينية, فحين تتلخص المسألة برمتها كحالة أسر, يصبح اعتقالُ الفلسطينيُّ الإنسان أحدَ شروط قيام واستمرار وجود الكيان الغاصب, ذلك أنَّ جوهر المشروع الصهيوني هو الأسر, ويصبح الأسرُ هو الجذر المعنويَّ لكل المشتقات اللاحقة التي تشكل الطيف الفلسطيني منذ أكثر من قرن, ويصبح ما عداها مرادفاً لها, وإلا فما معنى الاستيطان والاحتلال والاغتصاب والنهب والمصادرة والهدم والتهويد والتزوير والادّعاء والتهجير, ماذا يمكن أن يكون جوهرها إلا الأسر,
هو حالةٌ عامّة يتغير طعمها وعنفوانها وِفق ظرف الأسير وظرفِ المكان, فحين يتعلق الأمر بالأرض يكون الأسر اغتصاباً واستيطاناً واحتلالا, ويكون جوهرُ المسألة أنّ الأرضَ الفلسطينية أسيرة ومكبّلة,
وحين يتعلّق الأمر بالإنسان, فقد جرى المصطلح ليصف حالَ أولئك الذين يُزَجُّ بهم في السجون, وهي حالة تمثل ذروة الامتهان والعذاب,لأنها تصادر الحرية, أخصّ خصائص الإنسان, وشرط التكليف من رب العالمين, الذي وهبها له فيما وهب, كما وهب للأجرام أفلاكها, وللأطيارِ انعتاقها, وللريح كلّ هذا الفضاء,
والأسرُ يكسرُ أعمق ما في الحياة من اطمئنان, ويشرخ الانسجام ودعَةَ الروح, ويقطعُ تواصل الرحمة وتفاعل المودّة وراحة الروح,
والأسرُ داخل جدرانٍ يمثّل ذروة حالة الأسر, إلا أنَّ حالة الأسر هذه تتسعُ لِتشمل كلَّ فلسطينيّ, بما أنّه مقموع بدرجةٍ ما, ومقيَّدٌ بشكلٍ ما, وممنوعٌ بشكلٍ ما من ممارسة حريته الفطريّة وحقّه الإنساني في انطلاقه وتنقّله وتواصله مع مكانه وشعبه وثقافته, بما أنّ الغاصب المحتلّ يأسِر حركته, ويسجن حقوقه,ويمنعه عنوةً من أرضه وبيته وسياقه وفضائه,
وتصل الأمور إلى ذروة العبث حين يطلب الآسِرُ من الفلسطيني الأسير أن يُقرَّ له بيهوديّة الأرض والتاريخ, في محاولةٍ عدميّة لأسرِ عقلِه ووجدانه, كأنّ القناعاتِ وذلك العميق في الوجدان يمكنُ أن يُساسَ بالقوة, لكنّه عمى البصيرة وتخبّطَ الخطيئة, تلك التي تبحث عن صكِّ غفرانٍ من الضحية تبررُ كلَّ أخطائها وتغسل كلَّ خطاياها, ذلك هو التمادي في محاولة أسرِ الفلسطيني حتى متن العقل وأعماق الوجدان, بل ويصلُ الإيغال في الأمرُ إلى محاولة أسر المشاعر حين يصبح ممنوعاً أن تحزن في ذكرى نكبتك,
إنها ليست فقط حالة الأسير, بل هي أيضاً حالةُ الآسِر, المغتصِب, الذي أوصلته حالته إلى هذا الحدّ من المرض والعمى والغطرسة والجنون وأصبح أسيراً لحالته تلك, كما لو أنّه توحّدَ مع مضطهِديه وتقمّصهم وأدمن دورهم مخدّراً بإرثِ الجنون, وأسيراً لمهنة الأسر والغصبِ, ومتفوّقاً على ذات الفعل ومتمادياً إلى الحدّ الذي قد يطالبنا فيه مستقبلاً بالاعتذار عن مجرد وجودنا هنا منذ التاريخ, إنها حالةُ أسرٍ عمياء, تقابل حالة الأسر الفلسطينية, وتمثّلُ وجهها النقيض,
الحالة الفلسطينية حالة مظلومية, وحالةٌ مفروضة, تميل بفطرتها إلى كسر قيدها, ومقاومة أسرها, وتستدعي التحرر منها لتنسجم مع جمال وكمال الإنسان, والحالة الثانية تمثل نزقاً وميلاً مرضيّاً إلى أسرِ الآخرين واستباحتهم وسلبهم مطلق وجودهم, وهي حالة تميل إلى التفاقم والتضخم والتسرطن, ولا مدى لها, وتستعصي على الشفاء, ومآلها الجنون والدمار والاندثار.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024