الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأسمالية الدولة عصر يتشكل هل هو نهاية السوق الحرة؟ (1)

هاشم نعمة

2010 / 12 / 17
الادارة و الاقتصاد


في الولايات المتحدة، وأوروبا، والكثير من دول العالم المتقدم، تهدف الموجة الأخيرة من تدخل الدولة التخفيف من أضرار الركود الاقتصادي العالمي الحالي واستعادة الاقتصاديات المريضة لعافيتها. ولا تتجه أكثرية حكومات الدول المتقدمة لإدارة اقتصادياتها بشكل غير محدد. ويكمن وجود معارضة لهذا الاتجاه في طبيعة التدخلات المماثلة في العالم النامي: حيث تبسط الدولة يدها بقوة على الاقتصاد مما يشير إلى رفض إستراتيجي لعقيدة السوق الحرة.
الحكومات، ليست طرفاً مساهماً خاصاً فقط، فهي قبل هذا الوقت، كانت تملك أكبر شركات النفط في العالم وتسيطر على ثلاثة أرباع احتياطيات الطاقة. وهناك شركات أخرى تابعة للدولة أو متحالفة معها تتمتع بقوة تسويقية متنامية في القطاعات الاقتصادية الرئيسية في الاقتصاديات الأسرع نموا في العالم. وتشكل "صناديق الثروة السيادية،" المصطلح الذي صيغ في الآونة الأخيرة عن المحافظ الاستثمارية المملوكة للدولة، نسبة الثمن من مجموع الاستثمارات العالمية، وهذه النسبة العائد لها آخذة في الزيادة . هذه الاتجاهات تعيد تشكيل السياسة الدولية والاقتصاد العالمي بواسطة تحويل وبشكل متزايد مفاصل القوة الاقتصادية الكبيرة والتأثير أو النفوذ إلى السلطة المركزية للدولة. وبهذا فهي تغذي ظاهرة كبيرة ومعقدة لرأسمالية الدولة.
قبل أقل من 20 عاما، بدا الوضع مختلف كثيراً. حيث بعد انهيار الإتحاد السوفيتي تحت وطأة تناقضاته الداخلية العديدة، تحركت قيادة الكرملين الجديدة بسرعة لتبني النموذج الاقتصادي الغربي. ودافعت الحكومات الحديثة للجمهوريات السوفيتية السابقة والأقمار الصناعية عن القيم السياسية الغربية وبدأت بالانضمام إلى تحالفاتها.
لكن أنحسر الآن مد السوق الحرة. وحلت محلها رأسمالية الدولة، المتمثلة بالنظام الذي من خلاله تكون وظائف الدولة الفاعل الاقتصادي القائد وتستخدم الأسواق في المقام الأول لتحقيق مكاسب سياسية. وقد أشعل هذا الاتجاه منافسة عالمية جديدة، ليس بين الأيديولوجيات السياسية المتنافسة لكن بين النماذج الاقتصادية المتنافسة. ومع زج السياسة في صنع القرار الاقتصادي، تظهر مجموعات مختلفة تماماً من الفائزين والخاسرين.
خلال الحرب الباردة، كانت القرارات المتخذة من قبل مديري القطاعات الاقتصادية السوفيتية والصينية المتسمة بالأوامرية تمتلك تأثيراً قليلاً على الأسواق الغربية. لكن اليوم في الأسواق الناشئة التي لم تكن قد ظهرت بعد. يتخذ موظفو الدولة في أبو ظبي، أنقرة، بكين، برازيليا، مدينة مكسيكو، موسكو ونيودلهي القرارات الاقتصادية- الخاصة بالاستثمارات الإستراتيجية، وملكية الدولة، والتنظيم- التي يتردد صداها في الأسواق العالمية. إن التحدي الذي يشكله هذا التوجه التجاري القوي لرأسمالية الدولة قد شحذته الأزمة المالية العالمية والركود العالمي. والآن، أثبت أنصار التجارة الحرة والأسواق المفتوحة بأن قيمة هذه الأنظمة مشكوك فيها على نحو متزايد من قبل الجماهير على مستوى العالم.
لرأسمالية الدولة أربع جهات فاعلة رئيسية هي: شركات النفط الوطنية والشركات المملوكة للدولة، والشركات الوطنية التابعة للقطاع الخاص والنصيرة للدولة، وصناديق الثروة السيادية.
عند التفكير في شركات النفط الكبرى، يفكر معظم الأمريكيين أولاً بالشركات المتعددة الجنسية مثل برتش بتروليوم، شيفرون، اكسون موبيل، شيل، أو توتال. لكن أكبر 13 شركة نفط في العالم، تقاس باحتياطياتها مملوكة وتدار من قبل الشركات الحكومية مثل ارامكو السعودية؛ وشركة النفط الوطنية الإيرانية؛ وشركة بترول فنزويلا؛ وغازبروم وروسنفت الروسية؛ وشركة النفط الوطنية الصينية؛ وبتروناس الماليزية؛ وبتروبراس البرازيلية. مثل هذه الشركات التابعة للدولة تسيطر على أكثر من 75% من احتياطي وإنتاج النفط العالمي. بعض الحكومات، ومن خلال اكتشافها للنفوذ الذي يأتي من هيمنة الدولة على موارد الطاقة، وسعت من سيطرتها على المصادر الإستراتيجية الأخرى. أما الشركات المتعددة الجنسية التابعة للقطاع الخاص فهي تنتج الآن فقط 10% من إنتاج النفط في العالم وتملك فقط 3% من احتياطياته. وفي الكثير من مناطق العالم، يتحتم عليها الآن إدارة علاقاتها مع الحكومات التي تملك وتدير أكبر وأفضل المنافسات التجارية العائدة لها من ناحية التمويل.
في قطاعات مختلفة مثل الصناعة البتروكيمياوية، توليد الطاقة، التعدين، إنتاج الحديد والصلب، إدارة الموانئ والنقل البحري، صناعة الأسلحة، السيارات، المكائن الثقيلة، الاتصالات السلكية واللاسلكية، والطيران، لم يعد عدد متنامي من الحكومات يكتفي بكل بساطة بتنظيم السوق. بدلاً من ذلك، فهي تريد استخدام السوق لدعم مواقفها السياسية المحلية. حيث تساعد الشركات العائدة للدولة في تحقيق ذلك، جزئياً، بواسطة دمج أو توحيد القطاعات الصناعية بأكملها. أن شركات مثل إندياما في أنغولا (الماس)، ازرانيرجي في أذربيجان (توليد الكهرباء)، كازاتومبروم في كازاخستان (اليورانيوم)، والمكتب الشريف للفوسفات في المغرب- العائدة للدولة هي الآن أكبر اللاعبين المحليين في القطاعات الخاصة بكل منها. وقد نمت بعض الشركات العائدة للدولة بشكل خاص نموا هائلا، وعلى الأخص شركة التلفون الثابت واحتكارات تصدير الأسلحة في روسيا؛ واحتكار الألمنيوم، والاحتكار الثنائي لنقل الطاقة والشركات السلكية واللاسلكية الرئيسية وشركات الطيران في الصين؛ والسكك الحديدية في الهند، التي تعد من بين أكبر أرباب العمل في العالم في القطاع غير العسكري, حيث تشغل ما يزيد على 1.4 مليون مستخدم.
إن الاتجاه الأكثر حداثة قد عمل على تعقيد هذه الظاهرة. في بعض الدول النامية، الشركات الكبيرة التي بقيت في قبضة القطاع الخاص تعتمد على دعم الحكومة المتمثل بالقروض، والعقود، والإعانات. هذه الشركات الوطنية عائدة للقطاع الخاص ونصيرة للدولة لكن الحكومة تفضل أن تبقى منفصلة عنها، حيث ترى في ذلك وسيلة للمنافسة مع مثيلاتها من الشركات الأجنبية التجارية البحتة، وبالتالي فهي قادرة على اختيار دور مهيمن في الاقتصاد المحلي وفي أسواق التصدير. وفي المقابل، فإن هذه الشركات تستخدم نفوذها مع حكوماتها لتلتهم المنافسين الأصغر على المستوى المحلي، ومن ثم فإن هذا يعزز من قوتها باعتبارها أحد أعمدة رأسمالية الدولة.
في روسيا، يجب أن تكون للمشاريع التجارية الكبيرة علاقات مرضية أو ملائمة مع الدولة كي تنجح. ويتم التحكم بالشركات الوطنية النصيرة للدولة من قبل مجموعة صغيرة من الاولغارشية التي من الناحية الشخصية تعمل لصالح الكرملين. حيث تندرج تحت هذه الفئة شركات نوريلسك للنيكيل (التعدين)؛ نوفوليبتسك للصلب وهولدنك (المعادن)؛ وافراز، سيفيرستال، وميتالونفيست (الصلب). في الصين، ينطبق الشيء نفسه، وأن كان على نطاق أوسع، حيث أصبحت إمبراطورية افيك ( الطائرات)، هواوي (المواصلات السلكية واللاسلكية)، ولينوفو (للكمبيوتر) جميعها شركات عملاقة تحظى بدعم الدولة وتديرها دائرة صغيرة من رجال الأعمال ذوي الحظوة والنفوذ. وقد نِشأت في أماكن أخرى من العالم أشكال مختلفة من الشركات العائدة للقطاع الخاص لكن الحكومة تفضل متابعتها أو دعمها، بما في ذلك، في الدول التي ما تزال نسبيا تتبع اقتصاد السوق الحرة مثل شركات: سيفيتال (الصناعات الزراعية) في الجزائر، فال (التعدين) في البرازيل، تاتا (السيارات، الصلب والكيمياويات) في الهند، تنوفا ( اللحوم والدواجن) في إسرائيل، سوليدير (الإنشاءات) في لبنان، وشركة سان ميغيل (الغذاء والمشروبات) في الفلبين.
يعود جزء من مهمة تمويل هذه الشركات إلى صناديق الثروة السيادية وهذه بدورها عملت بدرجة كبير على توسيع هذه الصناديق من ناحية الحجم والأهمية. وتعرف الحكومات بأنها لا تستطيع تمويل الشركات الوطنية النصيرة لها بسهولة بواسطة طبع المزيد من العملة؛ حيث سيؤدي التضخم في نهاية المطاف إلى تأكل أصولها. و يمكن أن يولد الإنفاق المباشر من ميزانية الدولة عجزاً في المستقبل إذا تدهورت الأوضاع الاقتصادية. لذلك، لعبت صناديق الثروة السيادية دوراً أكبر في هذا الجانب. وهي في الواقع تمثل مستودعات للعملة الأجنبية الفائضة المحصل عليها من تصدير السلع أو البضائع المصنعة. لكن هذه الصناديق هي أكثر من كونها مجرد حسابات مصرفية. فهي صناديق استثمارات عائدة للدولة مع محافظ مختلطة من العملات الأجنبية، والسندات الحكومية، والعقارات، والمعادن الثمينة، وحصص مباشرة في- وأحيانا تملك غالبية- عدد كبير من الشركات المحلية والأجنبية. ومثل كل الصناديق الاستثمارية، فإنها تتطلع لتحقيق أقصى العائدات. لكن بالنسبة إلى رأسمالي الدولة، هذه العائدات، يمكن أن تتمتع بأهمية سياسية إضافة إلى أهميتها الاقتصادية.
ورغم اكتساب صناديق الثروة السيادية شهرة في السنوات الأخيرة، لكنها لم تكن جديدة أبدأ. حيث تأسست هيئة الاستثمار الكويتية، عام 1953 وهي الآن رابع أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم. لكن مصطلح "صندوق الثروة السيادي" كان أول ما صيغ عام 2005، مما يعكس اعترافاً بالأهمية المتزايدة لهذه الصناديق. ومنذ ذلك الحين، انضم عدد آخر من البلدان لهذه الصناديق: دبي، وليبيا، وقطر، وكوريا الجنوبية، وفيتنام. إن أضخم صناديق الثروة السيادية هي تلك الموجودة في إمارة أبو ظبي، والسعودية والصين،إضافة إلى روسيا التي تبحر للحاق بالركب. وتمثل النرويج البلد الديمقراطي الوحيد بين البلدان التي توجد بها أكبر عشرة صناديق للثروة السيادية في العالم.

الترجمة عن مجلة: Foreign Affairs, Volume 88 No. 3, May/ June 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من اين ياءتي هذا الدور المثصاعد المزعوم لرد
دصادق الكحلاوي ( 2010 / 12 / 17 - 15:27 )
شكرا للدكتور هاشم النعمه على مبادرته لترجمة هذه المقاله المحفزه للتفكير
حتى السطر الاخير كنت اعتقد ان النص من كتابة الدكتور هاشم وكنت احاولان اجد العذر للدكتور لخلو مثل هذا الموضوع الاقتصادي الخطير من الاحصائيات
وزاد استغرابي حينما علمت انه مترجم لذالك فما علي الا ان اتساءل عن كيفية حدوث مثل هذا في مقال لانستطيع الحكم على صحة عنوانه ناهيك عن اية مقولة فيه بدون ان نرى القيم الماديه لرؤس الاموال واحجام الانتاج ومصادر تكوين رؤس الاموال الجديده ومصير الراءس المال الانتاجي الموجود ختى الان
فنحن نعرف ان ان غلبة الراءسمالية واقتصادها الحر في ال20 سنة الاخيره حصل نتيجة الخصخصه للراءسمال العام فهل الان يحصل تاءميم للراءسمال الخاص في بلدان الراءسمالية المتطوره التي الواحد منها ينتج اكثر من جميع الراءسماليات الجديده مجتمعة ثم اننا نلاحط بوضوح العجز المتساعد في ميزانيات الدول الراءسماليه في تغطية تكاليف قيامها بوظائفها التقليديه-الداخليه والخارجيهوالتنطيمية التعليمية-التربويه ووظيفتها التي نشاءت في زمن الحرب البارده-اي الاقتصاديه والتي كانت غير مباشره -غالبا غير انتاجيه وانما
للمساعده


2 - رد على تعليق
د. هاشم نعمة ( 2010 / 12 / 17 - 17:40 )
شكرا للدكتور صادق الكحلاوي على قراءة الموضوع المترجم بامعان وأود القول أن الموضوع طويل وما زالت له بقية وللأسف نسيت أن أذكر أن الذي نشر هو الجزء الأول. وللتـأكد من الموضوع يمكن الرجوع إلى المجلة المذكورة وهي واسعة الانتشار.
مع خالص تقديري
د. هاشم نعمة


3 - YUkvEaVuiNdH
Deividson ( 2012 / 7 / 19 - 12:44 )
What leibrating knowledge. Give me liberty or give me death.

اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024


.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال




.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة


.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام




.. كلمة أخيرة - لأول مرة.. مجلس الذهب العالمي يشارك في مؤتمر با