الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأسمالية الدولة عصر يتشكل هل هو نهاية السوق الحرة؟ (2)

هاشم نعمة

2010 / 12 / 19
الادارة و الاقتصاد


علاقات وثيقة

أحدى الملامح الأساسية لرأسمالية الدولة هي وجود علاقات وثيقة تربط معاً بين الأشخاص الذين يحكمون البلد والذين يديرون شركاته. فرئيس وزراء روسيا السابق، ميخائيل فرادكوف، هو الآن رئيس شركة غازبروم، المحتكرة للغاز الطبيعي في روسيا. والرئيس السابق لغازبروم ، دميتري ميدفيديف، هو الآن رئيس روسيا. ديناميكية الزبون- صاحب العمل هذه قد أدخلت السياسة، والسياسيين، والبيروقراطية في عملية صنع القرار الاقتصادي إلى حد لم يسبق له مثيل منذ الحرب الباردة. وتثير هذه الديناميكية العديد من المخاطر بالنسبة لأداء الأسواق العالمية.
أولاً، إن ترك أغلب القرارات التجارية، بيد البيروقراطية السياسية، التي تمتلك خبرة قليلة بإدارة العمليات التجارية بفعالية، غالباً، ما يجعل وضعية الأسواق أقل تنافسية ومن ثم، أقل إنتاجية. ولكن بسبب تمتع هذه الشركات بدعم الراعي السياسي القوي وبسبب أن مميزاتها التنافسية تأتي من إعانات الدولة، لذلك فهي تشكل تهديداً كبيراً ومتنامياً لمنافسيها من القطاع الخاص.
ثانياً، قد تكون الدوافع التي تقف وراء قرارات الاستثمار سياسية بدلاً من كونها اقتصادية. فمثلاً تعرف قيادة الحزب الشيوعي الصيني، أن إحداث الازدهار الاقتصادي ضروري للحفاظ على السلطة السياسية. لذلك فإنها ترسل شركات النفط الوطنية الصينية إلى الخارج لتأمين إمدادات النفط والغاز لفترة طويلة والتي تحتاجها الصين لتغذية توسعها الاقتصادي المستمر. وبفضل التمويل الحكومي، تمتلك شركات النفط الوطنية المزيد من الأموال للإنفاق مقارنة بمنافسيها في القطاع الخاص- وهي تدفع أثماناً أعلى من أسعار السوق للوصول إلى اتفاقيات ثابتة وطويلة الأجل. وإذا احتاجت هذه الشركات إلى المزيد من المساعدات، فإن القيادة الصينية تكون قادرة على اتخاذ خطوات تتمثل بالتعهد بمنح القروض الإنمائية للبلد المورد.
إذا ارتبطت المشاريع التجارية والصناعية ارتباطا وثيقا بالسياسة، آنذاك، فإن عدم الاستقرار المحلي الذي يهدد النخب الحاكمة- وبشكل أكثر تحديدا، تحديدها للمصالح الوطنية وأهدافها السياسية الخارجية- يبدأ يكتسب أهمية أكبر بالنسبة للأعمال التجارية. وبالنسبة للأجانب، أصبح الفهم الجيد للدوافع السياسية يشكل إستراتيجية المواجهة. وقد تعلم الكثير من شركات القطاع الخاص التي تمارس الأعمال التجارية في الأسواق الناشئة قيمة استثمار المزيد من الوقت في سبيل إقامة علاقات وثيقة مع القادة الحكوميين الذين يمنحون العقود الكبرى ومع البيروقراطيين الذين يشرفون على تنفيذ الأطر القانونية والتنظيمية. وبالنسبة للشركات المتعددة الجنسية، يمثل هذا الأمر هدراً للوقت والمال ويبدو وكأنه ترفاً في وقت الركود العالمي، لكن من أجل حماية استثماراتها في الخارج وأسهمها في الأسواق، فإنها لا تستطيع أن تفعل خلاف ذلك.

تدخل الدولة

بدأت رأسمالية الدولة بالتبلور خلال أزمة النفط عام 1973، وذلك عندما أتفق أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على وقف أو خفض إنتاج النفط رداً على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حرب يوم الغفران. وتقريبا، بين عشية وضحاها، أصبحت السلعة الأكثر أهمية في العالم سلاحاً جيوبولتيكيا، وأعطت لحكومات البلدان المصدرة للنفط نفوذاً دوليا لم يسبق له مثيل. وكأداة سياسية، أستخدم وقف إنتاج أوبك للنفط باعتباره حظراً ضد بلدان معينة- خصوصاً الولايات المتحدة وهولندا. وكظاهرة اقتصادية، عكست أزمة النفط اتجاه التدفق السابق لرأس المال، والذي فيه تشتري الدول المستهلكة للنفط، دائماً، أكبر الكميات من النفط الرخيص وبدورها تبيع البضائع إلى البلدان المصدرة للنفط بأسعار تضخمية. ومن وجهة نظر أعضاء أوبك، فقد وضعت الأزمة نهاية لعقود من العجز السياسي والاقتصادي ولعهد الاستعمار نفسه.
لقد أظهرت أزمة النفط بأن منتجي النفط ومن خلال العمل الموحد، يمكنهم أن يسيطروا على مستويات الإنتاج ومن ثم الحصول على حصة أكبر من العائدات المتولدة من قبل شركات النفط الغربية الرئيسية. وثبت بأن هذه العملية أسهل في الحالات التي تتمكن فيها الحكومات الوطنية من استخدام الشركات المحلية لاستخراج وتصفية النفط. وفي الوقت المناسب، أصبحت شركات النفط الوطنية تحت سيطرة حكومية أكبر (ارامكو السعودية، مثلاً، لم تؤمم بشكل كامل حتى عام 1980) وفي النهاية ضاع مجد نظرائها من الشركات الغربية المملوكة للقطاع الخاص. وقد عنت أزمة النفط بالنسبة لشركات النفط الوطنية الحديثة، ولادة نموذج أصبح من ذلك الوقت واسع الانتشار وطبق على قطاع الغاز أيضاً.
وبدأت الموجة الثانية من رأسمالية الدولة خلال الثمانينات، مدفوعة بصعود البلدان النامية التي تسيطر فيها الحكومات التي تؤمن بقيم الدولة المركزية والتقاليد. في الوقت نفسه، سبب انهيار الحكومات المعتمدة على اقتصاديات التخطيط المركزي موجة من الطلب العالمي على فرص تنظيم المشاريع وتحرير التجارة. هذا الاتجاه، بدوره، أحدث أو نشّط النمو السريع والتصنيع في العديد من البلدان النامية خلال التسعينات. و تحركت بلدان مثل البرازيل، والصين، والهند، والمكسيك، وروسيا، وتركيا، جنبا إلى جنب مع بلدان في جنوب شرق آسيا والكثير من البلدان الأخرى، بسرعة مختلفة على طريق التحول من بلدان نامية إلى متقدمة.
رغم أن الكثير من هذه البلدان ذات الأسواق الناشئة لم تكن جزءاً من الكتلة الشيوعية، لكنها تملك تاريخاً من مشاركة الدولة الكثيفة في إدارة اقتصادياتها. في بعض هذه البلدان، من الناحية العملية، تمتعت مشاريع رئيسية قليلة، غالباً ما تكون ملكيتها ذات طابع عائلي، بالاحتكار في القطاعات الإستراتيجية. والملاحظ، بعد الحرب العالمية الثانية، إن دولاً مثل الهند زمن نهرو، وتركيا بعد أتاتورك، والمكسيك تحت حكم الحزب الثوري المؤسسي، والبرازيل تحت حكم تناوب الحكومات العسكرية والقومية لم تتقبل أبدا بشكل كامل وجهة النظر الرأسمالية القائلة بأن الأسواق الحرة فقط تستطيع أن تنتج الازدهار الدائم. حيث تميل المعتقدات السياسية لهذه الأنظمة إلى الفكرة القائلة بأن قطاعات اقتصادية معينة يجب أن تبقى تحت الإدارة الحكومية، على الأقل لتجنب استغلال الرأسماليات الغربية.
عندما بدأت هذه البلدان ذات الأسواق الناشئة بتحرير اقتصادها، تبنت فقط جزئياً مبادئ السوق الحرة. بسبب أن المسؤولين الرسميين والمشرعين الذين أدخلوا الإصلاحات الجزئية أمضوا سنوات التكوين في مؤسسات التعليم الحكومية التي أنشئت لنشر القيم الوطنية كما هي محددة من قبل الدولة. في معظم هذه البلدان، ترافق التقدم الاقتصادي مع القليل من الشفافية وحكم أضعف للقانون مقارنة مما كان عليه الحال في الديمقراطيات المنشأة للسوق الحرة. النتيجة، ليس من المستغرب أن يكون إيمان الجيل الجديد في قيم السوق الحرة محدوداً. ونظراً لقلة خبرة المؤسسات الحكومية، نسبياً، تتمتع المساءل السياسية في دول الأسواق الناشئة ،على الأقل، بنفس قدر أهمية الأمور الاقتصادية الأساسية المتعلقة بأداء الأسواق. من جانبها، لاحظت حكومات العالم الغني ذلك قليلاً، بسبب أن البلدان المذكورة تملك القليل من التأثير أو ليس لها تأثير في الأسواق الدولية.
يتبع
الترجمة عن مجلة: Foreign Affairs, Volume 88 No. 3, May/ June 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لاريحية الكاتب الكريم ونحن بالانتطار
دصادق الكحلاوي ( 2010 / 12 / 19 - 20:20 )
شكرا دكتور هاشم لاريحيتك في ردك على تعليقي في الجزء الاول هذا مايجب
ان يسود بيننا اهل العلم مهما غمرتنا السياسه كما يقال
ولكن ملاحه بسيطه مع قراري ان اصبر حتى ينتهي المقال او الدراسه اخي دكتور هاشم تفضل علينا بكتابة عدد الاجزاء الى جنب المنجز حتى الان مثلا 2-6
لنفهم كم علينا ان نصبر
واريد ان افضح سرا من اسراري فانا لست من قراء الادبيات الانكليزيه حاليا
ومن قراءتي لهذا الجزء من الدراسه تولد عندي تساؤل هل هذه الفورين افيرز تهتم فقط بالسياسة الدوليه بمعنى عريض لمفهوم السياسه اي ان دراساتها الاقتصاديه قضيه عابره لخدمة فرضيه في العلاقات الدوليه غير الاقتصاديه
استعملت اعلاه كلمة سياسه بمعنى مخالف لما انا مقتنع به -فقناعتي ان السياسه هي التعبير المكثف عن الاقتصاد في حين تستعمل احيانا-كلمة سياسه بانها حجي جرايد كما يقول شعبيونا
مع كل تمنيات التوفيق


2 - رد على تعليق
د. هاشم نعمة ( 2010 / 12 / 19 - 22:20 )
شكرا للدكتور الفاضل صادق الكحلاوي على متابعته للمقال المنشور وقد كانت ملاحظتك وجيهة حول عدد الأجزاء الباقية وهي 2 أما ميدان اهتمام المجلة فهو ما اشرت اليه السياسة وعلاقتها بالاقتصاد ونراها تنشر ايضا حول البيئة ومواضيع أخرى ولكها تركز على السياسة باطارها العام
مع خالص تقديري
د. هاشم نعمة

اخر الافلام

.. أسعار النفط العالمية تقفز بأكثر من 4% بعد الهجوم على إيران


.. دعوات في المغرب لا?لغاء ا?ضحية العيد المقبل بسبب الا?وضاع ال




.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ