الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدالله حوراني: على قلق كأن الريح تحته

محمد بركة

2011 / 1 / 9
القضية الفلسطينية


كان الإعياء ظاهرا على وجهه في لقاءنا الأخير قبل عدة أشهر في عمان عند الرئيس أبو مازن.
لم نتبادل الكلام كثيرا لأنه جاء إلى الرئيس بمهمة أو فكرة، لست ادري، وجئت إلى الرئيس لمجرد السلام وتبادل الأفكار فكان اللقاء عابرا لكنه كالعادة كان مفعما بالحميمية والمحبة المتبادلة.
لقد كان اللقاء عابرا، لكنه الأخير في لقاءات كثيرة جمعتني بالمعلم والمفكر والسياسي الوطني، الرجل الذي اتفقنا معه كثيرا وتقاطعنا معه احيانا بكامل الود والمحبة، الاخ الكبيرمرهف الحس، الصارم في فكره والدمث في تعامله مع الناس، الإنسان الإنسان عبدالله حوراني- أبو منيف.
التقيته في غزة بعد العودة إلى الوطن وكان يضجّ أملا رغم رفضه لاتفاق أوسلو حيث قال: "أعلن رفضي للاتفاق والاعتراف وعدم التزامي بهما وأدعو إخواني لنفس الموقف. وفي حال إقراره لا يمكنني الاستمرار في اللجنة التنفيذية والمشاركة في أعمالها واجتماعاتها وأتمنى أن أكون على خطأ، وان يكون إخواني أصحاب الرأي الآخر على صواب. وحين يتضح لي الخطأ ما أسهل الرجوع عنه ولكن ما أصعب الندم حين لا ينفع الندم".
هكذا موقفه، واضح صارم لكن لا يكفّر الرأي الآخر ولا يتربّص بالرأي الآخر بل يساهم بكل ما أوتي من قوة لبناء الوطن والإنسان الفلسطيني من مواقع أخرى.
التقيته في صنعاء في آذار من العام 2007 حيث تشاركنا في ندوة حول "أحوال ومعاناة الفلسطينيين في العراق" وذلك على هامش مشاركتي في إحياء ذكرى يوم الأرض الذي نظمته جمعية "كنعان" اليمنية وعلى هامش زيارة أبي منيف للعمل على صياغة مشروع قومي عربي متكامل.
كان أبو منيف كما هو دائما، مسكونا بحق العودة وبقضية اللاجئين من جهة وبالمشروع القومي التقدمي المتنور وهو احد رواده المخضرمين.
إن مشروع أبي منيف القومي لم يكن مشروعا جاهلا ومتخلفا يصلح لكل عربي أن يكون جزءا منه، إنما كان يرى فيه مشروعا مواجها للامبريالية ومتحديا لها، من جمال عبد الناصر إلى صدام حسين، ولذلك لم يكن متهادنا مع أنظمة العار العربي. فقد أكد عبدالله الحوراني في رثائه للكاتب الفلسطيني الكبير إميل حبيبي: "لم يكن في وسعنا يا أبا سلام (إميل حبيبي) وأنت منا، أن نخرج من جلودنا فنتنكّر لانتمائنا القومي العربي رغم ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة. فحكامنا من ذوي القربى كانوا دائما يذكروننا بوحدة مصيرنا العربي من خلال عدلهم بالمساواة في الظلم بيننا وبين شعوبهم التي لم يكن حالها أفضل من حالنا".
إيه... يا أبا منيف، ما أقسى هذه السخرية السوداء!!
التقيته في القاهرة في تموز من العام 2003 في مؤتمر "استراتيجيات الثقافة الفلسطينية" حيث قدّم كل منّا، إلى جانب نخبة من المفكرين والمثقفين الفلسطينيين، مداخلة حول رؤيته لهواجس الثقافة الفلسطينية.
رأيت فيه في القاهرة ذلك الرجل المفكر والمثقف، المتحيّز لثقافة شعبه ولإبداعاته الباسقة دون التوقف عند فلسطين كحدود للثقافة التي يفترض أن تحلّق في الفضاء الإنساني لتعطي الصورة المشرقة لل"أنا" الوطني المتناغم في "النحن" الإنساني.
التقيته في حيفا بعد عودته ضمن العائدين، كان في عينيه لمعان بريء لطفل يطوّق بكلتا ذراعيه عنق أمه التي لم يلتق بها ردحاَّ من الزمن، في تلك اللقاءات كان أبو منيف السياسي والمفكر حاضراَ ولكنه سرعان ما كان يتنحى جانبا ليترك عبدالله الحوراني طفل "المسمية" الذي عاد ليداعب بأصابعه الصغيرة جدائل أمه -فلسطين.
التقيته -موقفا -دون أن ألقاه، عندما كنت شابا يافعا خارجا من ملحمة يوم الأرض العظيمة عام 1976 مضمخا بالعزة عندما هتف "انتم أفضل من في هذه الأمة" وبذلك رفع ستارة الإقصاء والإنكار عنا، نحن أبناء الشعب الفلسطيني الذين بقوا في وطنهم بعد النكبة.
ما أمرّ هذا الإقصاء والإنكار الذي كان نصيبنا من شعبنا ومن امتنا.
كم شعرنا بالأمل والاعتزاز الذي امتلأنا به من هتاف عبدالله الحوراني، ليس لأننا نريد أن نكون أفضل من في الأمة بل لأننا كنا كالأيتام على مآدب اللئام وكنا نشعر كالابن الذي نبذته أمه دون ذنب اقترفه، اللهم إلا مواصلة القبض على البقاء في الوطن كالقابض على جمرة.
في معرض رثائه لإميل حبيبي يقول عبدالله الحوراني: "داخل الخط الأخضر لم يجد شعبنا غير هويته القومية ما يرفعه لتأكيد انتمائه العربي في وجه التبجح القومي الذي يمارسه الآخر، ولم يسمح شعبنا للجنسية التي يحملها بان تحرمه من تأكيد هذا الانتماء".
هذه الرؤية الواضحة لجدلية الوطن والمواطنة، التي عبّر عنها أبو منيف في كلام غير عابر هي البوصلة التي نهتدي بها طوال الوقت، وأدركها بدقة أبو منيف.
وبين هذه اللقاءات التقينا كثيرا
كانت محطات في الجغرافيا ولكنها محطات في الفكر والانتماء.
عبدالله الحوراني كما جاء في نعي م.ت.ف كان "من المدافعين المخلصين عن الشعب وحقوقه الوطنية وساهم إلى جانب مؤسسي الثورة الفلسطينية المعاصرة في صيانة الهوية الوطنية الفلسطينية وأبعادها الإنسانية بنشاطه الوطني والقومي الكبير".
ابو منيف الذي ينتمي الى رعيل المؤسسين في الحركة الوطنية الفلسطينية الصاعدة كالعنقاء من رماد النكبة، ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، كان- رغم محطات الاختلاف - متحيزا لم.ت.ف. كاطار جامع للشعب الفلسطيني ولتلاوينه السياسية والفكرية وكان متحيزا للوحدة الوطنية الفلسطينية التي تحتمل الاجتهاد والتعدد ولا تحتمل الاقتتال والانقسام.
عبدالله الحوراني الذي مثّل بإخلاص ضمير الشعب الفلسطيني وكان دائما كقول المتنبّي: "على قلق كأن الريح تحته" سيظل ماثلا شامخا في ضمير شعبنا إلى الأبد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهجوم الإيراني على إسرائيل.. هل يغير الشرق الأوسط؟| المسائي


.. وزارة الصحة في قطاع غزة تحصي 33797 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ال




.. سلطنة عمان.. غرق طلاب بسبب السيول يثير موجة من الغضب


.. مقتل شابين فلسطينيين برصاص مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغر




.. أستراليا: صور من الاعتداء -الإرهابي- بسكين خلال قداس في كنيس