الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كبت حريات الجماهير في الإقليم وبأسم الديمقراطية

قاسم محمد علي

2011 / 1 / 9
القضية الكردية


أود من خلال هذا المقال أن أوضح، بحيادية وبعيداً عن إتجاهاتي الفكرية والشخصية، بأن تصويت الأكثرية، كتلة التحالف الكوردستاني، داخل الپرلمان لصالح قانون تنظيم المظاهرات في الإقليم ومصادقة السيد رئيس الإقليم عليه، في ظل الواقع السياسي الحزبي القائم وفي ظل تبعية مؤسسات الإقليم وتبعية الأجهزة الأمنية والعسكرية للأحزاب الرئيسية الحاكمة، إنما هو في الواقع إستغلال للقيم الديمقراطية، من قبل الأحزاب الرئيسية الحاكمة، لكبت حريات الجماهير وبإسم الديمقراطية.

في الدول المتحضرة والديمقراطية التي تحكمها سيادة القانون عملاً وفعلاً وسواسية الجميع أمام القانون، من رئيس الدولة نزولاً الى المواطن البسيط، وتكون سلطة القانون فوق الجميع، في الدول التي تتخذ القرارات من قبل مؤسساتها بعيداً عن سلطة الأشخاص والحكم الفردي، في الدول التي تعمل السلطات الثلاث، السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيادية وإستقلالية تامة بعيداً عن التدخل الحزبي، في الدول التي لاتوجد فيها مساحة للإمتيازات الحزبية، في الدول التي تحترم كرامة الإنسان وتصون حقوق وحريات الشعب وتلتزم بمباديْ حقوق الإنسان وتحترم حرية الرأي والرأي الأخر وحرية الصحافة، في الدول التي ينعم المواطن بثروات وخيرات بلده بغض النظر عن إتجاهه وإنتمائه السياسي وتقدم الدولة له كل أشكال الخدمات وجميع مستلزمات الحياة وبالتالي ترسخ في ذاته شعور المواطنة وفي إمكانه تقديم أكبر مسؤول في الدولة الى القضاء حينما يشعر بالغبن أو هضم لحقوقه أو خرق لحرياته الشخصية من قبل الأجهزة ومؤسسات الدولة، نعم في هذه الدول تنظم المظاهرات بقانون وبترخيص مسبق، في الدول التي تكون فيها المؤسسات الأمنية والعسكرية تابعة للدولة وولاؤها للدولة وحدها ومهماتها وطنية وتعمل في منتهى المهنية والحرفية في خدمة المواطنين ولتوفير الأمن والإستقرار لهم، وبالتالي هناك ثقة متبادلة وتعاون في جميع المجالات بين الدولة وأجهزتها وجميع مؤسساتها وبين المواطنين، نعم في هذه الدول تنظم المظاهرات بقانون وبترخيص مسبق من قبل الشرطة وبحماية الشرطة والأجهزة الأمنية للمتظاهرين.

أما في إقليم كوردستان الذي تحكمه قيادة القوى الرئيسية الحاكمة وأحزابها السياسية وتصدر القوانين على هوى ومزاج القادة السياسيين والمسؤولين وأصحاب القرار التابعة للأحزاب، في الإقليم الذي تعمل السلطات الثلاث فيه بأمرة السيد رئيس الإقليم وقادة الأحزاب الرئيسية الحاكمة خدمةً للمصالح الشخصية والحزبية، في الإقليم الذي يسير في طريق ترسيخ الحكم الفردي، في الإقليم الذي ينعم المسؤولون بالإمتيازات الحزبية الهائلة والمفرطة على حساب حقوق المواطنين المحرومين من ثروات وخيرات بلدهم ويعانون النقص حتى في المستلزمات الأساسية للحياة وإنعدام الخدمات وتفشي البطالة، في الإقليم الذي يهين كرامة المواطن ويخالف مباديْ حقوق الأنسان وتتعامل فيه السلطة والقوى الرئيسية الحاكمة مع الرأي الأخر والمغاير لعقليتها بإعتبارها جريمة وخروج عن القانون وتهديداً لوجودها، بالتالي تحاول القضاء عليه بشتى الوسائل أوعلى أقل تقدير تحجيمه، في الإقليم الذي تحكمه لحد الآن عقلية الجبل الحزبية ومحاولات القوى الرئيسية الحاكمة في توسيع نفوذ أحزابها وتقويتها عن طريق الإستمرار في إمتلاكها للأجهزة العسكرية والأمنية ومحاولتها المكثفة والمستمرة لتقوية وتوسيع هذه الأجهزة، كل حزب في مناطق نفوذه، في الإقليم الذي تنتمي هذه المؤسسات الأمنية والعسكرية للأحزاب الرئيسية الحاكمة وولاؤها لقادة ومسؤولي هذه الأحزاب ومهماتها تقتصر في حماية السلطة الحاكمة بالإضافة الى إستخدام هذه الأجهزة في تخويف وترعيب الجماهير من أجل الإبقاء والإستمرارعلى الهيمنة الحزبية، في الإقليم الذي لايوجد أصلاً مساحة للثقة بين أجهزته ومؤسساته وبين المواطنين، في ظل هذا الوضع السياسي في الإقليم يعتبر تمرير قانون تنظيم المظاهرات من قبل الأكثرية داخل الپرلمان ومصادقة السيد رئيس الإقليم عليه في منتصف كانون الأول عام 2010، في الحقيقة مصادرة لحرية الرأي وتقييد لحرية الرأي وخنق الصوت الحر في الإقليم والقضاء عليه بغية الإستمرار في سياسة التضليل والتستر على ظاهرة الفساد المالي والسياسي والإداري الذي رسخته هذه القوى خلال عشرين عاماً.

من ناحية أخرى أن مشروع قانون تنظيم المظاهرات ليس قراراً سياسياً يخص السلطة الحاكمة وحدها بل يمس ويتعلق بحياة المواطنين وبحرية الرأي، وبالتالي يتطلب التوافق الوطني والإجماع الوطني عليه داخل قبة الپرلمان، ولايجوز إطلاقاً تمريره بتصويت الأكثرية، من قبل كتلة التحالف الكوردستاني، من أجل حماية السلطة الحاكمة ومؤسساتها ومن أجل حماية القوى الرئيسية الحاكمة وأجهزتها الأمنية والعسكرية ومؤسساتها الحزبية.

يؤدي الپرلمان دوره الحقيقي والوطني، من تشريع القونين بما فيها مصلحة المواطن ومراقبة الأداء السياسي للحكومة واستدعاء الوزراء والمسؤولين الى داخل الپرلمان للمساءلة والمحاسبة، عندما يتوجب ذلك، فقط حينما تتجسد الشفافية والنزاهة في نفوس أعضائه، حينما يتوفر في ذاتهم روح التضحية والشعور بالمسؤولية الوطنية والقومية، عندما يكونوا حقاً موضع ثقة الجماهير، حينما يعملون من صميم وجدانهم وضمائرهم من أجل خدمة المواطن في الإقليم، عندما يضعون نصب أعينهم مصلحة الأكثرية الساحقة من المواطنين الفقراء والمسحوقين والمحرومين من ثروات الإقليم وخيراته.
كان يتوجب على تلك الأكثرية من أعضاء الپرلمان التابعة للأحزاب الرئيسية الحاكمة الذين صوتوا لصالح قانون تنظيم المظاهرات العمل أولاً من أجل تشريع القوانين بما فيها مصلحة الجماهير وأحترام حريات الفرد الشخصية ومحاربة ظاهرة الفساد المالي والسياسي والإداري، بما يخدم في بناء نظام العدالة الإجتماعية، والكشف عن المشاريع الوهمية التي خصصت لها مبالغ هائلة ضمن ميزانية الإقليم وتقديم المسؤولين والأحزاب التي تقف وراء تلك المشاريع الوهمية للمحاسبة والمساءلة داخل الپرلمان ليكونوا عبرة لكل من تتطاول يده على المال العام ويختلس أموال الشعب بطرق غير شرعية. كان يتوجب عليهم كممثلي الشعب تقديم المشاريع الخدمية لمصلحة المواطنين وتوفير فرص العمل لهم وتحسين أوضاعهم المعيشية والقضاء على البطالة التي تأكل طاقات الشباب والطلبة المتخرجين.

حينما تترسخ المفاهيم الديمقراطية الحقيقية في نفوس وفي عقلية القيادة السياسية الكوردستانية وأحزابها أصحاب السلطة الحاكمة، وإيمانها بثقافة الصراع السياسي الفكري والسلمي والشفاف على أساس المعايير الوطنية والقومية، من خلال تقديم أفضل الخدمات للمواطنين وتوفير فرص العمل لهم وإحترام كرامة المواطن وضمان حقوقه وحرياته الشخصية، حينما تلتزم القيادة السياسية الكوردستانية وأحزابها الرئيسية الحاكمة بالقيم وبالممارسة الحقيقية للديمقراطية في إدارة الحكم وإتخاذ القرارات من قبل مؤسسات الإقليم وليس من قبل القادة والأشخاص، حينما تؤمن الأحزاب الرئيسية الحاكمة وقادتها السياسية بالتداول السلمي للسلطة وفق الإستحقاق الإنتخابي النزيه والشفاف بدلاً من التشبث بالسلطة وإحتكارها، حينما تتخلى القوى الرئيسية الحاكمة عن مؤسساتها الأمنية والعسكرية وتتحول هذه المؤسسات حقاً وفعلاً وعملاً الى ملاك الإقليم لحماية الشعب وتوفير الأمن لهم، بالإضافة الى حماية المصالح العليا للإقليم وأن لاتبقى أداة بيد الأحزاب لقمع الجماهير ولحماية المصالح الحزبية الضيقة، ومنع الأحزاب في التدخل في الشؤون الأمنية والعسكرية ومنع تحزب هذه الأجهزة، وحينما يأخذ الپرلمان دوره الحقيقي كمرجعية سياسية وأعلى سلطة تشريعية ورقابية في الإقليم وليس مجرد هيكلية شكلية للديمقراطية ووسيلة بيد الأحزاب الرئيسية الحاكمة لتمرير إتفاقاتها السياسية لحماية المصالح الحزبية ولحماية السلطة الحاكمة، حينها يمكن في ذلك الفضاء الديمقراطي تشريع قانون لتنظيم المظاهرات وبترخيص مسبق من قبل أجهزة الشرطة المستقلة أو من الجهات الأمنية المستقلة والتابعة للدولة وحدها.


دانيمارككوبنهاكن، الأحد 09 كانون الثاني 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رائع
اسماعيل ميرشم ( 2011 / 1 / 10 - 09:08 )
مقال اكثر من رائع لكونها قد سلطت الضوء على واقعنا. وما هي الحوق والواجبات لجميع الاطراف وخاصة البرلمانيون تحت قبة البرلمان والواجب منهم دعم مطاليب العادلة للشعب بدلا من رفع الايدي حسب برنامج مسبق-روموت كونترول-و كموظفين عند السلطة
فقبل ايام عندما قامت حكومة البشير في السودان برفع اسعار السلع وفرض تعريفات كمركية عالية على البضائع الداخلة للبلاد -فالبرلمانيون- في برلمان سودان صفقوا للقرار فيا لها مهزلة. شعوب توظف برلمانيون ليكونوا عونا لقضاياهم باذا بهم يتحولون الى فراعنة بالضد من المصالح العليا لناخبيهم. لكن لا يهم ما على الشعب الا تقوية نفسها وتختار بنفسها مصيرها وتمارس وتستمر بالضغط على النخب الحاكمة في سبيل مستقبل افضل للاجيال القادمة وعندها تتحقق الديمقراطية الحقيقية ممارسة ولمصلحة الشعب لا شعاراتا

اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال