الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خزانة الرؤوس المقطوعة

صباح حسن عبد الامير

2011 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



منذ بداية تأسيس الدولة الإسلامية و مؤسسة الخلافة و توسع الدولة وقضائها على دول عريقة أخرى في المنطقة من الشرق إلى الغرب ، نشأت فيها مرافق عديدة مثل الدواوين و الخزانات و الحصون و ذكر أبو الحسن الصابي في كتابه ( تاريخ الوزراء ) في ذكره لميزانية الدولة أيام وزارة ابن الفرات في احد فقراته :
( أرزاق أكابرا لكتاب و أصحاب الدواوين و الخزان و البوابين و المديرين و الأعوان و سائر من في الدواوين، و ثمن القراطيس و الكاغد – سوى كتاب الدواوين الإعطاء و خلفائهم على مجالس التفرقة و أصحابهم و أعوانهم و خزان بيت المال ، فأنهم يأخذون أرزاقهم بما يوفرونه من أموال الساقطين و غرم المخلين بدوابهم من جملة أربعة ألاف دينار و سبعمائة في الشهر ، مائة و ستة و خمسين دينارا و ثلثين . ) .
اشتهرت في تلك الفترة و منذ خلافة يزيد ابن معاوية بدايات الدولة الأموية ظاهرة غريبة و مهينة ، ظاهرة قطع رؤوس المعارضين و الخارجين عن سلطة الخليفة فكانت ظاهرة قطع رأس الإمام الحسين ابن علي و أصحابه في كربلاء و حمل رؤوسهم على الرماح و نقلها إلى دار الخلافة في دمشق وحيث قدمت على طبق إلى الخليفة ليراها و يشمت بها و كانت هذه بداية الظاهرة ، و استمرت بعدها بهوس غريب و عجيب و تفنن في طريقة عرضها بعد القتل و جز الرأس و أخذت أبعاد مريعة مثل تعليقها في مناطق مهمة في المدينة بعد أن يشاهدها الخليفة و ذكر جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في مؤلفه تاريخ الخلفاء : ( و في سنة 131 ورد كتابه إلى أمير البصرة يأمره أن يمتحن الأئمة و المؤذنين بخلق القران وكان قد تبع أباه في ذلك ثم رجع في آخر أمره . و في هذه السنة قتل محمد بن نصر الخزاعي و كان من أهل الحديث قائما بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من بغداد إلى سامرا مقيدا و سأله عن القران فقال ليس بمخلوق وعن الرؤية في القيامة فقال : كذا جاءت الرواية ، و روي له الحديث فقال الواثق له : تكذب فقال للواثق : بل تكذب أنت فقال ويحك ! يرى كما يرى المحدود المتجسم و يحويه مكان و يحصره الناظر ؟ أنما كفرت برب صفته ما تقولون فيه ؟ فقال جماعة من فقهاء المعتزلة الذين حوله هو حلال الضرب فدعا بالسيف و قال : أذا قمت أليه فلا يقومن احد معي فاني احتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد ربا لا نعبده و لا نعرفه بالصفة التي وصفه بها ، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه و هو مقيد فمشى أليه فضرب عنقه و أمر بحمل رأسه إلى بغداد فصلب بها و صلبت جثته في سر من رأى و استمر ذلك ست سنين إلى أن ولى المتوكل فأنزله و دفنه و لما صلب كتب ورقة و علقت في أذنه فيها هذا رأس احمد بن نصر بن مالك دعه عبد الله الأمام هارون إلى القول بخلق القران و نفي التشبيه فأبى ألا المعاندة فعجله الله إلى ناره و وكل بالرأس من يحفظه و يصرفه عن القبلة برمح . ) ,
حتى وصل قطع الرؤوس على الشبهة فقط ! ، و هو ما حصل في نكبة موسى ابن نصير والتي فصلها ابن قتيبة الدينوري في كتابه ( الإمامة و السياسة ) :
( في آخر سنة 98 في ذي الحجة اقبل موسى بن نصير و ابنه عبد الله ( بعد عزلهم عن الأندلس ) حتى قدموا على سليمان ( الخليفة الأموي ) و موسى بن نصير لا يشعر بقتل عبد العزيز ابنه ، فلما دخلوا على سليمان و وضع الرأس بين يديه بعث إلى موسى فأتاه فلما جلس وراء القوم ، قال له سليمان : أتعرف هذا الرأس يا موسى ؟ فقال نعم هذا رأس عبد العزيز بن موسى فقام الوفد فتكلموا بما تكلموا به ثم أن موسى قام فحمد الله ثم قال : و هذا رأس عبد العزيز بين يديك يا أمير المؤمنين فرحمه الله تعالى عليه فلعمر الله ما علمته نهارا ألا صواما و ليله ألا قواما شديد الحب لله و رسوله بعيد الأثر في سبيله حسن الطاعة لأمير المؤمنين شديد الرأفة بمن وليه من المسلمين فأن يك عبد العزيز قضى نحبه فغفر الله له ذنبه فوا لله ما كان بالحياة شحيحا و لا من الموت هائبا و ليعز على عبد الملك و عبد العزيز و الوليدان يصرعوه هذا المصرع و يفعلوا به ما أراك تفعل و لهو كان أعظمك رغبة فيه و اعلم بنصيحة أبيه أن يسمعوا فيه كاذبات الأقاويل و يفعلوا به هذه الأفاعيل . فرد سليمان عليه قائلا : بل ابنك المارق من الدين و الشاق عصا المسلمين المنابذ لأمير المؤمنين فمهلا أيها الشيخ الخرف ، فقال موسى : والله ما بي من خرف و لا أنا من الحق بذي جنف و لن ترد محاورة الكلام مواضع الحمام و أنا أقول كما قال العبد الصالح ( فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون ) قال : ثم قال موسى : أفتأذن في رأسه يا أمير المؤمنين ؟ و أغر ورقت عيناه فقال له سليمان : نعم فخذه ، فقام موسى فأخذه و جعله في طرف قميصه الذي كان عليه ثم أدير في السماطين ) .
و ما ذكره التاريخ في مقتل الحلاج المتصوف ( فلما أصبح يوم الثلاثاء لست بقين من ذي القعدة أخرج الحلاج إلى رحبة المجلس و أجتمع من العامة خلق كثير لا يحصى عددهم , أمر الجلاد بضربه ألف سوط فضرب و ما تأوه و لا أستعفى ( قال ) فلما بلغ ستمائة سوط قال لمحمد بن عبد الصمد : أدع بي أليك فان عندي نصيحة تعدل عند الخليفة فتح القسطنطينه . فقال : قد قيل لي انك ستقول هذا و ما هو أكثر منه و ليس إلى رفع الضرب عنك سبيل . فسكت حتى ضرب ألف سوط ثم قطعت يداه ثم رجله ثم ضرب عنقه و أحرقت جثته و نصب رأسه على الجسر ثم حمل رأسه إلى خراسان ) – تجارب الأمم لمسكويه - .
ظاهرة قطع الرؤوس بدأت في بدايات الدولة الاموية و كثرت فيه الرؤوس المقطوعة ، فقال احد العرب (عبد الملك بن عمير ) للخليفة عبد الملك ابن مروان عندما جلس في قصر الامارة في الكوفة بعد نهاية تمرد ابن الزبير مستطيرا : رأيت رأس الحسين بين يدي ابن زياد في قصر الامارة ، ثم رايت راس ابن زياد لعنه الله بين يدي المختار ثم رايت راس المختار بين يدي مصعب بن الزبير ثم رايت راس مصعب بين يدي عبد الملك و ذلك في اثنتي عشر عاما .

أن هذه الرؤوس الكثيرة التي قطعت على مر مسيرة الخلفاء هذه كانت لابد أن يكون لها ترتيب و هو ما كان من أعداد خزانة ندر ذكرها من بين الخزائن لم نسمع بها ألا في دار الخلافة العباسية في بغداد سميت ( بخزانة الرؤوس ) ، ليس فيها ألا رؤوس بشر لقادة و معارضين و وزراء حانت ساعتهم و أينعت رؤوسهم فقطفت و حلت في هذه الخزانة .
يذكر الأستاذ ميخائيل عواد في مقالة كشفت هذا المستور كتبها في مجلة الرسالة 1942 :
( و الظاهر أن هاتيك الخزانة كانت واسعة ، وضعت فيها الرؤوس في أسفاط من البردي أو الخيزران و نضدت في رفوف فبعد أن يؤتى بالرؤوس ، توضع بين يدي الخليفة فيشاهدها هو و رجال دولته ، ثم تنصب أياما على بعض المواطن البارزة من البلد فيراها الناس و تكون عبرة لمن أعتبر ، و تحط بعد ذلك ، و تسلم إلى الموكل بأمرها فيعمل على أصلاحها و تنظيفها وتفريخ أمخاخها ، و رفع باقي أجزائها المعرضة للتلف و الفساد ، ثم طليها بالأدوية القابضة الماسكة لضمان بقائها كالصبر و الكافور و الصندل ، و إلصاق رقعة صغيرة على كل رأس كتب عليها أسم صاحبه ، و تاريخ قطافه ، و ما جدر ذكره ، وقد أضيف إلى بعضهم العبارة التالية (( هذا جزاء من يخون الأمام و يسعى في فساد دولته )) أو (( هذا جزاء من عصى مولاه و كفر نعمته )) . و قد انفردت هذه الخزانة على ما بلغنا بوجود يد واحدة هي اليد اليمنى لأبي علي بن مقلة الوزير ، العلم المشار إليه من حسن الخط ، و هو الذي قال فيها بعد قطعها ((قد خدمت بها الخلافة ثلاث دفعات لثلاثة من الخلفاء ، و كتبت بها القرآن دفعتين ، تقطع كما تقطع أيدي اللصوص ))، و قد رتب لهذه الخزانة غير موكل يقومون بأمرها و مداراتها و استقبال الرؤوس الجديدة . ) .

أما عن تاريخ البدء بهذه الخزانة و مدة بقاءها و ما حل بتركتها بقي في طي الكتمان و هناك رأي للأستاذ ( ميخائيل عواد ) :
يبدو لنا من تتبع هذا الموضوع أن أتخاذ خزانة الرؤوس في دار الخلافة ببغداد ، كان في صدر الدولة العباسية ، غير أننا لم نتحقق من السنة التي بدءوا فيها بحفظ الرؤوس ، و ما قلناه عن بدء أمر الخزانة نقوله في تعيين زوال ظلها ألا أن التاريخ يحيلنا إلى سقوط بغداد في سنة 656 ه أفلا تكون خزانة الرؤوس هذه قد ذهبت بذهاب بغداد و دار خلافتها ؟ .
ولكني وجدت نصين ذكرا في كتاب (: نهاية الأرب في فنون الأدب - شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري ) ، حول أماكن وجدت فيها رؤوس مصنفة و محفوظة في قفف ،عثر عليها العرب عبر انتشار سلطة الدولة الإسلامية في عصورها المختلفة ، قد تكون نقلت فكرتها الى بغداد و أسس على أثرها خزانة للرؤوس ! ، النص الأول يذكر :

(( وفي سنة أربع وثلاثمائة توفي الناصر العلوي صاحب طبرستان . وفيها خالف أبو يزيد خالد بن محمد على المقتدر بكرمان - وكان يتولى الخراج - وسار منها إلى شيراز يريد التغلب على فارس ، فحاربه بدر الحمامي وقتله وحمل رأسه إلى بغداد .
وفيها سار مؤنس المظفر إلى بلاد الروم للغزاة ، فسار إلى ملطية وغزا منها ، وكتب إلى أبي القاسم علي بن أحمد بن بسطام .
أن يغزو من طرسوس في أهلها ، ففعل وفتح مؤنس حصوناً كثيرة من الروم وأثر آثاراً جميلة وعاد إلى بغداد فأكرمه الخليفة وخلع عليه .
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي وفيها ورد الخبر من خراسان أنه وجد بالقندهار في أبراج سورها أزج متصل بها ، فيه ألف رأس في سلاسل ، من هذه الرؤوس تسعة وعشرون رأساً في أذن كل رأس رقعة مشدودة بخيط أبريسم مكتوب فيها اسم الرجل . قال وكان من الأسماء شريح بن حيان وخباب بن الزبير والخليل بن موسى وطلق ابن معاد ، وحاتم بن حسنة ، وهانئ بن عروة ، وفي الرقاع تاريخ من سنة سبعين من الهجرة ، ووجدوا على حالهم لم يتغير شعرهم إلا أن جلودهم قد جفت .)) .
و في مكان أخر يذكر :

((قال : فلما وصل الرسولان إلى الخليفة ، وقفا على نحو مائة ذراع وابن الفرات قائم بين يديه والترجمان قائم يخاطب الخليفة . ثم أخرجا وطيف بهما في الدار حتى أخرجا إلى دجلة وقد أقيمت على الشطوط . الفيلة والسباع والفهود قال : ثم خلع عليهما وحمل إليهما خمسون بدرة ورقاً في كل بدرة خمسة آلاف درهم .
قال : وفيها ورد كتاب من مرو أن نفراً عثروا على نقب في سور المدينة فكشفوا عنه فوصلوا إلى أزج فأصابوا فيه ألف رأس ، وفي أذن كل رأس رقعة قد أثبت فيها اسم صاحبها .
وفيها أطلق أبو الهيجاء بن حمدان وإخوته وأهل بيته من الحبس ، وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك ، و دخلت سنة ست و ثثمائة ))


بعض مما حوته خزانة الرؤوس
ذكرت كتب التاريخ بعض من هذه الرؤوس التي حوتها خزانتهم و من أشهرها
1- رأس مؤنس الخادم و أصحابه

(( وردتني أنباء من دار السلام أن الوزير ومؤنساً الخادم وعلي بن بليق وجماعة من الأمراء اشتوروا فيما بينهم على خلع القاهر، وتولية أبي أحمد المكتفي، وبايعوه سرّاً فيما بينهم، وضيقوا على القاهر بالله في رزقه، وعلى من يجتمع به. وأرادوا القبض عليه سريعاً. فبلغ ذلك القاهر - بلّغه طريف اليشكريّ - فسعى في القبض عليهم، فوقع في مخالبه الأمير المظفر مؤنس الخادم. فأمر بحبسه قبل أن يراه والاحتياط على دوره وأملاكه - وكانت فيه عجلة وجرأة وطيش وهوج وخرق شديد - وجعل في منزلته - أمير الأمراء ورياسة الجيش - طريفاً اليشكريّ، وقد كان أحد الأعداء لمؤنس الخادم قبل ذلك. وقبض على بليق، واختفى ولده علي بن بليق، وهرب الوزير ابن مقلة فاستوزر مكانه أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله في مستهل شعبان، وخلع عليه وأمر بتحريق دار ابن مقلة، ووقع النهب ببغداد، وهاجت الفتنة، وأمر القاهر بأن يجعل أبا أحمد المكتفي بين حائطين ويسد عليه بالآجر والكلس، وهو حيّ فمات. وأرسل مناديا على المختفين: إن من أخفاهم قتل وخربت داره. فوقع بعلي بن بليق فذبح بين يديه كما تذبح الشاة، فأخذ رأسه في طست ودخل به القاهر على أبيه بليق بنفسه، فوضع رأس ابنه بين يديه، فلما رآه بكى وأخذ يقبله ويترشفه، فأمر بذبحه أيضاً فذبح، ثم أخذ الرأسين في طستين فدخل بهما على مؤنس الخادم، فلما رآهما تشهد ولعن قاتلهما، فقال القاهر: جروا برجل الكلب، فأخذ فذبح أيضاً وأخذ رأسه فوضع في طست وطيف بالرؤوس في بغداد. ونودي عليهم: هذا جزاء من يخون الإمام ويسعى في الدولة فساداً. ثم أعيدت الرؤوس إلى خزائن السلاح. )) - يوميات دير العاقول - .
و جاء ذكره كذلك في تجارب الامم ( مسكويه متوفي سنة 421ه ) :

اضطرب رجال مؤنس ويلبق وشغبوا وشغب معهم سائر الجيش وخرجوا إلى الصحراء ثم قصدوا دار الوزير أبي جعفر محمّد بن القاسم وأحرقوا روشنه ونادوا بذكر مؤنس فكان ذلك سبب القتل لمؤنس. ودخل القاهر إلى الموضع الذي كان فيه مونس ويلبق وابنه معتقلين فذبح عليّ بن يلبق بحضرته ووجّه برأسه إلى أبيه.
فلمّا رءاه جزع وبكى بكاء عظيما ثم ذبح يلبق ووجّه برأسه ورأس أبيه إلى مونس. فلمّا رءاهما لعن قاتلهما فأمر به فجرّ برجله إلى البالوعة وذبح كما يذبح الشاة والقاهر يراه وأخرجت الرؤوس الثلاثة في ثلاث طسّات إلى الميدان حتى شاهدها الناس وطيف برأس عليّ بن يلبق في جانبي بغداد ثم ردّ إلى دار السلطان وجعل مع سائر الرؤوس في خزانة الرؤوس على الرسم.
قال ثابت: فحدّثنا سلامة الطولونى الحاجب أنّه لمّا أخرج إليه رأس مونس ليصلحه فرّغ الدماغ منه ووزنه فكان ستّة أرطال وسمعت أنا ذلك من الجفني وكان حاضره.

و روى أبن الأثير في مؤلفه الكامل في التاريخ هذه الحادثة و أضاف ( و مضى حتى دخل على مؤنس فوضعهما بين يديه ، فلما رأى الرأسين تشاهد و أسترجع و لعن قاتلهما ، فقال القاهر جروا برجل الكلب الملعون ، فجروه و ذبحوه و جعلوا رأسه في طشتو أمر و طيف بالرؤوس في جانبي بغداد و نودي عليها : هذا جزاء من يخون الامام و يسعى في فساد دولته ، ثم أعيدت و نظفت و جعلت في خزانة الرؤوس كما جرت العادة ) .
و يذكر أبن الوردي في تاريخة تفاصيل أخرى عن هذه الحادثة : (فقبض القاهر على يلبق وابنه ومؤنس في أول شعبان منها ، لأنهم اتفقوا مع ابن مقلة على خلعه وإقامة أبي أحمد بن المكتفي . وحضر ابن يلبق وأظهر أنه يريد الاجتماع بالخليفة بسب القرامطة وقصد القبض على القاهر ولم يعلم ابن يلبق بما رتبه له القاهر ، ودخل فقبض عليه القاهر في دار الخلافة . وبلغ أباه يلبق ذلك وكان مريضا فحضر إلى دار الخلافة بسبب ذلك ، فقبض عليه أيضا . ثم استدعى القاهر مؤنسا فامتنع ، فحلف أن قصده منه الكشف عن حال يلبق وابنه فإن صح ما بلغه عنهما وإلا أطلقهما ، فحضر مؤنس فقبض عليه أيضا وعزل ابن مقلة واستوزر أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبيد اللَّهِ ، ثم جد في طلب أحمد بن المكتفي فظفر به وبنى عليه حائطا فمات . وشغب أصحاب مؤنس وكانوا أكثر العسكر وثاروا بسبب حبس مؤنس وطلبوا إطلاقه ، فذبح ابن يلبق ووضع رأسه في طست وكان قد حبسهم متفرقين ثم أحضر الرأس في الطست إلى أبيه فجعل يلبق يبكي ويرسف الرأس ، ثم قتله القاهر وجعل رأسه مع رأس ابنه وأحضرهما إلى مؤنس فتشهد مؤنس ولعن قاتلهما فقتله أيضا ، وطيف بالرؤؤس الثلاثة في بغداد ونودي : هذا جزاء من يخون الإمام ، ثم نظفت الرؤوس وجعلت في خزانة الرؤوس على جاري عادتهم ) .

2- رأس البسا سيري

كان أرسلان التركي المعروف بالبساسيري قد عظم شأنه ، و أستفحل أمره ، وأنتشر ذكره ، و قد هابته ملوك العرب و العجم حتى دعي له على المنابر ، و عزم الاستيلاء على بغداد و نهب دار الخلافة و القبض على الخليفة و هو يومذاك القائم بأمر الله فتم له ما أراد أذ دخل بغداد ، و قبض على الخليفة و سيره الى بلد عانه على الفرات فحبسه فيها ، ثم دار الفلك دورته ، فوقع البساسيري في الفخ ، فكان مصيره حز رأسه و حمله الى خزانة الرؤوس . قال ابن الجوزي في حوادث سنة 451 ه : ... و أنهزم البساسيري على فرسه و لم ينجه ، و ضرب فرسه بنشابة فرمته الى الاأرض ، و أدركه بعض غلمانه ، فضربه ضربة على وجهه ولم يعرفه ، أسره كمشتكين دواتي عميد الملك و حز رأسه و حمل الى السلطان ، و لما حمل الى السلطان حكي له الذي أسره أنه وجد في جيبه خمسة دنانير و أحضرها ، فتقدم السلطان الى أن يفرغ المخ من رأسه و يأخذ الخمسة دنانير ، ثم أنفذه حين~ذ الى دار الخلافة ، فوصل في يوم السبت النصف من ذي الحجة ، فغسل و نظف ، ثم ترك على قناة و طيف به من غد ، و ضربت البوقات و الدبادب بين يديه ، و أجتمع من النساء و النفاطين و غيرهم بالدفوف ومن يغني بين يديه ، و نصب من بعد ذلك على رأس الطيار ( الطيار ضرب من السفن النهرية القديمة ) بإزاء دار الخلافة ثم أخذ إلى الدار . ( المنتظم )
3- رأس البريدي

من الذين ظهروا ضد الدولة في البصرة وحاول السيطرة عليها أكثر من مرة و لكنه رد على اعقابه ، قال مسكويه في مؤلفة تجارب الامم عن حوادث سنه 333 ه ( و كان أبو عبد الله محمد أبن موسى الهاشمي أخذ في أيام ناصر الدولة فتوى الفقهاء و القضاة بإحلال دمه ، فأظهرها في هذا الوقت ،فلما كان بعد أسبوع من القبض عليه أستحضر الفقهاء و القضاة ، وأحضر السيف و النطع ، و وقف السياف بيده السيف ، و حضر أبن أبي موسى الهاشمي ، و وقف فقرأ ما أفتى به واحدا واحدا من أباحة دمه على رؤوس الأشهاد ، و كلما قرأ فتوى واحد منهم سأله هل هي فتواه و يعترف بها حتى أتى على جماعتهم ، أبو الحسين البريدي يسمع ذلككله و يراه ، ورأسه مشدود ، و السيف مسلول بأزائه في يد السياف ، فلما أعترف القضاة و الفقهاء بالفتوى أمر المستكفي بالله بضرب عنقه ، فضربت من غير أن يحتج لنفسه بشيء أو يعاود بكلمة أو ينطق بحرف ، وأخذ رأسه و طيف به في جانبي بغداد و رد إلى دار السلطان .
4- رأس الخليفة الأمين ، رأس عيسى بن ماهان ، رأس أبي السرايا

رأس الامين هي أول رأس خليفة حوته خزانة الرؤوس ، مع رؤوس المارقين من القادة و العابثين و الساخطين و الثائرين ، و بأمر من قائد جيش المأمون ، يفصل الطبري في تاريخه تفاصيل هذا الموضوع في حوادث سنة 198 ه : ( ... قام محمد الأمين فأخذ بيده وسادة و جعل يقول : ويحكم أني أبن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، أنا أبن هارون ن أنا أخو المأمون ، الله الله في دمي ، قال : فدخل عليه رل منهم يقال منهم له خمارويه غلام لقريش الدنداني مولى طاهر ، فضربه بالسيف ضربه وقعت على مقدم رأسه ، وضرب محمد وجهه بالوسادة التي كانت في يده ، و اتكأ عليه ليأخذ السيف من يده ، فصاح خمارويه : قتلني قتلني بالفارسية . قال : فدخل منهم جماعة فنخسه واحد منهم بالسيف في خاصرته ، و ركبوه فذبحوه ذبحا من قفاه ، و أخذوا رأسه فمضوا به الى طاهر و تركو جثته ، قال : و لما كان في وقت السحر جاءوا إلى جثته فأدرجوها في جل و حملوها ... قال : و بينا نحن كذلك أذ هدة تكاد الارض ترجف منها ، و أذا أصحاب طاهر قد دخلوا الدار و أرادوا البيت ، و كان في باب ضيق ، فدافعهم محمد بمحنة كانت معه في البيت ، فما وصلوا أليه حتى عرقبوه ُم هجموا عليه فحزوا رأسه و استقبلوا به طاهرا و حملوا جثته الى بستان مؤنسة الى معسكره ، أذ أقبل عبد السلام بن العلاء صاحب حرس هرثمة ، فأذن له ، و كان عبر أليه على الجسر الذي كان بالشماسية . فقال له : أخوك يقرئك السلام فما خبرك ؟ قال : يا غلام هات الطس فجاؤا به و فيه رأس محمد ، فقال : هذا خبري فأعلمه . فلما أصبح نصب رأس محمد علي باب الانبار ، و خرج من أهل بغداد للنظر أليه ما لا يحصى عددهم ، و أقبل طاهر يقول : رأس المخلوع محمد . و ذكر عنه ( عن الحسن أبن أبي سعيد ) أنه ذكر أن الخزانة التي كان فيها رأس محمد ، و رأس عيسى بن ماهان ن ورأس أبي السرايا ، كانت أليه ، قال : فنظرت في رأس محمد ، فإذا فيه ضربة في وجهه و شعر رأسه و لحيته صحيح لم ينجاب منه شيء ، و لونه على حاله . قال : و بعث طاهر برأس محمد الى المأمون مع البردة و القضيب و المصلى ...فرأيت ذا الرئاستين و قد أدخل رأس محمد على ترس بيده الى المأمون ، فلما رآه سجد .....)
5- رأس الوزير الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان ابن وهب

ذكره ابن الطقطقي في مؤلفه ( الفخري في الاداب السلطانية ) عن الحسين بن القاسم ......( لم يكن بارعا في صناعته ، و لا شكرت سيرته في وزارته ، و لم تطل له المدة حتى عجز و أختلت الاحوال عليه ....و لما ظهر للمقتدر نقصه و عجزه ، قبض عليه و صادره ثم بقي الى أيام الراضي و أبعد عن العراق . فلما تولى ابن مقلة الوزارة ، تقدم بقتله ، و أرسل أليه من قطع رأسه ، و حمل رأسه الى دار الخلافة في سفط ،فجعل السفط في الخزانة و كانت لهم عادة بمثل ذلك . فحدث أنه لما وقعت الفتنة ببغداد في أيام المتقي ، أخرج سفط فيه يد مقطوعة و رأس مقطوع ، و على اليد رقعة ملصقة عليها مكتوب : هذه اليد يد أبي علي بن مقلة ، و هذا الرأس {أس الحسين بن القاسم ، و هذه اليد هي التي وقعت بقطع هذا الرأس . فعجب الناس من ذلك . )




وكثير من قصص الرؤوس المحتزة الأخرى نجدها في كتب الرواة و التاريخ تقارب حوادثها على نفس الوتيرة و السبب و البشاعة

كان حمل رؤوس العصاة و الخارجين على الدولة ، و الفارين من وجه العدالة ، ومن جرى مجراهم ، الى دار الخلافة العباسية ببغداد أصدق شاهد على الفوز و الانتصار ، و كان هذا الامر من الرسوم الجارية في تلك الايام ، فكانت بغداد تستقبل هذه الرؤوس بين الحين و آخر ، فتدخلها مشهرة ُم يؤتى بها فتوضع بين يدي الخليفة ليشاهدها هو و رجال دولته وفي ذلك أمر يبتغيه الخليفة . ثم أنها تنصب على المواطن البارزة من البلد كالجسور و أبواب الخلافة ، ليشاهدها كافة الناس فيعتبرون بها و من ثم تستقر في خزانة الرؤوس . ( الاستاذ ميخائيل عواد ) .

صيانة الرؤوس من التلف

يذكر الأستاذ ميخائيل عواد في مقالته ( خزانة الرؤوس ) :
كان الرسم عند إحضار الرأس إلى دار الخلافة ، أن يسلم إلى الموكل ، فيعمل هذا على غسله و تنظيفه و أصلاحه ، فيفرغ منه المخ ، و يستأصل كل الأعضاء القابلة للفساد ، ثم يغسله ببعض الأدوية المعقمة المعروفة يومذاك ، و كذلك بماء الطيب أو بماء الورد ، حتى اذا فرغ من هذا كله ، يحشى بالقطن المخلوط بمواد مختلفة من شانها أطالة بقاء الرأس ،ثم يطليه من خارجه ببعض الاطليه الماسكة لأجزائه، و ذلك رأي طبيب بهذا الشأن ، كان عائشا في حدود سنة 305 ه و هو المعروف بأبن حمدان الطبيب الذي حكي : ( أدخلت على أبي الفضل ، فوجدت بين يديه أطباقا عليها رؤوس جماعة ، فسجدت له كعادتهم و الناس حوله قيام و فيهم أبو طاهر ، فقال لأبي طاهر : أن الملوك لم تزل تعد الرؤوس في خزائنها فسلوه – و أشار ألي – كيف الحيلة في بقائها بغير تغيير ، فسألني أبو طاهر فقلت : ألهنا أعلم و يعلم أن هذا الأمر ما علمته يحتاج إلى كذا و كذا صبر و كافور و الرأس جزء من الإنسان فيؤخذ بحسابه فقال أبو الفضل ما أحسن ما قاله )) .
و يذكر المسعودي في ( مروج الذهب ) في هذا الشأن : ( وفي أول يوم من المحرم و هو يوم الثلاثاء من سنة تسع و ثمانين و مائتين توفي وصيف الخادم و أخرج و صلب على الجسر بنا بلا رأس ... و طلي بدنه بالصبر و غيره من الأطلية القابضة الماسكة لأجزاء جسمه ، فأقام مصلوبا على الجسر لا يبلى إلى سنة ثلاثمائة في خلافة المقتدر بالله أو نحو هذه السنة )



لكن هناك احد مصادر التاريخ القديم كشفت لنا مصير ما حل بهذه الخزانة بعدما امتلأت برؤوس المعارضين و صادرت عبئا على الدولة فيذكر المؤرخ (زين الدين عمر بن مظفر الشهير بابن الوردي) في كتابه (تاريخ أبن الوردي) :


في نصف شوال قطعت يمين أبي علي محمد بن العلي بن الحسين بن مقلة ، وسببه أنه سعى في القبض على ابن راتق وإقامة بجكم موضعه ، فعلم به ابن راتق فحبسه الراضي لأجل ابن راتق ، وفي الآخر قطعوا يده وبرأ فسعى في الوزارة وشد القلم على يده المقطوعة وكتب وكان يدعو عليهم ، فقطع ابن راتق لسانه وضيق عليه في الحبس ، ثم لحقه الذرب من غير خادم يخدمه فقاسى شدة حتى مات في شوال سنة ثمان وعشرين وثلثمائة ودفن بدار الخلافة ، ثم نبش وسلم إلى أهله فدفنوه في داره ، ثم نقل إلى دار أخرى . والعجب : وزارته ثلاث مرات ، للمقتدر والقاهر الراضي ، وسافر ثلاث مرات مرتين إلى شيزار ومرة في وزارته إلى الموصل ، ودفن ثلاث مرات . قلت : وفي ذلك يقول ابن مقلة نواحا على يده : خدمت بها الخلفاء وكتبت بها القرآن الكريم دفعتين تقطع كما تقطع أيدي اللصوص ، وأنشد : ( ما سئمت الحياة ولكن توثقت ** بأيمانهم فبانت يميني ) ( بعت ديني لهم بدنياي حتى ** حرموني دنياهم بعد ديني ) ( ولقد حطت ما استطعت بجهدي ** حفظ أرواحهم فما حفظوني ) ( ليس بعد اليمين لذة عيش ** يا حياتي بانت يميني فبيني ) قلت : وبعد موته استعرضوا خزانة الرؤوس وذلك في آخر أيام الراضي وكانت قد امتلأت فرموها كلها في دجلة ، وكان بعضها في أسفاط وبعضها في صناديق رصاص ، ووجدوا في الجملة سفطا فيه رأس ويد ورقعة فيها مكتوب هذا رأس أبي الجمال ، الحسين بن القاسم بن عبد اللَّهِ بن سليمان بن وهب وهذه اليد التي مع الرأس يد الوزير أبي علي بن مقلة وهي اليد التي وقعت بقطع هذا الرأس ، والله أعلم ........

واستمرت ممارسة قطع الرؤوس إلى نهاية الدولة العباسية إذ تفنن الحاكمون في قطع رؤوس معارضيهم فمن حالفه الحظ استلم أهالي المقتول رأس صاحبهم و دفن مع جثته أو من أودع الخزانة أو من رميت رؤوسهم في النهر أو أحرقت رؤوسهم مع جثثهم ، و تطورت وسائل التعذيب و الغدر و التنكيل بين المتنافسين إلى سمل العيون و تقطيع الأطراف و هو ما سيكون في بحث لاحق .........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تاريخٌ معيب
نبيل كوردي من العراق ( 2011 / 1 / 10 - 21:47 )
أهذا هو التاريخ الذي يتبختر به المسلمون!؟، تب لهُ من تاريخ

اخر الافلام

.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى


.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة




.. #shorts - 49- Baqarah


.. #shorts - 50-Baqarah




.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا