الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة شيفرة هوية الفرد

لقمان محمد

2011 / 1 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


اللغة الأم حليب الأم.
إن الدراسات والبحوث العلمية التي أجريت حول "أهمية الرضاعة الطبيعية" ،أثبتت أن لها تأثيرات سحرية على الطفل والأم المرضعة بآنٍ واحد. كذلك أيضاً نرى أن كل الثقافات والأديان والأفكار اتفقت على أن الرضاعة الطبيعية هي الطريقة الأمثل والأفضل لتغذية الطفل، كونها تحتوي على منافع غذائية أساسية كثيرة للنمو السليم للطفل وبالتالي تنشئ طفلاً سليماً وصحياً بدنياً. الرضاعة الطبيعية تطور وتقوي نظام المناعة لدى الأطفال وتُحصّنهم ضد الأمراض وتساعد على نمو المخ وتطور ذكائهم، وهذا مايجعلهم متفوقين والأفضل في تحصيلهم الأكاديمي. كيف أن للرضاعة الطبيعية هذا التأثير السحري بدنياً على الطفل والأم، فإن للتعلُّم باللغة الأم ذات التأثير السحري على النمو الفكري والإرادي لشخصية الأنسان والتطور السليم للغة. لأن اللغة تحتوي على المنابع الغذائية الخاصة لكل ثقافة، والشيفرة الجينية لهوية الجماعة والأمة التي ينتمي لهما الفرد. ولهذا فإن تلقي الطفل التعليم باللغة الأم تقوي نظام المناعة الإنتمائية وتحمي هوية الفرد وتنشئ شخصية مستقرة وقوية فكرياً وسليمة سيكولوجياً ومتفوقة دراسياً. والتعليم باللغة الأم لا يحمي اللغة من الإنصهار والزوال فقط، بل على العكس يقوي ويطور اللغة من خلال التطوير والتحديث العلمي الذي يحدث، وتواكب التطور الحضاري.
إذاً ماهي العلاقة بين اللغة والأنسان؟
اللغة هي وسيلة لإطلاق التسمية على الكائنات والحقائق في الكون،و وسيلة لفهم أسرارها والعلاقات التي تربطهم ببعضهم البعض. ليس فقط لتسميتها واستيعابها،بل حتى يكون الأنسان قادراً على التعبير فهو بحاجة إلى اللغة. هذه اللغة إما يُعبّر عنها بالكلمات (شفهياً أو كتابياً) او بدنياً أو بكل هذه الأساليب. وهذا كله يسمى ثقافة، والتي تتغير من مجتمعٍ لآخر وتتطور من وقتٍ لآخر.لهذا فاللغة تحمل في جوهرها شيفرة هوية الفرد. مَنْ هو ،إلى أي مجتمعٍ ينتمي أو أية ثقافة يمثل؟. اللغة تحمل بين حروفها ومفرداتها ماضي وحاضر ومستقبل المجتمع،وتخبئ وتحمي تاريخ وذكريات الآباء والأجداد وآمال الشباب وأحلام الطفولة. لهذا بقدر مايقوم الفرد والمجتمع بالحفاظ على لغتهم ،سيتقدمون ويتطورون بشكل صحيح.
لأن الأنسان له لغة فهو يفكر.
لأننا نفكر فنحن بحاجةٍ ماسة إلى اللغة،وبقدر مايتقدم الفكر تتطور اللغة أيضاً. كل فرد عندما يولد يرى لغة الجماعة التي ينتمي إليها جاهزة أمامه. بعد الولادة لايتعلم الفرد اللغة فقط، بل يتعلم في الوقت ذاته الماضي والوعي الإجتماعي والتاريخي للمجتمع والأمة التي ينتمي إليهما أيضاً. وبالتالي يتعرف على ذاته من هو وما هي هويته الإجتماعية وتاريخه وثقافته؟.ويتعلم فلسفة حياته. بهذا الشكل يبدء تطور شخصية الفرد من الهوية الجماعية نحو تكوين شخصية الفرد. وهذا مايفتح الطريق التقدم أمام الفرد ذاته ويبدء باعطاء ماتعلمه وأخذه من وعي إلى الآخرين. بدون اللغة ستكون العلاقات محدودة مع الآخر ،و كل ماتحمله اللغة من قيم في جوهرها ستكون ذات تأثيرٍ محدودٍ أيضاً. لأن كل مفردة وكلمة في اللغة تحمل معناً واللغة هي نتاج الفكر الأنساني.
هناك علاقة وثيقة بين اللغة والأحلام.
لغة الفرد هي اللغة التي يرى بها أحلامه. رؤية الأحلام بهذه اللغة يعني بناء خيالٍ على أسس هذه اللغة. والخيال هو مفتاح الحياة. الأنسان بلغته يفتح عيناه للحياة ويتعرف عليها ويتطور بها. لكن فجأةً يتم حظر هذه اللغة على الفرد، عندها ماذا سيحدث؟ كارثة!!!.
الطفل يكون في سنه السادس أو السابع وقد بدء حديثاً حواره الداخلي مع ذاته وبلغته. هذه اللغة التي تعلمها بعد ولادته وتعرف بها على الحقائق،وبدء ببناء خيالاته وأحلامه بهذه اللغة وبدء بالإنتاج الفكري بهذه اللغة وتشكلت لديه أفكاره الخاصة ووضع اللُبنة الأساسية لبناء شخصيته. هذا ما يسمى باللغة الداخلية للفرد.
الفرد بهذه اللغة الداخلية يحوّل ماحوله من كائنات إلى جزء من عالمه الخاص. كلما تمّ تطوير ذلك يصبح الفرد أكثر قدرة على إعطاء معناً للواقع الذي يعيش فيه. يتعرف الفرد على ذاته ويستوعب ماحوله ويرى بأنه جزء من الكون الكبير. لهذا يرعى العلماء الإجتماع بأن مرحلة السبع سنوات الأولى من عمر الأنسان مهمة جداً،كونها مرحلة تكوين الفرد وتأسيس شخصيته.
إذا تمّ الضغط على طفلٍ في سن السابعة بأن يتعلم ويفهم ويستوعب ماحوله بلغة جديدة أوباللغة الرسمية ويتحدث بها،فإن هذا سيقضي على لغة الفرد الداخلية وتهدم حواره الداخلي وتحول كل شيئٍ إلى أنقاض، وانهيار كل مابناه الفرد من خيال لهويته والعالم الذي من حوله في داخله، والبدء بحياة جديدة على هذه الأنقاض. هذا مايشبه انهيار بناء ومن ثم انشاء بناءٍ جديد على هذه الأنقاض ، كم هذا ممكن وصحي وواقعي؟!!!!
قبل أن يذهب الأنسان للمدرسة فإنه يتعرف على الحياة والعالم من حوله بلغته ،ويفهم العلاقة التي تربطهما ببعضهما البعض.هذا ما سيشكل البنية التحتية لما ماسيتعلمه الفرد من المدرسة. لكن فجأةً تنقطع علاقته مع لغته ويبدء التعلم بلغة جديدة لايعرف منها شيئ. هذا مايترك أثراً سلبياً على شخصية الطفل ويعيق تطوره ونجاحهز
التلميذ الذي يتقلى التعليم بلغته يكون ناجحاً.
الأطفال الذين يتعلمون بلغة غير لغتهم الأم ،يعني سرقة سنواتهم وأحلامهم الطفولية من قِبل هذا النظام التعليمي. وهذا مايؤثر سلباً على أذهانهم ،و مايجعلهم يتراجعون وتصبح اللغة الجديدة كابوساً بالنسبة لهم. وقد يستمر هذا التأثير طيلة حياة الفرد وتصبح بنية اللامساواة واللاعدالة بين الأطفال الذين يتلقون التعليم بلغتهم والأطفال الذين يتعلمون بلغة أخرىز بلا شك هذا سيتحول إلى ردة فعل سياسية مستقبلاً لدى هؤلاء الأطفال. بالطبع لغة الأم هي اساس التطور الذهني والتقدم الفكري لدى الفرد قبل مرحلة التعليم،لهذا فإن التعليم بلغة أخرى(اللغة الرسمية)يجب أن تكون إدامةً للغة الأم،وليس على أساس إنكارها وردها. لأن سياسة الصهر هذه تخلق تناقضات داخل الفرد ذاته وبين شرائح مكونات البلد الأثنية.
مهما تعلم الفرد اللغة الرسمية وأجادها ،فلا تفتح هذه اللغة أبواب أسرارها وعالمها الثقافي للفرد،خاصةً إذا كان الفرد يتعلم اللغة الرسمية ويعيش في محيطه الثقافي الإجتماعي الخاص. لأن الغنى اللغوي يأتي من الغنى الثقافي. لكن عندما يكون التعليم باللغتين،عندها سيؤدي هذا إلى غناً لغوياً وللمفردات من أجل الإستيعاب بشكل أفضل. وبدون انهيار مابناه الفرد من احلام وخيالات طفولية. الطفل الذي يتعلم بلغته الأم تسهل عليه تعلم اللغة الثانية،وتصبح بنية تحتية لتعلم اللغة الرسمية،وهذا ما يخلق الشخصية الناجحة. إن حظر التعليم باللغة الأم على الفرد ،والإكتفاء باللغة الرسمية ،سيؤدي إلى قتل براءة الأحلام الطفولية. وهذا ماسينتج عنه اللامساواة واللاعدالة الإجتماعية،ويكون سبباً للتمرد والإنتفاض ضد النظام والدولة. لأن سياسة الصهر هي اغتصاب الحقوق الأساسية للأنسان.
الحقوق الأساسية هي الحقوق التي لايمكن فصلها عن الانسان وهويته ووجوده.
التعليم بأكثر من لغة يفتح معه باب الغنى الثقافي ويطور الوعي والفهم لدى الفرد. تجعل الفرد يعي بأنه يمكن للانسان أن يعيش ويتعايش ضمن تعددية ثقافية (دينية مذهبية أثنية)،وهذا الوعي يشكل أساس الديمقراطية وهو لبنة النظام الديمقراطي. التعدد اللغوي أبداً لايشكل خطرأً على وحدة البلاد،بل على العكس يكون غناً ثقافياً واجتماعياً. إذا اعترفت الدولة بالتعدد اللغوي وسمحت بالتعليم بهذه اللغات بشكل رسمي ودستوري ، إنها ستستقرو سستتطور وتتقدم وتحافظ على بنيان وحدة المجتمع ، وعلى العكس تماماً إذا ماقامت بفرض حظرٍ على التعلم بهذه اللغات واتبعت سياسة الصهر،إنها ستواجه مشاكل كبيرة تجعلها تتخبط بها ولايمكن للدولة عندئذٍ الحفاظ على وحدة المجتمع والبلاد. لهذا يجب على الدولة ويتعين على المواطن احترام التعدد اللغوي والتنوع الثقافي ورؤيتها كوظيفة أساسية لحقوق الانسان وواجب ديمقراطي. أي أنه بقدر مايحترم لغة وثقافة الآخر يحترم لغته وثقافته.
لهذا يتوجب علينا كشعب كوردي ومنظمات سياسية وثقافية ومجتمع مدني،أن نحرر اللغة الكردية من سجن البيت والكلام ونجعلها لغة التعليم أيضاً في البلاد التي نعيش فيها. ونجعل هذا مطلباً ملحّاً وعاجلاً في نضالنا. لأن اللغة التي لاتكون لغة التعليم فإن مستقبلها في خطر،وعندما يكون مستقبل لغة في خطر فهذا يعني أن مستقبل الشعب والأمة في خطر. لأن مستقبل اللغة هو الطفل والطفولة.
ملاحظة؛كتبت هذه المقالة باللغتين الكوردية والعربية.

لقمان محمد- السويد










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف