الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس تحت الإنعاش

رندا قسيس

2011 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


استطاعت الأنظمة العربية و على مدى عهود أن تقوم بتخدير الوعي عند أفرادها من خلال اتباع أساليب كثيرة كالقمع، البطش و نفي أفرادها إلى خارج البلاد أو إلى داخل تربتها تحت الأرض مع إتباع عملية التهميش بشكل استمراري للأفراد الباقين على أرض تربتها، و ذلك من أجل الوصول إلى هدفها النهائي الذي يصب في مبدأ الهيمنة، لهذا نجد تعمد هذه الحكومات على إعدام المعلومات و المعرفة التي لا تتوافق في الأصل مع "مبدأ الهيمنة و الطغيان" و الحيلولة دون تسربها.

اذا نظرنا إلى ينبوع هذه الرغبة الجامحة المتعطشة إلى مد السيطرة على الآخر و استعباده، نجدها حالة تعويض ل"الأنا" القلق الغارق في متاهاته الضيقة، انه "الأنا" الفقير في المعرفة، الجائع لإشباعاته البيولوجية و النفسية و الضعيف الهش العاجز عن التقدم ضمن جماعته.
تعيش هذه الأنظمة حالة من حالات العصاب، فنراها تعكس من داخلها السيناريو الدرامي الذي عاشته و عايشته في آن واحد، تستوحي من ثقافتها المحيطة صورة لبطل وهمي اسطوري و تلصقه ب"أناها" العاجز عن التبادل مع الآخر. لهذا نجد أن هذه الأنظمة تحتاج و بشكل مستمر إلى خلق معارك عدة ان كانت على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي ان سمح لها موقعها الجغرافي أو الظروف الجيو_سياسية في ذلك كي تستطيع لف جسدها على أعناق القابعين تحت سلطتها.
يلجأ الاستبداد إلى دعم و تحريك الوحش الديني الاصولي بشكل مستتر ليقوم بإستخدامه حسب أغراضه و منافعه الخاصة عند الضرورة من أجل التخويف و التفزيع، فيكون عصاة لضرب الخصوم قابلة للكسر.

لاشك ان الأنظمة العربية ساعدت ومازالت في استمرار الحركات الاصولية الاسلامية، لترتدي لباساً علمانياً شكلياً، فتوهم نفسها بشرعية كانت قد اغتصبتها.
لهذا يحق لهؤلاء الأفراد القابعين تحت ظل حكومات جاهلة منافقة مغذية للأصولية الدينية أن يتمردوا دون وازع فهذا حق كحق البقاء، و ان كان لابد أن تكون المرحلة الإسلامية الاصولية ثمناً للتحرر من ربقة الاستبداد فلن يكون هذا الثمن أكثر فداحة من سكون القبور التي اسكنتنا داخله تلك الأنظمة المحنطة.
فالأفضل لنا أن نمهد بأيدينا لتلك المرحلة القادمة التي نحتسبها و لابد كالحة، من أن ننتقل قصرياً من حالة موات إلى موات آخر سيكون أشد و أدهى ان خطينا اليه بأقدامنا دون استعداد مسبق و العراق يمثل أفضل شاهد لتلك الحالة.
نعلم أن من يحطم جدار الخوف و لو لمرة واحدة يستطيع أن ينتفض جديداً و تكراراً ليحطم جدران قادمة.

تعكس انتفاضة تونس انتفاضة جسد كاد أن يفارق الحياة ليحطم براثن الموت و يؤكد حقه في الحياة و رفض حياة القبر، انها الإرادة الجماعية الرافضة للرحيل.
عندما تنعدم شروط حياة لائقة، و يصبح الفرد متلقياً سلبياً و كبش فداء لصالح تغذية "الأنا" السلطوي الإستبدادي، فتصبح مغامرة التغيير ايجابية، لا بل أكثر من ذلك ضرورة حتمية و لخطوة كهذه لا بد من قتل ذلك التوجس من جديد مجهول نخشى من خلاله قدوم بعبع اسلامي.
ربما لا بد لهذه المجتمعات الخوض في تجربة الدين المتشدد و الوقوع في شباك ذلك الوحش الاصولي الديني الذي سيوفر اللقاح لإكتساب مناعة جديدة يمكنها ان تحمي تلك المجتمعات في مراحل قادمة، لتقوم بتأهيلها مستقبلاً في مواجهة الفيروسات الاستبدادية المتنوعة و المتقمصة في رجال الدين و الحكام.

جميعنا يحلم بحريات فردية يستطيع الفرد من خلالها التغريد الحر، و هذا لا يتم إلا من خلال إعادة ملكية الفرد لذاته أي اعادة خيار الحياة و الموت له، ليتمكن خياله في التجول و السفر كيف ما أراد. هذا الخيال لا يمكنه أن يبدأ بالإنتعاش إلا بعد عملية إشباع فردي، ليتغلب بعدها على الحدود الإدراكية الجماعية لثقافة ما، فيجعل من نفسه طائراً محلقاً مسافراً في جميع الثقافات، وللوصول إلى هذه المرحلة علينا القيام بجملة عمليات إنعاشية واعية للفرد ولواقعه المعزول و المسجون ضمن دائرة ضيقة يصعب عليه التنفس بسهولة.
من هنا، لا يمكن لأي فرد يجد في الحرية هدفه النهائي أن يدعم أية سلطة قائمة على قمع الذات و الخيال الفردي تحت حجة التخوف من الشيطان الآخر المتمثل بالدين الاصولي.
تعاني مجتمعات كثيرة و منها المجتمعات العربية من أمراض و هواجس عصابية متمثلة بالخوف من الاصولية و التشدد الديني... و من أجل التغلب على تلك الظواهر العصابية، و التغلب على نواة الفكر الاستبدادي، على جميع المهتمين تحدي ما نخافه و نخشاه للقضاء على الصور العقلية الدفينة المشحونة بمشاعر القلق المتراكم من الجديد و المجهول.

بعد القاء الضوء على نظرية "كوبينغ" ل"فولكمان و لازاروس" لنتعرف على اداء الفرد داخل وسطه، نجد ان النظرية تؤكد لنا عدم سلبية الفرد تجاه الوسط المحيط، فهو لا يخضع سلباً تجاه الالزامات الخارجية بل يتفاعل معها بنشاط ليتم التلقي الادراكي و من ثم التمثيل العقلي للحالة مما يتيح له وضع استراتيجيات للتأقلم، فهناك استراتيجيات متجهة نحو المشكلة و اخرى نحو المشاكل المحرضة للمشكلة. إذاً نستطيع القول أن حالة التمرد و الثورة بكل أشكالها تعبر عن اعلان الفرد عن نفسه بشكل ايجابي بعد فقدانه جميع الحلول و الاستراتيجيات من أجل التأقلم أو التغيير الهادئ.

بعد كل حالة سلبية تنبثق اشعاعات ايجابية، فيعلن الأمل عن نفسه بعد كل حالة يأس مستميتة، انها حلقة الموت و الحياة المترابطتان بشدة فلاحياة من دون موت و لا نور من دون ظلام.
قرر شعب تونس و بشكل عفوي أن يعود للحياة ثانية و أن ينقض على مصاصي دمائه من خلال القضاء على الخوف و القلق من الموت، ليحيا مجدداً في رحلة التغيير. قرر أن يقوم بالمحاولة الأولى لإنتفاضة الوعي و لإكتساب حس المغامرة و الجرأة في تحدي المجهول، عله يكون مثلاً حياً لكل المجتمعات الأخرى الرافضة للتغيير و الخائفة من الموت و الراضخة لأنابيب التنفس الاصطناعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نصيحة مغشوشة
عبد القادر أنيس ( 2011 / 1 / 12 - 21:04 )
سيدة رندا كتبت: ((و ان كان لابد أن تكون المرحلة الإسلامية الاصولية ثمناً للتحرر من ربقة الاستبداد فلن يكون هذا الثمن أكثر فداحة من سكون القبور التي اسكنتنا داخله تلك الأنظمة المحنطة.))
موقفك هذا يشبه موقف الأستاذ الجامعي الجزائري عدي الهواري صاحب فكرة ((التقهقر المخصب)) التي مفادها أنه يجب ترك الإسلاميين يحكمون وعندها سيتعرف الشعب على حقيقتهم فيرفضهم. ولكنه مع بداية الخطر الأصولي هرب إلى فرنسا للتدريس بها وتركنا نحترق بالإرهاب.
أنت مثله تريدين تونس حقل تجارب لأفكارك. تتبنين هذا الموقف وكأنك لا تعرفين حكم الإسلاميين في السودان وإيران والسعودية. فهل انعكست كل هذه السنين الطويلة تحت الحكم الديني وعيا في عقول الناس؟ العيب ليس في الشعب إذا كان مثقفوه يطلبون منه الخضوع للإسلاميين لاسقاط المستبدين. هل هذا هو البديل الوحيد عندك؟ إما الفاشية الإسلامية أو الاستبداد القائم؟
هناك طريق آخر: أن تتبنى الجماهير النضال العصري السلمي عبر الإضرابات والانخراط المكثف في النقابات والأحزاب والجمعيات. أم أن تنام دهرا حالمة بالمهدي المنتظر وعندما تحس بالحوع تنهض فتدمر وتحرق وتموت فهذا لن يحل مشاكلها.
تحياتي

اخر الافلام

.. مساعدات بملياري دولار للسودان خلال مؤتمر باريس.. ودعوات لوقف


.. العثور على حقيبة أحد التلاميذ الذين حاصرتهم السيول الجارفة ب




.. كيربي: إيران هُزمت ولم تحقق أهدافها وإسرائيل والتحالف دمروا


.. الاحتلال يستهدف 3 بينهم طفلان بمُسيرة بالنصيرات في غزة




.. تفاصيل محاولة اغتيال سلمان رشدي