الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عائلة المجد ....عائلة علي العبد الله

فراس سعد

2011 / 1 / 19
حقوق الانسان


( بمناسبة مرور أسبوع على وفاة السيدة أمية عباس )
إتصال صباحي مبكر أيقظني من نومي، ابنة علي العبد الله و أخت عمر و محمد تقول لي عبر الهاتف "لا تتعب نفسك بالمجيء إلى المشفى، توفيت أمي ". كأن برميلا من الماء البارد صبّ فوقي، لا أعرف ماذا و كيف رددت ، ترحمّت على أم محمد و انتهى الإتصال.
لا أعرف إن كان الإهمال الطبي أو قلّة حيلة الأطباء أو ضعف جسد أم محمد ، السيدة أمية عباس، أم أن كل ذلك كان وراء وفاتها بهذه السرعة، فالروح التي قاومت السرطان و تعافت منه كيف لها أن تستسلم لالتهابات أو تعب الكليتين ؟
قلت لزينب هذه المشفى مشكلتها مشكلة، مات صاحبها، و الورثة في حال خلاف و القضاء تدخّل لذلك لا عناية طبية كما يجب ، هكذا أخبرني بعض الزائرين الذين كانوا يعودون مرضاهم، قالت هنا الجميع يعرف والدتي و يعرفنا و هم مهتمّون بنا وهذا ما لاحظته بالفعل خلال اليومين أو الثلاثة أيام التي عدت فيها الأم العزيزة على قلوبنا جميعاً . قلت في نفسي لا بد أن خطأ ما حصل ، لكن لا، لم يحصل خطأ و ليس في الأمر سر ، فالمرض يهاجم الروح أولاً قبل أن يهاجم الجسد، إذا نجح المرض الخبيث بإنهاك معنوياتنا يبدأ بالتسلّل إلى أجسادنا ، هذا ما تفعله سائر الأمراض و السرطان على الخصوص ، النفس المتعبة مغناطيس الأمراض، و أي روح يحق لها أن تتعب أكثر من روح أم محمد ؟
على الرغم من قوتها الجسدية التي بدت عليها في غرفة العناية المشدّدة تحت التخدير وجهها لم يكن شاحباً أبداً كان طبيعياً و كأنها تستلقي على الصوفا الموضوعة في صالون بيتها كما شاهدتها أول مرة عدتها فيها، يومها نهضت و سلًمت لما عرفت أني قادم من سجن صيدنايا و لدي أخبار عن عمر و الشباب ، و بعد جدل بسيط مع ابنتها الصغرى سحبت سيجارة و أشعلتها و تجاذبنا أطراف الحديث ، أذكر ابتسامتها كبرق صغير في ريح غبراء ، ضحكت مراراً ضحكات لطيفة و صغيرة ، استغربت هذا الإشراق و الضوء الذي يملأ وجهها ، اعتقدّت لوهلة أنها قد تعافت، امتلأت بقوة روحها بضوء ابتسامتها و كلماتها السورية التي نبتت على أطرافها بضع كلمات أو حروف شاردة - كغزلان خائفة- بطعم لبناني , لكن ما هي سوى خمسة عشر يوماً حتى عادت أم محمد إلى المشفى، و منها هذه المرة إلى الغياب الكامل.
كان غياب محمد ابنها في المنفى القسري خارج البلاد أكثر الأشياء التي آلمتها ، كذلك غياب عمر في المنفى القسري داخل البلاد أكثر الأشياء التي آلمتها ، و كان غياب الزوج الأب أبو محمد،علي، في منفى قسري آخر داخل البلاد أكثر ما آلمها ، و كان غياب الأصدقاء و المعارف و حتى الجيران خوفاً أو تقاعساً أو انشغالاً بهمومهم الخاصة أكثر ما آلمها ، فليس أكثر من الوحدة قاتلاً للروح، أن تكون وحيداً في العالم و أنت وسط العالم و الناس من حولك، لكنك وحيد، تراهم و لا يروك تشعر بهم و لا يشعروا بك، هذا هو الموت، و كم من موت شبيه سيحصل لآخرين بسبب التجاهل و الخوف و الإبتعاد ؟
من أين يمكن الحديث عن عائلة المجد، المجد المجسّد بأعظم صورة، عائلة علي العبد الله ؟ أمن الأب المعتقل في سجن عدرا يمضي ما يزيد على عقوبته بستة أشهر ظلماً و عدوانا ،ً أم من الأخ المنفي في الولايات المتحدة ؟ أم من الأخ المرمي في صيدنايا ؟هل أتحدث عن الأب الرجل الإسلامي المتنور الذي بدأ ناصرياً و انتهى كديمقراطي إسلامي الذي فهم و مارس الإسلام بعقل و عقلية منفتحة متنورة ترى الوطن للجميع و لكل ما شاء من أيمان و عقيدة على ألاّ يعتدي أو يتعدّى على حرية الآخر و حقوقه ، الرجل الذي يفهم الإسلام كتعامل أخلاقي رحيم بين المسلمين و المسلمين و بين هؤلاء و سواهم من أديان لكن يبقى الجميع مواطنين في وطن واحد يحميهم دستور عادل، الرجل الذي أنشأ أولاده تنشئة حرّة منفتحة على العالم بلا تعصّب و لا مظاهر فامتلؤا بحب الوطن و أهله و امتلأوا حماساً للعمل السياسي الوطني و رفضوا الإستبداد و الظلم، فدفعوا حريتهم ثمناً و دفعت أمهم حياتها ثمناً لفقدانهم الطويل المتكرّر.
لن تكفّ الضغوط في حياة أم محمد و بعد موتها و آخر الضغوط على عائلة علي العبد الله، بالأحرى على ما تبقى من العائلة هو مطالبة ابنتي علي العبد الله و المرحومة أمية عباس بمغادرة منزلهم المستأجر بإيحاء من جهة ما يعرفها الجميع ، أطالب المعارضة السورية أطالب كل شريف في سورية و كل شريف سوري في أي مكان من العالم بالقيام بحملة تبرعات لشراء المنزل التي تسكنه العائلة , كل على قدر استطاعته، و لا أعتقد أنه أمر مستحيل، أليس غريباً ألاّ يملك مواطن سوري منزلاً و هو في الستين من عمره و أولاده تجاوز أصغرهم الثالثة و العشرين من العمر ؟ للأسف هذا ليس غريباً في سورية لاسيما في أوساط المعارضة !!
لا يمكننا مهما أطنبنا في الحديث و المديح أن نفي عائلة علي العبد الله حقّها ، عائلة المجد السوري الرفيع ، عائلة تستحق أن تكون قدوة ليس للسوريين فحسب، بل لكل عائلة حرّة في العالم.
في يوم من الأيام سيعلّق على صدور العائلة وسام الإستحقاق السوري من رتبة الفرسان من رتبة الشرف الرفيع،كما ستعلّق على صدور عائلات سورية كثيرة دفعت كل أولادها إلى السجون دفاعاً عن الوطن و في مواجهة الظلم و القهر و الإستبداد . ربما لن يكون الأمر بعيداً كما يتخيل الكثيرون ؟!
فراس سعد 14 -1 - 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وانت تستحق وساماٌ يا فراس سعد
كمال بترا ( 2011 / 1 / 18 - 21:57 )
مقالة رائعة ، تنضح منها القيم الانسانية العليا في حب الحق والخير والجمال . تحية لك فراس سعد وانت في السجن الكبير مناضلاٌ ، وصاحب قلب لا يعرف إلا الحب والحياة ، تستحق ايضاٌ وساماٌ يا فراس ، سورية تستحق مستقبلاٌ اجمل . تحياتي لك من الغربة القاسية الباردة


2 - إنها عائلة أيوب يافراس
فلورنس غزلان ( 2011 / 1 / 18 - 22:20 )
أن أشكرك فهذا قليل...أن أشيد بما قلته بوضوح وجلاء فهذا أيضا جزء من مسؤوليتنا جميعاً..وكل فرد ينتمي لهذا الوطن مسؤول ويقف بإجلال وينحني أمام ماقدمته وماتقدمه هذه الأسرة..ومالها من دين في رقابنا جميعاً...لأنهم يفعلون هذا من أجل سورية حرة للجميع..ماتحملته هذه العائلة من قهر وما ذاقته وتجرعته يعجز عن وصفه أو تحمله صخور الجبال..وتكون مكافأتها...أن تفقد صدر الأم وتغيب الحياة عن عينيها دون أن تكحلهما برؤية محمد أو عمر وتضمهما إلى صدرها..دون أن يتمكن زوجها من إلقاء النظرة الأخيرة عليها
نداؤك سأقوم بايصاله إلى كل من أعرف ...وعلى كل من يدعي انه معارض أن يثبت هذا بالفعل لا بالقول...وأمام صبر آل أيوب - عائلة علي العبدالله- يجب أن يوفي هذه العائلة حقها من الأمان والعيش تحت سقف ريثما تعود الطيور المحبوسة في أقفاص الظلم والقمع
إلى حريتها
أحييك شاكرة ممتنة

اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا