الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انطلاقة العصر مابعد الاسلاموي

حارث الحسن

2011 / 1 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


الثورة التونسية ابتدأت بعصيان الدين ، شاب يحرق نفسه ويرتكب معصية الانتحار ، المفتي المتحالف مع الديكتاتورية قال بعدم جواز الصلاة على البو عزيزي لأنه تقصد قتل نفسه ، الغالبية الغاضبة والثائرة لم تأبه بتحريمات المفتي والجائعون يخرجون شاهرين غضبهم ولم يكن للدين حضور في الثورة . في تلك اللحظة لم تكن المحرمات الدينية بأهمية ما حملته ذاكرة التاريخ من صرخة ثائر اخر اسمه ابو ذر الغفاري : عجبت للجائع كيف لايخرج شاهرا سيفه على الناس !!
لقد استمدت ديكتاتوريات المنطقة العربية شرعيتها الخارجية من تخويف الغرب من الاسلاموية ومن ان يكون بديلهم الوحيد هم الاسلامويين . تدريجيا اصبحت هذه المقولة راسخة حتى في مراكز الابحاث ، واصبح الحديث عن الاستقرار في الشرق الاوسط لا يعني سوى الحديث عن بقاء الوضع القائم ، الاسرائيليون والتيارات اليمينية الغربية وجدوا راحة كبيرة في تضخيم (الخطر الاسلامي) ، فاسرائيل رأت في ذلك وسيلة لبقاء النخب الحاكمة الفاسدة التي تفتقر للشرعية الداخلية مما يجعلها تبحث عن شرعية خارجية غالبا مايكون ثمنها قبول الوضع القائم وعدم تهديده ، واليمين الغربي كان يبحث عن (آخر) يساعده على البقاء ، فوجد ضالته في صور الشباب الملتحي الغاضب يرفع القرآن وينادي بحكم الشريعة ، واصبح التخويف من خطر هؤلاء القادمين من غياهب التاريخ والمحملين بايديولوجيات الكراهية والتعصب الديني ، والذين لايتورعون عن استخدام كل الوسائل لقتل من يختلف عنهم ، صناعة كبرى جيرت لها اموال طائلة وتصدرت اجندة مؤسسات اعلامية ضخمة .
وتوالت احداث كان من شأنها ان تعيد انتاج فكرة الخطر الاسلامي ، فهذا الخميني يهدر دم سلمان رشدي ، وهاهم انتحاريوا (القاعدة) ينفذون اكبر عملية (جهادية) في "غروة منهاتين" ، وهذا مهاجر مغاربي يقتل مخرجا هولنديا لأنه "أهان الاسلام"، وهذه جموع "المؤمنين" تهاجم السفارات بسبب نشر كاريكاتير قيل انه يسئ للنبي محمد في صحيفة دنماركية ، وهذه القاعدة تهاجم المسيحيين في الشرق وتسعى للفتك بهم . وصارت الصحف الغربية تحمل في كل يوم اخبارا عن مهاجر باكستاني قتل ابنته غسلا للعار ، او امام جامع يدعو لنقل الجهاد الى اوربا ، او جالية مسلمة تريد بناء مسجد في مكان ما . لم يعد ذلك العالم يأتي بصور غير صور المنقبات والملتحين والمآذن. صارت المجتمعات العربية والاسلام المتشدد شيئا واحدا ، وذلك هو الهدف الذي التقت عليه بالصدفة التيارات اليمينية في الغرب مع التيارات الاسلاموية في الشرق .
وفي الحقل الاكاديمي سقط كثيرون بفخ تعميم الصورة ، بدأ ذلك مع نظرية صراع الحضارات التي أرادت الزعم بان الثقافة هي التي ستحرك سلوك المجتمعات وان تباين الثقافات سيقود الى صدامها، واخذ الكثيرون يروجون للاستثناء "الاسلامي" ، مجادلين بانه طالما ان الاسلام لايتلائم مع الديمقراطية فلا مجال لظهور دولة مدنية حديثة في هذه المجتمعات . وافق الكثيرون على الفكرة بلا تدقيق ، لم يسألوا انفسهم وهل كانت المسيحية او اليهودية تتلائم مع الديمقراطية ؟؟ وهل ان المجتمعات التي يشكل الاسلام دين الغالبية فيها ليس لديها هاجس سوى تأكيد اسلاميتها بمعزل عن اي حاجة اخرى ، الا يشعر افرادها بالجوع والشبع والحزن والسعادة ، الا يريدون حياة افضل ، هل يكتفون بأن عندهم الاسلام . لم يسألوا انفسهم سؤالا مهما اخر : ماهو الاسلام ؟ هل يمكن ان نتحدث عن شئ جوهراني وقائم بذاته اسمه الاسلام ، لماذا اذن يختلف اسلام الجزيرة العربية عن اسلام مدينة الصدر ، واسلام بيشاور عن اسلام الدار البيضاء ، واسلام مشهد عن اسلام استنبول . اذا كان الاسلام يصنع تلك المجتمعات لماذا اذن هناك لكل مجتمع اسلامه ؟ الا يعني ذلك ان السؤال يجب ان يبدأ بالمجتمع لا بعقيدته . هل ندرس المجتمعات الغربية عبر قراءة الانجيل ، وهل نفهم اسرائيل عبر التفحص في التوراة ؟ ربما ذلك هدف اخر يلتقي عنده الاصوليون الاسلاميون مع اليمين الغربي .
الافكار والعقائد وحدها لاتحقق الثورة ولا تغير المجتمع ، انه الوضع الاجتماعي الذي يفرز ديناميته الخاصة وينتج اطره الفكرية ، بما في ذلك الظاهرة الاصولية التي لايمكن ان نعتبرها ظاهرة قديمة، بل هي ظاهر مرتبطة بالعصر الحديث وظروفه وبطبيعة الدولة الحديثة في المنطقة وعلاقتها بالمجتمع . الثورة التونسية اكدت هذه الحقيقة ، فالغالبية المهمشة لم تحركها خطب ائمة الجوامع عن تطبيق الشريعة ، و لا دعوات الثورة و مقارعة الامبريالية التي ظلت لعقود طويلة تصدح من منابر تهرأت بفعل ما حوته من نفاق وزيف . التونسيون ثاروا لأن الظرف الاجتماعي قد انتج هذه اللحظة ، وثورتهم لم تحمل شعارات دينية بل كانت تتعلق بفرص العمل والوضع المعيشي والحريات المدنية ، كانت ثورة علمانية تؤكد خطأ كل الفرضيات التي انتجتها الماكنات الاعلامية والاكاديمية حول شئ اجبروه على ان يحمل اسما واحدا هو "العالم الاسلامي" !!
بالطبع ربما سيفوز الاسلاميون اذا مااجريت اي انتخابات حرة حقيقية في تونس مستقبلا ، فلحظة الانتخابات ليست كلحظة الثورة ، ففي الثورة يستجيب الناس لمشاعرهم التلقائية ولحاجاتهم المباشرة، وفي الانتخابات فانهم مضطرون للاختيار بين عدة خيارات ، وحتى عند الاختيار فانهم يستدرجون لاختيار من يمتلك قدرة اكبر على التعبئة وعلى التنظيم وعلى التمويل . وكما برهنت تجارب العراق والجزائر والاراضي الفلسطينية ، فان الاسلامويين أقدر على الفوز بالانتخابات الحرة لانهم أقدر على التعبئة ، والانتخابات هي فن التسويق . لكن لفوز الاسلامويين جانب مهم اخر، فوجودهم بالسلطة يقودهم الى ان يحظوا بفرصة الفشل ، فطالما يتم ابقائهم بالمعارضة ومنعهم عن السلطة حتى وهم يشكلون التيار السياسي الاقوى يظلون يستمدون الشرعية من وضعهم كضحية ، ومن كونهم تيار غير مجرب . وحالما يصلون السلطة ، يكتشفون ان تعقيداتها اكبر بكثير مما تفترضه ابجديتهم البسيطة عن العالم ، وفي الغالب يختارون احد طريقين ، الاول تطوير فكرهم السياسي ليصبح اكثر تلائما مع طبيعة العصر ومطالبه ، والثاني هو الاتجاه نحو راديكالية اكبر ومحاولة الباس المجتمع ثوبا واحدا واخضاع الواقع المعقد للغتهم المبسطة ، وعندها يتحولون الى ديكتاتورية اخرى وتتآكل الشرعية التي اكتسبوها من النضال ضد الديكتاتورية السابقة . وكما برهنت التجربة العراقية ، فانهم يمكن ان يكونوا اكثر فسادا حتى من الديكتاتوريات "العلمانية" .
ان الاسلاموية ليست الاسلام ، انها ايديولوجية سياسية شهدت صعودا في زمن ما وستشهد نزولا وتراجعا فيما بعد ، والاسلام هو دين يدخل في النسيج الثقافي للمجتمع وبالتالي يختلف من مكان لاخر ، ومن زمان لاخر . والثورة التونسية أشرت بداية مرحلة جديدة لاتتقدم فيها الاصولية حركة الاحتجاج ، ولايغدو الاسلام هو العلة والغاية كما حاول التبسيطيون واصحاب التفسيرات الثقافوية ان يقنعوننا . وبعد كل ذلك ، هل نتعجل اذا قلنا ان الثورة التونسية وبغض النظر عن مآلها قد دشنت العصر مابعد الاسلاموي ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سقوط الايديولوجيا
عماد الهذيلي ( 2011 / 1 / 25 - 22:50 )
بين الاسلام و الاسلاموية بون شاسع و بين الحقيقة الدينية و فهم المتأسلمون مسافة عظيمة فقد حول أصحاب الاحزاب السياسية الاسلامية الاسلام الى فكرة مركزية وحيدة هي الحكم يعني السلطة ضانين بذلك أن السلطة ستجعل من دولهم جنات عدن على الارض اذا ما فازوا بها لذلك يتنازلون ليقبلوا بلعبة الديموقراطية
في حين تجارب عديدة أثبتت أن فكرهم بهذه الكيفية قاصر فدخلوا في عدة مراجعات اختلفوا حولها و مازالوا
من هنا يمكن القول أن الثورة التونسية لم تتعد الفكر المتأسلم بل تعدت جميع الايديولوجيات فلم يعد هناك زمن للايديولوجيا و لا لنظريات ثورية جاهزة على المقاص

اخر الافلام

.. القادة الأوروبيون يبحثون في بروكسل الهجوم الإيراني على إسرائ


.. حراك تركي في ملف الوساطة الهادفة الى وقف اطلاق النار في غزة




.. رغم الحرب.. شاطئ بحر غزة يكتظ بالمواطنين الهاربين من الحر


.. شهادات نازحين استهدفهم الاحتلال شرق مدينة رفح




.. متظاهرون يتهمون بايدن بالإبادة الجماعية في بنسلفانيا