الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن مصدر الشرعية، وهذا الجيش لنا

ناهد بدوي

2011 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


لم تكن عربة خضار بوعزيزي مجرد شرارة لإشعال ثورة فعلية مدنية وسلمية في تونس، كما ينبغي أن تكون الثورات، بل رمز لانتقال جذري لمركز المشروعية من الخارج إلى الداخل، إلى أصحاب عربات الخضار، إلى أصحاب البلد الحقيقيين ومصدر المشروعية الأساسي لأي نظام سياسي مفترض. وكذلك لم تكن عملية حماية الجيش التونسي للمتظاهرين من قمع النظام الديكتاتوري مجرد نقطة تحول حاسمة في ميزان القوى في تونس، بل كانت أيضا رمزاً لتغير جذري لدور الجيش في العالم العربي من أداة في يد النظام السياسي ووسيلة للانقلابات العسكرية. إلى مؤسسة وطنية تحمي المواطنين من عدوان الخارج وتعسف الداخل وتحمي التحول الديمقراطي.
لطالما كان لدينا مسلمتان في العالم العربي: الجيش في حماية النظام السياسي، ومصدر المشروعية يقع في خارج البلاد. يبدو أن هاتين المسلمتين في طور انتقال وتغيير تاريخيين .
وعدت فرنسا، مصدر مشروعية نظام زين العابدين بن علي، بالدعم الأمني في مواجهة انتفاضة التونسيين لمصلحة النظام الأمني الاستبدادي، فاقد الشرعية الداخلية، فانقلب الموضوع على نحو لم تتوقعه فرنسا، التي وعدت بدعم النظام السياسي التابع لها والمعتمد عليها ، انقلب إلى موقف مخزٍ للسياسة الخارجية الفرنسية، حين انحازت الجمهورية التي اخترعت فكرة الجمهورية وموطن الثورة الليبرالية، ضد الناس وآلمها عودة المشروعية السياسية إلى أصحابها الحقيقيين. وكذلك فعلت الولايات المتحدة الأمريكية مصدر مشروعية النظام المصري وحامية حماه، فقد طمأنت كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية النظام المصري على قوته وبأنه سيستطيع تجاوز حالة الشغب التي تشوش على مشروعيته الخارجية العتيدة. لكن على ما يبدو أن الناس، أصحاب البلد الحقيقيين، في كل بلد، لن يسمحوا بعد الآن بانتزاع موقعهم كمصدر للمشروعية من قبل أي كان.
لعب الجيش في الخمسينات والستينات في العالم العربي، الدور الأساسي في حمل الأنظمة العربية الحالية إلى السلطة عبر الانقلابات العسكرية التي كانت تعبر عن تلك الفترة بامتياز. حين كانت غالبية الشعب غارقة في الأمية وخاضعة ومعزولة تماما عن نخبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وكانت النخبة العسكرية هي الأقوى والأكثر تنظيما لا بل الأكثر تمثيلاً لمختلف مناطق البلاد وفئات المجتمع في كل قطر عربي على حدة. لذلك وجدت نفسها الأجدر بتسلم السلطة السياسية. أما فيما بعد وللأسباب ذاتها فقدت الجيوش موقعها المفضل عند الأنظمة العربية. وبدا أنه كلما أوغلت هذه الأنظمة في القمع واحتكار السلطة، فقدت ثقتها بمؤسسة الجيش وعملت على تحييده وتهميشه، لذلك أسست قوات خاصة وحراسات خاصة وميليشيات وفرقاً أمنية منتقاة أكثر موثوقية ومضمونة الولاء ولا تخضع لأي قانون بل هي مرتع للامتيازات والولاء والدفاع عن احتكار السلطة. على خلاف الجيش الذي هو وطني بطبيعته لأنه أنشئ أصلا حسب القانون والدستور وأفراده غير مختارين بل قادمون من جميع أرجاء البلاد. لذلك هو مهيأ الآن أكثر من أي زمن عربي مضى للقيام بدور الراعي والحامي للاستقرار في خضم عملية التحول الديمقراطي المنشودة من قبل جميع شعوب المنطقة.
ان أسباب تغير دور الجيش في العالم العربي، لا تقتصر، بالطبع، على تراجع ثقة الأنظمة به، بل تعود إلى التغيير العميق في بنية المجتمع العربي ونشوء نخب مدنية جديدة وواسعة لم تكن موجودة في عهود الانقلابات العسكرية. وأهمها وأوسعها حملة الشهادات الجامعية من مختلف الاختصاصات وفئة التكنوقراط. هذه النخبة تنتمي أيضا إلى جميع فئات المجتمع في سائر أرجاء البلاد، كالجيش تماما. على عكس نخب الخمسينات القليلة العدد والمقتصر وجودها على العواصم وبعض مراكز المدن الأخرى على نحو أقل. أي إن هناك تجاور وصلة قرابة قوية بين الجيش وهذه النخب التي تعتبر المحرك الرئيسي للانتفاضات الراهنة والمحتملة.
إن عملية انتقال مشروعية الأنظمة العربية من الخارج إلى الداخل، والتحول في دور الجيش من حام للأنظمة إلى حام للاستقرار الديمقراطي، شرطان ضروريان للتخلص من بقايا العصور القديمة ومفاهيمها في الحكم والاستبداد، والانتقال إلى عصر الحداثة، عبر إدارة البشر لشؤون حياتهم. يبدو أن التاريخ يوزع حركته وحيويته على عقود زمنية. وعدوى التغيير والانتفاضات تتوزع على أقاليم ومناطق قطاعية، فقد شهدنا عقد التغيير الخاص بأوروبا الشرقية وعقد التغيير الخاص بأمريكا اللاتينية ونشهد الآن على ما يبدو عقد التغيير في العالم العربي.
دمشق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أكثر من رائعة
وائل حميد ( 2011 / 1 / 29 - 14:54 )
على ما يبدو أن الناس، أصحاب البلد الحقيقيين، في كل بلد، لن يسمحوا بعد الآن بانتزاع موقعهم كمصدر للمشروعية من قبل أي كان أصبت كبد الحقيقة أحسنت عزيزتي..


2 - الوعي بحركة التاريخ النازحة نحو الخير
سامي المصري ( 2011 / 1 / 29 - 17:35 )
تحية للكاتبة الفاضلة لمقالها الذي يعبر عن وعي كبير بفلسفة التاريخ النازح نحو التقدم للأفضل، رغم كل قوى الرجعية والتخلف التي تحاول خطف العمل التقدمي لحساب شرذمات رجعية. ثورة عبد الناصر كانت لحظة تاريخية فارقة نحو التقدم لخدمة الإنسان ودعوة للحرية والعمل الإنساني بشكل واضح. هذه الثورة خطفها السادات ووجهها نحو الرجعية والتخلف الوهابي، وقام بتشويه عصر عبد الناصر لحساب مفاسده الشخصية. وقام مبارك بتطوير العمل الساداتي القبيح لحساب عصابة من المنتفعين لابتزاز كل خيرات مصر وبيع كل إمكانيتها لقوى خارجية. اليوم يصحح الشباب المصري مسار التاريخ مرة أخرى للعودة به نحو التقدم الإنساني. الكاتبة على وعي كبير بحقائق التاريخ أحييها على فكرها العلمي المتزن الذي يميز بدقة ويفصل بين الفكر العلمي المتسق والعواطف الهوجاء التي تتسرع في الحكم دون دراسة وهو بالأسف الفكر الشائع اليوم حتى بين المثقفين؛


3 - التوازن حاله طبيعيه
مازن العلى ( 2011 / 1 / 29 - 18:51 )
فى قانون الحياه بشكل عام لابد ان يكون هناك توازن طبيعى فى كل القوانين مهما حاول الانسان لى ذراع المنطق الطبيعى الشرطه المخابرات المخبرين تحت امرة الدكتاتور فئه مريضه من الجيش قد تكون بخدمة الدكتاتور ربما خوف من بطشه ربما لانتماء قبلى عرقى طائفى ولكن تبقى اقليه شاذه بالمقابل الجيش اغلب الجيش لابد ان يكون منحاز الى صالح الشعب والوطن والكلمة الفصل هنا للشعب وشباب الشعب الجامعى المتعلم الذى يستطيع اختراع بو عزيزى صاحب عربة الحريه او الشاب الاسكندرانى التى انطلقت ثورة مصر باسمه على الفيس بوك وكل ماهو مطلوب فقط من متعلمى ابناء اقاليم مايسمى بدول العرب ان يختر كل واحد حكاية شراريه لينطلق قطار الحريه غير ابه بالشق الاول من المعادله الطبيعيه الى لقاء اخر فى محاولة تهشيم طاغيه اخر الصفحه مفتوحه للبقيه لن تغلق


4 - منطق التناقض
حسن ابراهيمي ( 2011 / 1 / 30 - 00:37 )
لقد بين تاريخ الثورات ان الجيش ينحاز الى الشعب اثناء الاقتراب من حسم السلطة بعد الصراع الدائربين الولة والشعبـ. ولدلك اسباب منها طبيعة التكوين الدي يتلقاه . فمهام الجيش هي الدفاع عن الوطن ومواجهة جبوش الدول التي تستهدفه .
خلافا لرجال الامن خاصة في الدول البوليسية حيث تنقلب مها مهم من حماية المواطنين الى قمعهم لصالح مافيات ترتكب جرائم اقتصادية ,مالية وغيرها في حق الافراد والشعوب .
ادا كانت تلك المعطيات لاتتطلب التوضيح كما تبين اثناء الثورة التونسية ,الا ان السؤال المطروح هو ماهو النطورالدي عرفه رأس المال العالمي بعد انتقال النظام الرأٍسمالي الى اعلى مرحلة ويتعلق الامر بالامبريالية ؟ وكيف انعكس دلك على نمط الانتاج الكولونيالي ضمن اطار تبعية الانظمة العربية للدوائر الامبرالية ؟ وكيف انعكس دلك ايضا على الاوضاع الاقتصادية وغيرها على الطبقات الاجتماعية العربية ؟ مع مايفيد دلك من تفاوت للتبعة بها وانعكاساتها واشكالها .

اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة