الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق الى القدس

علي شكشك

2011 / 1 / 29
القضية الفلسطينية


الطريق إلى القدس
علي شكشك

إذا كانت دولة "إسرائيل" هي الدولة الوحيدة التي وُلدت بقرارٍ دولي من الأمم المتحدة, فإنها بذلك تعكس لونَ العالم الجديد الذي يهيمن الآن على سطح الكرة, وهي بذلك تعتبر إفرازاً وموجزاً لمجمل العناصر والمكونات التي شكلت هذا العالم وتختزل في طياتها كل مخزونه القديم وأفكاره وعقائده وأحقاده وأخلاقه وبرامجه وأهدافه ورؤاه ونواياه, وتستدعي ذكريات الاستعمار الحديث والاستعمار القديم مروراً بالحروب الصليبية وأمجاد الإمبراطوريات الرومانية واليونانية, إضافةً إلى ما استجد من مصالح تجارية واقتصادية واكتشافاتٍ بترولية وطرق تجارية وممرات جوية وبحرية, دون أن نغفل الحروب المدمرة التي عانى منها الغرب وجرّنا إليها وأقحمنا فيها, حربين عالميتين مدمرتين وحروباً باردةً وصراعاتِ إراداتٍ وصراعَ رأسمالٍ ونزواتِ هيمنةٍ وأهواءَ استرقاقٍ وسيادة, وأصواتاً هستيرية تمتطي الدين, وتكفِّرُ عن جرائمها بجرائم أخرى, تلغي شعوباً وتقسم حدود العالم وتشعل فتناً وتنعش نعراتٍ طائفية وإثنية, ولا ترعوي عن فعل أيّ شيء لبلوغ مآربها وإشباع رغباتها, وقد ترافقت مع انتعاش فلسفاتٍ وأفكارٍ وحركات تمجّدُ الروح المادية والنزعات الإباحية وعقائد الكسب وأديان الربح للربح, مع إفلاسٍ أخلاقيٍّ وجدبٍ في القيم زادَ وراكمَ من سلوكه وانسجم معه وأسنده وشكّل أرضيّةً موائمة له, وسوّلَ له كلّ جرائمه وكلَّ سياساته, فانسجم مع نفسه وتمادى في غيّه فلم يهتزّ له جفنٌ وهو يحرق جحافل الأرواح بقنابله الذرّية في ناجازاكي وهيروشيما, ولم يتردّد في استعمار شعوبٍ وسرقة ثرواتها ولم يتحرّك له ضمير وهو يحصد أرواح أبناء المستعمرات ويتسلى بقتل بني البشر منهم بروحٍ باردةٍ في غيابٍ كاملٍ للضمير إلى الدرجة التي يحصد فيها أرواح خمسةٍ وأربعين ألفاً في يومٍ واحدٍ في بلدٍ كالجزائر, ولا يجد غضاضةً وهو يلحقُ شعوباً بأكملها ودولاً وخرائط واسعة بامتداده الجغرافي ويحرمها من إنسانيتها وكرامتها وقيمتها واعتبارها وإحساسها بذاتها, دون أن يخفي سعادته بما وصلت إليه قريحته من انحطاطٍ وظلام ودون أن ينسى أن يفاخر بدونيته تلك ويعتبرها تقدماً وتحديثاً و "استعمارا",
من مثل هذه التربة وفي مناخ هذه "الحضارة" وُلد "الكيان الإسرائيلي", فكان استنساخاً كاملاً لروح القوى المهيمنة على الأرض في زمانها, وكان فسيلةً معبرةً ببلاغة عن منطق العالم الجديد وقيمه وأخلاقه, وكان هو بدوره الربيب الوليد لنهج هذه الكتلة المسيطرة والتي تحرص بدورها على رعاية ربيبتها ووارثة سماتها وجيناتها ورسالتها, فهي الشاهدة عليها وعلى حيويتها ونجاعتها, وهي الاختبار الحيوي القائم لاستمرارها هي ذاتها, استمرار هذه الكتلة بكليتها, حيث أنّ قابلية هذا الكيان الربيب الجديد للبقاء واستمراره لهي الدليل البيولوجي على قابلية الأب الشرعي الحضاري ذاته وجدارته بالوجود, وإشارة إلى مقدار مساحة الفسحة الزمنية المتبقية له في عمره والتي تحتملها قوانين الوجود, فهو التجربة التي يختبر بها ذاته, والتي تفسر من بين أشياء أخرى كلَّ هذا الدعم الأسطوري والإسناد اللامعقول, ذلك أنهما, كلتيهما, معمّدتان بكلّ هذا الشر وممسوحتان بكلّ تلك السمات والصفات الواردة آنفاً والتي صبغت العالم الجديد بما جعله يفرز شكلَ الأرض الآن ويجعلها هكذا, صحراء ملأى بالمترفين المرضى والجياع ومصاصي الدماء, ومشربةً بالكذب والدجل والعربدة والاستقواء, جرداء جدراء جدباء عمياء, تجرب أدويتها وأسلحتها في فئران بشرية وتتلذذ بِحَيْوَنة الإنسان في أبو غريب وغوانتانامو وتصطاده لتبيع أعضاءه, هذا الارتباط المصيري هو الذي يفسر الأصوات التي لا نفهمها مجتزأةً عندما تصدر من مسؤولين غربيين يصرحون عندما يتعرض الكيان الصهيوني لخطرٍ ما أنّ زوال "إسرائيل" يعني زوالهم هم, كما صرّحت أسبانيا إبان الكراهية التي عمت العالم تجاه "إسرائيل" جراء جريمتها بحق السفينة التركية مرمرة, ذلك أنّ الطبيعة الإنسانية التي سترفض "إسرائيل" وتكشف عنها غطاء الشرعية وتلفظها بقوة الأخلاق هي ذاتها التي ستكون الإشارة على اقتراب زوال النموذج الغربي الذي ليست "إسرائيل إلا استنساخه وفسيلته الشرعية,
وهي وبما أنها فسيلته فهي تحمل جيناته التي تحمل فيما تحمل الخداع والعنف والمداهنة, وقد كان شرط الاعتراف بها الخضوع لقرارات الأمم المتحدة والالتزام بقرار التقسيم وإعادة اللاجئين, وهو الشيء الذي لم تلتزم به ولم تكن تنوي ذلك, لا هي ولا الدول التي صوتت لها, لكنها السمات المشتركة بينهما والتي جعلت الكتلة الدولية المهيمنة لا تبذل أي جهد يلزم فسيلتها بفعل ما لا تريده هي أن تفعله, وذلك في أكبر عملية نصبٍ وظلم وانحطاطٍ في التاريخ, دون أن يعني ذلك أننا نقبل بأقلّ من الحق كاملا, الحق كاملاً, والذي يستلزم لإحقاقه قلب كل المعادلة الدولية ومنظومة أخلاقها, الأمر الذي لا يشترط أكثر من تحررنا منه سيكولوجياً وروحياً, أن نتحرر منه ومن تنميطه لنا, هو الذي رزح قروناً في الجهل والرق والتخلف وغرق في الحروب الأهلية حتى استطاع أن يصوغ شريعته التي تنظم الصراع والكراهية داخل مجتمعه ويلبس فيها قشور الحضارة, ويريد أن يقنعنا أنه بجدارته الجينية جديرٌ بالتقدم والحضارة التي تلك سماتها, في عملية خداعٍ مركّبة تتمادى في ترويج صورتها البشعة آنفة الذكر, فالطريق إلى القدس ليس إلا أن نؤمن بذاتنا ونشق طريقنا على طريقتنا, ولقد أثبت الإنسان العربي أنه لها, وأنه أهلٌ لها. علماً بأنّ الطريق إلى القدس يلخص كل طريقنا.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي