الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهم من إسقاط النظم

أيمن بكر

2011 / 2 / 4
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


يخبرنا التاريخ أن النظم الدكتاتورية تتهاوى عندما يكتمل الوعي الشعبي بطبيعتها وبآليات التحكم التي تمارسها، وهو ما يؤدي إلى ابتداع آليات ثقافية/شعبية مقاومة لآليات السلطة التي تتخلف عادة عن الوعي الشعبي لأسباب كثيرة. تنجح الشعوب عادة في ذلك خاصة حين يتحول الوعي إلى عمل ثوري منظم.
في مصر انطلقت ثورة تقودها طبقة من شباب المثقفين المصريين، وهم خريجو الجامعات وحاملي درجات الماجستير والدكتوراه، وغيرهم من الناشطين السياسيين من الشباب الذي قام بتثقيف نفسه. الثورة تتحرك بوعي لابد أن نقف أمامه بكثير من التواضع، ومن موقع المتعلم أيا كان وعينا أو خبراتنا السياسية التي نظنها في أنفسنا. واجه الثوار الشرفاء مصاعب متدرجة تتصاعد حد التهديد بالموت على يد النظام المتصدع إلا من يد أمنية لم تزل تمارس القتل، وكأن السلطة لا تريد أن تسقط دون أن تثبت الصدق الكامل لهؤلاء الثوار حول مدى إجرامها.
لكن ما نشاهده في مصر يتخطى الثورة السياسية، إلى ثورة في الوعي المصري الذي رأينا في السنوات السابقة كيف أصابه الركود، وضعفت همم أصحابه فتحولوا نحو قضايا سطحية تافهة، وأصبحت الممارسات الاجتماعية مشحونة بالغضب، الذي تقوم بتفريغه في الاتجاه الخاطئ، ما أدى إلى ظهور شروخ حقيقية في الوعي المصري والمجتمع المصري كليهما.
ظهر رئيس وزراء النظام المنهار في قلب الأزمة مشيرا إلى أن انقسام الشارع المصري إلى معارض لمبارك ومؤيد له سيصنع شرخا في المجتمع المصري، محاولا أن يقيم تسوية موهومة بين المعارضين للنظام الذين بدءوا هذه الثورة بمطالب محددة لم تتغير، ومجموعات أخرى تعبر – من وجهة نظري – عن نمطين من الناس في مصر: النمط الأول هو طبقة الحكم والمنتفعين منه، وهو نمط موجود في مختلف الطبقات خاصة نجوم المجتمع من لاعبي كرة وبعض الفنانين مسطحي الوعي والصحفيين ورجال الأعمال وجميعهم منتفعون من النظام الحالي ويظن أنهم من قام باستئجار البلطجية لترويع ثوار الميدان. النمط الثاني من مؤيدي مبارك هم أصحاب الوعي البسيط من عوام الناس الذين تضرروا وانخلعت قلوبهم في الأيام السابقة نتيجة الفعل الإرهابي للدولة حين قامت بسحب قوات الشرطة، اعتقادا منهم أن الناس ستركع سريعا طالبة عودة النظام بكل فاشيته لمجرد عودة أمن موهوم مرتبط به. لم يكن النظام متابعا الشروخ الكثيرة التي تكونت بفعل تكلسه وجموده، وهو بالضرورة غير معني بالشروخ المخيفة التي يمكن أن تحدث لو انكسر هؤلاء الشباب ولم يستطيعوا فرض إرادتهم السياسية في هذه اللحظة بالذات.
الأهم فيما يحدث هو أن شباب ميدان التحرير وميدان المنشية وأمثالهم يقومون كل لحظة بإصلاح الشروخ وليس العكس. إنهم نواة لتصنيع وعي جديد يتجاوز كل الصراعات المغلوطة التي بدت خطيرة – وهي كذلك – من قبيل بشائر الفتنة الدينية بين المسلمين والمسحيين والتي يرى كثيرون أنها من صنع مخابرات النظام، حين استشعروا إرهاصات التحرك الشعبي المصري بعد ثورة تونس. كادت الفتنة الطائفية أن تحدث، ثم جاءت ثورة اللوتس المصرية لتذيب بشائر هذه الفتنة، وتكشف الغطاء عن قلوب مليئة بالحب والعطف والقوة، قلوب تخلصت من الخوف، وهي الآن تنقل حريتها لباقي المرتعدين من الشعب المصري. الآن نرى شعب مصر بأقباطه ومسلميه يحمي بعضه بعضا، صلى المسلمون إلى جوار الأقباط اليوم (الجمعة 4/2/2011) وحمى بعضهم بعضا، وفي الإسكندرية التي حدث فيها تفجير كنيسة في ظل النظام المنهار، أعلن المسيحيون أنهم الآن يشعرون بأمان لم يعرفوه من قبل، وأن شباب الإسكندرية من المسلمين يحمون الكنائس بأجسادهم. ظهرت أصوات سيد درويش وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم، شدت وردة الجزائرية: حلوة بلادي السمرا بلادي الحرة بلادي الصابره بلادي، الأغنية كانت لمصر، لكننا لم نعد نعرف أهي الآن لمصر أم الجزائر؟ ذابت الشروخ الموهومة بين المصريين والجزائريين بسبب الكرة التي تدحرج وراءها وعي الشعوب بسبب الأنظمة الدكتاتورية، خرج الجزائريون ليشدوا من أزر المصريين. الثوار الشباب يعيدون لهذه الأمة ذاكرتها، ويعيدون تحميل هذه الأعمال الفنية بالمعنى الوطني الخالص. إعادة الذاكرة الوطنية هو جزء من خلق الوعي الجديد القادر على بلورة قضايا اللحظة التاريخية بعيدا عن القضايا المزيفة التي تستنزف جهود الناس من مختلف الطوائف والأعمار.
ميدان التحرير يمثل نواة تلتف حولها خلايا كثيرة ليس كلها خلايا سليمة، بل لعل الفاسد منها أن يكون أكثر عددا، وما يفعله الشباب في ميدان التحرير وميدان المنشية في الإسكندرية هو تشكيل جديد لوعي سيبدأ في الإشعاع على باقي خلايا الجسد بعد أن تستقر الأمور ليشفيها من أمراض كثيرة وبدت للجميع مزمنة من قبيل: السذاجة السياسية، والذاتية الضيقة، والانقياد السهل للسلطة، والتدين الشكلي، وغير ذلك مما يشكل غلافا قبيحا حول الثقافة المصرية ، كما أنه سريع الانتشار إعلاميا. إن طول مدة الثورة طبقا لرؤيتي هو أمر مفيد للغاية في تشكيل الوعي الجديد وإكسابه الثقة في قوته، صحيح أن الخسائر الاقتصادية تتزايد، لكنها جميعا مما يتم تعويضه خاصة إذا غاب الفساد وعادت ثروات البلاد إليها.
ما يحدث الآن في الوطن العربي ويبدو لي أكثر أهمية وخطورة من إسقاط النظم هو تخليق وعي جديد يذيب مشكلات الماضي، ويستعد لقيادة المرحلة القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فليتكون الوعي ولنحجم الخسائر
أشرف عبد الكريم عبد المنعم ( 2011 / 2 / 4 - 17:11 )
صديقنا المفكر المصري جدا الدكتور أيمن بكر هو رجل ذو وعي ناضج ورؤية ثاقبة لا أشك في إمكاناتها ولكنني كرجل فلاح تعلم القراءة في نظم مبارك التعليمية فكساه الخوف من أبيه ثم عائلته فالشرطة فالنفس فالمستقبل ، أخاف من طول فترة الثورة ، لا من نتائج هذا الطول على الاقتصاد المصري لأننا لم نكن نحس بآثار تحسنه ولا باثمان خصخصته ولكن على نسيج المجتمع الذي يشكل الأميون فيه ما يزيد على الثلاثين بالمائة منه ، ومن المؤمرات ( نعم أنا من أنصار نظرية المؤامرة ) التي يحيكها لنا الصديق قبل العدو ، لا نملك إلا التمنيات للوطن العزيز أن يبقى عزيزاً.


2 - التعميم أجمل شيء
محمد أبو المجد ( 2011 / 2 / 4 - 17:56 )
بسم الله الرحمن الرحيم
محمد أبو المجد
أشكر ك على هذا الموضوع
بارك الله في التعميم ، فشباب التحرير ( كلهم ) نواة الإصلاح ، و المؤيدون لمبارك ( كلهم ) بلطجية و شرطة سرية ، كذبت عيني التي رأت المولتوف يتم تقاذفه من الطرفين ، و قلت لعيني الكاذبه إنه من المؤيدين فقط ، أنا لست ضد الإصلاح ، فأنا ممن أصابته أضرار عظيمة ( من وجهة نظري ) بسبب الفساد الإداري الذي هو جزء لا يتجزأ من الفساد العام ، و لكن يجب ألا ننجرف خلف فرحة تحقيق المطالب ، إننا على شفا حفرة من الدمار ، و إليكم قراءة في بلورتي السحرية ، يخرج الرئيس ليكلف نائبه بتولي مقاليد الأمور ، و حل مجلسي الشعب و الشورى ، فييثبت الشباب مكانهم : لن نغادر إلا بعد محاكمته ، كما أننا لا نقبل بذيول النظام الفاسد فهم ظل له ، رئيس الوزراء ، و نائب الرئيس ، و كان الحديث عن تعديل ثلاث مواد دستورية ، و اليوم ظهروا بتعديل كامل للدستور ، و هكذا لن يملوا حتى نمل ، نظرية المؤامرة لا فرار منها ، و إن ظن البعض سفاهتي

اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي