الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل السياسي بين الإسلاميين والعلمانيين محاضرة للمفكر السيد أحمد القبانجي

آريين آمد

2011 / 2 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بات واضحا لدى الجميع بأننا نشهد في العراق عمليا ما يمكن تسميته بـ "أسلمة المجتمع" على يد الأحزاب الإسلامية ذات النفوذ الواسع لدرجة باتت الحريات الشخصية في خطر حقيقي، فمظاهرة شارع المتنبي التي جاءت بعد (غلق بار اتحاد الأدباء) كانت مظاهرة النخبة، ولأنها مظاهرة النخبة فإنها ضمت أعدادا قليلة رغم قوة شعاراتها التي كانت على غرار " بغداد ليست قندهار". إلا إننا شاهدنا في اليوم التالي مظاهرة مليونية (للعوام) تؤيد وتطالب بالمزيد من إجراءات التشدد باسم الإسلام ضمن ما تسمى باللعبة الديمقراطية. فالإسلاميون ديمقراطيون طالما كانت الديمقراطية تخدم مصالحهم.
في موازاة ذلك وضمن نفس الإطار (لحين إعداد هذا المقال) بلغ عدد المؤيدين لفصل الدين عن السياسة في مجلس النواب (36) ستة وثلاثون نائبا وهو عدد قليل جدا أمام الحاجة الفعلية لفصل الدين عن السياسة إذا كنا فعلا مهتمين ببناء الدولة المدنية في العراق.
نحن إذن أمام حالة من اختلاط المفاهيم ودرجة عالية من التشويش مما يستدعي إعادة النظر ببعض المفاهيم لفك الالتباس وتحرير فكر المثقف العراقي ليكون قادرا على فهم دوافع العمل السياسي لدى الإسلاميين ولدى العلمانيين لنحدد أي الطرق أفضل وأنجع لعراق بات يشهد تقدما تراجعيا على مستوى الإنسان والخدمات والصناعة والزراعة والعلم والتعليم والتربية والفن والموسيقى والبيئة وحتى الأمن.
يعتقد الكثيرون بان العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة لهذا فهم كانوا وما زالوا يطلقون على العديد من الأنظمة العربية المستبدة ويصفونها بأنظمة علمانية، مثل نظام البعث السابق في العراق، أو النظام السوري الحالي، أو المصري أو التونسي..الخ، وفي الحقيقة فان هذا مفهوم قاصر فالعلمانية منظومة متكاملة من المفاهيم تشمل التعددية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، الحريات، القضاء، الاقتصاد، القوانين والتشريعات، وكل ما يتعلق بالحياة، وفصل الدين عن السياسة إنما يمثل الجزء البارز من (جبل) العلمانية.
أحمد القبانجي يطرح رؤية جديدة للعلمانية نستطيع أن نسميها علمانية رجل الدين أو علمانية المتدين، هذه العلمانية مهمة للإنسان المسلم فهي تمجد الحياة الدنيا ولا تلغي الآخرة، بعكس علمانية أحزاب اليسار التي كانت وما زالت تقدم الدنيا فقط وتلغي الآخرة، وربما كان هذا أهم أسباب تراجع اليسار العلماني في العالم الإسلامي (الأحزاب الشيوعية على سبيل المثال)، فحينما يسال الإنسان العادي شيوعيا عن آخرته فلا يفيد والحالة هذه كل الوصفات التقدمية لمجتمع المساواة والعدل، لمجتمع الشيوعية التي تنطلق من "لكل حسب حاجته"، فيبدأ هذا الإنسان ينفر من الحزب فهو يريد الآخرة أولا "وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون " لأنه منبثق من هذا المجتمع ومنظومته الفكرية التي تمتد لألف عام وأكثر.
فما هي أوجه الاختلاف بين علمانية احمد القبانجي ورؤية الإسلاميين؟؟؟؟.
هناك ثلاث أصول لهذه الاختلافات وهي:
1. أصالة الدنيا. العلمانية تهتم بهذا العالم وليس لها غرض بالعالم الآخر، بينما الإسلاميون يؤمنون بأصالة الآخرة، فالدنيا لديهم عبارة عن قنطرة، جسر، مزرعة، دار اختبار. احمد القبانجي يرى إن الدنيا هي الأصل والآخرة هي الفرع وهذه قراءة جديدة، إنها (قراءة العرفاء).
2. أصالة العقل. العلمانية تؤمن بأصالة العقل أما الإسلاميون فإنهم يؤمنون بأصالة الوحي، فجميع القوانين مستمدة من القرآن والسنة.
3. أصالة الإنسان. العلمانية تؤمن بأصالة الإنسان أما الإسلاميون فيؤمنون بأصالة العقيدة. أي أن العلمانية ترى احترام الإنسان لذات الإنسان، أما الإسلاميون فيرون احترام الإنسان لعقيدته.
ما يتعلق بالاختلاف الأول فقد أثبتت التجربة بان الاهتمام بالدنيا يأتي بنجاحات كبيرة والدليل على ذلك تقدم الغرب على جميع الأصعدة، فالغربي لا يترك أموره للقضاء والقدر كما هو شائع في الثقافة الإسلامية التي ترى الدنيا وكأنها عبارة عن تدخلات إلهية ليس للإنسان فيها سوى التوكل على الله، أي الاكتفاء بدور المتفرج خلافا للرؤية العلمانية التي فيها يتحول الإنسان إلى لاعب أساسي في هذا الكون، فالعقل البشري لم يشهد انطلاقته إلا في الغرب، أما المجتمع الإسلامي فاكتفى بما مقدر له ويرضى بنصيبه من الدنيا ضمن فسحة من الأدعية العديدة في مفاتيح الجنان فهناك دعاء للشفاء من كل مرض مثل الزكام والمغص أو آلام المفاصل وربما حتى السرطان دون أن يحاول هذا الإنسان الكسول البحث عن مسببات المرض، بعكس الإنسان الغربي الذي اكتشف الميكروب والفيروس والمضادات الحيوية ويمضي اليوم في علم الجينات وزراعة الأعضاء، انه عقل خالق مبدع يعمر الأرض كما أراده الله في القرآن.
نحن أيضا نقول بأنه يوجد في الإسلام رؤية تؤكد أصالة الدنيا " أليس القران حمال أوجه" لهذا فان قراءتنا تشبه قراءة العرفاء، والعرفاء يقولون الأصل هي الدنيا باعتبار أن الدنيا مقدمة للآخرة، فقد تكون الدنيا هي الفرع، لكنها هي الأصل، فكما الطفولة هي أصل الشباب، كذلك فان مرحلة الشباب هي الأصل للشيخوخة، العرفاء يعتمدن على " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا "، فان كنت سعيدا في الدنيا فستكون سعيدا في الآخرة. إذا فهمنا أصالة الدنيا نفهم معنى أن ينعم الإنسان بالرفاهية، ويستمتع بما توفره البيوت الفخمة والسيارات للإنسان من متع، عندها لن يكون لكلام أبو ذر الغفاري عندما توفرت قطعتان من الخبز" هذه لهذا اليوم وهذه ليوم غد" هذا الكلام ليس له محل من الإعراب في الحياة العصرية، علينا أن نشجع على الإبداع والعمل والاستمتاع بمنجزات الحضارة ونترك كلام أبو ذر وحتى كلام الإمام علي عندما ذم واليه على البصرة (عثمان بن حنيف) لأنه بنى قصرا، فحتى لو كانت تلك الأفكار مطلوبة في زمن الفتوحات إلا انه آن لنا أن نغير مفاهيمنا حول الدنيا، فالدنيا ليست جسرا للآخرة والدين الذي لا يعمر حياة الدنيا ويحرر الإنسان من الفاقة والحاجة للآخرين فهذا دين غير صحيح.
الأصل الثاني أصالة العقل "العقلانية". الإسلاميون يقولون بأصالة الوحي، فحينما سال الإمام الصادق عن العقل قال " العقل ما اكتسب به الجنات وعبد به الرحمن" فقالوا له فما هذا الذي لدى معاوية، قال هذا ليس بعقل فهذا شيطنة.
العقل في القران مؤطر لكن العقل الفلسفي عقل حر، القران يقول بالعقل المؤدلج، والإسلاميون يحددون طريقة للعقل مثل الإيمان بالتوحيد وبأصول الدين وحتى الإمامة، وإذا لم تؤمن بأي باب من ذلك فهذا ليس بعقل، الإسلاميون يميزون بين العقل الرحماني والعقل الشيطاني، أما نحن فنقول بان العقل يجب أن يقترن بالحرية. العقل بدون حرية ليس بعقل، فجوهر العقل هو الحرية، لهذا فالعقل لدى الإسلامي هو مخزن للعقائد الحقة، أما عند العلماني فالعقل آلة وحركة، فهو يتحرك نحو الحقيقة، هو عقل منفتح على الآخرين عقل يأخذ زهرة من كل بستان، يقتبس منهم وهو العقل الذي يطور الحضارة البشرية، أما العقل المخزني فهو عقل دوغمائي، جزمي، عقل يتصور نفسه مالك للحقيقة والآخرين على خطأ دوما مما سينتج عنه في النهاية إلغاء الآخر لا بل محاربته انطلاقا من مبدأ العمل بالمعروف والنهي عن المنكر، لهذا فقد أنتج العقل الدوغمائي الإرهاب بكل درجاته. ولهذا نجد إن الإسلامي المتدين يعيش حالة من الطمأنينة الموهومة متصورا امتلاكه للحقيقة بعكس الإنسان الغربي الذي يتملكه حالة من القلق تجعله دائم البحث عن الحقيقة.
الأصل الثالث "أصالة الإنسان" ومنه يتفرع أصل المواطنة، حقوق الإنسان، التعددية.
الإسلاميون يقولون بان الإنسان خلق من ماء مهين، فهو ظلوم وحقير وأوصاف عديدة كهذه، أما نحن فنقول بان الإنسان هو خليفة الله على الأرض، نحن نؤمن بالتعددية ونتصور الجميع على حق، ونرى بان العقائد إذا كانت مبنية على القناعات وليس فيه ضرر على الآخرين فتلك العقيدة صحيحة، أما الشيعي الذي يسرق ويكذب فهو شيعي يحمل عقيدة فاسدة، العقيدة التي لا تبني الإنسان هي عقيدة فاسدة ولو كانت شيعية، كلمة (يا علي) هي مسخ للإنسان الشيعي، العقيدة بالأئمة مسخت الشيعي، المسخ ونعني به الاستلاب، بمعنى أن تعطي للإنسان رؤية عن نفسه بأنه من أهل النجاة لأنه يعتقد بالإمام علي، وبهذه الرؤية فهو يمسخ الإنسان، الإرهابي إنسان ممسوخ، انه تقصير العقيدة التي يحملها والدين الذي يحمله هو الذي مسخه.
القول بأصالة العقيدة هو مسخ للإنسان، فماذا يعني قتل المرتد؟؟ ألا يعني بان ليس للمرتد حق الحياة؟؟؟ وينتج عن هذا بان غير المسلم لا قيمة لحياته ويجب أن يعدم!!!!!!. كذلك فان القول بأصالة العقيدة يفرقنا إلى سني والى شيعي ووهابي، لكن المواطنة تبنى على أصالة الإنسان وهي تجمعنا، ولان لا توجد معيار ثابت للعقائد فإننا لا نستطيع أن نحتكم إليها، إضافة إلى أن الشريعة قاسية في أحكامها اللامعقولة أحيانا فتارك الصلاة لثلاث مرات يعزر أولا وفي المرة الرابعة يقتل، فالقتل يكاد أن يكون أسهل شيء في العقيدة، فصاحب الجواهر يقول "بوجوب قتل المنكر للإجماع حتى بدون الحكم بأنه كافر".
أما قولنا بأصالة الإنسان فيؤكد حق وكرامة الإنسان، وهذا ما موجود في الغرب، فأنت تتمتع بكل حقوقك بغض النظر عن الدين والمذهب أو اللون أو العقيدة.
ماركس يقول عن فويرباخ " الله والدين من مخترعات البشر، وهذا الله أو الدين يعمل على خلق شخصية كاذبة للإنسان فيتصور بأنه إنسان صالح، ولدينا آية تقول " فرحوا بما عندهم من العلم " أو آية " الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ".
أصالة الإنسان لدى العلماني يتجسد في المواطنة، والمواطنة غير موجودة في الإسلام، وما يستخدمه السياسيون الإسلاميون من تعابير المواطنة إنما يقصدون بها تمويه أهدافهم الحقيقة فهم يعرفون جيدا بان المواطنة تعني الحدود الجغرافية التي صنعها الاستعمار، هم لا يؤمنون بتلك الحدود، إنهم يؤمنون بالأمة الإسلامية، والأمة الإسلامية لا تؤمن بالمواطنة ، فالمواطنة مفهوم غربي،( هذا جزء من لعبة التضليل وجزء من مصادر التشويش على فكر المثقف العراقي).
هنا يعترف احمد القبانجي اعترافا خطيرا ويتأسف لأنه عندما كان إسلاميا كان يعتبر تلك المصطلحات مثل (المواطنة ، الديمقراطية ، الحرية ، حقوق الإنسان، الخ " أربابا من دون الله، لأنه اكتشف لاحقا إن الإسلام نفسه قد تحول إلى صنم، (الإسلامي والماركسي كلاهما يمسخ الإنسان)....
هذا الشعور بالذنب وعودة الوعي للقبانجي يجعله يقول (اشعر بالغثيان كلما تذكرت مقولة أستاذي الصدر الأول) وهو يدعونا إلى "ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام" فهو يتساءل بمرارة، ماذا يعني أن تصادر شخصياتنا ونذوب في رجل مثل الخميني؟؟؟؟، لهذا فهو يعلن صراحة وبصوت عالي جدا (أنا لا أذوب لا في الخميني ولا في الإمام علي، أو النبي أو حتى الله)، فالله يريد أن يرفعنا من مقام العبودية إلى مقام الخلافة.
الآن نريد أن يفهم الجميع بان دوافع العمل الإسلامي السياسي (بشقيها السني والشيعي) هو الحكومة الإسلامية، والبرلماني الذي يصل إلى البرلمان بأصوات الناس لا يعتبر نفسه مسؤولا أمام الشعب بل يعتبر نفسه مسؤولا أمام الله، لذلك فهو يسارع إلى غلق البارات، ويوجب الحجاب، ويمضي بتبني قرارات لا تأتي إلا (بقندهار إلى العراق)، وهنا مكمن الخطر لأنهم يحاولون تحويل الحكومة من حكومة مدنية إلى حكومة دينية، لأنهم مؤدلجون ويعيشون في فضاء ألف عام سابق.

انتهت
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
مازن البلداوي ( 2011 / 2 / 6 - 06:41 )
الزميل العزيز آربين
شكرا جزيلا لجهدك الكريم المثابر،والموضوع يحتاج الى توعية على ارض الواقع بشكل اكبر واوسع
تقبل تحياتي


2 - يجب فضح هذا الوباء
مجدى حلمي عزيز ( 2011 / 2 / 6 - 10:42 )
انه وباء متي حل بارض اهلكها
انه ضربة الجراد متي جاء ببلاد خربها
النور بدا يتزايد ويكشف الظلمة بطريقه غير مسبوقةل
ولن يصح الا الصحيح في النهاية
تحية للكاتب علي مقاله الرائع


3 - شكرا
آريين آمد ( 2011 / 2 / 6 - 17:29 )
الى الاخوة مازن البلداوي والاخ مجدي حلمي عزيز، شكرا لكم واعتقد باننا بدأنا نفتح كوة في جدار التخلف عسى ان يتسلل النور وتظهر الحقيقة، تذكروا دائما باننا نحتاج كل جهد فالتغيير ليس سهلا امام كل هذا الركام من النفايات كما يسميها القبانجي ساخرا ... تقبلوا تحياتي

اخر الافلام

.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك




.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر