الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين، ما بين ثورتين وأدنى وأبعد.

رائد الدبس

2011 / 2 / 8
القضية الفلسطينية


منذ دخول جيوش الإنقاذ العربية إلى فلسطين قبيل النكبة وحتى يومنا هذا، حدثت تغيرات هائلة على أوضاع الأنظمة العربية، وحدثت تطورات تاريخية كبيرة على مسارات ودروب العلاقات العربية-الفلسطينية. فقد سقطت وتغيرت الكثير من الأنظمة وتحولت بعض الملكيّات إلى جمهوريات،عبر سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية، كما استقلت وولدت دول جديدة، شهدت بدورها كثيراً من الانقلابات والتغيرات.

خلال وأثناء كل تلك المتغيرات الكبرى التي شهدتها الأنظمة العربية، حدثت العديد من التكتلات والأحلاف والانقسامات العربية باسم القضية الفلسطينية أو تحرير فلسطين. وكان الشعار الذي ترفعه الأنظمة العربية على الدوام، أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية، وقد تنافست على رفع ذلك الشعار، الأنظمة التي كانت مصنفة بالرجعية، مع تلك المصنفة على أنها أنظمة ثورية. ومنهم من أبدع في العقدين الأخيرين من الزمن شعاراً آخر يقول بأن القضية الفلسطينية هي قضيته الشخصية.( نظام الرئيس التونسي المخلوع بن علي، الذي ألغى أو همّش تدريسها في مناهج تونس الدراسية والجامعية). وعلى امتداد عقود طويلة، بقيت كل هذه الشعارات بالنسبة للأنظمة العربية، تعمل كوصفة ممتازة تُستَخدَم للتوظيف الداخلي، في ظل تجميد وتعطيل قضايا الحرية والديمقراطية والتنمية الحقيقية، وفي ظل إدراك الأنظمة أن قضية فلسطين تحظى بمكانة مركزية في عقول وقلوب كافة الشعوب العربية. ثم أضيفت إليها في العقد الأخير من الزمن وصفة جديدة، هي مكافحة التطرف وتنامي خطر التيارات الأصولية والإسلام السياسي.

في كلتا الحالتين، فشلت هذه الأنظمة في تحقيق أي من تلك الشعارات. كما فشلت في إقناع شعوبها بمصداقيتها وجديتها. ولم تفلح إلا بتكريس صورتها في أنظار الشعوب العربية والعالم، كأنظمة مستبدة تساهم في صنع التطرف وتفريخ الأصوليات والفساد، ولا تكترث بقضايا شعوبها ولا بقضية فلسطين طبعاً. خلال ذلك، ومنذ نكبة فلسطين وحتى يومنا هذا، استمرت إسرائيل بترديد مقولة رئيسية من شقّين، أولاً: هي أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة والصغيرة، المحاطة بصحراء واسعة من أنظمة ديكتاتورية مستبدة متخلفة، وشعوب غاضبة بفعل استبداد الأنظمة. وثانياً: أن الشعوب العربية تؤيد تنامي هيمنة التيارات الأصولية المتطرفة والإسلام السياسي.

في الشق الأول من تلك المقولة، المتعلق بوصف طبيعة الأنظمة العربية والشعوب الغاضبة من الاستبداد، صَدَقَت إسرائيل وكذّبتْها الأنظمة. وفي الشق الثاني المتعلق بتنامي هيمنة التيارات الأصولية على شعوبنا العربية، كذَبَتْ إسرائيل وشاءت الأنظمة أن تصدق كذبتها وأن ترددها من ورائها، لأن الأخيرة وجدت في ذلك تبريراً لبقائها واستمرار استبدادها. ولقد جاءت ثورة شباب تونس ومصر، لتُسقِط كذبة إسرائيل والأنظمة على حد سواء. فهما ثورتان شبابيتان شعبيّتان وسلميّتان، أثبتتا أنهما ضد استبداد وفساد والأنظمة، لأجل تحقيق الحرية والديمقراطية، وليس للتيارات الأصولية أو الإسلام السياسي أي دور أو تأثير يُذكَر في صنعهما أو توجيههما.

هنالك من لاحظ غياب الشعارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، عن معظم فعاليات الثورة التونسية والمصرية، وذلك على عكس المشهد المألوف للثورات والانقلابات والتظاهرات العربية الرسمية والشعبية، على امتداد العقود الستة الماضية. هذا الأمر في حد ذاته يمكن اعتباره مؤشراً صحياً كبيراً، ودلالة وعي سياسي طال انتظاره. فالحقيقة هي أن فلسطين لم تربح شيئاً أبداً من ذلك الاستخدام المكثف لاسمها ولقضيتها العادلة، في ظل التغييب شبه الكامل لقضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان العربي، التي كان يتمّ انتهاكها على أيدي أنظمة مستبدة، سواء حكمت شعوبها باسم الدين أو الأيديولوجيا القومية والاشتراكية، أو باسم مقولات الاستقرار والأمن والأمان الزائف. أما عن إيمان الشعوب العربية بفلسطين وقضيتها، فهو إيمان راسخ ولا خوف عليه.

في المراحل الأولى لانطلاقة الثورة الفلسطينية، كان هنالك من رفع شعاراً يقول: طريق تحرير فلسطين يمرّ عبر إسقاط الأنظمة العربية. لكن الأحداث، سرعان ما أثبتت خطأ هذا الشعار وسذاجته السياسية، وقد تمّ التراجع عنه سريعاً في حينه. فالأنظمة التي قامت على فكرة الهوية القطرية الضيقة واستمرت في ضخّ تلك الفكرة وتضخيمها، لا يمكنها أن تسقط هكذا بدعوة تأتي من خارج أقطارها، حتى لو جاءت تلك الدعوة من فلسطين التي تحظى بإجماع لدى شعوبها. ومن الفضائل الكثيرة لثورة تونس ومصر من بعدها، أنهما أعادتا بلورة وصياغة المفهوم الصحيح لجدلية العلاقة بين استقلال فلسطين وتحررها من الاحتلال، وحرية واستقلال الشعوب العربية عن أنظمة الاستبداد والفساد والقمع. وأعادتا التأكيد على حقيقة أن تحرير تلك العلاقة من عبء شعارات التوظيف السياسي، هو بداية الطريق الصعب والطويل. وواهم من يظن أن نجاح ثورة مصر أو تونس، سوف يصبّ في خدمة طرف فلسطيني دون آخر. إنهما تصبان في خدمة فلسطين ومستقبلها الديمقراطي المدني الحر . تلك هي شمس فلسطين الحقيقية التي تشرق الآن، من فجر ثورتي تونس الخضراء ومصر المحروسة، وأدنى وأبعد...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE