الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل الحزبي العربي وآفاقه النضالية

عماد يوسف

2011 / 2 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


" هل للأحزاب دور في التغيير المنشود "
تطرح الانتفاضات الجماهيرية العظيمة في تونس ومصر أسئلة كبيرة في واقع العمل الحزبي العربي، على الصعيدين المجتمعي والسياسي. وإن تكن تجربة هذه الثورات الشعبية ذات الأدوات العصرية برهاناً قطعياً لما آلت إليه ( وما سيؤول إليه واقع العمل الحزبي العربي إذا ما بقي أسيراً للفكر الايديولوجي الذي توارثه منذ سنوات الخمسينيات من القرن الماضي) التنظيمات السياسية العربية بكافة أطيافها، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث تثبت هذه الانتفاضات بأدواتها العصرية البسيطة، ومرجعيتها الفكرية شبه المعدومة بأنها استطاعت أن تحقق انتصارات عظيمة في المستوى السياسي والاجتماعي ليس فقط في مصر وتونس، بل على الصعيد العربي عموماً، وقد يكون على الصعيد العالمي أيضاً، فالثورات تمتد وتصيب عدواها الكثيرين كما تمتد النار في الهشيم !
يعود ذلك القصور السياسي في أداء الأحزاب إلى عدم فهمها للغة العصر، وإلى قصورها في استيعاب كوادر الشباب العربي الذي شكلت تربيته الحديثة قطعاً كبيراً مع مفاهيم من مثل : " الإيديولوجية، القومية، الحداثة، العقائدية، المناهج السياسية ، مفاهيم النخبة المجتمعية والانتلجنسيا، مفاهيم الصراع الطبقي " وغيرها من مصطلحات طنّانة تقصم ظهر البعير الذي يحملها، في عصر تقارب فيه العالم إلى درجة مذهلة، وأصبح متشابهاً أكثر من تشابه أصابع اليد الواحدة لدى كل شخص ! لقد عجزت الأحزاب العربية جميعها عن القيام بما قام به موقع ألكتروني شهير، أطلقه شاب في ريعان الصبا من مدرسته في الولايات المتحدة الأمريكية، فنظم، ومنهج، وجمع، وشكّل، ونسّق، وصولاً إلى ثورة شعبية عارمة داست بجنازيرها كل الإنتماءات السياسية العربية لتخرج إلى العلن نقيةً، عارمة، صادقة، لا يشوبها أي تشويه لا من عقل مؤامراتي حزبي، ولا من زعامات تضع الأنا في مقدمة أهدافها سعياً إلى تحقيق وسيطرة مفهوم " النخبة السياسية " الحاكمة !
هكذا دون ديماغوجيا سياسية، أو مشاريع نهضوية لا يصلح البيت إلاّ بها، ومفاهيم ايديولوجية تصنّف الأعضاء الحزبيين بين نصير وعامل، وقيادي ومنظّر بغليون اسود بين شفتيه، وأمين عام وأعضاء مكاتب تنفيذية ولجان وما إلى ذلك من مفاصل العمل الحزبي العربي الذي يهدر الكثير من طاقاته البشرية والفكرية في آليات عمل سياسي لا ينتج إلاّ التكلّس، والارتكاسات التنظيمية من حين إلى آخر . هكذا فهم شباب الفيس بوك لغة العصر وأتقنوها، لم يعد هناك متسعاً من الزمن للمشاريع الإيديولوجية والإنتماءات العقائدية. هناك مطالب معيشية معاصرة، حقوق انسانية مهدورة، تهميش لطاقات كتل شبابية ترى في الحياة أملاً تقتله زعامات سياسية مارست الديماغوجيا، ووظفت طاقات المجتمع كاملة في سبيل خدمة مصالحها الشخصية المحضة، فشكلت كتلاً ومجموعات بشرية عتيدة شرعنت وسخرت كل شيء في المجتمع لخدمة مصالحها واستمراريتها في الحكم ، على افتراض بأن المجتمع الذي خرجوا منه عقيم، ولم ينجب غيرهم ممن يتقنون فن الحكم. وتحت هذه الذريعة مارست كل عمليات السلب والنهب الممنهج والمنظم لخيرات بلادها وطاقاتها، فكانت النتجية تخلفاً واسعاً في جميع المستويات الاجتماعية، فقر، أمية، مديونيات ضخمة، بنى تحتية متخلفة أو شبه معدومة، ظهور طبقات برجوازية طفيلية خطيرة تخلو من أي قيم وطنية أو انتمائية لأوطانها . كل هذا حصل خلال فترات طويلة من الزمن تجاوزت النصف قرن، وعلى مرأى من النخب السياسية العربية ( المعارضة أو الموالية ) التي وقفت متفرجة على هذه الظواهر الخطيرة، مختصرة نضالاتها ببعض الأدبيات التي تعرّي واقعاً هنا، أو ظاهرة هناك !
لاشك بأن الكثير من هذه النخب " وحتى لا نكون جائرين في حكمنا " قد تعرض للسجن والاعتقال، والترويع والتخويف، والتهجير. وهذه حقيقة تاريخية في كافة البلدان العربية . ولكن ليس هذا بيت القصيد الذي نحاول تشريحه هنا. إن جوهر الفكرة هو في وقوع هذه النخب السياسية العربية " الدينية منها والوطنية، والقومية، واليسارية الماركسية " في قصور فكري تنظيمي اجتماعي، عجزت فيه هذه النخب عن مواكبة العصر، وفهم أدواته المتغيرة . حتى أنها لم تستطع استخدام هذه الأدوات أو توظيفها في خدمة تطلعاتها السياسية المشروعة. فبقيت هذه القوى أسيرة أدوات العمل الحزبي التنظيمي القديم المهلهل، المتكلّس. وهذا ما شكل قطيعة كبيرة مع أغلب الشرائح المجتمعية حيث عجزت، ببرامجها، ونهجها الفكري والسياسي عن الوصول إلى قلوب الناس وعقولهم، لتصل بهم إلى مرحلة تغيير حقيقية كما صنعت ثورة تونس، وتصنع ثورة مصر . لذلك نجد أن غالبية الأحزاب العربية لا يتجاوز أعداد كوادرها المئات، أو الآلاف في أحسن الأحوال ! وتأتي المفارقة الكبرى من موقع مثل فيس بوك أو تويتر أو غيره، ليصل بمطالب الناس، وهمومها وتطلعاتها إلى الملايين من الشباب الذين كانت غالبية الأحزاب العربية قد نفضت أيديها ويأست من محاولات جرّها إلى تنظيماتها السياسية لتكون فاعلة فيها !!
هكذا، يبدو أن العمل العربي الحزبي قد فقد مصداقيته، وثبت بالبرهان القاطع عبر ثورة تونس ومصر قصور هذه الأحزاب وعجزها عن تطوير فكرها، وتنمية طاقاتها في سبيل خلق مشاريع نهضوية جديدة تقدم حلولاً ناجزة لمشاكل مجتمعاتها العربية المقهورة والخارجة أو التي ستخرج من نير الاستبداد القهري الطويل الذي عاشته. فالعقائدية الثورية، والايديولوجية الفكرية قد غافلها الزمن وذهبت بعيداً عن تصوراتها. فاليوم تبدو الحياة السياسية أبسط بكثير من تلك المشاريع الطنّانة التي دمّرت الأمة وعادت بها إلى الوراء مئات السنين . لغة المصالح والحياة الحرّة الكريمة، والمشاركة السياسية الواسعة لكافة أطياف المجتمع، في بناء انتاجية عالية على جميع الأصعدة هي التي تحقق التقدم المنشود في عالم اليوم، ومن خلالها نستطيع جميعاً الوصول إلى غاياتنا وأهدافنا على صعيد أمتنا العربية المنكوبة، فاصلاح ذات البين هو بداية لأي اصلاح أكبر، وأظن أن شباب تونس الرائعين، وأبناء مصر العظماء قد علّمونا درساً لن ننساه، حتى لا يتكرر الخطأ مرتين، حيث لم يعد في الزمن بقية ... ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا