الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصين والغرب في النصف الأول من القرن التاسع عشر

أشرف صالح

2011 / 2 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


• قيام أسرة المانشو وظهور شركة الهند الشرقية البريطانية في الصين.
• "الأفيون" مدفعية إنجلترا لغزو الصين ومقاومة المندوب الإمبراطوري.
• حرب الأفيون الأولى (1840 - 1842) ومعاهدة نانكنج 1842.

كان الإمبراطور "كانج تي" الذي تولى الحكم في بكين بداية القرن السادس عشر من أسرة منج Ming الأسرة المالكة (1368 - 1644)، التي تمتعت الإمبراطورية في عهدها بسلام ورخاء. ولم يكن يخامر الصينيين في ذلك الوقت أي كراهية للأجانب، ذلك أن أسرة منج كانت ذات نزعة قوية، وتمثل نهضة الثقافة الصينية، وكانت مستعدة للترحيب بكل علاقة تعقد أواصرها مع الأجانب. ولكن لما وصلت أبناء القرصنة البرتغالية في أعالي البحار الهندية إلى مسامع حكام الصين، رفض هؤلاء أن تكون لهم أية معاملات مع شعب لا يعترف بأية حقوق دولية، ويقترف القرصنة علنًا في أعالي البحار. وفي سنة 1624 وصل أسطول هولندي مكون من 15 سفينة واحتل فورموزا Formosa - الجزيرة المقابلة للصين- وكان احتلالها على شكل حصن هولندي وليس بالبشر لقلة سكان هولندا أصلاً. وفي هذه الآونة ظهرت أسرة المانشو Manchu من منشوريا وهي قوية جدًا واحتلت أراضي الصين وقضت على أنصار أسرة المنج، وقام القائد الصيني "تشنج" المعروف بـ كوكسنجا بمهاجمة جزيرة فرموزا Formosa بقوة عدتها 25 ألف رجل فقضى على الاحتلال الهولندي لها سنة 1662.

الجدير بالذكر؛ أن شعب المانشو كان أمة تقوم على التخوم الصينية لا يعيشون في وحدة قومية حتى ظهر بينهم الزعيم نورهاتشي الذي جمع قبائل المانشو في اتحاد عام، وأنشأ جيش قوي، كما اعترف به الجميع حاكمًا لإقليم منشوريا، وبسط سلطانه على منغوليا، وقبل وفاته كان سلطان المانشو قد امتد إلى الإمبراطورية الصينية ذاتها. وكان خلفاء المانشو أقويا قاوموا الأعداء وتم توحيد السلطة الصينية في يد هذه الأسرة كما أمكن تحقيق الترابط بين كل أجزاء الصين. وقد ظلت أسرة المانشو متربعة على العرش ببلاد الصين قرابة 250 عام (1644 - 1911). وقد بذل الهولنديون محاولات عديدة للدخول في علاقات دبلوماسية مع الإمبراطورية الجديدة، ولكن جهودهم في هذا المجال ذهبت أدراج الرياح.

وفي عام 1685 أقامت شركة الهند الشرقية البريطانية علاقات مع الصين، وزادت التجارة البريطانية مع الصين في سنة 1700 وكان للإنجليز إبان القرن الثامن عشر نصيب الأسد في التجارة الصينية، فالسوق الصيني مهم جدًا لإنجلترا التي تبيع للصين بعض المنتجات البريطانية في مقابل المنتجات الصينية، كما أن الكنيسة البريطانية كانت قد شجعت شرب الشاي لأن المسيحية تحرم الإفراط في شرب الخمور، فوجدت الكنيسة البريطانية أن الشاي يقلل من إفراط الناس في شرب الخمور، وبريطانيا كانت تشتري من الصين الشاي والحرير والبورسلين.

والواقع أن الصين كإمبراطورية لم تكن تهتم بالتجارة الخارجية فقد كانت تمتلك كل شيء بوفرة هائلة ولا ترغب في شيء من الخارج، ولم يكن من المعقول أن بريطانيا – الدولة العظمى في العالم كله في ذلك الوقت – بما تحتاجه من أسواق جديدة لتجارتها ترضى بالقيود التي فرضتها الصين، حيث لم يكن يجوز للأجانب استخدام الخدم الصينيين، وعدم ترحيب الصين بالتجار البريطانيين، ولا يجوز للأجانب تقديم وجهات نظرهم مباشرة للسلطان بل عن طريق ضامنيهم من الصينيين، وقد ظلت شركة الهند تقبل هذا الوضع مدة تصل على قرن تقريبًا – وإن أظهرت شيئًا من التذمر – إلا أن التجارة كانت مربحة. وبينما كان الموظفين في الجمارك الصينية متعنتين مع الأجانب تبين للإنجليز أن التجارة مع الصين من طرف واحد.

فقد كان التجار الأوربيون يشترون كميات ضخمة من الحرير والشاي، ولا يبيعون مقابل ذلك إلا القليل، وكانت الصعوبة هي العثور على شيء يقبل عليه الناس بالصين، وكانت موازنة الميزان التجاري تتم عن طريق زيادة إقبال الناس على الأفيون، ويرجع الفضل في هذا الاكتشاف إلى البرتغاليين، فقد أقام البرتغاليون المغامرون فى جزيرة ماكاو قاعدة صناعية لطبخ الأفيون، وبعد البرتغاليون جاء الأسبان، وفى أعقابهم البريطانيون، وكان هؤلاء جميعاً يزرعون الأفيون ويصدرونه للصين. على أن الأفيون ما لبث أن حُرم تعاطيه بمرسوم إمبراطوري في 1729. وبعد فترة من الزمن لم يعد ذلك التحريم معمولاً به، واحتكرت شركة الهند الشرقية البريطانية بيع الأفيون للصين، كما احتكرت صنعه وبذلك أصبحت لشركة الهند مصلحة ضخمة في توسيع هذه التجارة لملء خزائنها بالذهب، ودفع أثمان تجارتها بالصين. وأصبح الأفيون أعظم الواردات الأوروبية ازدهارًا بالصين. وبين عامي 1818 – 1833 قفز الأفيون من 17% إلى 50% من مجموع الواردات البريطانية إلى الصين.
ومع أن هذه التجارة كانت محرمة بحكم القانون تحريمًا تامًا، إلا أن الشركة لجأت إلى التحايل تارة عن طريق التهريب، كما استخدمت وسائل القرصنة والسفن المسلحة تارة أخرى. وكانت هذه السفن المسلحة تعمل متحدية للقوانين الصينية على طول الساحل في بيع ذلك العقار السام لأهالي الصين، وكانت الحكومة الإمبراطورية الصينية على علم بهذه الحركات، ولإيقاف تلك التجارة عينت الحكومة الصينية "لِنْ تشي هسو" مندوبًا إمبراطوريًا خاصًا، ليواصل التجارة المشروعة ويشجعها ويعمل على استئصال شأفة تجارة الأفيون بكل حزم. وقد طالب "لِنْ" التجار بتسليم ما لديهم من صناديق الأفيون وكانت نحو 20 ألف صندوق، واستولى عليها وأحرقها علنًا. ثم حصل من التجار على تعهدات بأنهم لن يواصلوا هذه التجارة البشعة المنافية لقوانين الإمبراطورية. ومع أن التجار البريطانيين وقعوا تلك التعهدات، إلا أنهم فعلوا ذلك بتحفظ ادخروه في عقولهم، ذلك لأن الشركات البريطانية كانت ترسم خطتها في الحين نفسه لمواصلة التهريب من ساحل البحر بواسطة سفن مسلحة.

وقد سارت الأمور على ما يرام ثم حدثت المتاعب بعد ذلك ببضعة أسابيع عندما قتل جماعة من البحارة البريطانيين السكارى رجلاً صينيًا على أرض بلاده، ورفض المشرف البريطاني على التجارة تسليم المجرمين، فأصدر "لِنْ" أمرًا قاطعًا بتسليم المجرمين وإلا فأنه سيضطر إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتنفيذ سلطته بالقوة، واتبع إنذاره بحشد السفن الحربية، واحضر البريطانيون من جانبهم سفينتين حربيتين ثم شرعوا دون انتظار لأية مفاوضات يطلقون مدافعهم على السفن الحربية الصينية وأغرقوها، وهكذا بدأت حرب الأفيون الأولى (1840 - 1842).

وتجد الإشارة إلى أن؛ "لِنْ" أخطأ في تقديره مرتين، الأول أنه خُيل إليه أن الحكومة البريطانية لم تكن طرفًا في تهريب الأفيون، وذلك يتضح من الرسائل التي وجهها للملكة فيكتوريا حيث قال "ولا مراء عندي أنكم لم تأمروا بزراعة هذه المادة وبيعها"، كما أوضح "لِنْ" أن بريطانيا نفسها لا تسمح للناس فيها بتدخين ذلك المخدر. فكيف تقوم الشركة الرسمية للحكومة البريطانية ببيعه في الصين وتعرض الغير لتأثيره المؤذي. ولا يعلم "لِنْ" أن الحكومة البريطانية كانت مشتركة في الأمر وعلى علم تام به، فقد أجرت لجان مجلس اللوردات والعموم البريطاني تحقيقًا دقيقًا في مسالة زراعة الأفيون وبعد أن درست المبالغ التي تعود منه على بند الإيرادات بالهند، وعلمت تمامًا بالمكان الذي يصدر إليه في النهاية، قد انتهت دون تردد إلى قرار ينص على أنها لا ترى من المصلحة التخلي عن مصدر للإيراد له مثل تلك الدرجة من الأهمية. فالواقع أن الحكومة البريطانية كانت غارقة إلى أذنيها في هذه التجارة غير المشروعة وفي القرصنة التي واكبتها، ومن الطبيعي أن "لِنْ" لم يكن يعرف تلك الحقيقة، وبخاصةً أن نظريته في الدولة - بوصفه من أتباع كونفشيوس- كانت تقوم على التمسك بالأخلاق، والإمبراطور فيها يتولى تحت وصاية السماء إقامة ميزان الاحتشام، فالحاكم مبعوث الإله وتعاطي الأفيون يعتبر رذيلة.

أما خطأ "لِنْ" الثاني فهو اعتقاده بأن الأسطول البريطاني لن يتدخل لحماية المجرمين، كما أنه لم يكن لديه فكرة صحيحة عن قوة بريطانيا البحرية. وكان بوصفه أمير البحر الأعلى للسفن الحربية الصينية يؤمن تمامًا بقدرته على التصدي للأسطول البريطاني، وكان سوء التقدير ذلك وبالاً أدى على هزيمة الأسطول الصيني.
وهكذا خسرت الصين الحرب التي سميت في التاريخ باسم حرب الأفيون الأولى لسوء تقديرها قوة الأسطول البريطاني في البحر من جهة، وعدم وجود تنظيم موحد للمقاومة الوطنية، وافتقارها للأسلحة الحديثة من جهة أخرى، مما اضطر بها لقبول معاهدة مهينة سميت بـ (نانكنج) The Treaty of Nanking عقدت في
29 أغسطس/آب سنة 1842.

تكونت المعاهدة من (13) بنداً، وكانت الفقرة الرئيسة في تلك المعاهدة التي تذكر شيئاً عن الأفيون هي الفقرة التي تفتح للتجارة خمسة مرافئ يسمح فيها للتجار الأجانب وعائلاتهم ومؤسساتهم بالإقامة بقصد مزاولة أعمالهم التجارية دون أدنى مضايقة أو قيد. وكانت مرافئ المعاهدة تقع على مصب نهر اليانجتسي Yangtze أطول أنهار الصين، وكان للتجار الأجانب هناك الحق في التجارة المباشرة مع الأهالي، كما تقرر أن ترسو على كل مرفأ من تلك المرافئ الخمسة سفينة حربية للحماية، ونصت المعاهدة أيضًا على أن الموظفين القنصليين ينبغي أن يسمح لهم بالإقامة.

وقد عُقدت معاهدات مماثلة مع فرنسا والولايات المتحدة سنة 1844، وأضاف الفرنسيون فقرة في معاهدتهم وهي رعاية الدين المسيحي ونشره في الصين، وعلى أثر ذلك جاء العشرات من رجال الدين لنشر المسيحية في الصين وكان رد الفعل كبير. وقد كانت معاهدة نانكنج هي حجر الزاوية في صرح العلاقات الدولية التي تحكمت في الصين نحو مائة عام، وكان الغرض الرئيسي منها هو القضاء على انعزال الصين بالقوة، وإجبارها على التجارة مع الدول الأوروبية، وتعليم الصينيين فوق ذلك أنهم ليسوا أعلى من سائر شعوب الأرض، بل يفصلهم فارقًا حضاريًا عن الدول المتطورة في ذلك الوقت.

وعلى أية حال، شعر التجار الإنجليز بالراحة لعقد المعاهدة، فقد تحققت حرية التجارة بالقوة، بيد أن الحلم لم يكد يتحقق فإنه قيمة الصادرات البريطانية لم يظهر فيها رغم الامتيازات الخاصة التي اختصت بها مواني المعاهدة أية زيادة على قيمتها. وكانت الصادرات أقل أيضاً بالرغم من وجود سوق الأفيون، فما عداه من السلع لم يكن له سوق، فكأن الحلم لم يتحقق بل تحول لكابوس يجثم على الصدور، ولم يستطع التجار الأوربيون فهم الحقيقة، إذ لاح لهم أن من الواضح أنه إذا كانت سوق 300 مليون من الصينيين لا تقدر جودة البضائع البريطانية فلابد لذلك من سبب خفي.

المراجع:
Marshall BroomHall ,The Chinese Empire: A General and Missionary Survey.- London: Marshall, Morgan & Scott and CIM, 1907 .
F. Wakeman, The Fall of Imperial china.- New York: Free Press,1975.
جاد طه، دراسات في تاريخ آسيا الحديث.- القاهرة: د.ن، 2001.
فؤاد محمد شبل، حكمة الصين: دراسة تحليلية لمعالم الفكر الصيني منذ أقدم العصور.- القاهرة: دار المعارف، 1968. (ج1)
ك.م. بانيكار، أسيا والسيطرة الغربية/ ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد/ مراجعة أحمد خاكي.- القاهرة: دار المعارف، 1962.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عجيب
عبدالله ( 2011 / 11 / 5 - 02:06 )
فقط جئت لأشكر الطرح وكنت أتمنى لو أكملت بقية القصة

شكرا لك جدا على على هذا المقال والحقائق الجديدة

اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة