الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح المدرسي وإشكالية مسرحة المناهج .

أحمد صقر

2011 / 2 / 20
الادب والفن


- شاع في الربع الأخير من القرن العشرين استخدام مصطلح مسرحة المناهج الدراسية فى الكثير من المدارس المصرية ثم سرعان ما انتقل هذا المصطلح إلى بعض البلدان العربية وأصبح متداولاً هناك، وللتعرف إلى دلالة مسرحة المناهج نقدم تعريف أحد المتخصصين فى إدارة النشاط المسرحى ومدير إدارة التربية المسرحية الأستاذ أحمد شوقى الذى يقول: " إن المسرحة كلمة مستحدثة ، مؤداها ، إحياء المواد العلمية وتجسيدها فى صورة تعتمد على شخصياتها تنبض بالحركة والحياة ؛ لتخرج من جمود الحروف المكتوبة على صفحات الكتب وقداعترفت مبادئ التربية الحديثة بوجاهتها وقيامها على أسس نفسية وتربوية" .
وهكذا يحدد التعريف السابق المقصود بالمصطلح وهو ما يتقارب مع معنى الإعداد المسرحى ودلالته ومصطلحه، بل يتفق معه فى الطريقة والأسلوب؛ ذلك أننا نأخذ مادة جهزت بشكل مسبق – وإن كان هذا التجهيز فى إطار كتاب مدرسى- ونعيد كتابتها فى شكل مسرحى بهدف قراءة ما تم تجهيزه ومشاهدته، يضاف إلى ذلك أن مشاهدة المسرحية المدرسية المعدة عن مادة علمية أو تاريخية أو أدبية سوف يحببها إلى قلوب التلاميذ نظراً لقدرتهم على استساغة ما يشاهدونه وتقبله.
وترتب على ذلك نهضة مسرحية فى إطار بعض المدارس بهدف استخدام المسرح وسيلة مساعدة فى تعليم الطفل وتثقيفه، وبذا تراجع المعنى السابق المتعارف عليه للمدرسة، فبعد أن كانت المدرسة تركز على حسن تربية الطفل علمياً ودراسياً؛ ليتمكن من الحفظ وحسن الأداء فى الامتحان، تطور مفهوم التربية فى المدرسة وأخذا أبعاداً أخرى متعددة، فالمدرسة وحدة اجتماعية متنوعة، تساهم فى بناء شخصية التلميذ العقلية والوجدانية والصحية، ففى المدرسة ستعلم الطفل كيف يعيش، ويتعامل مع الآخرين وكيف يقوم بأعمال وكيف يتعاون مع زملائه وكيف يتنافس معهم، وكيف ينجح، وكيف يفشل" .
وهكذا تطورت مجالات التربية فى المدارس وأصبح دورها يتعدى مرحلة إنتاج جيل من الحفظة والقوالب الجامدة المتشابهة الحفظ ،الفاقدة للابتكار أو التجديد وأصبح دور المدرسة أن تشكل وتحضر جيلاً من التلاميذ قادراً على الانصهار والاندماج إيجابياً فى المجتمع وهو ما اتفق على تسميته " بالمنهج ... الذى يعنى تلقى التلاميذ خبرات المدرسين التعليمية التى توفر لهم مما يخلق حالة من حالات التلاقى بين المدرسة والمجتمع.
إن الهدف الرئيسى من مسرحة المناهج هو محاولة الخروج بالمناهج الدراسية من مجالاتها الضيقة المحدودة داخل قاعات الدرس إلى صورة حية متحركة مما يجعلها تتمتع بالقدرة على الإقناع والمرونة بعيداً عن جمود المناهج الدراسية – التقليدية – وقد أدرك الكثير من المهتمين بالتربية والتعليم فى المدارس مدى ما لهذه الطريقة من فوائد ومزايا، لذلك سارع الكثير من المهتمين إلى " الاستفادة من الدراما كوسيلة من وسائل الإيضاح فى تدريس الكثير من المواد، وقد تكونت هذه الفكرة بعد أن لاحظوا مدى تأثير البرامج التعليمية التى يقدمها التليفزيون.
وهكذا شهدت المدارس العربية ازدهار أسلوب مسرحة المناهج الذى يعد من أهم تقنيات التعليم الحديثة التى " تساعد فى تنشيط الإدراك، وتقوية الاتصال وتطور العملية التعليمية أو تدعمها من خلال أسلوب يعتمد التعليم عن طريق الرؤية والتفكير والعمل أو ما يسمى بأنموذج المشاركة، حيث يستفيد الطلاب من عملية التعليم باستخدام هذا الأسلوب الفائدة القصوى" .
ذلك أن العمل الجماعى لطلاب المدرسة من خلال وجود معلم يوجه ويرشد ويرسخ من خلال هذا العمل الجماعى الكثير من المزايا التى تخطت ما كان سائداً من قبل، متمثلاً فى كون المدرسة مكاناً لتلاقى التلاميذ؛ ليحصلوا العلم دون وجود وسائل اتصال وتلاق ونقاش بين التلاميذ بعضهم البعض، أو بينه وبين معلمهم سواء موضوعات تتعلق بنقاش ما يحصلونه أو موضوعات مستقاة من قضايا حياتية، وربطها بما يدرسون.
المسرح المدرسى بين التأليف ... الإعداد ... الاقتباس
التأليف : تعد مرحلة التأليف فى المسرح المدرسى أعلى مرتبة ومكانة يصل إليها المؤلف للمسرح المدرسى؛ فهى مرحلة توصف بالابتكار والإبداع ينجح من خلالها المؤلف فى بناء نص مسرحى، وكتابته اعتماداً على خياله، وعلى ما تفيض به نفسه وذاكرته الانفعالية المرجعية من تجارب ومشاهدات يترتب عليها كتابة نص مسرحى، يقدم لطالب المدارس وهو غالباً ماينصب على موضوعات لها علاقة بما يدرسه الطالب وما يحصله من علوم.
الإعداد: يعنى المصطلح صراحة كل عمل كتب وأعد من عمل أخر، كأن يقوم أحد الأساتذة فى المدرسة بإعداد مسرحية عن قصة دينية أو موضوع تاريخى أو جغرافى وهنا يعد ما قام به المدرس عملية تحويل مادة علمية مثلاً إلى نص مسرحى يحاول من خلاله إثبات قدراته الإبداعية باعتباره معدا ، هذا من ناحية.
من ناحية ثانية: يسعى إلى التخفيف من جفاف المواد الدراسية وتبسيطها؛ لتصبح مستساغة ومقبولة عند الطلاب وتلاميذ المدارس.
الاقتباس: يعطى الاقتباس للمقتبس حرية التصرف مع النص المقتبس عنه، هذا إلى جانب ضرورة أن يحافظ المقتبس على البناء العام
وأرى أنه من المناسب أن أختار نصين من بين نصوص المسرح المدرسى لهذه الدراسة النقدية وهما " المعدة فى قفص الاتهام " و" الشجرة المنتصرة " أما عن النص الأول فهو من تأليف رزق حسن عبدالنبى ويطرح من خلال هذا الأنموذج للمسرح المدرسى مسرحية تركز على فكرة أساسية- صحيح أنها مستوحاه من المناهج الدراسية لذا تغلف بالصبغة العلمية – وهى ما يتعرض له الإنسان من تهديد يهاجم جسده ويصيبه بالمرض وضرورة أن يواجه هذا الخطر الذى يهدد صحته عن طريق كافة أعضاء الجسد التى أعلنت كلها عدم مسئوليتها عما يحدث، وبعد أن يستعرض الكاتب فى أجواء علمية مدرسية مكونات جسم الإنسان ومسئولية كل جزء عما يحدث وصولاً إلى نتيجة حقيقية، تمثلت فى أن المعدة وكل أجزاء الجسم غير مسئولة عن هذا القدر الكبير من الطعام الذى يدخل إليها ويصل إلى نتيجة تؤكد أن المعدة بريئة، وأن المخ هو الذى يتحمل المسئولية لعدم سيطرته على سائر أجزاء الجسم.
وقد اعتمد معد هذه المادة الدراسية – العلوم والصحة – على فكرة مسرحة هذه المادة العلمية عن طريق تعريف التلاميذ بكل جزء من أجزاء الجسم، واستعراض موقعه ووظائفه فى تكنيك الحوار المباشر؛ حيث يقدم كل جزء نفسه إلى الجمهور واصفاً نفسه ووظائفه مدافعاً عن التهمة الموجهة إليه، واكتنف أسلوب تقديم الحدث تكنيك المباشرة، فكل جزء يقدم نفسه بعد أن ينادى عليه الحاجب، ويدلى فى القضية المنظورة أمام قاعة المحكمة بما فيها من قضاه ونيابة توجه تهمة إفساد الجسم إلى المعدة.
إن الحدث فى هذه المسرحية يفتقد الإثارة والتشويق المتعارف عليهما فى المسرح التقليدى للأطفال، ويستعيض معد هذه المسرحية الدراسية عن مقومات الحدث الدرامى المتعارف عليه بمقومات الحدث المستمد من هذه المادة الدراسية التى تدفع بالأطفال إلى الانفعال بالمعلومات المعروضة على خشبة المسرح ومحاولة كل تلميذ أن يتبارى مع زميله ويسبقه فى الإجابة بصوت مرتفع معرفاً الجزء الذى يحدث على خشبة المسرح وسرعة تحديده ودوره.
وهذا يؤكد صحة القول بأن مسرحة المناهج تخدم العملية التعليمية، لكنها لا تخدم الإبداع المسرحى، ذلك أننا قد نقبل هذا النص فى إطار مسرحة المناهج الدراسية بما يقدم من معلومات تهدف إلى تعليم التلاميذ، لكنها لا تهدف إلى تقديم نص مسرحى نعامله بنفس الكيفية التى نعامل بها النصوص المسرحية التى تتمتع بالصبغة الأدبية والتى نخضعها عند التحليل لمقاييس الفن والدراما المتعارف عليهما.
وقد حرص المعد منذ بداية المسرحية على تقديم لوحات سريعة تمثل كل لوحة حدثاً مسرحياً يعرض جزءاً من وظائف الجسم المتعارف عليها فى أسلوب يعلم التلاميذ، ويحببهم فى تقبل المادة وصولاً إلى نتيجة لهذا الحدث حددت أن المسئول عن فساد المعدة هوالمخ، وهو ما يحقق مبدأ العدالة الذى يحرص عليه الأطفال، ويهتم القائمون على مسرحهم عامة إلى تحقيقه" إن الأطفال لديهم إحساس قوى بالعدالة . لذا يجب أن تتميز مسرحية الأطفال بالنهاية العادلة. إن كل مسرحية يجب أن تقدم دافعاً إلى تطوير إحساس المبادئ لدى الأطفال. فالطفل يحتاج إلى أن يعرف المقاييس الصحيحة للعدالة " وهو ما تجلى فى نهاية المسرحية، حيث أكد القضاة أن المخ هو المسئول وأن كل أجزاء الجسم بريئة من التهمة بما فيهم المعدة.
أما عن الحبكة المسرحية- الصراع الدرامى – والتشويق فتحظى الحكاية فى مسرح الأطفال بأهمية كبيرة خاصة إذا كانت حكاية المسرحية هنا مستمدة من الموضوعات الدراسية التى يدرسونها، لذا وجب على المعد لهذه المادة الدراسية أن يضمنها حبكة مسرحية(عقدة مسرحية) بسيطة، فمستوى الحبكة هنا بسيط غير مركب ولا معقد ؛ يأتى متوافقاً مع طبيعة موضوع الحكاية التى تجعل جسد الإنسان هو مجالها، هذا من ناحية.
من ناحية أخرى فإن المعد حرص على تحقيق متطلبات المسرحية، حيث قدم العقد فى المسرحية منذ البداية دون تمهيد مطول يصيب الأطفال بالملل ويبعدهم عن فهم ما تود المسرحية أن تؤكد عليه إدراكه، فمنذ اللحظة الأولى تعرض لجنة المحكمة للقضية وتدخل بنا مباشرة إلى العقدة وهى: من المسئول عما يصيب جسم الإنسان من أمراض؟ وتنفرج العقدة وتحل حين تؤكد اللجنة أن المسئول هو العقل الذى يسمح بحدوث كل هذه الفوضى داخل الإنسان.
والمسرحية المدرسية قد تشتمل على نوع من الصراع الدرامى الذى يحقق للتلاميذ القدرة على البقاء فى أماكنهم طوال مشاهدة المسرحية، فالصراع هنا يتحقق بتعارض المصالح بين المعدة وبين كل أجزاء الجسم الأخرى، فمنذ البداية يحمل الجهاز الدورى والجهاز التنفسى كلاهما الجهاز الهضمى وبخاصة المعدة نتائج ما وصلت إليه حالة الإنسان ويبدأ الصراع ويحاول كل جزء أن يرفع عن نفسه هذه التهمة، وتتأزم الأحداث عندما يظن البعض أن المعدة مسئولة وصولاً إلى الأمعاء والحاجب والبلعوم وهكذا يصل الصراع فى اصطدامه إلى الكشف عن مسئولية العقل عن كل الذى يحدث.
والواقع أن تلاميذ المدارس يركزون على المعلومة وعلى كيفية مشاهدتها داخل إطار مسرحى يبعث فيها الحياة مما يرسخ المعلومات فى عقولهم، لذا فإن الأعمال المسرحية المدرسية التى تقدم لأطفال المدارس، تؤكد أنهم " ليسوا فى حاجة إلى التعقيدات الفنية للشكل المسرحى التقليدى .أضف إلى هذا أن المسرح يثير حساسيتهم بسبب وجود متفرجين، كما أنه يتلف صدقهم ويعلمهم الادعاء والمظهرية" ومن ثم نؤكد أن اهتمام المعد المسرحى بالتعقيدات المسرحية الفنية المتعلقة بطبيعة الصراع أو الحبكة أو كيفية تقديم الشخصيات وتصويرها أو طبيعة الحوار المسرحى، وملامحه كل هذه العناصر لا تركز فى فنيتها ووظائفها المسرحية المتعارف عليها فى المسرح عامة ولا فى مسرح الطفل خاصة.
إن عنصر التشويق فى المسرح المدرسى لابد أن يتحقق للتلاميذ فى أثناء مشاهدة موادهم الدراسية التى دبت فيها الحياة فحولت صمتها إلى أصوات مسموعة وشخصيات تتحرك دبت فيها المشاعر فحركت جمود هذه المواد. لذا يراعى المدرس حين يقدم مثل هذه المسرحية أن تحقق نوعاً من التشويق قد لا يتشابه فى أثره وإمكانات تأثيره عن المسرحيات الأخرى للأطفال، أعنى أن التشويق والترقب يحدثان فى هذه المسرحية المدرسية، حيث يسعى الأطفال لمعرفة المسئول عن مرض الجسم واضطراب وظائفه وهو الشعور الذى يجتاحهم طوال أحداث المسرحية ويولد لديهم الترقب بين مشهد وآخر وصولاً إلى نهاية المسرحية واتضاح الأمر.
أما عن الشخصيات فلا أحد يدعى أن مثل هذه المسرحيات تقدم شخصيات مسرحية بالمعنى المتعارف عليه للشخصية ذلك، أننا أمام نماذج يقدم كل منها جزءاً من أجزاء الجسم لا يتمتع فى رسم ملامحه بأية تفاصيل أو ملامح يحولها إلى شخصيات مسرحية، إذ تتحرك هذه النماذج – القلب – الأمعاء- القولون – وباقى النماذج – دون أى تفرد بين ملامح كل منهم اللهم إلا فيما استقر فى أذهان التلاميذ من أن هذا الشكل الذى رسم على لوح كرتون ويحمله الطفل ويتحدث إنما يمثل القلب ليس أكثر من ذلك. ومن ثم فإننا لا نتوقع من مثل هذه النوعية من المسرحيات المدرسية تقديم شخصيات مسرحية تتميز بالتفرد ولا نستطيع أن نحدد لها أبعاداً ثلاثة فى رسم ملامحها، بل يكتفى المعد بتقديم هذه النماذج التى تسهم فى توصيل المعلومة دون أن تحظى – هى – بخصوصية فى ملامحها.
ولن نتوقع من هذه النوعية من المسرحيات المدرسية اشتمالها على نوعية محددة من الحوار تتميز بالخصوصية ويصبح للغة الحوار قدرات تأثيرية، كونها محملة بعواطف وأحاسيس وأفكار تتناسب مع الشخصيات وملامحها، هذا الأمر لا يتحقق؛ لأن المؤلف يركز من خلال هذا النص المدرسى على تقديم المعلومات دون أن يراعى أسلوب صياغتها، أقصد أن المعلومة التى يطرحها المعد باستخدام لغة حوار مسرحى تفتقد إلى حد كبير جماليات اللغة المسرحية المتعارف عليها على المستوى البصرى والسمعى، فنحن عندما نستمع إلى حوار القاضى والقلب:-
القاضى: ما اسمك ... وأين تسكن؟
القلب: اسمى القلب، أشبه الكمثرى وانقسم إلى أربع حجرات وأسكن فى منتصف التجويف الصدرى بين الرئتين ويميل طرفى الأسفل قليلا إلى اليسار كذلك الحوار الذى يدور بين القاضى والرئتين لا يتمتع بأية خصوصية فنية تقترب من الوظائف التقليدية والفنية للحوار إلا من حيث حشد لغة الحوار وتقديمها للمعلومات الدراسية:
القاضى: ما هى وظيفتك ؟
الرئتين: اسمح للدم الموجود فى الشعيرات الدموية المحيطة بحويصلاتى بأخذ الأكسجين من الهواء الذى يصلنى من عملية الشهيق. واسمح أيضاً بطرد ثانى أكسيد الكربون وبخار الماء من الدم ليخرج مع هواء الزفير ... ونطلق على ما يحدث بعملية تبادل الغازات.
وهكذا لا تتميز لغة الحوار بأية خصوصية أو أية دلالات فنية اللهم إلا فى قدرة هذا الحوار على تقديم المعلومة الدراسية فى أسلوب يحاول المعد من خلاله التقليل من جمود المعلومة الدراسية، وإعطائها القدرة لأن تتحرك على خشبة المسرح مما يسهل استيعابها دون أن ندعى بأن الحوار هنا يتشابه مع حوار مسرحيات الأطفال الأخرى.
أما عن النص الآخر أى مسرحية " الشجرة المنتصرة " فهى من تأليف عبدالتواب يوسف ومن إعداد محمد أبو الخيريطرح عبد التواب يوسف مسرحية يعدها محمد حامد أبو الخير طفولية احترافية آدمية لموضوع يحظى، باهتمام ليس فقط للأطفال، بل الكبار أيضاً إنه موضوع حماية حدائقنا بأشجارها وزهورها وكيف يمكن أن نقبل تحولها إلى أماكن جرداء ؟ أو كيف نقبل أن تقطع الزهور بحجة أننا نحبها ونود أن نشم عبيرها ؟
لقد قدم المؤلف مسرحيته معتمدة على الدكتورة زهيرة المتخصصة فى علم الأشجار واعتراضها على الطفل التى امتدت يده إلى الزهور لقطعها، يعقب ذلك توضيح الأمر من قبل د. زهيرة إلى الأولاد وتقوم بعرض حكايتها عندما كانت صغيرة وكان والدها يرعى حديقة بأشجارها وهو لايملكها وكيف كانت تعجب من ذلك.
ينقلنا المؤلف إلى أحد فصول المدرسة نعرف من خلالها أن الدكتورة زهيرة كانت صغيرة وما حدث من المعلم حيث أخذ يعلم الأولاد قيمة الأشجار والأزهار وذلك من خلال رسم الأشجار بأوراقها وأغصانها محاولاً أن ينمى أذواق الأطفال.
تنتقل الأحداث بعد ذلك مرة أخرى إلى القرية، حيث والد زهيرة – عم ربيع – وزهيرة تعلم أن والدها يشكو من الأرض التى أصبحت غير صالحة للزراعة وأسرع الناس فى قطع الأشجار وزهيرة ووالدها يبيكان . ويرحل عم ربيع وزهيرة إلى المدينة ولا تزال بداخله أحلامه الجميلة وحبه للأشجار فى المدينة لإقامة مصنع ويصر عم ربيع وزهيرة والجميع على الدفاع عن الأشجار وينجحون فى الإبقاء عليها وبناء المصانع خارج المدينة. وتختتم د. زهيرة المسرحية هى والأطفال بالغناء مع جمهور الأطفال للشجرة والخضرة والحب والصفاء.
لقد اهتم المؤلف من خلال المسرحية ببعض القيم الأخلاقية والتربوية والجمالية التى لابد أن نغرسها فى نفوس الصغار فى المدراس، فى المنازل، فى الشوارع، فى وسائل الاعلام وهى ضرورة المحافظة على حدائقنا وأشجارنا وزهورنا، فهى هامة فى حياتنا؛ لأنها ترقى أذواقنا، وتهذب مشاعرنا، كما أنها تساعدنا على أن نستظل بظلها من حر الصيف وهكذا يؤكد المؤلف أهمية الأزهار والأشجار فى حياتنا، وضرورة ألا تطغى المادة عليها؛ فنحول كل ما حولنا إلى مصانع أو بيوت على حساب المساحات الخضراء.
إن فكرة المسرحية إيجابية ومحققة لأهدافها خاصة أن المؤلف أجرى أحداثها بين المدرسة والقرية وفى حديقة عامة مما يؤكد أننا جميعاً أطفال مسئولون ومطالبون بحماية حدائقنا بأشجارها وأزهارها.
أما الحدث المسرحى فعندما نتحدث عن الحدث ومستوياته فى هذه المسرحية نجد المؤلف قد عمق طبيعة الحدث فى المسرحية فجعله يحدث فى الماضى مثلاً فى مشهد اكتشاف د. زهيرة طفلاً يقطف الأزهار نرى أن المؤلف عمق هذا الحدث وجعل له جذوراً فى الماضى تعود إلى سنوات بعيدة عندما كانت د. زهيرة طفلة كما أكد المؤلف أن الماضى أثر فى تكوين د. زهيرة طفلة ، وجعلها تحب الأشجار والزهور، حتى أصبحت متخصصة فى علم الأشجار، وهكذا تتدفق الأحداث أمامنا من الحاضر لتعود إلى الماضى وتعود مرة أخرى إلى الحاضر إلى المدرسة إلى المدينة بحدائقها ومصانعها.
إن اعتماد المؤلف على " تكنيك التحليل الرجعى " أو كما تسمى طريقة الكتابة المعتمدة على الإرجاع هى ملمح درامى فاعل ومؤثر؛ إذ يضاعف من قوة المسرحية بأن يجعل القارئ أو المشاهد يتعرف على الحدث منذ البداية وينتقل معه متابعاً حالة التطور والتوتر والتشويق التى تتحقق مع تطور الحدث الدرامى.
ويلاحظ أن المؤلف لم يقسم المسرحية إلى فصول أو لوحات لكننا نستطيع أن نرصد ذلك منذ بداية المسرحية فقد بدأت المسرحية فى حديقة عامة يجتمع فيها الأطفال ويعد هذا هو المشهد الأول ثم سرعان ما ينتقل الحدث عندما تعلن د. زهيرة أنها ستحكى لهم عن ذكرياتها، " وينتقل الحدث إلى الريف أى المشهد الثانى، ثم ينتقل الحدث إلى المدرسة وسرعان ما تعود الأحداث إلى القرية مرة أخرى وأخيراً يختتم المؤلف المسرحية بأن تدور الأحداث فى المدينة.
وبرغم تعدد أحداث المسرحية وتعدد أماكن إتمام الحدث فإن المؤلف تمكن من الربط بين هذه الأحداث فى خط درامى واحد متطور صاعد وصولاً إلى نهاية المسرحية، من ناحية أخرى فإن بساطة الأحداث وطريقة عرضها جاءت متوافقة مع قدرات الأطفال فى فهم المسرحية والتعامل معها بيسر؛ نظراً لأسلوب عرضها الذى ابتعد عن التشابك وابتعدت على أثره الأحداث عن التداخل والتعقد الأمر الذى يصبح تعامل الأطفال معه أمراً صعباً.
مستويات المكان والزمان فى المسرحية
إن المكان الذى تجرى فيه أحداث المسرحية يمثل الحيز المكانى الذى يحدده المؤلف منذ بداية المسرحية وهو ما يترتب عليه طبيعة سلوك الشخصيات وأفعالها، بل أكثر من ذلك يحدد لنا منذ البداية طبيعة الأجواء التى ستدور فيها أحداث المسرحية.
وقد حدد المؤلف منذ البداية ومن خلال إرشاداته المسرحية طبيعة المكان، ومن خلال الكلمات التى ترد منذ البداية نتعرف على طبيعة المكان، فهو مسرح وسط حديقة فى الهواء الطلق وهو ما يعنى أن مساحة المكان واسعة مفتوحة، وكل هذا يحقق دلالات معينة، أهمها أن الأطفال يتحركون بحرية واسعة دون حدود أو قيود، ولعل هذه السمة طغت على طبيعة الأحداث والمكان فى المسرحية باستثناء الفصل الدراسى الذى أراه هاماً ضرورياً بما يحظى به فى نفوس الأطفال من دلالات العلم والمعلم والالتزام .
ومن المعروف أن مستويات الزمان فى أى عرض أو نص مسرحى تنحصر فى ثلاثة مستويات (ماض– حاضر – مستقبل) وقد نرى الزمن فى مسرحية ما يعتمد على الحاضر، أو الماضى أو المستقبل فقط، وقد يمزج المؤلف بين أكثر من مستوى لمستويات الزمان مثلما حدث فى هذه المسرحية، ففى هذه المسرحية لدينا مستوى من الزمن هو الماضى الحاضر ولا شك أن الزمن الماضى له تأثير إيجابى وقوى على الأحداث والأفعال فى الحاضر وقوى على الأحداث والأفعال فى الحاضر مما يؤكد بدوره ويسهم فى تحقيق مستقبل إيجابى.
إن الماضى الذى مرت به د. زهيرة كان سبباً فى تغير حاضرها، أى علاقة الماضى والحاضر مثل علاقة السبب بالمسبب فالماضى هوالسبب والحاضر هو المسبب والزمن تطور منذ أن كانت د. زهيرة طفلة مع والدها تعلمت وأيقنت أهمية الأشجار والأزهار والخضرة وهو ما أسهم فى تحديد حاضرها المشرق.
أما عن الحبكة المسرحية – الصراع الدرامى والتشويق- فقد اعتمد المؤلف من خلال هذه المسرحية على مجموعة أحداث دارت بين الحديقة والقرية والمدينة والمدرسة لكن ما يميز هذه الأحداث هو أنها ترتبط ببعضها البعض مما جعل الحبكة المسرحية بسيطة بمجرد أن تتطور الأحداث وتبدأ فى التعقد، حين يقرر المدير قطع الأشجار لإقامة المصنع سرعان ما نصل إلى الحل دون إطالة من قبل المؤلف وهو مايؤكد أننا أمام مسرحية بسيطة فى فكرتها وفى حبكتها المسرحية، وكذلك فى باقى عناصرها.
لاشك أن الصراع فى مثل هذه النوعية من المسرحيات يأخذ مستويين:-
‌أ- مستوى الصراع الداخلى.
‌ب- مستوى الصراع الخارجى.
أما عن المستوى الأول فيتمثل بين د. زهيرة وبين الأطفال فى الحديقة، إنه صراع بين عاطفة حب الأزهار من قبل بعض الأطفال الذين أرادوا أن يقتلعوا بعضها وبين رغبة الدكتورة فى منعهم من ذلك.
أما المستوى الثانى فيتمثل فيما بين د. زهيرة وبين صاحب الحديقة والمصنع وهو صراع مادى بين د. زهيرة التى تود أن تمنع تحول كل شئ أخضر إلى أماكن جرداء أو مصانع أو أبنية وهو ما يتعارض مع حبها وقناعتها بالخضرة، هنا يتجسد الصراع ويتحقق وتنجح د. زهيرة فى الانتصار فى نهاية المسرحية وذلك من خلال محافظتها على الخضرة والأشجار.
إن التشويق فى الإبداع المسرحى عنصر هام وضرورى لابد أن يحرص عليه المؤلف وهو ما وفق المؤلف فى تحقيقه، فمنذ بداية المسرحية تتصاعد الأحداث محققة عنصر التشويق والإثارة والمتابعة من قبل القارئ والمشاهد وصولاً إلى مرحلة التأزم وحل الأزمة وانفراجها محققاً بذلك التشويق طوال أحداث المسرحية وهو ما يؤكد نجاح المؤلف فى حرصه على الإبقاء على الأطفال المشاهدين للمسرحية مشدودين طوال العرض المسرحى.
أما عن الشخصيات فى هذه المسرحية فهى تتميز بحرص مؤلفها على تقديم الأطفال الصغار جنباً إلى جنب مع الكبار لتقديم القيم الفكرية والتعليمية والثقافية التى يود المؤلف طرحها من خلال المسرحية وتجسيدها، فمن خلال المسرحية قدم لنا المؤلف عدة شخصيات تمثل نماذج وأنماطاً متعارفاً عليها فى حياتنا اليومية جعل لبعضها من الخصوصية والتفرد ما يقربها من الشخصيات الإنسانية ذات الملامح المتفردة مع الإبقاء على بعضها باعتبارها أنماطاً لا تتمتع بالتفرد فى خصالها.
قدم المؤلف شخصية الدكتورة زهيرة، الدكتورة المتخصصة فى علم الأشجار التى سبق أن قدمها طفلة صغيرة إلى جوار والدها عم ربيع الذى أظهره المؤلف فى سمات وملامح متعددة على المستوى المادى والاجتماعى والنفسى، فهو رجل فى الأربعين من العمر يتمتع بالقوة والحيوية هذا إلى جانب كونه رجلاً بسيطاً من حيث وضعه الاجتماعى، لكنه على المستوى النفسى رقيق المشاعر يحب الجمال والأزهار، والأشجار، لا يتوانى عن رعاية الخضرة والجمال دون مقابل مادى، هذا إلى جانب بعض الشخصيات الأخرى مثل المعلم فى المدرسة، مدير مجلس المدينة، وصاحب الحديقة وتلاميذ المدرسة، وكلهم يمثلون توجها واحداً يرعى الأشجار ويحافظ عليها عدا المدير الذى يفكر فى الكسب المادى ولو على حساب الجمال والأشجار والخضرة.
وعن الحوار يمكن القول بأن المؤلف اعتمد من خلال لغة الحوار المسموعة والمرئية على مفردات لغوية قادرة على تجسيد القيم الثقافية والتعليمية والفكرية للمسرحية جنباً إلى جنب مع القيم الجمالية التى تسعى لغة الحوار المرئية إلى تحقيقها، وذلك من خلال لغة سهلة معبرة عن أجواء الحديقة والأشجار والمدرسة والريف. منذ اللحظة الأولى للمسرحية يعلن المؤلف موقفه من أعداء الخضرة والأشجار الذين يتعدون على الأزهار بحجة أنهم يعشقونها، فى لغة حوار معبرة دون تبرير لهذه الفعلة الخاطئة:-
د. زهيرة : ما هذا ؟ ماذا فعلتما ؟
حسام : ماذا ؟
نادر : لاشئ ، هذه بعض الورود.
د. زهيرة : ألا تدركان خطأكما.
نادر : خطأنا.
د. زهيرة : نعم خطأكما " تنظر إلى الورود "
حسام : أبداً ، أنها هذه بعض الورود قطعناها لأننا نحب الورود.
د. زهيرة : " مبتسمة" تحبون الورود ، لقد ذكرتمانى، بابن جارتى، فهو يحب اللعب ومع ذلك يحطمها.
حسام : ولكننا نريد أن نستمتع بجمال الورد، ونشمه.
د: زهيرة : كلنا نحب الاستمتاع بالورود وشمها ... ولكن إذا افترضنا أن كل من يحب الورود والزهور يقطفها فماذا تكون النتيجة ؟
حسام ونادر: معنى هذا قد لاتبقى، ورود على الإطلاق
من ناحية أخرى يحرص المؤلف على غرس القيم الأخلاقية الجميلة، حين يؤكد حرص عم ربيع على سقي الأشجار الموجودة إلى جوار حقله:-
زهيرة : هل رويت أشجارك هذا الصباح يا أبى ؟
عم ربيع : نعم رويتها والحمد لله، ولكنها ليست أشجارى.
زهيرة : إذن أشجار من ؟
عم ربيع : أشجار الله، وهى للناس، كل الناس.
زهيرة : الناس يسمونها أشجار العم ربيع.
عم ربيع : هم يداعبوننى، لا أكثر ولا أقل.
زهيرة : ولما ترويها ما دامت ليست لك ؟
عم ربيع : أنه لابد وأن يطعمها إنسان، كى تنمو وتكبر مثلك
تتطور الأفكار وتنجح لغة الحوار فى التأكيد على أهمية الأشجار إلى أن نصل إلى صاحب الحديقة التى مر عم ربيع بها ووجدها جرداء، أشجارها جافة ذابلة ويصر عم ربيع على رعايتها ويدخل فى نقاش حاد مع صاحبها ويقنعه برأيه:-
عم ربيع : ألا ترغب فى أن ترى حديقتك نضرة جميلة، أزهارها متفتحة، أشجارها مورقة، مثمرة، تسر كل من ينظر إليها.
صاحب الحديقة : إنها حديقتى.
عم ربيع : حرام أن تسميها حديقة، حرام أن تتركها على هذه الصورة.
صاحب الحديقة : قلت لك، إنها حديقتى.
عم ربيع : ولأنها حديقتك، تتركها هكذا بلا عناية، وما ذنب الآخرين، عندما ينظرون إليها، ولا يجدون فيها أية متعة للعين.
صاحب الحديقة : وماذا تريد منى أن أفعل، وأنا دائم السفر وليس لدى الوقت للعناية بالحديقة، ولا أخفى عليك أننى مستاء جداً من رؤيتها هكذا ولكن ماذا أفعل؟
عم ربيع : لو أذنت لى ، وكان لديك الرغبة فى إصلاح شأنها وتجديدها فأنا على أتم الاستعداد
وهكذا ينجح عم ربيع وابنته الدكتورة زهيرة فى نشر دعوة حب الأشجار والازهار وضورة رعايتها والمحافظة عليها وينجحان فى نهاية الأمر فى الانتصار على عدو الأشجار المدير الذى أراد حرق الأشجار لإقامة مصنع:-
عم ربيع : (للمدير) الشجرة كائن حى يدافع عن نفسه وينتقم ممن يريد به شراً.
المدير : حقاً ؟ إنى سأقطعها حتماً.
عم ربيع : هل من ثأر بينك وبينها ؟
المدير : أتريد أن يقول الناس : إن الشجرة انتصرت علىَ.
عم ربيع : عفواً ... إنها معركة غير متكافئة ... الشجرة حنونة طيبة.
المدير : أنت قلت: إنها تنتقم.
عم ربيع : دعك مما أقوله.
المدير : الذى يذهلنى بحق ... أن يسكن النحل فى الشجرة
وتستمر المفاوضات إلى أن يعلن المدير موافقته على بقاء الأشجار وعلى إقامة جمعية لمحبى الأشجار.
زهيرة : بالنيابة عن زملائى نشكركم على استجابتكم النبيلة.
المدير : وأنا أشكركم.
زهيرة : لنا طلب عند سيادتكم.
المدير : وما هو يا أشجار المستقبل.
زهيرة : نريد أن نكون جمعية محبى الأشجار، حتى نحول مدينتنا إلى حديقة كبيرة.
المدير : وأنا موافق على هذه الفكرة الممتازة، وسوف أساعدكم بما تحتاجون إليه بل وسأجعل هذا اليوم عيداً للشجرة فى مدينتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج