الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التظاهرات في العراق ومبرراتها

ناجي الغزي

2011 / 2 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تتسارع الاحداث في العالم العربي وترتفع حمى التظاهرات وتتجلى بساحات التحرير العربية, والعراق جزء من المنظومة العربية الجغرافية والسياسية, فالتأثير والتأثر أمر طبيعي جداً. وعلى الرغم من أن الوضع السياسي في العراق يختلف عن الأنظمة العربية بحكم الآلية التي جاءت من خلالها السلطة الحاكمة. إلا أن تلك الآلية لاتحصن الحكومة من غضب الشارع ولاتصونها من التظاهرات والاحتجاجات التي خرجت في بعض المحافظات والتي سوف تخرج في الايام القادمة التي ربما تكبر لترتقي الى أنتفاضة أو ثورة. وهذا الاحتقان الجماهيري لم يأتي من فراغ أو رغبة لتحقيق أهداف فضفافة, بل جاء نتيجة تذمر وأستياء شعبي أستمر لاكثر من سبع سنوات خلقته الاحزاب التي تسيطر على المشهد السياسي. والتي زرعت الطائفية السياسية والمحسوبية في التعيينات والوظائف الادارية, وللاسف تلك الاحزاب لاتملك الخبرة والمهنية في أداءها الحكومي للخدمات الرئيسية المهمة من "ماء وكهرباء وصحة وتعليم وبطالة وتنمية". مما أنعكس سلبا على رداءة الخدمات وأستفحال ظاهرة الفساد التي أصبحت آفة أكلت الدولة ومؤسساتها, أضافة الى الصراعات السياسية بين القوى والاحزاب السياسية التي تركت تداعياتها على المجتمع وساهمت في تعطيل أداء الحكومة الخدمي والامني الذي تنعكس منافعه الرئيسية على المواطن العراقي مباشرة.

وهذه المطالب التي ينادي بها الشعب طبيعية وبديهية لانها خدمات وأستحقاقات يناشد بها الحكومة المنتخبة التي جاءت عن طريق صناديق الاقتراع والتي أخذت على عاتقها مسؤولية أدارة البلاد وتوفير الخدمات والامان وتوفير فرص العمل وحماية الثروات والحريات. كما يقول جون لوك في كتابه ( رسالتان في الحكم) " أن الوظيفة العليا للدولة هي حماية الثروة والحرية ويجب على الشعب تغيير الحكومة أو تبديلها في حالة عدم حفظها لحقوق الشعب وحريته ".

فالتظاهرات التي جابت وتجوب البلاد مبررة للغاية لأسباب تراكمية كثيرة تمس حياة الشعب وتتجاوز على حدوده الانسانية في العيش بالحياة والتمتع بالعدالة والكرامة. والمواطن العراقي عندما يشعر بأن حقوقه مهدورة ومقدراته مسلوبة وخدماته معدومة, سيكون خروجه في الشارع موقف تاريخي يحسب له. فخروجه يعبر عن حقوقه المسلوبة, مطلقا صوته منادياً ومطالباً بأسترجاع حقوقه التي كفلها الدستور. فلا أعتقد هناك عاقل لا يبرر لهذا الشعب خروجه بتلك التظاهرات ومساندته, وتلك المطالب لايمكن أن توصف بالحمى أو العدوى من الثورات العربية او بالمغرضة.

لان الحكومات التي أفرزتها العملية السياسية منذ سقوط النظام البائد لم تستطيع أقناع الشعب بخطاب سياسي موحد وواضح يلامس هموم الناس ويلبي أحتياجاتهم ويحقق طموحاتهم الطبيعية في العيش والكرامة والعدالة بمبدأ المواطنة وهو المعيار الأساسي في بناء المجتمع الديمقراطي وليس على أساس طائفي او عرقي او حزبي. علماً أن أغلب الزعماء السياسيين وقيادات القوى السياسية في زمن المعارضة يتحدثون بلغة وطنية مفرطة منتقدين اجراءات وسلوكيات النظام البائد, في زرع الفرقة والطائفية وبث ثقافة الفساد وهدر المال والمحسوبية العائلية على مفاصل الدولة. ولكن للاسف نرى بعض رجالات الحكومة العراقية تكرر نفس السلوكيات التي أنتقدتها وتعيد أنتاجها وتبرر لها ذلك. وتلك الحكومات تفتقر الى أدوات العمل السياسي في التعامل مع الازمات السياسية التي يمر بها البلاد, على كل الاصعدة الامنية والخدمية والسياسية. فالمواطن العراقي صاحب السلطة الحقيقية في رسم الخريطة السياسية بدأ يفقد الثقة بالحكام والطبقة السياسية العليا وسأم الفوضى الادارية المستدامة والخراب المتعمد في مفاصل الدولة ومؤسساتها المختلفة عن جهل وعن قصد نتيجة قلة الخبرة المهنية والعمل بالضد السياسي. أضافة الى التخبط السياسي الذي تسير به الحكومة العراقية داخليا وخارجيا والذي يعود الى مبدأ الشراكة اللاوطنية التي بنيت على اساس المحاصصة الحزبية والطائفية.


والمشكلة التي تمر بها حكومة الترضية الغير متجانسة هي عدم أستطاعتها أقناع الشعب المظلوم بتلك الاخفاقات المتتالية التي تمر بها, من فساد وسرقات للاموال العامة والتستر على كبار اللصوص وفشل ذريع في ادارة الدولة بل ذهب البعض الى المكابرة في طرح الأفكار والتصورات والخداع في تبرير الفشل السياسي والخدمي. حيث أصبح سلوك الحكومة فوق القانون وليست حامية له, وذلك من خلال الخروقات المتكررة للدستور في التعاطي مع الكثير من الملفات وتعطيلها لمئات القوانين تحت قبة البرلمان التي تحمي حياة الفرد ومقداراته في المجتمع وتنظم سلوك الاحزاب الحاكمة والقابضة على مقاليد السلطة ومنافعها.

ومن أهم تلك القوانين المعطلة هي قانون تنظم الاحزاب وقانون مكافحة الفساد, وقانون حرية الاعلام وحماية الصحفيين والكثير غيرها. ومن هناك يدخل الشعب العراقي بأشكالية كبيرة مع السلطة الحاكمة تبعاً لقانون "العقد الاجتماعي" ونظرية الحاكم والمحكوم الذي تنازل الشعب من خلالها عن حقوقه الفردية في القضاء والعقاب, وذهب يحمل آماله وطموحاته ليدفع بتلك الكتل السياسية الى سدة الحكم. الذين تم اختيارهم من قبل الشعب على أن يكونو ملتزمون بطاعة القوانين وتنفيذها التي سنها المشرع القانوني المخول من قبل الشعب. وتبعا لمفهوم العقد والاخلال به يحق للشعب العراقي وغيره أعادة حساباته في الحكومة التي أنتخبها وسحب السلطة منها بطريقة التظاهرات والاحتجاجات لكون الشعب هو صاحب السلطة العليا. ومن هنا فأن التظاهرات في العراق مبررة جداً وليس فقط في الانظمة الدكتاتورية.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة