الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معمّر القذافي: جنون العظمة وكاريزما معقدة

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 2 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تمر في حياة الأمم والشعوب فترات تاريخية استثنائية ترسم ملامح التغيير للإصلاح تارة وللتخلف تارة أخرى، ولا بد أن يقود تلك العملية زعيم تاريخي استثنائي أو قائد ثوري نادراً ما يتكرر!! –ونتمنى أن لا يتكرر- يقلب المفاهيم والمعايير المألوفة ويأتي بنظريات جديدة خارج نسق الزمان والمكان، وحينما يعجز الآخرون عن تحديد كاريزما شخصيته بين المفكر والثائر أو السياسي المنفلت من قواعد البروتوكولات التقليدية أو المفكر الذي لا يجاريه أحد في فكره وأطروحاته العجيبة الغريبة، أو القائد الذي طالما مدّ بنظره إلى الأعلى بهامة العظمة ينتظر بشوق أن تأتيه رسالة من السماء بأنه نبي مرسل للبشرية، ومخلص منقذ للإنسانية المعذبة!!
فلا شك أن ذلك هو قائد الثورة الليبية العقيد معمّر القذافي الذي تحدى الزمن والتاريخ والظروف وشارك في ثورة لا يعلم احد كيف ومتى ظهرت وجعلت منه أصغر زعيم يحكم ليبيا وعمره لم يتجاوز السابعة والعشرين!!
ولم يكن القذافي يوما مشغوفاً بمواصفات المنصب، فهو ليس رئيساً بالمفهوم التقليدي للرئاسة ، بل يعتبر نفسه زعيم وقائد ثورة لم تنتهي من تحقيق أهدافها بعد؛ ودولته لا تخضع للتوصيفات المتعارف عليها، فهي ليست ملكية ولا جمهورية، هي "جماهيرية"، أي حكم الجماهير، كما جاءت أوصافها التفصيلية في كتابه الأخضر المشهور .
هي سمات زعيم من زمن آخر يبحث عن مجده الخاص في لحظات الهوان والضعف والقوة والمنعة، انه الثائر الذي عبر تواريخ خطيرة بالنسبة لشخصه ولبلاده وللعالم العربي، وخرج منها سالما أكثر قوة وصلابة، فكتب عليه القدر –للأسف- أن يستلهم مسيرة الزعماء والثّوار عبر التاريخ الاستثنائي ليصنع المجد لشخصه خارج مجد بلاده التي ما زالت ترزح تحت وطأة الكبت والظلم والتجهيل والاستبداد، ويشاء القدر أن يلقبه الزعيم جمال عبد الناصر بـ"أمين القومية العربية"، ويكأن عبد الناصر عاش معه سنوات طويلة وهو يرى ثوراته ضد الصهيونية والاستعمار!!
فكان "أمين القومية العربية" أكثر من دمّر الأمة العربية بخطبه الرنانة الفارغة من أي قيمة تذكر، وشعاراته المزيفة ودعواته المثيرة للفتنة والانقسام، بل وتثور حوله شبهات كثيرة بتعاملاته السرية مع اليهود والولايات المتحدة، حتى القضية الفلسطينية لم يقدم لها ولو خدمة واحدة في حياته، وحينما قرر دعم الشعب الفلسطيني أصدر قراراه التاريخي مع انتفاضة الأقصى عام 2000م، فرحّل الشعب الفلسطيني المقيم في بلاده وزج بهم إلى أتون جحيم الصحراء الليبية الحارقة بحجة أن هذا واجب كل زعيم عربي أن يعيد الفلسطينيين إلى بلادهم لإجبار الكيان الصهيوني على إدخالهم إلى أراضيهم عنوة حتى ولو قصفتهم إسرائيل بالنووي!!
تأثر القذافي في حياته بأطروحات وأفكار الزعيم جمال عبد الناصر حول القومية العربية، ولم يغير أطروحاته المتعلقة بالعروبة والديمقراطية ولكن أضاف إليها التوجه لبناء الاتحاد الإفريقي، والقذافى يؤمن بالديمقراطية المباشرة لأن "أمرهم شورى بينهم"، هكذا يرى وان لم يفعل بهذه الآية الكريمة، ويعتبر أمرهم جميعا لا أمر النخبة والتي بلورها في "النظرية العالمية الثالثة" في الكتاب الأخضر.
ألّف القذافي وزملاؤه مجموعة "الضباط الوحدويين الأحرار" عام 1959 ثم قاموا بثورة بيضاء على الحكم السنوسي في ليبيا في الأول من سبتمبر 1969م سميت بثورة الفاتح.
لقد فجّر القذافي الثورة لأنه يقول أحس بهموم مواطنيه، "فأعماقه كانت تغلي حقدا على هؤلاء الذين استعمروا بلاده قامعين بالسيف نضال ثوارها الذين استشهدوا وأيديهم قابضة على السلاح ..".
وبقيام الثورة أعلن الضباط الأحرار أن دماء عمر المختار ورفاقه الشهداء لم تذهب هدرا فها هي طموحاتهم التي استشهدوا من اجلها قد تحققت من خلال ثورة ردت العزة والكرامة إلى شعب عربي يعتز بعروبته ويتفانى في خدمة أمته، وليتهم لم يفعلوا، فما أشبه ثورتهم تلك بثورة الضباط الأحرار في مصر والتي كانت نهايتها وخيمة على يد الشعب المصري في 11 فبراير الحالي حينما أطاح الشعب العظيم بنام حسني مبارك آخر معقل من معاقل ثورة ضباط أحرار مصر التي حكمت البلاد بالنار والحديد والعنف لأكثر من خمسة عقود.
بلور القذافى في عام 1977م مفهوم المؤتمرات الشعبية الأساسية التي يعتبرها التفاعل الديمقراطي الشعبي الليبى في كتابه الأخضر "النظرية العالمية الثالثة"، وأعلن تخليه هو رفاقه الضباط الوحدويين الأحرار عن السلطة، فقام الشعب الليبى بتبني النظرية العالمية الثالثة أسلوب "الديمقراطية المباشرة" التي توافقت مع رغبات الليبيين في الديمقراطية وحكم أنفسهم بأنفسهم فتم إعلان قيام سلطة الشعب في مارس 1977 ومولد أول جماهيرية في التاريخ" كمفهوم لأول نظام سياسي بعد الجمهورية، وتخلي العقيد معمر القذافي رسميا عن رئاسة مجلس قيادة الثورة وأصبح قائدا للثورة لا رئيسا للدولة، وصار الاسم الرسمي لليبيا هو "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية" وهو أطول اسم دولة بلا شك !!
والقيم والمبادئ التي أعلنتها ثورة الفاتح من سبتمبر قد جسدتها على الأرض بالبداية، حاربت الجوع والفقر والمرض قدر الإمكان. وسعت الثورة إلى إنهاء عهود الاستغلال والهيمنة الاستعمارية، لكن حلّت مكانها البطش والاستبداد والظلم واستغلال ثروات الشعب لصالح نظام الثورة الفردي!! ولان شعار الثورة بان الإنسان أثمن رأسمال من خلاله تصل إلى ما تصبوا إليه من عزة وطموح، فان القذافي طبق هذا الشعار بشكل مقلوب، فجعل الإنسان الليبي مجرد "كومبارس" لبطل واحد هو القذافي، وحوّل الشعب الليبي الى رهائن في نظام سلب الشعب حريته وكرامته كل ثرواته، فحكمهم بالنار والحديد والقتل والدكتاتورية لأكثر من أربعين عاما !!
وما زال يعتبر نفسه المنقذ والمخلص والزعيم الأوحد وملك الملوك وزعم العرب وخليفة المسلمين، وطالما استمرأ إطلاق الصفات التمجيدية على ذاته، لدرجة انه البعض يعتبره يعاني من مرض اسمه "العظمة" و "الإلوهية" الفردية، فهو متكبّر ومغرور حتى في تعامله وعلاقاته بالزعماء أقرانه، وكان يجبر بعض القادة على انتظاره لساعات أمام طائرته الخاصة لحين أن يؤدي مراسم النزول من سلم الطائرة !! وأحيانا يرفض ان يزور دولة ما لم توفر له مساحة شاسعة لإقامة خيمة خاصة لإقامته بها، فيؤمن ان الخيمة أفضل مكان يقيم فيه خوفا من الاغتيال، وتحرسها أجهزة متطورة بحراسة نسائية خاصة .
وعندما قامت الثورة كان ثمة مجتمع مدني حضري في طرابلس وبنغازي وبرقة الليبية، فقام القذافي باعتقال ومطاردة كل المثقفين والمفكرين، وطرد عشرات الآلاف من هذه المدن، ثم أحضر عشرات الآلاف من البادية وأورثهم بيوت هؤلاء الجاهزة واصدر تشريعا يقول: "البيت لساكنه"، وقد شكلت هذه التركيبة السكانية البدائية وليس البدوية فقط قاعدة حكم القذافي والجيش والأجهزة البوليسية، فشكل نظاما من العصابات والبدو ولديهم مهمة واحدة هي التصدي لما تبقى من آدمية وثقافة الشعب الليبي ، وكان ذلك عماد الجماهيرية التي تقوم على الفوضى والسلطة الفردية الاستبدادية المطلقة.
القذافي يعتبر نفسه مفكرا خاصا!! حيث عرف عنه شغفه الشديد بالقراءة والاطلاع والكتابة في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والفكرية ، كيف لا يكون مفكرا وهو صاحب نظريات خاصة في الحكم وسلطة الشعب والديمقراطية وحل الأزمات العربية والعالمية ، فضلا عن مؤلفاته النادرة العجيبة التي وضع فيها جلّ فكره وإيديولوجيته في مختلف نواحي الحياة .
كتابه المشهور "الكتاب الأخضر" الذي ألفه عام 1975م يعتبر أولى إرهاصاته الفكرية- إن جاز التعبير- وفيه يعرض أفكاره حول أنظمة الحكم وتعليقاته حول التجارب الإنسانية كالاشتراكية والحرية والديمقراطية. ويتناول فيه مشاكل السياسة والسلطة في المجتمع وحلول المشاكل الاقتصادية التاريخية بين العامل ورب العمل. وفيه أطروحات عن الأسرة والأم والطفل والمرأة والثقافة والفنون .
ويقدم القذافي نظريه سياسية في الحكم تقوم على سلطة الشعب عن طريق الديمقراطية المباشرة وتعني حكم الشعب نفسه بنفسه من خلال المؤتمرات الشعبية الأساسية كأداة للتشريع واللجان الشعبية كأداة للتنفيذ؛ ويقدم شرحا وافيا عنها في الكتاب الأخضر .
وتجتمع أمانة المؤتمرات الشعبية في مؤتمر على مستوى الدولة يسمى مؤتمر الشعب العام، وتجتمع اللجان الشعبية لتختار أمانة للجنة الشعبية العامة للدولة والتي تقوم بتنفيذ قرارات المؤتمرات الشعبية التي تصاغ بشكل نهائي في مؤتمر الشعب العام وتقوم اللجان الشعبية للمؤتمرات بالتنسيق مع اللجنة الشعبية العامة بمتابعة تنفيذ القرارات التي تقرر في مؤتمر الشعب العام.
وطرح النظرية العالمية الثالثة تمييزا لها عن سابقتيها الرأسمالية والماركسية. ويقول عنها القذافي "أنها خلاصة التجارب الإنسانية ويقدم من خلالها تجربته في العمل السياسي عندما كان طالبا . ويرى ان يمارس جميع الناس السلطة دون نواب ولا أحزاب ويبشر بوصول قاعدة الهرم في هرم السلطة إلى القمة !! ولكن أفكاره هي مجرد نسخ من أفكار الشيوعية والماركسية، كما أنها حبر على ورق، لان الشعب الليبي لا يحكم ولا يشارك في الحكم ولو بجزء بسيط، فالقذافي يجمع بين يديه كل سلطات "الدولة –الثورة"، فهو قائد الثورة والقائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المؤتمرات الشعبية الأساسية ورئيس سلطة الشعب عبر تلك المؤتمرات، وصاحب القرار الأول بتشكيل حكومته ووزرائه "الدمى" ويقيلهم ويغير مراكزهم متى يشاء !! ومع ذلك يدّعي في كتبه وأفكاره أن السلطة للشعب والشعب يحكم نفسه بنفسه !!
كما يقدم القذافي آراء خاصة جداً في القضايا الدولية وقضايا البيئة ومقترحات لحلولها يطرحها من خلاله أفكاره من أجل حل لما يسمى بمشكلة الشرق الأوسط المزمنة والتي تتمحور حول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وهي الرؤية التي ضمنها في الكتاب الأبيض (إسراطين) الذي يورد آراء وتصورات لعرب ويهود وساسة من الغرب ومشاريع دولية تزكي وتؤيد الحل الذي يقترحه في الكتاب الأبيض بإقامة دولة واحدة مندمجة للفلسطينيين واليهود وفق قراءة ورؤية لجذور المشكلة ومسبباتها وأبعادها كافة.
وهي الأفكار التي رفضها الفلسطينيون واستهزأ بها اليهود !! ولا نستغرب حينما نسمع القذافي يدعو إلى حل مشكلة القدس بنقل الأقصى إلى مكان آخر !! أو بفكرته بقبول الفلسطينيين بدولة يهودية يعيشون في كنفها مادام ستلتزم إسرائيل بحمايتهم كمواطنين مدنيين!!
لم يكن القذافي يوما مجرد زعيم دولة نامية عادية قاد ثورة التغيير ولانقلاب على الاستعمار في ليبيا وحسب، ولم يكن يوما يهتم بما يتهمه الغرب به من استبداد او دعم لحركات التحرر العربية والإفريقية، بل يعتبر نفسه زعيم ثورة عالمية بدأت من ارض الأحرار في ليبيا ومعقل شيخ المجاهدين "عمر المختار" ليحمل على عاتقه رسالة مساندة القوى الثورية المستعمرة والشعوب المنكوبة من نير الاستعمار والامبريالية الغربية والأمريكية!! لذلك استطاع تأسيس عمل أيديولوجي وثوري "إرهابي" للدولة الليبية منذ ثورة الفاتح في سبتمبر 1969م خرج منه مجمل ما رآه العالم من أهداف وسياسات وأدوات أثناء فترة العداء مع الغرب اقتصاديا وسياسيا، فالقذافي نفسه هو الذي أسس للحظات فاصلة وراهنة في إفريقيا ودول العالم ، فاستخدم ثروات ليبيا في صفقات إرهابية مشبوهة ودعم جهات عديدة لمساندة ثورة هنا أو هناك، وكان سببا في دمار بلاده وإفقارها اقتصاديا، حينما دفع مليارات الدولارات تعويضا عن قضية طائرة لوكربي التي اتهمت بها ليبيا عام 1989م، كما سلم الولايات المتحدة كامل مشروعه النووي الذي كلف ليبيا أكثر من (200) مليار دولار!! ناهيك ذلك عن مليارات أنفقها على دول افريقية منضوية تحت راية الاتحاد الإفريقي ليحظى بلقب ملك ملوك افريقيا ويصبح زعيمها الأوحد !! تخيلوا جنون العظمى !!
وللعلم فان تقرير "جروس" الذي نشرته صحيفة "صنداي تليجراف" البريطانية قبل فترة كشف عن أن ثروة الرئيس الليبي معمر القذافي 82 مليار دولار و ليس لديه استثمارات أو عقارات مثل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك!!
واستفاد الزعيم القذافي من العوائد النفطية التي شجعته على لعب دور ثوري إرهابي عالمي حيث أصبحت ليبيا الداعم الأكبر ماليا وعسكريا لكل الحركات الثورية المعارضة للإمبريالية بدءا من أفريقيا ومرورا بفلسطين وانتهاء بسود أمريكا والجيش الجمهوري الأيرلندي ومتمردي نيكارغوا.
وبالمنطق الثوري نفسه تدخلت ليبيا عسكريا في أوغندا و تشاد، كما أنها تصدت للتغلغل الإسرائيلي في العالم وخاصة أفريقيا، وأعلنت رغبتها في إزالة تلك الدولة.
وبسبب دعمه المستمر لحركات التحرر في أسيا وإفريقيا، كانت علاقات بلاده مع القوى الكبرى في معظم الفترات غير مستقرة ومتوترة ، لاسيما وأن القذافي كان يعتبر الولايات المتحدة رمزا للإمبريالية يجب مكافحته ، كما كان ينظر لإسرائيل والدول الغربية الداعمة لها بنفس المنظور، وفي المقابل حاولت الولايات المتحدة اغتيال الزعيم القذافي عام 1986م حينما قصفت مقره في طرابلس لكنه نجا حتى يبقى جاثما على صدور وعقول الشعب الليبي . !! الأمر الذي دفع مجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية لفرض حظر دولي على ليبيا منذ عام 1993 إلى 2003م إثر اتهامها بدعم الإرهاب بشكل مباشر. وكان يطلق عليه الرئيس الأمريكي الأسبق "ريغان" لقب "كلب الشرق الأوسط المسعور" !!
وثمة ظروف عدة ساعدته على هذه السياسات الثورية أبرزها: هامش المناورة التي أتاحته ظروف الحرب الباردة والعائدات النفطية، فيكفي الإشارة إلى أن ليبيا كانت تدفع سنويا لحركات التحرر والأنظمة الثورية قرابة (100) مليون دولار وفقا لتقديرات الخارجية الأميركية في السبعينيات. فضلا عن رغبة القذافي الفكرية والثورية في لعب دور محوري على الساحتين القارية والدولية لتطبيق نظريته العالمية الثالثة بين الرأسمالية والماركسية.
وعلى صعيد العلاقات الليبية – الغربية والأمريكية، فقد وجدت ليبيا نفسها خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي في عداء مستحكم مع الولايات المتحدة وفي خلاف أقل درجة مع أغلبية الدول الغربية. فقد كانت سياسات العقيد معمر القذافي منذ ثورة فاتح في سبتمبر 1969 غير مستساغة في الغرب، بل ووُصِفت ليبيا في الغرب تارة بالدولة الراديكالية وتارة بالدولة المارقة، خاصة بعد اتهام ليبيا بالضلوع بإسقاط طائرة الركاب الأمريكية فوق قرية لوكربي في اسكتلندا عام 1988م .
لقد كانت قضية لوكربي من أخطر التحدّيات التي واجهها الزعيم معمّر القذافي فلم يكن بيد الغرب يوما ما حجّة قويّة يمكن أن يستخدمها ضد ليبيا في صراعه معها، ليس لكفاية الدليل فيها بل لان الغرب استطاع الحصول على قرار من مجلس الأمن الدولي يلزم ليبيا بتسليم اثنين من مواطنيها مشتبه في ضلوعهما في الحادث؛ والقرار في ذاته لا يشكل ضغطا كبيرا على ليبيا غير أن صيغته التي قدّمتها الدولتان أمكن تطويرها بصورة وصلت إلى حد العمل العسكري ضد ليبيا تطبيقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
لقد استطاع القذافي أن يوّظف الاقتصاد الليبي وثروات ليبيا العظمى منذ وصوله إلى سدة القيادة في ليبيا لخدمة المعركة المفروضة عليه شخصيا من خصومه الذين ما انفكوا يبحثون عن الفرص للإيقاع به ولم ينجحوا يوما ما في مآربهم، ولكن يبدو أن الشعب الليبي سينجح بعد ثورته التي انطلقت في 17 فبراير الحالي .
في زيارته الأولى للأمم المتحدة بعد أربعة عقود من حكمه، زار القذافي مقر الأمم المتحدة بتاريخ 23 سبتمبر 2009 وتحدث أمام الجمعية العمومية في خطاب مدته ساعة ونصف !! تخيلوا مدته.
وفي كلمته التي اعتبرت أقوى كلمات الزعماء كافة على الإطلاق من حيث الصراحة والشفافية والجنون والخيال وأحيانا "العبط" ، أعاد القذافي التعبير عن عبثية هذه المنظمة ليقوم بخطوة رمزية تعبر عند مدى السخط والاحتجاج على عبثية هذه المنظمة الشاسعة والمحكومة للغرب عامة وللولايات المتحدة الأمريكية خاصة، بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة الذي لم تتحقق منه مجرد ديباجته بالادعاء بان سبب وجود الأمم المتحدة "الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين"، ودعا إلى تحويل سلطة مجلس الأمن إلى هذه الهيئة لأنه بات "مجلس رعب" لن تعترف بلاده بقراراته بعد اليوم إذا استمرت تركيبته الحالية، طالب القذافي بتحقيق في كل الحروب والاغتيالات.
ووصف القذافي الجمعية العامة بأنها "هايد بارك"، متنزه لندن الشهير، أي أنها منبرٌ للخطابة فقط، وهاجم الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومحكمة العدل لأنهما تحاسبان الضعفاء فقط. وعرض مقترحا لتعويض الدول المستعمَرة لتتوقف الهجرة (نحو الشمال) لأنها جري وراء ثروات منهوبة، فلا هجرة من بلاده إلى إيطاليا لأن الأخيرة أقرت تعويضها عن الاستعمار واعتذرت، ووقعت معاهدة تمنع الاعتداء عليها.
واقترح أن يُدفع إلى أفريقيا (777) تريليون دولار تعويض عن المرحلة الاستعمارية. وحيا كلمة باراك أوباما قبله كخطاب لم يدل به أي رئيس أميركي عاصره، وقال إنه يوافق على كل ما جاء فيه كحديثه عن استحالة فرض الديمقراطية من الخارج. وقال إن أفريقيا فخورة بابنها "الأسود" الذي صار رئيسا، لكنه "ومضة في الظلام" عمرها أربع سنوات وبعدها "من يضمن من يحكم أميركا؟".
وتحدث القذافي أيضا عن القضية الفلسطينية، وقال انه لا حل لها إلا في دولة واحدة ديمقراطية للشعبين، لاستحالة قيام دولتين متجاورتين، لأنهما متداخلتان أصلا. وخاطب اليهود قائلا إن العرب هم من حماهم من الرومان ومحاكم التفتيش والمحرقة، والغرب يزج بهم الآن ليقاتلوا من دافعوا عنهم.
هذه صفحات قليلة عن أسطورة القذافي وكاريزميته المعقدة، وسأقدم لكم لاحقا تقريرا مفصلا عن بعض أسرار حياة القذافي ومالا يعلمه المواطن العادي عن فلسفة الدجل لديه وبعض الحقائق الخاصة بسياسته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
ساره عبدالرب ( 2011 / 2 / 22 - 21:11 )

القذافي مجنون على هرم بلد عظيم .
منتظرين اسراره في المقال التالي .
تحياتي

اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح