الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب الأفيون الثانية 1856 – 1860

أشرف صالح

2011 / 2 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


- المفاوضات وتنقيح معاهدة نانكنج.
- حادث سفينة السهم "آرو" وحرب الأفيون الثانية.
- معاهدة تيان تسن 1858 ومعاهدة بكين 1860.

كان السوق الصيني يمثل أهمية جادة لبريطانيا كدولة عظمى تحتاج لتصريف منتجاتها، ولذلك أقامت شركة الهند الشرقية البريطانية علاقات تجارية مع الصين، وكان لإنجلترا نصيب الأسد في التجارة الصينية حيث كانت تبيع للصين بعض المنتجات البريطانية في مقابل المنتجات الصينية، وفي حين كانت بريطانيا تبتاع البورسلين والشاي والحرير والسجاد من الصين، كانت إمبراطورية الصين تعد تبادل السلع مع الدول الأجنبية شيئًا لا ضرورة له ويتنافى مع كرامتها. ولكي يحدث توازن في الميزان التجاري وجدت بريطانيا أن الأفيون هو خير سلعة يمكن ترويجها في الصين، وذلك لزيادة إقبال الناس عليه كما أنه أدى لتحسين الميزان التجاري، وهنا بدأت معركة حامية بين الإمبراطور الذي أصدر مرسوم من جانبه بتحريم تعاطي الأفيون، وبين بريطانيا التي كانت تعمل بكل الوسائل على إدخال هذا العقار السام لأهالي الصين. فكان العذر الذي انتحل للحرب الإنجليزية الصينية الأولى هو الأفيون، تلك الحرب التي بدأت مع طلقات مدافع السفن البريطانية على السفن الصينية في 1840 وانتهت بتوقيع معاهدة نانكنج Nanking في أغسطس 1843.

الواقع أن؛ السلطات البريطانية كانت واقعة تحت ضغط لا ينقطع يدعوها أن تعيد فتح أسباب النزاع، وتحدث بالقوة تسوية نهائية، فمعاهدة نانكنج لم تؤدي إلا إلى قلقلة الأمور. وفتح ممثلون لبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة باب المفاوضات لتنقيح المعاهدة. وكان مقررًا أن توجه تلك المفاوضات إلى الوصول لأهداف رئيسة أربعة هي: حرية الدخول لجميع أجزاء الإمبراطورية، وحرية الملاحة في نهر اليانجتسي Yangtze (أطوَل أنهار الصين)، وإباحة قانونية لتجارتي الأفيون والخنازير (وهو اسم كانوا يطلقونه على العمال الصينيين)، وإنشاء علاقات دبلوماسية مع بكين. لكن حكومة الصين لم تكن لترضى بحرية الملاحة في اليانجتسي، أو إباحة تجارة الأفيون والخنازير (العمال) قانونًا، إلا بعد الدخول في الحرب وإصابتها بهزيمة ساحقة.

وعلى الجانب الآخر؛ لم تكن هناك صعوبة في خلق معاذير للحرب، فإنه سفينة تسمى "السهم" Arrow يملكها رجل صيني، أدعت أنها مسجلة عند البريطانيين، فقد كانت التقاليد تقضي بالسماح للسفن الصينية في تلك الآونة بأن يجري تسجيلها ضمن السجلات البحرية البريطانية، لأن القراصنة كانوا يحترمون العلم الأجنبي، مما جعل أصحاب السفن الصينية يسعون إلى هذا التسجيل حماية لنشاطهم البحري. وكانت سفينة "السهم" تحمل على ظهرها بعض المجرمين الصينيين المطلوبين للعدالة، فأمر نائب الملك باعتقال الأشخاص المطلوبين 1856، ووجدت السلطات البريطانية في هذا الحادث الذريعة التي كانت تبحث عنها، وطالبت بتقديم اعتذار عن الحادث، فلم يسع نائب الملك إلا رفض ذلك لشعوره بأنه تصرف في حدود سلطاته. وكان العذر هنا لإشعال حرب الأفيون الثانية (أو حرب آرو) هو الحماية التي بسطتها السلطات البريطانية على النشاط غير القانوني لبعض الصينيين الذين وضعهم البريطانيون تحت جناحهم. كما انضم الفرنسيون عندئذ إلى الحرب بحجة أن قسيسًا فرنسيًا قد قُتل، وهكذا أصبحت الحرب حربًا إنجليزية فرنسية 1857، ومع أن الأمريكان لم يشتركوا في هذا النزاع، إلا أنهم تعاطفوا مع الأهداف التي هدفت إليها بريطانيا وفرنسا. ومرجع ذلك؛ أنه بعد الثورة الصناعية كان إنتاج العامل الواحد سنة (1830) يعادل إنتاج مائة عامل سنة (1760) وذلك بالاختراعات والآلات واكتشاف قوة البخار والصلب والكيماويات والأصباغ الجديدة، وكانت المشكلة في التراكم السلعي فلابد من بيع الإنتاج وكيف يباع؟ بالحصول على المواد الخام والسوق الضخم، لذا حاربت الدول الكبرى من أجل الأسواق.

وقد طلب ممثلو الدول فتح باب المفاوضات المباشرة مع بكين وعرض عليهم نائب الملك التفاوض، ولكن ذلك لم يرضهم، فقد عقدوا العزم على التفاوض على ممثلي الإمبراطور شخصيًا، وأن يوقعوا المعاهدة في عاصمة الإمبراطورية، ورفض الإمبراطور ذلك في بادئ الأمر إلا أنه بعد أن وجد المقاومة لا أمل منها ضد جنود البحرية الإنجليزية، وافق على التفاوض، فكانت معاهدة تيان تسن 1858 Tien-Tsin التي أعطت للدول الغربية ما كانت تصبو إليه وتحارب من أجله مدة السنوات العشرين التي سبقتها، ونصت مواد المعاهدة على: حق الملاحة في نهر اليانجتسي، بالإضافة إلى ذلك فتح عدد (11) ميناء صيني أبوابها للتجارة الأوربية، وألا يخضع الأوربيون للقضاء الصيني ولكن لقضاء بلادهم، ومنح الحرية للمتنصرين المسيحيين ومنح فرنسا بالذات حق حماية المتنصرين، وحق الدول الأوربية المتعاقدة في هذه المعاهدة على إرسال بعثات سياسية أو سفارات لبكين.

وما لبث الصينيون أن عادوا إلى التحلل مرة أخرى من تنفيذ الالتزامات المترتبة على هذه المعاهدات المجحفة، وعملوا على عرقلة التصديق الرسمي على نصوصها من جانب حكومة بكين، فجددت القوات الإنجليزية – الفرنسية الهجوم على الصينيون. وفي العام التالي استولت الحملة الفرنسية - البريطانية على الحصون، وانتهى الأمر بتدمير قصر الإمبراطور في بكين وفر الإمبراطور هاربًا تاركًا أخاه ليتولى مواجهة الأجانب، وقد تمكن هذا الأخير من التفاهم مع الأجانب وعقد سلسلة من الاتفاقات غير المتكافئة أهمها معاهدة بكين Beijing 1860 والتي وضعت نهاية لحرب الأفيون الثانية. وهكذا؛ وصلت البعثتان السياسيتان البريطانية والفرنسية في مارس 1861 ثم وصلت البعثة الروسية وبعد ذلك البعثة الأمريكية. وخضعت الصين لممثلي الدول الاستعمارية الذين كانوا يطالبون في ظل المعاهدات بالحقوق والامتيازات التي تطورت على مدى نصف قرن إلى هيئة خاصة من القانون الدولي تكاد تتحكم في كل ناحية من نواحي الحياة الصينية.

وموقف الأوربيين بوجه عام من الصين والصينيين في تلك المرحلة يمكن الحكم عليه باستقراء تطور تجارة الخنازير(تجارة العمال الصينيين). فقد كان العمال الصينيون ينقلون على ظهور السفن نقلاً مخالفًا للقانون – بالرغم من احتجاجات الحكومة الإمبراطورية – إلى المناجم والمزارع الكبرى بالمستعمرات ليحلوا محل الأرقاء. وبلغ عدد العمال الصينيين الذين نقلوا إلى سان فرانسيسكو وحدها أكثر من مائة ألف عامل، وكانت أهم المناطق التي تستقبلهم الممتلكات الأسبانية والبرتغالية فضلاً عن استراليا وكاليفورنيا، وكان جمع هؤلاء العمال قائماً على الإغراء والخطف، ويتم عن طريق مقاولين يتقاضون نسبة على كل رأس يحضرونها إلى المستودع. فما يكاد العمال يصبحون داخل الحظيرة حتى يصبح إنقاذهم ضربًا من المحال، وبعد ذلك ينقلون في سفن تعرف باسم "الجحيم العائم" وكانت نسبة الوفيات بين ركابها تصل لـ 50% وقد أدى هذا النظام في التجارة الذي لا يختلف كثيرًا عن تجارة الرقيق إلى عدد لا حصر له من الفضائح.

ويتضح الآن؛ أن الصين لم تكن لتقبل المبادئ الأربعة التي طرحت في بادئ الأمر لتنقيح معاهدة ناكنج 1842 إلا بعد الدخول في الحرب والهزيمة أيضًا، فاتخذت الحكومة البريطانية حادثة السفينة السهم كذريعة لإدخال الصين في حرب الأفيون الثانية، والجديد في هذه الحرب أن فرنسا انضمت لإنجلترا لرغبتها في الحصول على نصيب من مغانم الشرق، كما باركت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الحرب التي انتهت بهزيمة الصين وعقد معاهدة تيان تسن ثم معاهدة بكين، حيث فتحت الصين فصلاً جديدًا في تاريخها المديد، كان أبرز مظاهره خضوعها لممثلي الدول الاستعمارية، إلا أنه أثناء السنوات التالية مُنيت البلاد بثورات داخلية متفرقة إلى جانب أعمال السطو والنهب، بل إن الكوارث الطبيعية لم ترحم الصين متمثلة في الفيضانات المدمرة والأوبئة الفتاكة.

المراجع:
Jack Beeching, The Chinese Opium Wars.- first edition.- USA: Harcourt Brace Jovanovich, Publishers, 1975.
W. Travis Hanes III and Frank Sanello, The Opium Wars: The addiction of one empire and the corruption of another.- first edition.- USA: Sourcebooks, Inc., 2002.
ميلاد المقرحي، موجز تاريخ أسيا الحديث والمعاصر.- منشورات إلجا: بنغازي، 1999
إبراهيم خليل العلاف، وعوني عبد الرحمن السبعاوي، تاريخ العالم الثالث الحديث.- د.ن: الموصل، 1989.
فوزي درويش، الشرق الأقصى: الصين واليابان (1853 - 1972).- الطبعة الثالثة.- د.ن: الغربية، 1997.

كاتب المقال:
عضو هيئة التدريس، الجامعة الاسكندينافية، النرويج








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة