الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجربة الديمقراطية في البحرين (2)

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


الفصل الأول
الجذور التاريخية للتجربة الديمقراطية في البحرين
تقع جزر البحرين في منتصف الخليج العربي على خط عرض 26, وعلى بعد 20 ميلا من المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية . وعلى نحو 30 ميلا غربي شبه جزيرة قطر, و 270 ميلا الى الشمال الغربي من دولة الإمارات العربية المتحدة , ومثل هذه المسافة من الكويت . وهي عبارة عن مجموعة جزر، تشكل أرخبيلا مكونا من 35 جزيرة تبلغ مساحتها الإجمالية 661 كيلومترا مربعا.
جزيرة البحرين هي أكبر الجزر . ومساحتها 562 كيلو مترا مربعا، وتمتد من الشمال إلى الجنوب مسافة 48 كيلومترا ، في حين يتراوح عرضها ما بين 13 و 16 كيلو مترا مربعا ، وتضم مدينة المنامة وهي العاصمة ،وتقع في الطرف الشمالي الشرقي ، ويربطها جسر بحري مع جزيرة المحرق بطول 4 ,3 كيلومترا .
عُرفت البحرين بأنها ملتقى أعراق وأجناس مختلفة خلال المراحل التاريخية المختلفة التي مرت بها . ويعود السبب في ذلك الى طبيعة مواقفها السياسية وموقعها الإستراتيجي وثرائها الزراعي والتجاري ، فضلا عن استقرارها النسبي قبل سيطرة الأطماع الأجنبية.
وافادت إحصاءات وزارة الإحصاء البحريني ة لعام 2003 إلى أن تعداد سكان البحرين وصل الى 667.238 ألف نسمة يؤلف البحريني ين منهم تعدادا قدره 437.238 نسمة .
وينقسم سكان البحرين الى شيعة وسنة ، وليست هناك إحصاءات رسمية تحدد الغالبية المذهبية ، وتمتنع الجهات الرسمية من إجراء هذه الإحصاءات لأسباب يُعتقد بأنها سياسية ، إلا أن الشيعة يشكلون الغالبية السكانية العظمى . وتذكر التقارير الدولية أن الشيعة يشكلون ثلثي التعداد السكاني ، بينما تفيد مصادر غير رسمية إلى أن نسبة الشيعة لا تقل عن 80 % رغم أن المجتمعين الشيعي والسني ليسا متكافئين من حيث العدد .
وتأثرت البحرين كغيرها من الدول العربية بالوضع السياسي العام الذي تلا الحرب العالمية الثانية، فقد أجريت انتخابات بالبحرين لاختيار أعضاء مجلس الصحة والتعليم في فبراير/ شباط 1956، وكانت ثاني انتخابات بعد انتخاب المجلس البلدي الذي تم عام 1919. كما تم في عهد الأمير سلمان عام 1958 التوقيع على اتفاقية بينه وبين الملك عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية تقضي بمشاركة البلدين في الأرباح الناتجة عن أي كشف بترولي في المنطقة البحرية .
وفي 16 ديسمبر/ كانون الأول 1961 تولى الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة الحكم ، وفي عهده تحققت بعض المنجزات منها:
• تأسيس مجلس نقد البحرين عام 1964 وأصدر الدينار البحريني في أكتوبر/ تشرين الأول 1965.
• افتتاح ميناء سلمان عام 1967.
• تأسيس الحرس الوطني عام 1968.
• بناء أول محطة أرضية للأقمار الصناعية 1969.
وفي أغسطس/ آب 1971 أعلن استقلال البحرين عن بريطانيا واستبدل الشيخ عيسى بلقب حاكم البحرين لقب أمير البحرين، لتصبح بلاده منذ ذلك التاريخ عضوا في الأمم المتحدة وفي الجامعة العربية. كما عرفت البحرين في السنوات اللاحقة المصادقة على الدستور (ديسمبر 1973) وتشكيل المجلس الوطني (ديسمبر 1973).
وفي عام 1999 توفي الشيخ عيسى بن سلمان وخلفه ابنه وولي عهده الشيخ حمد بن عيسى الذي تشهد البلاد حاليا في عهده بعض التغييرات السياسية المهمة باتجاه الديمقراطية والانفتاح السياسي. وبدأت هذه التغييرات بميثاق العمل الوطني الذي أجري عليه استفتاء عام يومي 14 و15 فبراير/ شباط 2001، تلاه تعديل الدستور وإصداره في صيغة جديدة في فبراير/ شباط 2002 تم معها تغيير اسم الدولة إلى مملكة البحرين . كما أجريت بناء على الدستور الجديد انتخابات بلدية في مايو 2002 ، تليها انتخابات برلمانية بلدية في مايو 2002، تليها انتخابات برلمانية أجريت في 24 أكتوبر 2002م .
المبحث الأول
تطور الحياة السياسية والديمقراطية في البحرين .
ظهرت في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين مطالب شعبية بحرينية متكررة بإقامة مجلس شورى للبلاد يحد من التدخل البريطاني في إدارة شؤونها. وفي عام 1938 تجددت هذه المطالب وتحددت أكثر في الرغبة في إنشاء مجلس تشريعي يشارك من خلاله ممثلو الشعب الأسرة الحاكمة في صنع القرار السياسي وإدارة شؤون البلاد.
وتوحدت في منتصف الخمسينيات مختلف التيارات السياسية بالبحرين في ظل هيئة موحدة أطلق عليها "الهيئة التنفيذية العليا" التي غيرت اسمها لاحقا إلى "هيئة الاتحاد الوطني" بعد أن تم الاعتراف بها من قبل الحكومة كحركة سياسية، وطالبت بالعديد من القضايا أهمها :
• سن دستور للبلاد.
• إنشاء مجلس تشريعي.
• السماح للعمال بتشكيل نقابة لهم.
• تحديث أجهزة الدولة.
• إصلاح القضاء.
• بحرنة الوظائف.
ظروف نشوء المجلس الوطني
مع إطلالة عام 1956م كانت وسائل الحوار التي تبنتها بعض الاتجاهات الشعبية المعارضة قد استنفذت في سبيل إقناع سلطات البحرين بالتجاوب مع المتغيرات السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في الوسط الشعبي قبيل الانتفاضة الشعبية التي اصطلح عليها بانتفاضة (الهيئة) في مارس من العام 1956م . فكانت النتيجة أن اتجه مدار الموقف السياسي الشعبي الى حسم الأمور من خلال معالجة جذورها وذلك بالسعي لمواجهة النظام السياسي، فالجهود والطاقات الشعبية وصلت الى طرق مسدودة . ومع كل ذلك تمخضت عن اجتماعات قادة الهيئة التنفيذية دعوات متجاوزة للواقع الذي فرض مفاهيم جديدة ، نحو(تلاعب السلطات بالثقة الشعبية) ، (التآمر وغلبة السلطة المطلقة) ، (السلطات لا تنسجم مع الواقع السياسي والثقافي السائد في البلاد) .
وما أن وزعت المهام الإدارية للهيئة حتى برز سكرتيرها العام عبد الرحمن الباكر ليمثل الاتجاه (المعتدل) مرة أخرى ، على غير نسق الواقع ليدعو الى تجميد تلك المفاهيم واعادة الكرة بتوظيف كل الطاقات في المطالبة بإقامة مجلس تشريعي منتخب ، وتمت له الموافقة من قبل أعضاء الهيئة التنفيذية العليا على مضض برغم اعتراض قائد الانتفاضة.
وادرج طلب عبد الرحمن الباكر في البند الأول من المذكرة الأولى التي سلمت الى الشيخ سلمان آل خليفة حاكم البحرين آنذاك . ومع ذلك لم يقيض لهذه الانتفاضة النجاح بسبب تجاوز المعارضة لحدودها السياسية في المطالب المعروضة , ورفض السلطة السياسية لهذه الشروط .
وفي الخامس من نوفمبر 1956 احتلت مفارز عسكرية متعددة الجنسيات تابعة لدائرة الأمن العام مناطق مختلفة من العاصمة المنامة ، ثم توجهت مفارز أخرى بقيادة الحاكم العسكري آنذاك الكولونيل البريطاني (هرمزلي) لالقاء القبض على قادة انتفاضة الهيئة التنفيذية العليا .
وكان قائد انتفاضة الهيئة السيد علي النعيمي هو المتهم الرئيسي في التعبئة الجماهيرية المطالبة بتغيير النظام السياسي واقامة مجلس تشريعي ينسجم مع المعتقد الإسلامي . ووجهت له اتهامات بالتخريب ومحاولة إقامة بديل سياسي يحل محل حكم ال خليفة .
واستمرت الحركة الشعبية البحرينية في نشاطها السياسي بعد تقويض انتفاضة الهيئة، وكان الاتجاه العام هذه المرة متجاوزا لمفهوم (الاعتدال)، والدعوة أضحت صريحة بضرورة تغيير النظام السياسي .
لكن مرحلة ما بعد انتفاضة الهيئة قد شهدت بروز تنظيمات سياسية مختلفة كانت مقيدة بفكر لا ينسجم والاتجاه العقائدي العام في البلاد ، فضلا عن أنها كانت شمولية في منطقها السياسي، وتبنت بعض أهداف الهيئة المطالبة بإقامة مجلس تشريعي .
التطور السياسي منذ الاستقلال في السبعينات :
ما إن تخلصت البحرين من الاحتلال البريطاني في 14 أغسطس/ آب 1971 حتى فوجئت برغبات إيرانية تحاول فرض السيادة على بلادهم، مما جعل البحرينيين يقفون أمام تلك الرغبات موقف الرافض. وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال الاستفتاء الذي أجري تحت إشراف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جينو سباردي ، إذ أكدوا رغبتهم في الاستقلال تحت قيادة الأمير الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة واختيار الديمقراطية وسيلةً لحكم دولتهم الجديدة.
بدأت البحرين سنواتها الأولى بعد زوال الاحتلال البريطاني عن أراضيها بخطوات مبشرة تتجه قدما نحو إرساء دعائم حكم ديمقراطي، فأصدر الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة مرسوما بقانون رقم (12) لسنة 1972 بشأن إنشاء مجلس تأسيسي لإعداد دستور للدولة. وجاء في مقدمة المرسوم أنه "رغبة منا في إرساء الحكم في البلاد على أسس قويمة من الديمقراطية والعدل، وفي ظل نظام دستوري برلماني يوطد حكم الشورى ويتفق مع ظروف البلاد وتراثها العربي والإسلامي، وبناء على ما عرضه مجلس الوزراء وبعد موافقة مجلس الوزراء رسمنا بالقانون الآتي.. المادة الأولى.. ينشأ مجلس تأسيسي لوضع مشروع دستور للبلاد".
المجلس التأسيسي.. خطوة أولى لوضع دستور :
انتخب البحرينيون 22 عضوا للمجلس التأسيسي المكلف وضع الدستور، وعين الأمير 8 أعضاء وانضم إليهم 12 وزيرا بحكم مناصبهم (الأغلبية للمنتخبين)، وانعقدت الجلسة الأولى لهذا المجلس يوم 16 ديسمبر/ كانون الأول 1972. وفي الثلاثين من الشهر نفسه أقر المجلس لائحته الداخلية وأصدرها ونشرها في الجريدة الرسمية.
دستور عام 1973 :
أقر المجلس التأسيسي يوم 9 يونيو/ حزيران 1973 دستور دولة البحرين وأشرقت على البلاد أشعة شمس مشرقة لحياة نيابية واعدة. رفع المجلس الدستور الجديد للأمير فصادق عليه وأصدره يوم السادس من ديسمبر/ كانون الأول 1973 وتم نشره في الجريدة الرسمية واشتمل على 109 مواد.
واتسم هذا الدستور بسمات مشتركة من كلا النظامين الرئاسي والبرلماني، فالأمير هو رئيس السلطة التنفيذية ويمارس سلطات سياسية إذ يعين بأمر أميري رئيس مجلس الوزراء ويعفيه من منصبه، ويعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم بمرسوم أميري، كما يمارس سلطاته بواسطة وزرائه ولديه يُسأل الوزراء متضامنين عن تنفيذ سياسة الحكومة. وفي نفس الوقت فإن ذاته مصونة لا تمس فلا يسأل أمام المجلس الوطني الذي يختص بالتشريع والرقابة على أداء الجهاز الحكومي.
مجلس وطني منتخب.. أولى ثمرات الدستور :
انتخب البحرينيون عام 1973 أعضاء المجلس الوطني الذي تمتع بصلاحيات تشريعية ورقابية أصيلة، فقد كانت أغلبية أعضائه (74% تقريبا) نوابا للشعب منتخبين في حين كان يمثل الأعضاء المعينين بحكم مناصبهم –وهم الوزراء- ما نسبته 26% تقريبا من أعضاء المجلس، غير أن هذه التجربة لم تستمر طويل.
وتعرضت التجربة النيابية البحرينية الأولى لانتكاسة عام 1975 وذلك بصدور المرسوم الأميري رقم (14) لسنة 1975 بحل المجلس الوطني دون إبداء الأسباب التي دفعت الأمير إلى قرار الحل، وإن كان بعض المحللين يعزو ذلك إلى تخوف النظام من تعرض البلاد إلى فتنة داخلية ربما تتطور إلى حرب أهلية شبيهة بتلك التي اندلعت في لبنان آنذاك بسبب الانقسامات المذهبية والاستقطابات الحادة التي كان يتعرض المجتمع البحريني في ذلك الوقت.
واما الظروف والمعطيات التي رافقت ولادة الحياة الديمقراطية الهشة خلال تلك الفترة التاريخية الحرجة التي شهدت بدء ولادة أول نظام سياسي في البحرين ، فهي جلية الدلالة على قصور هذه التجربة، وعدم جدية السلطات في هذه المسيرة .
أولا : على صعيد الحركة السياسية
1 - كانت البلاد في حالة من الصراع السياسي الداخلي بين الاتجاه الإسلامي - الذي بدأت معالمه كاتجاه سياسي في البروز أعقاب ثورتي التنباك والعشرين في العراق - والاتجاه الشيوعي الذي ولد في أعقاب انقلاب شاه إيران على حكومة مصدق في عام 1953م ، ولجوء عدد من أعضاء حزب تودة الإيراني الى البحرين واسهامهم في تأسيس أول خلية لحزب شيوعي في العام 1955م ، والاتجاه القومي الذي نجم عن تأثيرات ثورة يوليو عام 1958م في مصر.
وقد رأى الاتجاه الإسلامي أن البلاد بحاجة الى نشاط سياسي وثقافي مكثف لمواجهة الامتدادات غير الإسلامية . ولذلك لم يكن هذا الاتجاه يعبأ بما أعلنه الأمير بإقامة حكم أميري دستوري .
وقد توجت السلطات الحكومية هذا الموقف في تعاطيها مع قضية اغتيال الشيخ عبد الله المدني زعيم الكتلة الإسلامية في المجلس وأمين سره ورئيس تحرير مجلة (المواقف) الأسبوعية ، وذلك بعد اقل من عام واحد من تاريخ حل المجلس الوطني . ووجهت الحكومة أصابع الاتهام الى الاتجاهات القومية الشيوعية واعتقلت أعدادا كبيرة من عناصرها , وسعت من جهة أخرى لاستغلال هذا الحدث في تحييد الاتجاه الإسلامي واقناعه بعدم جدوائية الحياة النيابية باعتبارها ثغرة كبرى وعاملا في إحياء الاتجاهات الشيوعية .
2- كانت الاتجاهات القومية والشيوعية المتناقضة في حالة صراع فكري وسياسي مستمر بدء مع تجاهل الاتجاه الشيوعي لقضايا الوحدة العربية وقضية فلسطين وتعاطيه الإيجابي مع حزب العمل الإسرائيلي وعدم إدانته للموقف الإيراني المطالب بضم البحرين الى إيران ، وتجاهل الاتجاه القومي للقضية الأممية ولشريحة واسعة من البحريني ين ذوي الأصول الإيرانية، ثم جاءت هزيمة حزيران 1967م التي شهدت تحطم الطائرات المصرية في قواعدها عند الفجر واحتلال إسرائيل للأراضي العربية لتثير جدلا واسعا حول الاتجاه الشيوعي فضلا عن امتداد الصراع بين الاتجاهين القومي والشيوعي حول المؤسسات الشعبية والاجتماعية وتسييسها ، نحو (اتحاد العمال) و(الاتحاد الوطني لطلبة البحرين) بعد ذلك. أدى ذلك الى تعمق التباين بين الاتجاهين فيما يتعلق بالموقف من المجلس الوطني .
3- رغم قوة الاتجاه الإسلامي آنذاك إلا أن ملامحه السياسية لم تكن قد تبلورت بشكل حديث ، ولذلك كان دخوله في العملية الانتخابية ليس إيمانا منه بجدية هذه الخطوة بل كان له غرض آخر غير ذلك . وكان يهدف الى مواجهة التنظيمات الشيوعية والقومية وعدم تركها لتستفرد بساحة البرلمان ، ولذلك وقف الاتجاه الإسلامي بكتلته ضد العديد من مشاريع هذه الاتجاهات.
ثانيا : على صعيد اتجاه السلطات
لم تكن حكومة البحرين متوترة خوفا من الفراغ الذي تركته بريطانيا بعد تخليها عن البحرين ، ذلك ان الأمر كان اعد له مسبقا ، فقد أسس وطور جهاز أمن جديد بعد انتفاضة الهيئة شمل قسما مختصا في المباحث السياسية ، ثم ولدت فكرة الحياة البرلمانية واقامة الدستور بقصد الإعلان عن أن هذه الحياة هي خير أسلوب لتعدد القوى السياسية في الساحة في ظل حالة طوارئ تغطي كامل البلاد فضلا عن كسب فرصة ذهبية لمعرفة جدارة وكفاءة جهاز الأمن السياسي . وبرغم اليقين الحكومي بالنجاح في الحفاظ على توازن القوى الوطنية ، إلا أنها اتخذت العديد من الاحتياطات القانونية التي من بينها:
أ ـ متعلقات الدستور
استدعت الحكومة خبيرا قانونيا لصياغة الدستور بما يتلاءم والموقف الحكومي من الأوضاع السياسية في البلاد ، ثم عرض على مجلس العائلة الحاكمة الذي ناقشه واقره . ثم تم الإعلان عن مرسوم أميري بقانون رقم 21/1972م بشأن انتخابات عامة لنصف آخر من أعضاء المجلس يضافون للنصف المعين من قبل الحكومة لتشكيل مجلس تأسيسي للمشاركة في تطوير نصوص مسودة الدستور التي أعدها الخبير القانوني ، ولم يكن التصديق على الدستور من صلاحية هذا المجلس او الشعب في إطار استفتاء عام ، بل هو من صلاحية الأمير فقط . ويتناقض هذا الآمر مع أول مادة دستورية في فقرتها (د) التي نصها (نظام الحكم في البحرين ديمقراطي ، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعا) . كما رفض رئيس الوزراء مناقشة المجلس للدستور إلا في مادتين فقط .
وحرمت المرآة وشريحة كبيرة من المواطنين المعتقلين والمعارضين، فضلا عن الموظفين في أجهزة الحكومة كالحرس الوطني والشرطة فضلا عن من هم دون سن 21 سنة من الانتخاب، ومن هم من دون 30 سنة من الترشيح. وقد اتخذت المعارضة السياسية موقف الرفض بالإجماع لهذا الأسلوب وما أسفر عنه من دستور تضمن الكثير من الثغرات ومبررات القمع الحكومي، من بينها ، وراثة السلطة ، صلاحية حل البرلمان يختص بها الأمير دون منازع . ولعل ابرز مظاهر التلاعب في صياغة الدستور، هي تلك المبهمات التي تتعلق بالقانون . وورد ذلك بنص (وفقا للشروط التي يبينها القانون) في الكثير من مواد الدستور المجملة .
وبعد التصديق على الدستور من قبل الأمير بسبعة شهور وقبيل الإعلان عن إجراء انتخابات عامة للمجلس الوطني أصدرت الحكومة في سبتمبر 1973م القانون رقم (18) الذي ينص في بعض فقراته على (حظر اي اجتماع لجمعية عمومية لناد او جمعية او عقد ندوة او حتى لقاء دون ترخيص من الشرطة بموجب طلب يتقدم به خمسة أشخاص في المنطقة المراد عقد اجتماع او ندوة فيها قبل ثلاثة أيام من عقده) دون ان يعرض هذا القانون على المجلس الوطني المنتخب . ثم طور هذا القانون بقانون آخر اكثر تفصيلا وشمولية من القانون رقم (18) وداعما له ، وصدر بمرسوم أميري رقم (21) لسنة 1989م ، وسمي بـ (قانون الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة).
وبذلك تكون المادة الدستورية رقم (28) قد قيدت بالقانون الذي افقدها مضامينها ، وحولها الى مادة داخلة في الواجبات الوطنية وعلى المواطنين الالتزام بها ، وليست داخلة في الحقوق التي يتوجب على الحكومة توفيرها للمواطنين واحترامها .
وهكذا بالنسبة للنصوص الدستورية الأخرى ، حيث أضحى القانون مقيدا لـ(35) مادة دستورية . وبما أن الحكومة مستمرة في تفعيل القوانين السابقة لعهد الاستقلال ، ورفضها عرض تلك القوانين على المجلس الوطني ، فذلك يؤكد حرية تصرفها في المواد الدستورية بالطريقة التي تشاء .
ب ـ متعلقات البرلمان
كان الخرق الثاني للدستور بصفة عملية ، الإجراءات والشروط التي أعلنتها وزارة الداخلية فيما يتعلق بالانتخاب والترشيح . فالمادة الدستورية رقم (4) نصت على أن (العدل أساس الحكم . والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين ، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافوء الفرص بين الموطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة).
لكن الحكومة تجاوزت هذه النصوص بحرمان المرأة من حق الانتخاب والترشيح كما حرم قطاع سكاني واسع من بينهم من هم دون سن 21 سنة من حق الانتخاب ومن هم دون 30 من الترشيح . وأعطت كامل أعضاء الوزارة العضوية الكاملة في المجلس الوطني أمام الأعضاء المنتخبين . وإذا ما أضفنا الى ذلك تقسيم الدوائر الانتخابية غير العادل الذي جاء بقانون وفقا للمادة (43) في فقرتها (أ) ، ومنع العناصر المعارضة من الترشيح والانتخاب ، تكون دائرة التمثيل النيابي قد ضيقت الى حد اصبح فيه صوت الحكومة أعلى من صوت المجلس التمثيلي.
وأيا كانت الأسباب فإن المحصلة النهائية هي ما آلت إليه التجربة الديمقراطية والبرلمانية والنيابية الأولى في البحرين ، فقد تعطلت أحكام الفصل الثاني من الباب الرابع من الدستور المتعلق بالسلطة التشريعية وهو ما يخالف نص المادة 108 التي تنص على أنه "لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء قيام الأحكام العرفية وذلك في الحدود التي يبينها القانون، ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد المجلس الوطني في تلك الأثناء أو المساس بحصانة أعضائه".
وتوقفت الحياة النيابية في البحرين قرابة ثلاثة عقود تكررت خلالها المطالب بعودة الديمقراطية، متخذة في البداية شكل عرائض ترفع للأمير كان أبرزها تلك العريضة التي رفعها نخبة من المثقفين وسميت "عريضة النخبة"، ثم أعقبتها عريضة أخرى وقع عليها عدد كبير من المواطنين تحت اسم "العريضة الشعبية"، وتطالب بالعودة إلى الحياة النيابية وإقامة نظام حكم يتأسس على الديمقراطية والمشاركة الشعبية .
وحاول الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان الاستجابة للمطالب الشعبية فأصدر أمرا أميريا رقم (9) لسنة 1992 بإنشاء مجلس شورى (معين)، إلا أن هذه الصيغة لم تكن كافية ولم تجد قبولا أو مصداقية لدى الشعب البحريني، الأمر الذي دفع الحياة السياسية إلى مزيد من الاحتقان وأوجد في الشارع السياسي البحريني حالة من الغليان اتخذت أشكالا متباينة من العنف.
التجربة الديمقراطية وبديل الشورى
ثار جدل بين الحكومة وبعض أطراف المعارضة حول تطوير مجلس الشورى الذي اعتبرته حكومة البحرين بديلا عن المجلس الوطني المنحل بمرسوم أميري في أغسطس عام 1975م بينما اعتبرت أطراف المعارضة تشكل مجلس الشورى نقضا للمادة الدستورية رقم (65) التي تؤكد على استرداد المجلس المنحل كامل سلطاته الدستورية إذا لم يتم انتخاب مجلس جديد خلال شهرين من حل المجلس الأول .
ولاشك أن أحداث البحرين خلال عامي 95 - 1996 قد دلت على أن بعض أطراف المعارضة كانت تترقب منذ صدور المرسوم الأميري رقم 14/1975م بحل المجلس خطوة رسمية جريئة بإعادة المسار الديمقراطي الى طبيعته بشكل يمثل امتدادا لتجربة عام 1973م وليس متأخرا عنها ، ذلك أن ما تحقق من أمور إيجابية في تلك التجربة هو انعكاس لتطور اجتماعي وسياسي ساد البلاد والاتجاهات الشعبية.
الاهتمام الدولي والإقليمي من جهته بمجريات التجربة الديمقراطية الأولى في البحرين وبمستوى التطور المجتمعي الذي نجم عن التحولات السياسية توقع استمرارا في التجربة الديمقراطية كنتيجة طبيعية للمسار التاريخي للحركة السياسية والديمقراطية التي مثلت تيارا قويا حسن النية في تكريس الواجبات والحقوق .
فالبحرين دولة لها موقعها الاستراتيجي وليست بمعزل عما استجد من تطورات دولية داعية لبسط الأمن والسلام والاستقرار على ربوع الأرض. وقد هبت عليها رياح التغيير منذ أمد طويل ، فانبثقت فيها اتجاهات شعبية دعت الى الانسجام مع هذه التطورات الإنسانية والحضارية عبر صياغة جديدة للنظام السياسي الذي لم يعد قادرا على التفاعل مع هذه التطورات .
وكان ديسمبر من العام 1992 محط اهتمام شديد من قبل العديد من الجهات السياسية والاقتصادية ، فذكرى اعتلاء الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة سدة الحكم تصادف يوم السادس عشر من كل عام حيث تبث وسائل الإعلام المحلية خطابا للشيخ عيسى يستعرض فيه منجزات الأعوام السابقة وما تعتزم حكومته التخطيط له من مشروعات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية خلال الأعوام القادمة . وتوقع المجتمع البحريني أن تحمل هذه المناسبة مفاجآت جديدة يأتي في إصدارتها الإعلان عن صيغة جديدة لنظام ينسجم وهذا المتغير المجتمعي ، من قبيل إطلاق الحريات والالتزام بعفو شامل يشمل جميع المعارضين السياسيين ، والسماح للمبعدين بالعودة الى ديارهم ، وتقنين الآراء الحرة للمواطنين في مؤسسة نيابية.
وفي أول خطوة لها منذ حل المجلس الوطني قلبت الحكومة وجوه الآراء بشكل مفاجئ على الصعيد الداخلي حول صيغة لنظام شورى بأعضاء معينين ، واجرت اتصالات ببعض الشخصيات الاجتماعية التقليدية لقياس ردود الفعل تجاه هذا الشكل من المجلس باعتباره خيارا معتدلا لا يرمي الحبل على غاربه ، وسلوكا قد يمثل حسن نية لكسب اكبر قدر من النفوذ في الأوساط الليبرالية والمعتدلة .
وصرحت مصادر سياسية في 25سبتمبر 1992م أن المشاورات القائمة حول تشكيل المجلس الوطني قد دخلت مرحلة التفاصيل الرئيسية كانتخاب أعضائه أو تعيينهم أو انتخاب نصفهم وتعيين النصف الآخر مؤكدة ان القرار النهائي بهذا الشأن مرتبط بما تسفر عنه نتائج المشاورات.
بعض الشخصيات السياسية الاجتماعية عارضت إقامة مجلس للشورى بتعيين أعضائه ، وابدت شخصيات تحفظها تجاه هذه المشاورات وهذا اللون من النظام الذي يعتبر تراجعا عن (المكتسبات) التي حققتها ديمقراطية 1973من بينها الدستور الذي اقر في عام 1972م . واعتبرت إلغاء دور المجتمع البحريني في هذه العملية والقبول بمجلس معين لا يمتلك صلاحيات تشريعية وبأعضاء معينين من قبل رئيس الوزراء تجاوزا واضحا لنصوص الدستور التي تؤكد على الانتخابات العامة .
لا يمكن القول ان الشارع غير واع بالتجربة الديمقراطية ويحتاج الى تهيئة ومقدمات على طريقها. ذلك ان الثقافة الإسلامية خلال قرون مضت فضلا عن الفترة الطويلة التي امتد فيها التعليم وهي حوالي 76 سنة وكذلك تراكم الوعي السياسي طيلة العقود الماضية ، أهلت الشعب لممارسة الحريات افضل ممارسة , فالشارع كان مهيئا في السبعينات ليخوض ديمقراطية صحيحة واثبت جدارته في اختيار ممثليه.
وعبرت شرائح مختلفة من الشعب البحريني عن رفضها لمجلس الشورى ، وذلك عندما تقدمت في 15 نوفمبر 1992 بعريضة إلى أمير البحرين ، وطالبت بإرساء الثقة بين الدولة والمواطنين من أجل إطلاق طاقات كل الموطنين للمشاركة في عملية البناء والتنمية الاجتماعية طبقا للمادة (1) فقرة (هـ) من الدستور والتي نصها : (للمواطنين حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية ، بدء بحق الانتخاب، ذلك وفقا لهذا الدستور وللشروط التي يبينها القانون).
ودعت العريضة أمير البحرين إلى إصدار الأمر بإجراء انتخابات لمجلس وطني ، عملا بالفصل الثاني من الباب الرابع من الدستور ، تجاهلت سلطات البحرين المطالب الشعبية الرافضة لمجلس الشورى فألقت ببالون اختبار لا يتركز على صيغة نظام محددة ، ويحمل تناقضا واضحا حول هوية المجلس الوطني وصلاحياته ، وذلك بغرض قياس ردود فعل المعارضة السياسية النشطة فضلا عن الاتجاهات الدولية المهتمة بشؤون المنطقة .
وهناك اتجاه آخر يرى أن سعي الحكومة لاعتماد مجلس الشورى هو لتفادي ردود فعل شعبية قد تنجم بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد ، خصوصا وأن هناك العديد من المظاهر تؤكد ذلك.
وقد زادت البحرين بالفعل من الاقتراض المحلي للمساعدة في تمويل ميزانيتها لعام 1992 بأن زادت إصدارات أذون الخزانة الأسبوعية إلى ما قيمته عشرة ملايين دينار، بعد أن كانت ثمانية ملايين دينارا. ويقول مسؤولون أن منحا مقدارها 5, 37مليون دينارا (100 مليون دولار) اعتادت البحرين أن تحصل عليها كل سنة من المملكة العربية السعودية والكويت لتغطية العجز في ميزانيتها جرى خفضها أيضا . ولم يعلن عن أرقام جديدة.
واما الاتجاه الإسلامي الفاعل آنذاك فلم يبدي اهتمام لمشروع مجلس الشورى المعين ، فهو لم يزل يعتبر صراعه مع آل خليفة صراعا على الشرعية ، وهم بالنسبة إليه ليسوا إلا قوى احتلت البحرين بالسيف ، وما اخذ بالقوة لا يعد شرعيا ، مؤكدا أن تجربة المجلس الوطني دليل على عدم جدوائية التعاطي الإيجابي مع النظام السياسي في البحرين .
ومهما اختلفت مسببات التغيير فقد دل الإعلان عن تعيين مجلس للشورى ليس له حق التشريع ولا يستند الى موقف شعبي يؤهله للاستمرار، على عدم جدية نظام البحرين في الاعتبار بالمتغيرات التي طرأت على المستوى الفكري والسياسي والاجتماعي في الساحة الشعبية فضلا عن المستجدات الدولية على صعيد الحريات السياسية والاجتماعية ، بينما رأت المعارضة السياسية البحريني ة في تقييمها للسلوك الراهن للسلطات البحريني ة أنه نابع من رؤيتها القاصرة لتجربة الحياة الديمقراطية ، وأنها ليست تعبيرا عن تطور النظام السياسي أو محاولة الانسجام مع حركة المجتمع الدولي.
ومهما يكن من أمر فلابد من القول أن ردود فعل الاتجاهات الدينية والاجتماعية والسياسية في البحرين وتقييمها الواقعي للخطوة التي أقدمت عليها حكومة البحرين باتجاه اعتماد مجلس للشورى ومن ثم تطويره ، هو نتيجة طبيعية للجدل القائم بين خصائص الدولة الحاكمة بمؤسسات وأجهزة جامدة وبين التطور الديني المجتمعي الذي ساد البحرين ، وانتهى في مطاف الأمر إلى فرض هذه الاتجاهات نفسها كحركة فاعلة ومستقلة وواعية بانتفاضة شعبية استمرت اكثر من عامين ، داعية لفرض نموذج ديمقراطي شامل وعادل متقدم على تجربة عام 1973 ورأت أن الفصل في طبيعة النظام السياسي والاجتماعي الذي يراد له السيادة في البحرين يجب أن يكون للشعب البحريني باعتباره مصدر السلطات جميعا ، وخلافا للعادة التي درجت عليها سلطات البحرين بإصدار مرسوم بقانون يحدد طبيعة النظام وفق سياسة يحددها مجلس العائلة الحاكم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحقيقة والتاريخ
سعيد دلمن ( 2011 / 2 / 27 - 09:28 )
أعطى الكاتب من بداية الأسطر لأولى من مقاله انطباعاً طائفياً عن سكان البحرين ، بالإضافة أن المقال يتضمن الكثير من الأخطاء والقراءة الغير دقيقة للتاريخ البحريني والجهل بالتوجهات السياسية للقوى الوطنية والديمقراطية في البحرين ، ويستشف كذلك من خلال سطوره التحيز وعدم الموضوعية وخاصة فيما يتعلق بموقف اليسار البحريني من قضايا الوحدة العربية والقضية الفلسطينية التي أثبتت الأحداث ( النكسة ومشاريع الوحدة وغيرها ..) صحة ودقة مواقفه ..... علماً بان الحركة السياسية في البحرين ومنذ بداية انطلاقها كانت تتسم بالطابع الوطني و مناهضة للطائفية بأي شكل من أشكالها...وقد برز التميز الطائفي بعد الثورة الإيرانية ورغبة ملالي إيران في تصدير ثورتهم ، بجانب السياسات الرسمية الانفعالية والخاطئة بمختلف أنواعها تجاه هذا -التصدير- والتي كانت لها نتائج سلبية تم استثمارها أيضاً بشكل رسمي وغير رسمي.

اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا