الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجربة الديمقراطية في البحرين (3)

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


المبحث الثاني
محددات التجربة الديمقراطية في البحرين وعوامل نجاحها.
إشكالية التحول من القبيلة إلى المجتمع المدني
تلعب القبيلة دورًا هامًّا وبارزًا كعنصر محدد من عناصر التجربة الديمقراطية باعتبار مفهوم القبيلة في صورته الحياتية أساس التجربة السياسية لدول منطقة الخليج والبحرين على الأخص ، ورغم وجود العديد من الآراء التي تشير لانحسار هذا الدور لصالح الدولة القومية الحديثة فإن دورها ما زال مؤثرًا على صعيد قضايا التنمية السياسية والبناء الاجتماعي، وهو ما يصب في النهاية في تجربة المشاركة السياسية وآليات التنمية السياسية.
ولعل الحديث عن دور القبيلة التقليدي في المجتمع الخليجي البحريني يقودنا إلى دراسة قضية أخرى هامة وذات ارتباط وثيق بهذا الشأن وهي التحولات المجتمعية البحرينية الحديثة، وخاصة بصدد التحول لمؤسسات المجتمع المدني ، والتي تعني تطوير وإنشاء مؤسسات تطوعية بالإرادة الحرة لأصحابها باستقلال عن المؤسسات الحكومية.
ويمكن القول : إن مؤسسات المجتمع المدني الخليجي عامة والبحريني خاصة , قد مرت بثلاث مراحل متمايزة:
المرحلة الأولى : جاءت مع بدايات النصف الأول للقرن العشرين خاصة في دولتي البحرين والكويت ، وقد غلب على هذه المرحلة مشاركة النخبة السياسية الحاكمة ذاتها في تكويناتها بجانب فئات التجار والصيادين والملاحين، كما غلبت على أهدافها النواحي الثقافية والأدبية والتنموية ، ومن ثَم لم يكن غريبًا أن تأتي مطالبها ومواقفها متناغمة إلى حد كبير مع مطالب النخبة الحاكمة والمنتدب البريطاني آنذاك.
المرحلة الثانية : وترجع إلى خمسينيات القرن العشرين والستينيات، حيث بدأت دول تلك المنطقة تعرف شكلاً أكثر تبلورًا للدولة بالمعنى الحديث ، ومن ثَم بدأت مطالب وتشكيلات مؤسسات المجتمع المدني تنحو نحو الجوانب السياسية وقضايا المشاركة الشعبية . وقد شهدت مجتمعات مثل البحرين والكويت ودبي مظاهرات وانتفاضات تصب في هذا الاتجاه.
المرحلة الثالثة : مرحلة الطفرة النفطية، حيث بدأت عوائد النفط تؤتي ثمارها وبدأت خطط التنمية الاقتصادية تتبلور بشكل واضح، كما أن مؤسسات الدولة البحرينية بدأت في الترسخ ، وتدعمت سياسات الدولة في مجال التعليم والخدمات بالشكل الذي نراه في وقتنا الحاضر، وهو ما وضعها ودول الخليج العربية في مراتب متقدمة في تصنيفات التنمية البشرية عالميًّا وعربيًّا، كما بدأت تلك الدول تتوسع في الأخذ بنظام المجالس الشورية سواء المنتخبة أو المعينة .
وبالنظر إلى طبيعة التنظيمات المدنية الراهنة نلاحظ أنها تتنوع ما بين دينية ونسائية وخيرية ومهنية وتعاونية وثقافية، في حين تفتقد أهم عناصرها وهو الأحزاب السياسية ، وهو الأمر الذي تكاد تعرفه التجربة الكويتية وإن كان بشكل متمايز .
وقد قدرت إحدى الدراسات عدد مؤسسات المجتمع المدني الخليجية في الدول الست بحوالي 2000 مؤسسة , ونصيب البحرين منها يتجاوز 280 مؤسسة مدنية اجتماعية , منها أكثر من 11 تنظيم أو جمعية سياسية.
محددات التجربة الديمقراطية البحرينية :
تشير دراسة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الخليجي إلى أن تلك المجتمعات ليست بمعزل عن بقية المجتمعات العربية بشأن التعاطي مع قضايا الديمقراطية، غير أن هذا لا يمنع من الحديث عن تواجد خصوصية خليجية ترجع بالأساس لاعتبارات مجتمعية وتاريخية تلعب دورًا هامًّا وبارزًا في تشكيل الوعي السياسي والممارسة السياسية في البحرين.
ويمكن تحديد أبرز عناصر هذه الخصوصية في الجوانب التالية:
أولاً: الخصوصية التاريخيـة والخبرة السياسية: حيث تمثل الخبرة التاريخية إطارًا مرجعيًّا لإستراتيجيات وسياسات تلك الدول بصدد تعاطيها مع قضايا الديمقراطية ، حيث حرص النظام السياسي في البحرين على التأكيد على الخصوصية التاريخية له وهو بصدد تعاطيه مع قضايا الديمقراطية والتحديث السياسي ، رغم نهجه لسياسات تحديثية في المجال الاقتصادي والتعليمي وقطاعات الخدمات .
ثانيًا: القواعد العامة للعملية السياسية: ونعني بها الفلسفة الحاكمة للممارسة السياسية في البحرين والتي تنطلق من "قاعدة ذهبية" مفادها "أن المطالبات بالمزيد من المشاركة السياسية لم تَرْقَ إلى التشكيك في شرعية النظام الحاكم أو مناوأته" وهذه القاعدة تمثل سقفًا للحركة السياسية في دول الخليج –بشكل عام- من حيث المطالب وطبيعة الممارسة وآليات العمل السياسي. وهو الأمر الذي يكاد يمثل توافقًا بين الشعوب الخليجية والنخب السياسية الحاكمة.
ثالثا : الإطار الاقتصـادي للعملية السياسية: ومرد ذلك للعلاقات التلازمية بين السياسة والاقتصاد ، وهنا تتجلى أهمية مرحلة الدولة الربيعية التي عاشتها البحرين في أعقاب الطفرة النفطية الخليجية ، وهو الأمر الذي عزز التحرر الاقتصادي والسياسي لها (الحديثة) في مواجهة نفوذ مصادر الإنتاج التقليدية وخاصة فئات التجار، وهو ما ساعد الدولة على السيطرة والتحكم في توجيه النشاط السياسي ، وضمان ولاء مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية، وهو ما يعرف في الأدبيات الخليجية بمقايضة السلطة بالثروة .
رابعًا: مؤثرات البيئة الإقليمية والدولية: حيث يمكن القول : إن أزمة الغزو العراقي للكويت وما استتبعته من تأثيرات داخلية وإقليمية مثلت نقلة هامة في حلقات العمل السياسي الخليجي والبحريني خاصة في ضوء ما كشفت عنه من قصور القدرات الدفاعية الخليجية عن حماية شعوبها ، بحيث تمت الاستعانة بقوات أجنبية ، بالرغم من كل المبالغ الهائلة التي أنفقت على التسليح وتعزيز الأنظمة الدفاعية , وهو الأمر الذي أفرز العديد من النتائج أبرزها ظهور مطالبات شعبية في بعض دول مجلس التعاون بإعطاء دور أكبر للمواطنين للمشاركة في العملية السياسية.
خامسًا: توجهات القيادة السياسية تجاه العملية الديمقراطية: حيث يلاحظ في هذا الشأن، وخاصة في أعقاب أزمة الغزو نزوع الخطاب السياسي السعودي نحو الحديث عن المشاركة السياسية للمواطنين وتفعيل دور مؤسسات الدولة، كما بدأت بعض الدول مثل قطر في الإعداد لوضع دستور يلبي احتياجات المواطنين، كما تم تأسيس مجلس الشورى السعودي في ديسمبر عام 1992م. في حين أخذت سلطنة عُمان بالتجربة البرلمانية عام 1991م , بينما أسست البحرين مجلس شورى بالتعين.
عوامل نجاح التجربة الديمقراطية البحرينية :
إن استمرار مسيرة الديمقراطية والتنمية السياسية البحرينية الراهنة والتوجهات الانفتاحية التي تشهدها غالبية المجتمعات الخليجية - رغم ما يؤخذ على بعضها - رهن بالعديد من الاعتبارات الهامة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، سواء ما يتعلق منها بالبيئة الثقافية، أو دور الدولة، أو حتى العامل الخارجي.
ورغم التسليم بنسبية مثل هذا التحليل فإنه يمكن التوقف عند بعض المؤشرات سواء المتعلقة بتطوير عملية التحول الديمقراطي أو حتى تلك التي تصب في الاتجاه المعاكس، بيد أن عناصر السلب في التجربة يمكن أن تصبح فيما بعد عناصر ضغط على النظام نحو مزيد من الانفتاح الديمقراطي.
وفي هذا الخصوص يمكن القول : إن ثمة قيودًا على التجربة الراهنة بصدد تعاطيها مع قضايا الحريات والعمل السياسي، لعل أهمها :
1. إشكالية الخلل في التركيبة السكانية التي تعانيها غالبية دول الخليج ، والبحرين جزء منها , حيث تمثل عنصرًا غير إيجابي نحو مزيد من التحول الديمقراطي، نتيجة وجود أعداد هائلة من العمالة الوافدة خاصة الآسيوية داخل تلك المجتمعات ، وهو الأمر الذي أفرز جوانب سلبية على الصعيد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. وهو ما يمثل عنصر تخوف لدى البحرين , وبالذات الشعب , من التوجه نحو مزيد من الانفتاح الثقافي الذي لا ينسجم مع الثقافة والقيم الخليجية البحرينية .
2. تظل الاعتبارات القبلية عنصرًا هامًّا وبارزًا في تشكيل عناصر الوعي السياسي والثقافي بشكل عام، ومثل تلك الاعتبارات تمثل قيدًا وربما معوقًا عن التوجه نحو مزيد من الانفتاح والتطور السياسي.
3. يظل الهاجس الأمني أحد أبرز أدوات تشكيل السياسات البحرينية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، ومثل هذا الهاجس يصب في اتجاهات تمثل قيدًا على عناصر توسيع المشاركة السياسية أو انتقاد للممارسة السياسية، والأهم توجيه كافة رموز وأدوات الدولة لمثل هذا الأمر، وخاصة في جانبه الاقتصادي، وهو الأمر الذي كشفت عنه مؤخرًا إحصاءات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية التي قدرت حجم الإنفاق الدفاعي في دول مجلس التعاون الخليجي الست بـ 63.4 مليار دولار خلال عامي 1998م و 1999م , يبلغ نصيب البحرين منها 450 مليون دولار سنويا طبقا لإحصاءات عام 2002 , وهي ما تشكل نسبته 6% من إجمالي الناتج القومي البحريني البالغ 9800 مليون دولار لعام 2002م .
ومع التسليم بأهمية تلك النقاط فإن ثمَّة عناصر أخرى تصب في اتجاه تدعيم عناصر الوعي السياسي بشكل عام والدعوة لمزيد من السياسات الديمقراطية بشكل خاص، وهذه العناصر – وقد كشفت عن نفسها بجلاء خلال المظاهرات والمسيرات التي شهدتها الدول الخليجية كافة بشأن الانتفاضة الفلسطينية - يمكن أن تمثل سياقًا عامًّا للممارسة السياسية الخليجية مستقبلاً وتبرز في الجوانب التالية:
1. ارتفاع معدلات التعليم في البحرين وانخفاض نسبة الأمية، حيث تشير مؤشرات التنمية البشرية إلى ارتفاع معدلات التنمية في مملكة البحرين وبلغت نسبتها عام 2002 ما نسبته 89.1%، ومثل هذا الأمر بجانب المستوى الاقتصادي المرتفع , يصب في النهاية في تنامي درجات الوعي السياسي والثقافي وخلق شريحة عريضة من المثقفين والمهتمين بالشأن العام.
2. تنامي دور مؤسسات المجتمع المدني في دول الخليج وتوسع الدولة في هذه التنظيمات، مما يساعد في إثراء الممارسة السياسية، في ظل تراجع دور الدولة مع ما تشهده بعض ميزانيات الدول الخليجية من عجز في أعقاب حرب الخليج الثانية. وهو ما يصب في النهاية في خانة تقليص سلطات الدولة ومركزيتها وهيمنتها .
3. ثورة المعلومات المعاصرة التي تشهدها كافة النظم السياسية العربية والخليجية , والبحرينية خصوصاً , وانتشار "ثقافة الإنترنت"، وبروز دور التقنية في المجتمع ، وظهور جيل جديد من المتعلمين ذوي احتياجات جديدة ومتطلبات خاصة لا تناسبه بطبيعة الحال الطبيعة الاستبدادية للممارسة السياسية التقليدية ، خاصة أن عناصر تشكيل هذا الجيل قد تمَّت في بعض العواصم والحواضر الغربية، وهو الأمر الذي يمثل عنصر مقارنة هام وضروري لدى هذه الفئات، ولعل هذا يفسر اتجاه دول التعاون الخليجي والبحرين , إلى السعي لإنشاء الهيئة الاستشارية التي تحاكي المجلس الأوروبي شكليًّا كنوع من تدعيم المشاركة الشعبية في القرار الخليجي .
شروط الانتقال إلى الديمقراطية في التنمية السياسية البحرينية :
وبحسب أنصار نظرية التحديث فإن ثمة عدة عوامل تسهم في الانتقال الى الديمقراطية على النحو التالي:
1 ـ التعليم
مساهمة التعليم في عملية الانتقال إلى الديمقراطية لا تعني فقط انخفاض نسبة الأمية في مجتمع ما ، وعليه ارتفاع تعداد المتعلمين، بل بما يحمله الانخفاض والارتفاع من مدلولات سيسيولوجية وثقافية وقيميه وسياسية وحتى اقتصادية ، فالتعليم يسهم بدرجة فعّالة في تشكيل المجتمع وإعادة صياغته وفق متطلبات جديدة راهنة ومستقبلية .
فدور التعليم في الانتقال إلى الديمقراطية ، ينبئ عنه هذا العدد الكبير من المتعلمين، وتالياً انفتاح ما يربو عن نصف السكان في المملكة على قيم وأفكار وتقاليد مختلفة، الأمر الذي سبب شرخاً غير قابل للرتق في النظام القيمي المحلي , الديمقراطية لا تنشأ في مجتمعات تسودها الأمية بالمعنى الضيق والواسع للكلمة، وإنما يتوقف تبرعمها وترعرعها على وجود قاعدة عريضة من المتعلمين تكون قادرة على وعي بالمفاهيم الحديثة وبطرق التعامل معها وبوسائل حمايتها. التعليم يفرز نخباً حديثة بمفاهيم ومعايير وقيم مختلفة ، تميل الى إقصاء النخب التقليدية (العشائرية والدينية) وتشرعن نفسها وفق منظومة مختلفة من المبررات.
2 ـ التمدين (العمران)
يمكن إدراك دور التحضر أو التمدين في عملية الانتقال نحو الديمقراطية من الميول المتنامية لدى المتحضرين في النشاط السياسي التغييري .
التحضر، أي الانتقال والعيش في المدينة، ليس انتقالاً جسدياً محضاً، أو مجرد تغيير في طرق العيش، بل هو عملية تحوّل ذهني وقيمي شديدة، تشمل كل شيء تقريباً من طرق المعيشة والتعليم ونوعية العمل والأفكار والعلاقات العامة والنظرة الى الذات ضمن الإطار الواسع في المدينة أو الدولة. ولهذا كلما كان المجتمع ثابتاً مكانياً، كلما كان عرضة للأفكار الحديثة، ولانقلاب المفاهيم، وللحاجة الى التطور وزيادة التطلع والطموح. ولأن المجتمع البحريني يكاد يكون في معظمه اليوم مدنياً (بمعنى حضرياً) ثابت المكان والعيش، خلاف وضعه قبل عقود قليلة مضت، فإن هذا مؤشر واضح الى حقيقة التطور باتجاه التغيير السياسي.
فالتمدين يمثل تحويلاً شاملاً في القيم، والعادات، والأساسيات الذهنية، وطرق التفكير، ووسائل اكتساب المعرفة وحتى سبل الوصول إليها ، أي بمعنى آخر، تشكيل المجتمع وفق متطلبات جديدة.
3ـ التصنيع
ما يلفت إليه النشاط الصناعي هو ما يحدثه من تغييرات ثقافية واجتماعية وفي نظام القيم والسلوك للأفراد نتيجة تطور الآلة المستعملة وتبدّل المادة المستهلكة، وبالتالي تحوّل النظرة الى الأشياء من مستوى بدائي تنحبس في حدود المصلحة القريبة الى مستوى التطلع نحو التغيير كعملية متصلة في الكون وفي النظم الاجتماعية والثقافية ووصولاً الى السياسية. وإذا كان التصنيع في الغرب قد ارتبط بنمو الديمقراطية فيه، فإن التلازم هذا يبدو أقلّ حدّّة في هذا العصر، بالنسبة لدول العالم الثالث، فهناك دول غير صناعية نجحت في التحول الى الديمقراطية، كما أن دولاً صناعية كبيرة كانت موجودة الى وقت قريب (الاتحاد السوفيتي) كانت بعيدة عن التوجه الديمقراطي.
واليوم تمثل حصة قطاع الصناعة البحرينية من الناتج القومي ما نسبته 35% , بينما يمثل قطاع الخدمات الدرجة الأولى بنسبة 64% , فيما يمثل قطاع الزراعة ما نسبته 1% , أما الصادرات البحرينية فتبلغ 5800 مليون دولار حسب تقديرات 2002م , أما الواردات فتبلغ 4200 مليون دولار .
وعليه فليس كل بلد صناعي هو ديمقراطي، ولكن الصحيح أن كل بلد ديمقراطي يشتمل ضرورة على قاعدة صناعية بدرجة معينة تؤهل الدولة في بناء مؤسساتها، ونظامها الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي تأهيل المجتمع الى مرحلة يكون فيها قادراً على امتلاك آليات استيعاب التحول السياسي السلمي نحو الديمقراطية.
4 ـ النمو الاقتصادي (المداخيل)
سهل ارتفاع المداخيل سواء على مستوى الدولة أو الأفراد استيعاب منظومة قيم جديدة جاءت في هيئة معدات بناء، وأثاث، ومستلزمات بيتية، وملابس، وإكسسوارات، وأدوات تجميل، وعطور، ومواد استهلاكية وأجهزة كهربائية وإلكترونية وغيرها، فلم يعد للقيم التقليدية سطوتها الكاملة في إدارة الذوق العام وتشكيل المفاهيم والنظرات، بل صار "المتاع الجديد" يزفّ في موكب دعائي ليحتل مكانه قبل أن يصل فعلياً إلى أيدي المستهلكين الغرباء. وهكذا ولّد الانفتاح على القيم الجديدة رغبة شديدة الضراوة من أجل استيعاب ما يقف خلف المتاع الجديد من قيم ومبادئ، فكانت الديمقراطية هي مكافأة النمو الاقتصادي .
5 ـ تشكّل الدولة
بمعنى قدرة الحكومة على فرض سيادتها وسلطانها . لقد أدى التحديث الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في البحرين الى التوسع في جهاز الدولة الإداري من أجل تنفيذ عدد كبير من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية وتشكيل قوى الأمن من أجل حماية البلاد والنظام.
إن تشكل الدولة وتمأسسها يتيح لها القدرة على استيعاب القيم الديمقراطية ويجعل ممارستها ممكنة، كما أن توطيدها في بنى الدولة يؤدي الى إتقان العمل بها. فالديمقراطية لا تنشأ أو لنقل لا تمارس بصورة صحيحة إذا كانت الدولة غير مكتملة النمو، فمأسسة الدولة بصورة شبه كاملة هي الضمانة الوحيدة لتطبيق الديمقراطية بحسب أصولها.
6 ـ الثقافة السياسية
رغم أن الفترة الممتدة من الخمسينات وحتى الآن شهدت ظهور أحزاب سياسية وحركات احتجاج معارضة للحكومة سواء كانت محلية أو خارج الحدود، إلا أن الحكومة مازلت ترفض التعامل مع هذه الأحزاب كواقع يجب التعامل معه والسماح له بالنشاطً بحرية مطلقة . ولذلك فإن الأدبيات الحزبية الموجّهة في الأصل لتثقيف الجمهور يتم تداولها بالسر، كما الحال بالنسبة لتنظيم الأفراد.
وفي ظل انعدام تجارب حزبية علنية أو مجالس برلمانية حرة وديمقراطية، فإن مصادر الثقافة السياسية غالباً ما تكون خارجية سواءً تكويناً ونشاطاً أو حتى توجيهاً. وبلا شك فإن الثقافة السياسية في جانبها النظري بالنسبة للغالبية العظمى من السكان تأتي عن طريق وسائل الاتصال الجماهيري، حيث تمثل الأخيرة مصادر توجيه ثقافي لقطاع كبير من السكان، ففي عام 2002 كانت الغالبية العظمى من البحرينيين مستقبلاً للبرامج الإذاعية وللتلفزيون، وقد تزايدت هذه النسبة بوتيرة عالية، فيما دخل الإنترنت كوسيلة اتصالية متقدمة تجتذب على ما يربو سبعين ألف زائر يومياً في البحرين .
وليس ثمة حاجة للقول بأن المواد السياسية المبثوثة عبر وسائل الاتصال هذه كفيلة بخلق مناخات احتجاجية واسعة النطاق. وللتمثيل فقط، فقد نجحت قناة الجزيرة في تأجيج المشاعر القومية والدينية لدى أغلبية السكان في البحرين ضد الكيان الإسرائيلي والأنظمة العربية إبان تساقط الشهداء الأطفال والنساء والشيوخ في الضفة الغربية المحتلة برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلية، حيث خرج الآلاف في المنامة وباقي المحافظات في مظاهرات استمرت عدة أيام، وهذا يثبت بأن الثقافة السياسية لدى الشارع البحريني قد بلغت درجة من النضج تجعله مؤهلاً لممارسة الديمقراطية.
7 ـ مؤسسات المجتمع المدني
رغم أن مؤسسات المجتمع المدني في البحرين لم تستكمل بعد تشكيلاتها النهائية بغض النظر عن تعدادها الشكلي ، بحيث تأخذ أبعاداً ثقافية وسياسية واجتماعية أفقية وعمودية ، إلا أن المؤسسات الحالية في هيئة نوادي أدبية وثقافية ونسوية ورياضية وتجمعات شبابية وحتى مؤسسات دينية ومساجد ومسارح , إضافة الى مؤسسات العمل السياسية كالأحزاب والجمعيات , تؤكد الميول المتنامية لدى السكان نحو الانضواء في مناشط جماعية قابلة تدريجياً للتمأسس، ولعب أدوار تتجاوز الحدود الوظيفية المرسومة لها , وتكشف العرائض المطالبة بالإصلاح من جماعات مختلفة، ومنتديات الحوار التي تعقد في المجالس الخاصة أو حتى على شبكات الإنترنت ، وكذلك الأشكال الجماعية الأخرى مثل المظاهرات والتجمهر، هذه وغيرها من أشكال التعبير الجماعية تكشف عن أن مؤسسات المجتمع المدني قد تشكلت في مكان ما خارج الأطر الرسمية وهي تعبير صادق عن ميول السكان نحو مأسسة مجتمعهم المدني بصورة أو بأخرى.
خلاصة الفصل :
يتضح مما سبق , أن دول الخليج العربي , بما فيها البحرين , ظلت بعيدة عن تأثيرات موجة الديمقراطية التي عرفها العالم في منتصف السبعينات , لكنها اضطرت إثر نهاية الحرب الباردة وحرب الخليج الثانية الى التجاوب مع المتغيرات العالمية والإقليمية التي تبعتها , وأبرزها الاهتمام بحقوق الإنسان , ورغم أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي تقدمت خطوات نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان , إلا أن البحرين ظلت مصرة على تعليق دستور البلاد وتعطيل المجلس النيابي المنتخب منذ 26 أغسطس 1975م .
وقامت في عام 1992م بتشكيل مجلس شورى يعين جميع أعضاؤه , وخلال منتصف التسعينات قامت مظاهرات شعبية كبيرة طالبت بعودة الحياة السياسية والديمقراطية وتعديل الدستور والمشاركة السياسية , وظل الوضع على ما هو عليه حتى وفاة أمير البحرين الشيخ عيسي بن سلمان في مارس 1999م .
وتولى ابنه الملك حمد بن عيسى مقاليد الحكم , فبدأت البلاد تعرف قدراً من الانفتاح الديمقراطي , وتم الاستفتاء على ميثاق وطني في فبراير 2001م الذي حولها الى مملكة دستورية في فبراير 2002م , واعطاء المرآة حقوقها السياسية من خلال مشاركتها كناخبة وكمرشحة , وأقر بحق المواطنين في تكوين جمعيات سياسية والمشاركة بالانتخابات .
وفي فبراير 2002م تم استبدال دستور 1973م الى دستور جديد وهو دستور عام 2002م , وتمت انتخابات مجالس البلديات في 9 مايو 2002 , وانتخابات المجلس النيابي في 24 أكتوبر 2002م .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت