الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر الثورات الحضارية

ثامر الحاج امين

2011 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


شهد مطلع العام الجديد 2011 أحداثاً سياسية كثيرة ، كان أبرزها التغيير السياسي في كل من تونس ومصر ، ففي اقل من شهر عصفت ثورة الشباب باٍثنين من أبرزالأنظمة الدكتاتورية في المنطقة العربية والقارة الافريقية ، كان الأول نظام زين العابدين بن علي في تونس والآخر هو نظام مبارك في مصر .
فقد تابع العالم على مدى أسابيع قليلة مسلسل تداعي هذين النظامين اللذين حكما بلديهما لأكثر من عقدين من الزمن ، وليس في نيتي هنا تقييم طبيعة حكم هذين النظامين فهذا شأن سيكتب فيه التاريخ شهادته لاحقا، انما اردت الاٍشارة الى طبيعة الثورتين اللتين عصفت بهما ، وكذلك الوقوف عند المشتركات التي التقت عندهما ، اٍضافة الى الدروس الواجب استنباطها من وحي هاتين الثورتين الكبيرتين .
فعلى مرّ التاريخ قرأنا وشهدنا ان الثورات عادة ما تتحقق وتعصف بالأنظمة بواسطة الانقلابات العسكرية وأدواتها( جنرالات ـ دبابات ـ طائرات ) مخلفة مشاهد مروعة من الدم والجثث في الشوارع ومشاهد الحرائق وهي تلتهم اليابس والاخضر ، وان القليل من الثورات التي خرجت عن هذا السياق وتحققت بفعل ضغط جماهيري وشعبي وتوجيه من قبل الاحزاب والتنظيمات السياسية . ولكن ما حدث في تونس ومصر قد خالف كل هذه النظريات فقد انفردت هاتين الثورتين بخصوصية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الثورات ، هو النموذج الجديد من التغيير بواسطة الشباب والتكنولوجيا لتحقيق ثورة بيضاء ربما يعجز عن تحقيقها السلاح والتنظيمات وأية عوامل اخرى . لقد تابعنا كيف استخدم هؤلاء الشباب ـ ولأول مرة في التاريخ ـ التقنية الحديثة ( الانترنيت ـ الفيسبوك ) في التحضير للثورة وحشد الجماهير لها ،والتواصل من خلال النت في ادارة وديمومة أيام المواجهة مع النظام بشكل اذهل العالم وافقد صواب الحكام من اسلوب التغيير الجديد والناجح ، وهكذا صار الشباب والحاسوب هما عمودا الثورة وليس الجنرالات والدبابات ، كما تابعنا الضغط على السلطة كيف كان على درجة من الانضباط والتنظيم ودون الانجرار الى التهور الذي عادة ما يفسد الثورات وغاياتها ، وكيف تمكن الشباب بفعل وعيه من استخدام فنون التقنية الحديثة لتعبئة الجماهير وكذلك جرالاحزاب والتنظيمات وراء مطالبهم التي هي مطالب وطنية وليست فئوية ، وبالتالي تحقيق التحول الكبير في حياة شعوبها دون دماء وحرائق الاّ القليل الذي يدور الشك حول مصادرها، كما شهدنا كيف تعامل الجيش مع الجماهير المحتجة بانضباط ومهنية عاليين ووقوفه سدا منيعا وأمينا أمام قمع السلطة لها والانقضاض على ثورتها ، وظل وجوده في الشارع حامياً لأرواحها وممتلكاتها ومبعث اطمئنان للجماهير ومصدر ديمومة ثورتها فقدم بموقفه هذا مثلاً رائعا ًللوطنية الحقة .
نستطيع القول ان عهداً جديداً من الثورات قد بدأ ، يمكن ان نطلق عليه عصر الثورات الحضارية ، المتمثل باستخدام التكنولوجيا ، السلوك المتحضر والمنظم في الاحتجاجات ، الانضباط العالي والمهني للعسكر ، الشعارات الوطنية لا الفئوية والحزبية ، الاصرار المنضبط على تحقيق المطالب دون التهور واللجوء الى العنف في الوصول الى الغايات .
ان ثورتي تونس ومصر دقتا الأجراس في آذان الكثير من الانظمة النائمة عن معاناة شعوبها ، واظهرتا بوضوح ان نظام الطغيان يبدو هشاً امام وعي الشعوب المتسلحة بالعلم والمعرفة والثقافة المدنية لا ثقافة الافكار الظلامية التي تحاول الأنظمة ابقاء شعوبها غارقة في غياهبها ،وهذا ما اثبتته الاحداث الجارية الآن في كل من ليبيا واليمن فالجميع مدعو االى اعادة النظر في سلوكه وبرامجه والاستفادة من الدروس التي قدمتها هاتان الثورتان، والنظر بعين المسؤولية الى ضرورة اشاعة الحريات ونبذ القمع وتحاشي الفتن بين مكونات المجتمع والسعي الى ترسيخ القيم والمفاهيم الديمقراطية التي بدونها لا ضمان لأي نظام من سرعة الانهيار امام غضب الجماهير . لقد قالت ثورتا تونس ومصر كلمتهما بوضوح الى الشباب والحكام والعسكر والذي سيظل غافلاً عن ذلك هو الخاسر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار