الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التغيير في العراق

جليل البصري

2011 / 3 / 1
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عندما نتحدث عن التغيير في العراق لا نعني بالضرورة ان يجري على الطريقة التونسية او المصرية، لان العراق يتميز بسلطة مجموعة احزاب وليس حزب واحد ، ولان هذه الاحزاب مشتركة جميعها في السلطة دون استثناء وهي ظاهرة نادرة لم نسمع عن وجودها في اي قطر اخر. فقد تمكنت مجموعة من الاحزاب من الوصول الى البرلمان وبطريقة ديمقراطية عبر صناديق الاقتراع ووفق برنامجين الاول معلن يتمثل في مطاليب وطنية عامة والثاني غير معلن لكنه شكل اساس حملتها الانتخابية والذي يعتمد على المخاوف القومية والطائفية والنزعات المناطقية مما أعاد تكريس الانقسام الطائفي والقومي على نفس الاسس التي وضعتها هذه القوى منذ ايام تاسيس المؤتمر الوطني العراقي الموحد في تشرين اول من عام 1992والذي ظل واضحا في الشعار الثلاثي للمؤتمر. وبين هذا وذاك ظلت مجموعة من الاحزاب اليسارية الصغيرة وغير الصغيرة والمستقلين يراوحون خارج الخارطة السياسية وظلت طموحاتهم موضوعا لبرامج الاحزاب الممسكة بزمام الامور ولكن بلا تحقيق.
ولعل الكثير من شباب اليوم لايعرفون هذه الامور ولكن المستقلين ظلوا يشكلون هاجسا احتجاجيا في عمل احزاب المعارضة قبل التغيير وغضبهم من إهمالها لمصالحهم والفساد الذي كانت جذوره قد نبتت فيها بالرغم من وجود شخصيات واعلاميين تمتعوا بالنزاهة والوطنية الرفيعة وقاوموا قدر ما أتاحت لهم قواهم ووجودهم بين مطرقة النظام الصدامي الوحشي وسندان هذه القوى والظروف المعيشية القاسية التي يعيشونها في تلك الايام، لكن مسألة اسقاط النظام كانت هي الهدف الاسمى الذي تهون من اجله كل الامور وهذا ما جعل المئات والالاف تشارك تحت لواء هذا الحزب او ذاك رغم عدم التزامها به تنظيميا او فكريا حتى. وكان كل حلمهم ان التغيير سيفسح لهم مجالا للحياة بحرية والعمل والتخلص من ربقة هذه الاحزاب، لكن هذه الاحلام اصطدمت بالواقع الجديد والاصطفافات الجديدة واقبال هذه الاحزاب خلال صراعها "الديمقراطي" على الاصوات والاصوات البعثية لخلق جماهيرية لها تعزز بقاءها في الصدارة وتؤمن لاحزابها السطوة في العراق الجديد. وعاد المشهد الاول واصبحت بوابة الحزب هذه المرة اشد قسوة عليهم فهي تتمتع بالقوة والبطش الذي لم تكن تملكه ايام المعارضة لانها هي الحاكمة وهي التي لا بديل عنها مثلما كانت الحياة في ايام المعارضة سواء في بلدان اللجوء او في اقليم كوردستان حيث كانت هناك بدائل لا تملك هذه الاحزاب سطوة عليها .
وظلت هموم العيش وارهاب القاعدة تمسك بخناق الشارع العراقي لسنوات حتى استبشر خيرا بالانتخابات الأخيرة وبـ"البرامج الوطنية" المطروحة وصدقت الناس ان زمن الطائفية والمحاصصة قد ولى وتحدثت الاقلام عن الهوية الوطنية والاصطفافات الوطنية الجديدة التي لم تصمد حتى ظهور نتائج الانتخابات وكشفت عن وجهها السافر مع ظهور التخمينات الاولى للنتائج، وصبر الناس على اعادة الفرز والطعون وبدأت المفاوضات المريرة حول تشكيل الحكومة وكيفية تقاسم الكعكة تأكل من عمر صبر الجماهير شهرا بعد شهر. بحيث بدأ الجميع يشعر ان ايا من هذه الأحزاب ومن خلالها لا يستطيع ان يخفي مطامحه ومطامعه ويرفض ايا منها ان يكون خارج السلطة وان يتحول الى معارضة فبدات مسيرة حكومة الشراكة التي تعني قبل كل شيء ان الجماهير كانت مستغفلة طيلة الوقت وان صناديق الاقتراع لم تقم الا بواجب تقسيم الحقائب الوزارية والمناصب السيادية عليها. وبدلا من ان تستعجل الحكومة المشكلة في استكمال نواقصها وتعيين وزراء امنيين مستقلين كما جاء في تصريحاتهم وتحديد المجلس السياسي لاستكمال الحصة المتفق عليها ولكن الغائب في كل هذا المشهد منذ اغلاق صناديق الاقتراع ولحد اليوم هو المواطن العراقي الذي ما ان تطلع الى ان يركب الريح القادمة من الغرب ويعبر عن غضبه على كل هذا الاهمال والغبن وعدم الاحترام لعقله ووجوده، حتى نفشت الاحزاب ريشها واستنفرت كل طاقاتها لتحرمه فرحة التعبير عن غضبه علانية بعيدا عن القنوات المقننة وينزل الى الشارع فقامت اولا بترهيبه ودعوته الى عدم المشاركة في الاحتجاج لانها حكومة منتخبة اولا ولانها وطنية المنشأ ولها تأريخ وكأن المواطن الذي يطالب بحقه في حياة كريمة يطعن في وطنيتهم بينما الفساد المستشري وابتلاع مقدرات البلد التي هي حصة المواطن لا يخل بشرف هذه الوطنية.
ودفعت الحكومة المشتركين معها من رجال الدين على مختلف الوانهم الطائفية الى العمل على لوي ذراع المواطن واعلان تحريمها المباشر وغير المباشر عن طريق الدعوة لعدم التظاهر او تأجيل الاحتجاج ستة اشهر او الامتناع عنه كونه موضع خطر وشبهة، كما سعت الى اخافة المواطن وترهيبه بان الاحتجاجات سيستغلها البعث المنحل واعوانه والقاعدة واخترعوا من اجل ذلك افلاما وحكايات.مما اسقط الاقنعة عن كل الذين حاولوا وأد الاحتجاجات في مهدها ممن كانوا داخل الحكومة او من اعدائها التقليديين فالمواطن المحتج لاترغب الحكومة ولا اعداءها في ان تراه في الشارع وهو يطلق لصوته العنان ويصر على مطالبه مهما كان الثمن.
ورغم ذلك فقد انطلقت الاحتجاجات وحاول البعض الاساءة لها وجرها للعنف في بعض المناطق لتشويه صورتها او لتحقيق اهداف سياسية فيما سعت عناصر وقوى امنية التحرش بالمتظاهرين وقمع احتجاجتهم وقامت اطراف باطلاق الرصاص على البعض وقتلت العديد من الشباب والصبيان المشاركين دون ان يكون هناك مبرر لاستخدام كل هذا العنف المفرط من قبل السلطات بل ان السلطات والاحزاب قامت باعتقال صحفيين او ضربهم وضرب المتظاهرين فقتل العديد منهم وجرح المئات من شماله الى جنوبه.
ورغم ذلك فان الحديث عن اجهاض الاحتجاجات هو حديث غير صحيح فالاحتجاجات لم تجهض فهي البروفة الاولى التي نجحت في كشف الاقنعة والمواقف الحقيقية للسياسيين والمراجع والاطراف المختلفة ومدى تأييدها لمطالب الجماهير، كما نجحت في كسر حاجز الخوف والسلبية واليأس لدى المواطن، كما فضحت زيف الادعاءات وعمليات التخويف التي قامت بها اطراف مختلفة داخل السلطة وخارجها . للتأثير على التظاهرات وحرفها باتجاه العنف كما اغفلت كل وسائل الاعلام تغطية التجمع الكبير الذي احتشد سلميا في ساحة النسور بعد ان منعته السلطات من التوجه الى ساحة التحرير. والكثير من التجمعات الاخرى الاصغر في البياع وحي العدل وغيرها. واستمرت الاحتجاجات في العديد من مدن العراق وتجددت الدعوات لجمعة الكرامة والعزة وهو تعبير يتجاوز صورة الشعب الجائع الذي يبحث عن مفردات البطاقة التموينية وفرص العمل فقط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الهجوم على إسرائيل: كيف ستتعامل ألمانيا مع إيران؟


.. زيلينسكي مستاء من الدعم الغربي المحدود لأوكرانيا بعد صدّ اله




.. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية: توتر وانفراج ثم توتر؟


.. خالد جرادة: ماالذي تعنيه حرية الحركة عندما تكون من غزة؟ • فر




.. موقف الدول العربية بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم