الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة/ (م...)

حسن كريم عاتي
روائي

(Hasan Kareem Ati)

2011 / 3 / 3
الادب والفن


قصة قصيرة
(م...)
حسن كريم عاتي

ما يطفئ لظا الفؤاد، يضرمه مجدداً بمجرد ملامسة أنامل غضة او خشنة مفاتيح صغيرة على لوحة لا تزيد مساحتها على مساحة راحة الكف.فضاء تسبح فيه جمهرة العشاق الصادقين منهم والكاذبين . كأنهم في حراك ثوري لاقتحام سجون الطغاة. يحدوهم خطباء نذروا انفسهم لقضية غامضة حقاً، هل هي هوس بالاتصال الجسدي، ام تعبير صادق عن انتماء لا يتصف بالتوحيد الا من خلال الالم. يتفرقون بين اقطاب المكان وان جمعهم المكان نفسه، لا تمنعهم حواجز او اختلاف ازمنة او اوقات ، فما اتيح لهم عبر ذلك اللوح الصغير يمنحهم قدرة تخطي عقبات الدنيا ، وان كانت الحبيبة في قفص او رياض يفصلها عنهم بحور سبعة بينهم أهوال توردها الحكايات التي ترنم بها العشاق لإظهار شجاعة اوهوس او مغامرة او صدق عشق. وليس هم بحاجة الى جرعة شجاعة لتقوية القلب، فلا حضور مباشر للأخر وان كان حاضراً، و لاغياب له وان غاب عبر اطفاء ذلك الجهازالسحري.

رسائل بعض منها مقتضب وآخر مسهب، تسبح في فضاء خيال لا يحده سوى قدرة المرسل على التخيل، بعض منها مضحك وبعض آخر مؤلم حد البكاء، مع غياب الملامح سوى ما تشي به الكلمات من رسم لصور غير واقعية لاؤلئك المتناجيان، لايمكن عدها ممثلة لهما، بقدر، ما كان يعمل به خيالي انا في تصور الملامح والاعمار والقسمات والازياء واحياناً التحصيل الدراسي، ونوع الاختصاص، فالجميع مخبؤ تحت غطاء الكلمات على اللوح المضيء.

يكفي ان اقرأ رسالة المرسل حتى يرَسم الذهن ملامحه وشيء من تكوينة الشخصي. فرسالة مطولة تضيء الشاشة الان، تقول:// اثنان متناقضان ، صبري وحبك، بدءا يتأكلان. الاول عدتي لمكافحتك والثاني وبائي الذي يجب ان أشفى منه، احاول جاداً صمود الاول، انك تفقدينني بالتدريج ، ولا اعرف ان كنت قاصدة ذلك ام من دون قصد ، أصبحت رسائلك مؤلمة لي، لذا ارجوا الغائها. أجرب الجفاء عسى ان أنجح. واظنك نبيلة كي تساعدينني في صدي عن مراسلتك ان خانني صبري. الجأ اليك منك، فهل أنت قادرة لانك المذنبة بحقي . اقتحمتي عالمي، قد يكون بنية خبيثة، لست بريئة من دمي، ارغب بصدق كراهيتك، فهل لك من النبل ما يساعدك على تخطي ازمة الضمير لديك، ووباء العشق لدي. عطشي لجفائك. فاصنعي مني نفسي القوية قبل معرفتك، وساكون شاكراً لك مرتين: حياتي بالوصال الاول، وقتلي بالجفاء الذي أتمناه//.

على الرغم من مساحة الرسالة التي تأخذ بحساب الشركة (9) وحدات، كل وحدة منها تصلح رسالة مستقلة بذاتها. فإنها تنم عن ألم ممض لمرسلها. وان محاولته اصطناع الجفاء تحمل في داخلها توسل عميق للتوصل . حتى ان الاستعانة بالمفردات واضفاء صفات النبل لقاتلته استجداء لحبها بطريقة ذكية ، وهو ما يرجح لدي انه على مستوى جيد من التعليم، وقد يكون ممتهن للكتابة او يتخذها هواية له، مجرد تخمين، لا امتلك الدليل عليه. قد يخطئ مثل هذا الاجراء لتداول الخطوط بين المشتركين، يكفي استنتاجي لذكاء المرسل ان يقرن رسالته بالجملة الاخيرة// وقتلي بالجفاء الذي أتمناه//.

اعود لارشيف المرسل لمعرفة تفاصيل تغني بعض الشيء تصوراتي .ففي رسالة سابقة عليها:// ممرود القلب! إنك قاتلتي يا أبنة الروعة ،وليس لي من ذنب سوى تلبية نداؤك.. هل استحق كل هذا الالم؟استحق ما انا فيه (ببو زايد) من ايدي//.وقد تثير في بعض الرسائل على قصرها الضحك منها:// يابه دروحي//.من دون ان تشي هذه الجملة بنبرة صوت المرسل او الاشارة المصاحبة لها. فهي قد تقترب من الحياد بين الحب والكره بمعزل عن ما يحيط بها، وبأجابة الطرف الاخر المرسومة في ارشيف ملف الخط :// صار للمرة الثانية تقول دروحي، راح صدك اروح واريحك مني، لازم مضوجتك، خوش مصطلحات لغوية، هي هيچ تاليهه، خلي نفضها ليش دايخين، اشكرك عزيزي//.

تسري عدوى العشق في اوصالي، تتنمل اطرافي، احيانا. نشوة بكلمات ترسم عوالم اللذة الى اقصاها. سماوات مرصعة بنجوم العشاق ، تبرق مع كل رساله يحملها الاثير لتمر عبر شاشتي التي اتابع من خلالها طلبات العملاء، او المتابعات اليومية، فأشترك معهم في رسم ثورة يتزعمها كل عاشق دون دراية منه، عالم يتسع لعواطف متناقضة حد لا يمكن الجمع بينهما في اية سماء سوى سماء العشق. ففي رسالة اخرى://لحظة واحدة من ملامسة خدك لكتفي، لحظة واحدة من النظر في حياء عينيك، لمسة واحدة لكفيك الغضتين، اتلمس السعادة بذروتها ، لحظة تستحق ان ابيع الدنيا من اجلك. لا تظنين بي سوء تجاهك، فكلي لك و لا امتلك سوى فرح استعمارك لي، هل تعرفين انسانا أحب اغلاله مثلي؟ ويعلن ذلك صراحة. بل أنت نفسك لا تمتلكين ما أمتلك من شغف ، إنك اقل عشقا مني . لذلك لك ان تتدللي . لكن ليس لك ان تدعي التفوق فيه، كوني ما تشائين، واصنعي الجفاء ، لكن ليس بوسعك الهرب بعيداً عني، فاجتياحي لك لابد ان يحدث ... ويحدث.//
حلقت باجنحة خلقتها لي الرسالة بعيداً عن المكان. احس بخفة عجيبة، فلا أتذكر حاجة لطعام او شراب، تحلق الروح مع كلماتها الى ذروة الانتشاء. عالم من الفراشات تحلق معي بالوان زاهية فاقدة الحذر تحط على يدي، فوق رأسي ، أنفي ، انفخ بما يشبه الهمس عليها كي تعاود التحليق ، يعزلني الانتشاء عن الحضور في المكان. زادتني رغبة في اعادة قراءتها الجملة الاخيرة منها، عاودت القراءة مرات لا يحضرني عددها ..// فاجتياحي لك لابد ان يحدث // قربتني الى عشق الكلمات التي تبوح بثقة من حب الاخر، ما أصابني بالخيبة اجابة الطرف الاخر:// لم اتمالك نفسي، بكيت حين قرأت رسالتك هذه فرحاً، حزناً، لا ادري. جميل: تستوقفك مثل هذه اللحظات ! اما انا فهي زوادتي لأيام القحط. اجمل ما املك. لكني قد أضحي بها لعلني أذنبت بهذا الحب!؟ لم أرد ان نصل الى هذا الحد، ولكن...//.

أفيق من هول الاجابة ، وتتقافز الفراشات مذعورة امام ناظري هاربة من حلمي، كأنها طيور قطا فزت من اغفاءة مرعبة. ولا اعرف سبباً لرفض لا يرتبط لدي بأي تفصيل سوى خيالي . تصيبني كأبة العشاق، مرض يتمدد على مساحة الجسد ويتسرب في اوصاله. فتعلو وجهي صفرة. تراني مرة انهض متثاقلة من ازمة يمر بها غيري تصلني عدواها عبر الكلمات المرسومة على الشاشة، واحيانا آخر انهض بخفة من دون وقار، كأني في فرح يتيح تخطي اسلوب العمل المعتاد والحشمة المطلوبة من دون مداراة لوضعي كأنثى.

قد تكون بعض من الرسائل ما يشي بمحاولة صلح، تساعدني على اعادة التوازن النفسي الذي يضطرب بفعل تحليقي العالي في سماوات العشاق. يكفي ان اقرأ:// مسموح لي ان اقول : صباح الخير... ام لا؟//.فأدرك انها محاولة مفضوحة لطلب الغفران، وما يرسم الابتسامة على وجهي اجابة الطرف الاخر:// ليش لا عيني السلام لله. صباح النور. شو اخبارك؟ ما بظن منيح!// ومن تركيب الجمل ادرك انها من لغتين محليتين لبلدين مختلفين، فيصيبني الفضول بالعودة الى ملف الخط، لأقرأ :// صباح الفل والياسمين إن شالله منيح، كيفك شو اخبارك خبرني مشان الله بحبك انا// وهو ما يجعل الضحكة تفلت وبقهقهة اكتمها. اجابة الاخر ://مشان الله بحبك !! يجي الليل ونشوف مشان الله تبقى بحبك لو تصير زعل..//.

ما يدفعني للشكوك بشخوص المتناجين عبر الشبكة، وصول رسائل متناقضة، او حين يمتنع احدهما عن الرد، قد يكون اجاب عن الرسالة عبر خط آخر او وسيلة صوتية لا يمكن تعقبها من خلال شاشتي. او قد يكون مشترك في شركة اخرى غير الشركة التي اعمل بها. او خط آخر من الشبكة نفسها.وهو ما يقطع التواصل ويمتنع عليّ معرفة ان كانا هما اللذان بدءا مشوار الحوار الصامت عبر شاشات تومض بالالوان والصور وبحروف تسبح في فضاء العواطف، ولا ادري حقيقة ارتباطها بواقع او من صنع خيال المرسلين لها.

بدايات مشوبة بالشك دائما في جدية الطرفين، او في معرفة شخوص المرسلين لها، تارة يترنمان بشغف، واخرى يتخاصمان من دون مبرر واضح لي، ولا اعرف ان كانا قد ألتقيا فيما سبق، او ان شبكة الاتصالات الجديدة في حياتنا أتاحت فرصة البوح من دون استحياء ، وبحدود لا يمكن رسمها الا من قبلهما، لذلك في ظني اخذا مداهما. قد يكونا مراهقين يتسليان بعبارات تخفف من زخم انفعالهما، او انسانيين يحتم عليهما الواقع الشخصي الافتراق، ويستعيضان عنه، برسائل تؤكد الشوق. ولا تؤكد اللقاء المباشر بينهم.

لم يكن من بد، الا اتباع الحذر الشديد، فيما اسلكه من سبيل يروي عطشي وفضولي للاشتراك في عوالم اعشقها بخوف مع خشية الدخول اليها، خصوصا بالنسبة لأمرأة تحذر من ان تمسك متلبسة بممارسة العشق عبر عشق غيرها، ويعد انتهاكاً فاضحاً للخصوصية التي راهنت عليها الشركة التي اعمل بها ، واعتمدتها سبيلاً لدفع العملاء للاشتراك بخطوطها بوصفها كاتمه اسرارهم.

تسري العدوى في اوصالي، واشعر بتنمل اطرافي، بل يصاب ، احياناً، ذهني بما يشبه الذهول لأتهم نفسي بالبلادة امام وقائع شخصية يومية اتجاهلها، ليس لسبب وجيه قدر ارتباطها بوضعي النفسي الذي يدفعني الى ما يشبه التخدير . لا تجد الكلمات الوحشية المرتبطة بالانفعال طريقها الى ذهني او طرف لساني . ولا اجد ضرورة متابعة اخبار الاحداث المحزنة من حوادث يومية للقتل والتفجير، على بشاعتها. توقفت عن متابعة نشرات الاخبار المحلية او الدولية ، واستعضت عنها بجهاز هاتف يمتلك خاصية تسجيل مواد غنائية، انتقيها بدقة بالغة لضيق حجم استيعابه. أضع سماعة الهاتف في اذني، واعزل نفسي عن العالم الذي يحيط بي، ولا أفيق الا على مكالمة من صديقة او من البيت ، أجيب ، واعاود الاستماع الى ما اشتهي من اواصر قربى مع العشق نفسه عبر كلمات تبوح بها كلمات الاغاني . يكفي ان اقرأ رسالة مثل :// أطفىء لظا القلب بشهد الرضاب/ ايتها المرأة الكارثة ، الا تجيبي؟! أعرف ست
زعلين من هذا الوصف!!!!!//. فيرسم خيالي صورة العاشق يسبح في فضاء اغنية السيدة، وبرحاب المتصوف الذي يربط بين عشقين احدهما للرب، ففضحتنا أمانينا بادخال المعشوق عليه، انه تبادل عواطف ادرك: ان الرب خلقها لتكون هكذا او هذا ما أظنة . فالمرسل وان اصطنع القوة عبر الاستعارة او الوصف، فان توسله مفضوح لدي، وان عده توسلا غير مخل، ويبقى متمسكا باهداب الكرامة من دون سفكها، وبين استجداء العطف من المعشوقة، معادلة تصلح بين متكافئين في الوعي. وترجح كفة المرسل ان كان متفوقاً. لكن رسالة اخرى ، مثل :// احلام بنفسجية أيقظتها اناملك حين لا مست شغاف القلب، واحيته من موات.. قبلاتي..//. تجعلني في عالم مضطرب من المشاعر فلا شيء يساعدني في تخيل اجواء المرسل الا الدخول اليه، فلا اشارة خارج هذا العالم عبر كلمات أعرف مصدرها او اشعر بها، فيرسم الذهن صوراً، سرعان ما يلغيها، لا حتمال اختلافها عن الواقع، لكنها تتيح فرصة أوسع للتأويل، بوابة الحلم، الى عوالم العشاق غير المحدودة، وابتكاراتهم المذهلة في الوصول الى المعشوق، عبر الكلمة او الاشارة او الايماءة او....أنها أفاق ادرك استحالة الاحاطة بها، كأنهم اعضاء في منظمة سرية تتوخى الحذر ولا تستطيع الكتمان. فالبوح شرط العشق المؤذي الاول، والكتمان شرطة المؤذي الثاني النقيض . فالجمع بينهما يخرج قروح في ارواحهم العطشى الى البوح، ويجعلهم في منظمة تتسع لهم من دون قيادة او ادارة او برنامج او اتفاق. يختبؤون في ساحة الكتمان ولا يدركون انفسهم الاوهي تسيح في ميدان البوح من دون دراية، واحياناً بتعمد، لفقدان قدرة الكبت.

ما تتيحه الشاشة شذرات من حالات متناثرة، متناقضة اكثر الاحيان ، لا يربطها تواصل حدث، ولا تمتد لأفق تسمح به الاشارات فيها لخلق تصور يعزز به اكتمال الصورة . فيرهق الخيال بالقفز بين فضاءات تعشقها الروح وآخر تنفر منها. فتبقى قلقة مرهقة من دون بصيرة للمرئي المتنافر امامها، حروفا ملونة على شاشة تتسع لكل ما يراد القول فيها والكتابة عليها.

فلم يكن اختياري لمتابعة خط احد المشتركين بناء على معرفة مسبقة بأي تفصيل يرتبط به، ولم تكن الرغبة في التواصل معه، سوى استمراره هو والطرف الاخر على اكمال ما يبدأنه، وهو ما يتيح لي فرصة اكبر لمعرفة اطراف الحوار، غير ان الاخر لم يكن من بين المشتركين في خطوط شركتنا، فيجعل من المجاهيل المرتبطة به اكبر من المشترك في خطوط الشركة التي اعمل بها.

بدأت المتابعة من دون تمييز اي من طرفي الحوار، ان كان ذكراً ام انثى، لكنها اتضحت لي فيها بعد ، بدأ احدهما :
// مساء سعيد، ويوم هانئ، واعصاب باردة، واحساس متواصل بالسعادة//. بداية هادئة لا تغري بالتواصل، لكن اجابة الطرف الاخر التي ظهرت على خط المشترك في شبكتنا أظهر المخبؤ. الذي لم يكن بالامكان الوصول اليه عبر الرسالة الاولى:// من اين تأتي السعادة والهنة وبرودة الاعصاب، واحنة وضعنه ملخبط، سويتلك زعله. وكان من الممكن اليوم ان نلتقي ، لا أبصر اي بصيص امل لهذا الحب//.تحرك الفضول لدي، وتوقعت احتدام النضال بين عنصرين من عناصر منظمة العشاق السرية التي تفضحها الشاشة امامي، حاول الاخر وبطريقة ارسال سريعة تنم عن مدارات للحدث ومحاولة التغلب عليه:// لم ازعل مطلقاً، ولكن اوردته مثالا على سبب زعلك انت، يا ممسوسة بالغضب//.
رسالة اتاحت لي بوضوح تمييز رسالة الرجل عن المرأة. فالطرف الاخر من خط الشركة المنافسة تمثل العاشق، لكن حجم المجاهيل بقيت مثلما بدأت، أشرت رقمي الخطين على ورقة مستقلة، لمعاودة كشف ما يخبآنه عن الجميع وتفضحة الشاشة امامي، واتستر انا عليهما وعلى نفسي من فضح اسرارهما وتلصصي عليها.

يطول صمت الكلمات على صفحة الشاشة الخاصة بالمشتركين وكأن اي منها لا يرغب في إعادة محاولة التواصل . او ان التواصل انقطع فعلاً. ما حدا بي الى التفكير الجدي للتحول الى خط آخر وان كان يتطلب البحث من جديد عن روافد اروي بها ظمأ سكن الجوارح، غير ان رسالة ظهرت على الشاشة جعلت الامل يعاودني:// قد يكون واقعياً ما تعتقدينه من انعدام الامل، مشدوه ولا اعرف التصرف الذي يناسبك يبدو لي استرخصت نفسي كثيراً بالحاحي، ولم تكن من غاية لي سوى اظهار اعتزازي بك يبقى احترامي لك كبيراً، ومازلت اظنك رائعة، وقد تحكم الايام لاحقاً بلقاء جميل او قطيعة كاملة.. تحياتي واحترامي... ووداعاًً//.

اذا كان توقعي ان القطيعة محتملة الوقوع على ضوء فتور رسائلهما، فان هذه الرسالة أكدت الوداع، وتركت فرصة التواصل او النهاية الكاملة للايام، بدا الوجوم على وجهي، كأني اودع جسدين وروحين سيضرمان في نار الفراق في مكان ما من مساحة عمل منظمتهم السرية لا اتمكن من البوح بها، او التدخل لاصلاح عطب العواطف ، التي لا اعرف مكمن الخلل فيها، انتظر حلول تقودها ايام تأتي مثلما قالت الرسالة، لا اعرف ان كانت تطول حتى نهاية الايام نفسها؛ ام سيبحثان عن مسارب جديدة للتحايل على قرارهما والعودة الى اتون عواطف تلتهب. غير ان الانتظار ، وان قصر يدفعني للقلق. فلا اعرف ان كانا قد اختارا طريقة اخرى للتواصل؛ من لقاء او مكالمة، او رسائل عبر خطوط آخر، وحين تنتهي مناوبتي ، واعود كسيرة القلب، محبطة العواطف ، كأني أعود بجراحات ارواح أأتمنت عليها، لا اقوى على مواساتها او ايجاد الدواء لها، لا ارغب بمحادثة احد، واتوق شوقا للبقاء اطول مدة من يوم العمل امام الشاشة وهو ما ينافي طبيعة العمل ويحرجني والمناوب التالي في العمل على شاشة واحدة، أترك شاشتي بفؤاد تنزف جراحاته، على امل التواصل في يوم العمل التالي، يأخذ خيالي رسم وقائع واحداث يتولى الذهن صياغتها بطرائق تروق له كثيراً. اخفي ما عملت على اظهاره بتميز، وأضع عمل الحاسبة على المتابعات العامة لشبكة الاتصالات.

دفعني الشوق الى الحضور المبكر ليوم العمل التالي، تحدوني الرغبة في وصول ايضاح ماتم بينهما، قد يكونا تواصلا بعد نوبة العمل او في الليلة نفسها اعتصر القلب شوقا لكلماتهما تتراقص بابيض او اسود او بالوان زاهيه، ايٍ كانت الطريقة التي يتخذانها. فهي كافية لتدخلني في عالمهما الذي ارتكس في ارض رملية لا تترك خلفها اي اثر لغرقهما فيها، سوى شاهد واحد لا يعلمان بوجوده، لم أفاجأ برسالتين: واحدة منها كانت قد رسمتها الشاشة في ملف الخط في وقت متأخر من ليلة أمس:// هذا أنت كما توقعتك صحيح انك تحب، ولكن لا تعرف كيف؟ تكابر وتفضل الانسحاب على ان تواجه. الفرصة لا تتكرر مرتين لك، في كلمة اذا اردت ان تحب تحرر، اراك . اراك مقيداً، او انك لا تعرف كيف تحب وتحرص على استمراره..//. اكدت الاخرى انهما كابدا الليل ولم يذوقا طعم النوم؛ مثلي انا المسهدة باحلام غيري واشجانهم في عالم تضطرم فيه الاشواق وتزخر بامواج بحر متلاطم لا تعرف فيه المشاعر الاستقرار. تأكد لي ذلك بالكلمات الاخيرة من الرسالة الثانية :// عجيب أمرك، عجيب... ارى نفسي بين نقيضين فيك . شكراً على التهديد. واظنك قادرة على تنفيذه. فرصة رائعة تستحق العناء والالم واكرر ماقلته قبلاً. لست نهاز فرص ولا اجيد ذلك، ارجوك: انك تستمرئين الالم . ولم اكن انهزامياً، تمرين بقرار يصعب عليك اتخاذه.. ولك الحق كله. اقدر ما أنت فيه.. ولكنك تمارسين ظلماً سافراً و لا تدرين . اغضبي، ثوري، هددي ، هددي وزيدي من وعيدك، واتهمينني بما ترغبين فلن تخسرينني مطلقاً كصديق//.

ساد سكون مريع.. اشاهد الاشياء من حولي تتحرك بصمت، دون تفسير لحواراتها او طبيعة تحركها، شاشة أخرى اوسع فتحتها عيناي على من يحيطني، أصبت بذهول اللحظة المفاجئة لكليهما؛ ولم يفتح لاحتمال التواصل سوى جملة في الرسالة الثانية : ( فلن تخسرينني مطلقاً كصديق) . حيث تفتح افقاً متحايلا على العشق عبر طريق يحفظ له كرامته ويقوده الى المعشوقة، وان كان الطرف الاخر قد قرر القطيعة فعلا، فلن تتمكن تلك الكلمات من الوصول الى غاياتها. انها لعبة ذكية ، ويبدو انهما يلعبانها معاً، ويدركان حدود ما تقودهما اليه، فلا يكاد يقدح احدهما باشارة الاكان الاخر قد اتخذ تدبيرا لاحباطها، وهو ما يؤكد لي رغبتهما بالتواصل الحقيقي، غير انهما يخشيان اللقاء او يؤجلانه.

ذهب ظني الى ان اي من الاثنين قد لا يبعث اية رسالة في وقت قريب ، فسهاد الامس الذي اوضحه لي توقيت تسجيل الرسالتين، ومضامين الرسائل تبعد احتمال التواصل القريب، لذلك، ان كان هنالك امل في تواصلهما، فلن يحدث، في ظني، في وقت اتمناه قريباً وقد لا يكون خلال مدة مناوبتي، أبني تخيلي عن اي منهما عبر تصورات قد لا تتفق مع واقعهما، فكل ما اعرفه كلمات ترسم على الشاشة، وقد تساعدني اللغة على معرفة تكوينهما النفسي في بعض جوانبه، ولكن معظم تفاصيل ما يحيط بهما يبقى مجهولا، ويحاول الذهن رسمه بطريقة تعتمد اشارات اللغة حسب لكن رسالة الرجل التي ناقضت تصوراتي ادركت منها انه راغب في التواصل بطريقة غريبة:// لا حول ولا قوة الا بالله ام (...)صباح الخير.//. فكانت الاخرى قد احطبت محاولته باجابته بسرعة لم اعهدها في رسائلها السابقة:// انا لله و انا اليه راجعون، يلهمكم الصبر.. صباح النور ابو (...).//. انهما يؤبنان حبهما عبر رسالتين قصيرتين، مدعيان موته لدى كليهما. فيكونا قد شيعا جثة حبهما عبر الاثير، لا يمكن تصور عدد جثث الحيوات المقتولة عشقا في سماوات المحبين عبر هذه الطريقة او طرائق وئد متعددة، تجعل منها منثورة في فضاءات الهيام ، لا تندس في ثرى ، ولا تستقر على ارض، فتبقى معلقة لا تقوى على البوح، ورؤيتها تبيح سرها. ذلك ما تصورته بما يشبه الكائنات الشفافة تعيش بيننا وتسمع حواراتنا وتشاركنا في كل شيء، سوى البوح بما لديها . نتجاهلها دون دراية منا، وتثير الشفقة في نفوسنا ان تذكرنا واحدة منها ولا نظنها قريبة منا، وان لا مستنا او طالعت قسمات وجوهنا ، واحست بفرحنا او حزننا كأئنات تبقى قريبة منا واكثر الاحيان تعيش فينا، هامدة الا من اشارة تثيرها فتطفوا على سطح ذاكرتنا، تدفعنا للتأفف، والحسرة، واحيانا للنحيب، قد تكون كلمات اغنية، او كلمة لازمة بعينها، او اشارة او ملامح وجه، او نوع زي تدفع بها الى الظهور، غير إنا نخمدها قبل ان تطفئ جمرة القلب، فتنكمش الاضلع بقسوة على لظا فؤاد يحترق مانعة خروج اشارات حرائقه الى الخارج، ليعود المكبوت بصمت نوم قلق، ويستيقظ في وقت آخر غير محسوب، سرت من دون ان يدريا خلف جنازة شفافة حلقت للتو في فضائهما. مشاركة تأبين ميتهما معاً، فاصبحنا الثلاثة، وبعلمهما اثنان حسب، من نشارك في مأتم لا نعرف متى ينتهي وان كنت اقلهما احتراقاً. فما يعتمل في صدري من اجلهما، غير الكثير من تفاصيل حياتي اليومية ، فأصبحت عاشقة بعشقهما، واتمنى ما يتمنيان. تواصل صمتهما ، وان بقيت اتربص بأية اشارة لاية رسالة من المشتركة في خطوط شركتنا بغير الرقم المطلوب او باتصالات أخر . لكنها لا تفي بهدف ابتغيه.
وصلتها رسالة:// السلام عليكم.. لديكم حواله لدى شركة (....) يفضل زيارتنا خلال اليومين القادمين من الساعة 10 صباحاً وحتى 3 بعد الظهر.//. ما فاجأني كثرة الرسائل الاخرى التي وصلتها، جميعا تسأل عن السلامة من انفجار حدث قبل قليل في منطقة سكناها او عملها، لا اعرف ، فاتساع تفجيرات اليوم تجعل من احتمال كونها في اي منها ممكنة جميعها تتوخى الاطمئنان. غير ان الطرف الاخر المرغوب باتصاله لم يجلب الاثير رسم صورته على مساحة الشاشة . وان كان ذلك ليس مستبعدا لذا بدا هذا الطرف يتضح لي من بعض المعلومات التي حملتها الرسائل ، مثل صلة القربى: ( عمتي.. خالتي...) للاطراف المرسلة . بل ان احدها اضاف من المعلومات ما أثلج صدري ودفعني الى حفر قنوات جديدة في طريق معرفته، منها : (السيدة م.م.) ويبدو من طبيعة الكلمات المستخدمة في الرسالة، انه صديق قديم للعائلة ، وان اقتصرت رسالته على الاطمئنان على سلامتها. العاشق احتواه الصمت (صمت الشاشة) ولم يظهر في سماء العشاق التي اسبح فيها، حتى انتهاء المناوبة، لكن عند العودة في يوم العمل التالي، إتضح ان اتصالاتهما تأخذ مداها بصورة افضل خلال ساعات الليل . فقد رسمت الشاشة رسالة من الخط الاخر://ان شاء الله سالمين. سمعت بالانفجار بالي يمكم، ان شالله كلكم بخير. دگيت ما حصلت//. فكان الجواب ملاصقا لهذه الرسالة// شكراً .. سالمين والحمد لله//. فعرفت من مفردة (دگيت) محاولته التواصل الصوتي الذي لا ترسمه الشاشة ، انهما يستعيضان بقناة لا يمكنني متابعتها، وتؤكد وجود صلة سابقة على المراسلات التي كنت قد بدات بمتابعتها. لذا لم يحمل اليوم الثالث من رسائل سوى اربع كلمات للسيدة (م....) وللاخر. بدأت بها // صباح الخير// من دون (ابو ...) التي صاحبت رسائل الافتراق الاول عند التأبين . فكان الاخر قد فهم الرسالة باجابة مماثلة:// صباح النور// . وعلى حجم الاقتضاب الذي تميزت بها الرسالتين، ادركت انهما عادا الى لعبة الذكاء التي يلعبانها، بدات السيدة في الصباح الثالث من دون الاشارة الى الكنية ، في محاولة العودة الى اسميهما فقط دون التذكير بالارتباط بالاخر البعيد الذي يشير الى وضعهما الاجتماعي؛ كما اعتقد، وقد دخلت معها في لعبة الذكاء، حسب ظني، في محاولة تفسير ما تخفيه الكلمات وهو ما سلكه الرجل في رسالة اليوم الرابع الذ ي استفز به السيدة (م...): // ام ... صباح الخير... ام..// . وهو ما نجح فيه ليفجر الغيظ فيها عبر تكرار (ام...) لمرتين في حين لم تبدو هذه الاشارة مستفزه لها في رسائل التأبين:
// صباح النور . راح نبقه نتبادل تحايا الصباح؟ كانت بدايتنا جيدة وقوية. لكن عنادك ومكابرتك اوصلتنا لهذا الحد، قتلت الفرحة التي كانت في قلبي . لو كنت تحبني لما صبرت لحظة على زعلي. نصيحة ان تغير من اسلوبك. فالحبيبة لا تستحق منك ذلك. قاسٍ..انا لست بزوجتك انا الحبيبة!//.
انفجار حلقت به، مع ما اظن، الاخر حلق قبلي به في آفاق تتسع للرفق بالمشاعر، لتكتب في سماوات الهيام اشارات متفائلة لايقاظ جثة أبناها معاً منذا ايام بألم ممض، وهو ما يخلق المعجزات في دنيا خلت منها، انهما يعيدا الدم يجري في اوصال كنت اظنها تخشبت بفعل عناد لاثنين ومكابراتهما معاً.
اعرف انهما يتألمان، لكنهما لا يعرفان مطلقاً حجم مشاركتي لهما في ألم لم ارتكب ما يوجبه، سوى فضولي على عالم يثير الدهشة في صورة والوانه وكلماته. عالم ساحر وسحري، يستحق كل هذا الالم فقط للاطلاع عليه. فكم يستحق للعيش فيه!؟ أفيق مذهولة امام مفردات تمتلك قدرة استدراج الاخر الى فخ القبول دون اذلال منها له، انها مناجآت توقعت الاجابة السريعة عنها، فما توحي به الرسالة الرضا والقبول، فالجمل الاخيرة وان كانت تدفع الى النصح والتوجيه، فانها مغرية حد لا تترك فرصة للمراوغة. اذهلتني اجابته، وقفت حائره امام إصراره على الرفض: // السيدة المدمرة: لقد استعدت قلبي منك، مضرج بدمه، كثير الطعنات. اداري جراحاته، انه بين يدي يتعافى. يعاتبني . يقول: لم تضحي بي بيسر؟ الم أكن اميناً معك حين أمرتني بالصوم عن العشق؟ تتركني بيد من تتهمك بالانهزامية! وبأنك لا تعرف العشق؟ وتتوعدك بالهجران. وان لا تكرر لك الفرصة في حب لا أمل فيه؟ وتتعامل معك بغرور ( ولا تعتذر) كأنك طفل؟؟ وتكيل لك التهديد بلغة النصح!؟ قلت: ماذا افعل وقد أحسنت الظن بها !! قال: ان لم تخجل مني فحافظ على كرامتك؟ حينها ادركت ان القلب قد تغير . لذا سيدتي أتحرج بالرد عليك، لانه ينظر الي بتوسل، ويقول : تب...//.

بانفعال شديد وددت توجيه مفردات السب والشتم اليه، وبحركة غير ارادية ضربت على منضدة الحاسبة، وانا أصيح ما يشبه رسالة سبق اطلاعي عليها : (يا به دروح) . لم يكن في تصوري ان احداً يمكن ان ينتبه الى ما يحدث لي، فكتمت ما الوكه بين فكي (ابن الكلب هسه وكت كرامه) .. لقد اعتمد في اجابته على بناء حكائي، وهو ما يستدر العطف حد الشفقة ، ويمتلك الرفض حد القطيعة، ادرك انها لم تكن بالسذاجة التي تنطلي عليها حيلته باستخدام الكلمات، بما يوحي بالقبول والرفض في آن واحد ، انها لعبة الذكاء المدمرة للاثنين معاً، واظنهما سيحطمان الجثة التي أبناها واعادا الحياة اليها الى تركها في العراء مرة اخرى من دون تأبين هذه المرة، اترقب ما يحدث على الشاشة ، واخشى اجابتها على اجابته، واعرف لا بد من اجابة للتواصل او للقطيعة ؛ نهائيا ام مؤقتا، لا يمكن عد فرصة التواصل متاحة ان هي قرأت الرسالة بصورة القطيعة ، وهو ما دفعني الى ان اكتب بالنيبابة عنها ما ارغب في ذاكرتي لرسالة اتمنى ان تكتبها. لا يمكن لي التدخل مباشرة في عالم ينمو ويزدهر او يتداعى ويندثر اما ناظري، اشاركه الفرح او احس بألمه ، من دون صوت لقهقهة فرح، او لشهقة بكاء، لكن رسالة سريعة منه الحقت برسالته اثلجت الفؤاد وجعلته يطمئن لما يأتي:// يستمع القلب الى (جددت حبك) ويدندن مع الاغنية يبدو انه يشتاق للعودة اليك، اعرف انه قليل الصبر.//.
ابتسم في سري واقول : ( تلاحَك روحه ) لكن الامر ليس مؤكداً، مازالت توجساتي توقعني في القلق ، وان كانت الرسالة الاخيرة تدفع الى التفاؤل.
بترقب تضرب دقات القلب الضلوع الى الخارج، لم يطول الوقت حتى بانت كلماتها تتراقص على الشاشة بفرح:// عجباً..وصلت رسالتك اسرع من البرق يبدو انك كتبتها منذ فترة، انا لا أصدق ما قرأت: ان لك قلباًً!؟ لا ادري ماذا اقول ! لم اعهد فيك مثل هذه القسوة وهذه الاتهامات لا أحب ان اذكرها. ماذا جرى لك. اريد ان اراك حتى اجعل قلبك يتعافى، فهو بحاجة الى علاج. مَنْ جدد حبه؟ خلي قلبك القاسي يفيدك//.
بي حاجة ملحة الى ان اقفز في الهواء وارقص طربا واذيع سرهما امام جميع موظفي الشركة، بل ذهب بي الانفعال حد الخطورة على عملي، كنت راغبة في اخبار المدير التنفيذي للشركة عن الدور الذي لعبته الشركة في فرح اظنه اصطبغت به جميع الخطوط بل اصطبغت به سماوات العشاق. فرح غامر يدفعني الى نزع رداء الحشمة والوقار لأمرأة تابعت خطوات عشق لاثنين لا تعرفهما من دون حياء ، ساعدها في ذلك الكتمان شرط الحب الاثير. يفيض من جوانبي ويغمرني شذى عطرهما وما خلقاه في سمائي المزدحمة بالغيوم ويهطل فيها المطر مدراراً بانتظار بذرة حب انتظر منذ زمن يد رجل تزرعها في فؤادي لتورق وتنمو شجرة مزدحمة الثمار كثيرة الافياء. ادرك نشوة القلب ، واشكرهماعلى ما حققاه لي من سعادة وبؤس؛ دفعت دماء جديدة في حياتي التي كنت اظنها سكنت. لم يتأخر الرجل عن ارسال رسالته التي اصبحت فيما بعد قبل الاخير فجاءت: // سيدتي : انه يعود اليك .. وأتمنى ان ترأفي به .. ينظر الي ويقول:(أما زلت عازما على التضحية بي). أحاول ان اطمئنه،، واقول له بنشوة: سيدي انها تستحق ذلك.//.
اعترف لها بكل ما تريد وسلمها ما ترغب واستسلم من دون ذله او مهانة. لم تتوقف الكلمات الراقصة على الشاشة فجاءت رسالته الاخيرة:
// سيدتي : لك ان تختاري مكان اللقاء وتاريخه وتوقيته، واياك ان تهمسي الى القلب لانه (ملعون) سيهرع اليك قبلي.//. وتوقف الخطان عن التراسل .

لم يكن خط السيدة (م....) قد صمت، لكن الخط الاخر للعاشق، اختفى من صفحة الشاشة، ولا ستحالة ظهور اشاراته على شاشتي الا من خلال خط السيدة (م...) او اي خط اخر مشترك في شركتنا، فان امتناعها عن التواصل معه عبر شبكتنا وضعني في منطقة مظلمة من التتبع، وان كانت الرسالتين الاخيرتين توحي بالتفاؤل وتصرح بالصفاء ، الا ان سماوات العشاق كثيرة التقلب فهي بين غيوم تهطل مدراراً في غير اوانها او جفاف حد تشقق القلب جعلني هذا الاحساس في توجس من تحقق اللقاء الذي وعدت به الرسالة الاخيرة من عدمه.
فدفعني الفضول الى محاولة الوصول للعاشقين غبر خط الشبكة الرسمي لاضفاء المصداقية على المكالمة، ورفع الشكوك عن تفسير الاتصال لاغراض شخصية، للتواصل مع الاثنين من دون تصور مسبق عما سيحدث من تبعات. كان خط السيد ة ( م....) مسجل في شركتنا لكن ما يدفع للحيرة خط الاخر العاشق، لذلك فضلت الاتصال به مباشرة بحجة الاستفسار عن وثائق تسجيل الخط.. اشعر بدقات القلب تطغى على صوت نغمة الاتصال ، اترقب بخوف صوته، لا اعرف ان كان مثل لغته رقراقاً مطواعاً مثل رضوخه لنداء القلب والروح. ام خشناً مثل خصامه وحدته ، قد يكون حالما مثل تحليق فراشة، ام مخيفا كانقضاض عقاب. صوت نسائي يأتي عبر الهاتف، اثار استغرابي حين عرفت بنفسي(شركة ... تتصل بكم رجاء الرقم.... من المتحدث...).
افلت الجهاز من يدي فارتطم بحافة الحاسبة وانا اسمع صوتها (م....م....) تلعثمت وتاهت الافكار.كيف يكون الخط الاخر للسيد (م...) نفسها هل كانت تستعمل الخطين معاً للتراسل بتقمص شخصية العاشق والمعشوق معاً؟

في حين كانت السيد (م...) على الطرف الاخر من الخط تضع جهازي الاتصال في حجرها وتنادي بغضب على ابنتها لدفع عربتها لايصالها الى غرفة نومها، وهي تدمدم:
- متطفلون ... ناس ما تستحي!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا