الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا مش آسف يا مصر .. قصة قصيرة من وحي أيام الغضب

أميرة عبد الرازق

2011 / 3 / 6
الادب والفن


أنا مش آسف يا مصر
***
قصة قصيرة من وحي أيام الغضب
*********

الساعة الواحدة بعد منتصف الليل
منكمش في سريرك تتحسس جسدك وأطرافك لا تكاد تصدق أنك عدت من الميدان سليما بعد يوم عصيب، تطلق تنهيدة تعلن الراحة والرضا وتحمد الله.
تنوي الراحة قليلا قبل أن تستعد مجددا للنزول إلى اللجان الشعبية .. تعبث ببعض الأشياء محاولا أن تصنع منها سلاحا بسيطا.. تربط سكينا كبيرا في طرف عصا غليطة .. وتنظر إلى نصل السكين الحاد وتبتسم كأنك واثق من الانتصار في معركة قادمة.

تنطفئ ابتسامتك شيئا فشيئا مع التفكير.. ترى هل ممكن أن أنجو من الميدان لأموت أمام بيتي، كيف يمكن أن أواجه بهذا السكين مهما كان كبيرا الرصاص الحي!
تتذكر ما سمعته من جيرانك من أن البلطجية قد هجموا على البيوت المجاورة، تستغرب لأول مرة شعورك بالخطر، تدور في الغرفة وتفكر بصوت مسموع: في الميدان كنت سأموت وحدي وهنا ستموت معي عائلتي .. لا، لا، لاااااا .. تصرخ غريزة البقاء بداخلك .. لا أريد أن أموت، لا أريد أن يموت أهلي، لا أريد أن أموت قبل أن أفعل شيئا!

تتذكر في مرارة .. عشت طول عمري سلبيا لم أفعل شيئا وها هي فرصتي، ألقيت بنفسي في أهوال التحرير لأغسل عاري طوال السنين الماضية، ولأزيح شبح الخوف الذي جثم على صدرى وكدت أختنق تحته.
تعرضت للإهانة من قبل أمن الدولة ، وضربت على أيدي الأمن المركزي، ورأيت زملائي يتساقطون على إثر رصاص الداخلية .. ولكني أحمد الله لأنني ما زلت حيا، فلست جبانا أخاف الموت، فالحياة تعني المزيد من مقاومة الظلم والمزيد من الثورة، والمزيد لأثبت لنفسي أنني لم أعد ذلك الخاضع الخانع، وأنني ثرت على خوفي أولا حين ذهبت إلى الميدان، لا، لااااااا .. ما زلت أحتاج الفرصة .. هناك الكثير لأفعله، لا أريد أن أمووووت .. هناك الكثير لأفعله والبلد تحتاجني وتحتاج صوتي وشجاعتي في هذه الفترة.

يأخذك من شرودك رائحة شديدة لحريق .. تتلفت حولك ثم لا تبذل الكثير من الذكاء لتستنتج أن قسم الشرطة المجاور يحترق.
ها قد اقترب الخطر .. فالحريق يعني فاعل لهذا الحريق، والفاعل يعني البلطجية، والبلطجية يعني الاستيلاء على السلاح، والاستيلاء على السلاح يعني الهجوم الوشيك على الشارع الملاصق للقسم، والشارع الملاصق للقسم هو الشارع الذي تسكن فيه.

تسرع لتطمئن على أن إخوتك الصغار بخير .. تشعر باطمئنان غريب، أهو استسلام الروح .. فالموت قادم قادم ولا فائدة من الخوف!
تسمع صوت إطلاق النار .. تسرع إلى البلكونة لتعرف من، ومتى، وكيف .. ؟

تصيبك رصاصة طائشة في كتفك، ينقلك أهلك إلى المستشفى المجاور لتهون عليك بلوتك بعد أن ترى بلاوي الناس .. هاهو صديقك المقرب قد انتحر حزنا على خطيبته التي ترقد في غرفة العناية المركزة بعد أن أسقطتها الصدمة حزنا على أخيها الذي تفحم بفعل قنابل المولوتوف.
تخرج صرختك معلنة التحدي و أن تخرج حتى قبل أن يتم شفائك إلى اللجان الشعبية لمواجهة هؤلاء البلطجية الذين يهددون سلامك النفسي والاجتماعي والوطني...

الوطني ......!

ينتفض جسمك لتذكر هذه الكلمة التي تذكرك بعدوك البغيض، وتزول عنك الخوف من الموت وتمتلأ نفسك بالغيظ والحقد والغل والرغبة في الانتقااااااااام .. ولو كان الثمن حياتك، لتتدارك حياة بلدك الذي بدأت في عدها التنازلي.
تقف بإصابتك الطازجة في الليل والبرد عند مدخل الشارع ومعك سلاحك البسيط الذي صنعته قبل ساعات، توقف السيارات ولا تسمح لأي عربة بالمرور إلا بعد التفتيش ورؤية الرخصة والبطاقة والتأكد من هوية السائق.

يهجم البلطجية بالسنج والمطاوي على أحد الشوارع الجانبية فيسرع بعض زملائك للتصدي لهم .. تمنعك إصابتك من العدو واللحاق بهم .. وتبقى لحظات شاردا تتابع بترقب ماذا يفعل زملائك.

لا تعلم أن ذلك كمين وخطة مدروسة تستغلها إحدى السيارات المشبوهة وتخترق الشارع الرئيسي وتمطركم بالرصاص، ثم تفر بسرعة جنونية.
لا تخطئك الرصاصة هذه المرة وتستقر في قلبك، لا يتجمع حولك أحد من الناس، فالكل مشغول بشبه حرب أهلية .. تشعر بالدماء وهي تسيل خارج جسدك، تنسى آلامك وتشعر بشيء من الحسرة، فأنت عاجز لا تستطيع أن تدافع عن بلدك، يمر بك سريعا شريط ذكريات هذه الليلة، تتمنى لو لم يدفعك الفضول لتخرج من البلكونة واحتفظت بنفسك لتعود مجددا إلى الميدان في اليوم الثاني لتصرخ ضد الظلم والفساد، يراودك إحساس بالعجز، تسيل دموعك وتهتف بصوت متقطع أنا .. آسف .. يا .. م...ص...ر ......

صمت ..

اليوم التالي، تهيم روحك في المكان الأثير لديك، ها هم المتظاهرون يزداون حماسة مع صورك المعلقة في كل أنحاء الميدان، تفاجأ بأحد المتظاهرين أمسك قلما أحمر وكتب بخط كبير على صورتك، لا تعرف ما الذي يكتبه، تغضب كثيرا وتعتبرها إهانة لا تغتفر.
تصلك هتافات عجيبة تحسبها أحلام شعب مقهور .. يا شهيد نام وارتاح خدنا حقك من السفاح، تنظر إليهم في تراخي وإحباط وتشفق عليهم وعلى البلد من مصيرك المؤسف.

تتأمل روحك الكلام المكتوب على صورتك وتقرأ في ذهول..
الشعب أسقط النظام!

ترتسم ابتسامة كبيرة على وجهك المسجى في مشرحة المستشفى التي نقلوك إليها..
تهتف روحك في فرح .. بعد أن أيقنت أنك فعلت شيئا .. أنا مش آسف يا مصر!

********* تمت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..


.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما




.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى