الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة بين المسرح بوصفه ظاهرة احتفالية اجتماعية وبين الحيز المكاني

أحمد صقر

2011 / 3 / 7
الادب والفن


العلاقة بين المسرح بوصفه ظاهرة
احتفالية اجتماعية وبين الحيز المكاني
الأستاذ الدكتور/ أحمد صقر – جامعة الإسكندرية
===========================
إن المسرح هو الأداة التى تبدع الإنسان عندما تمثله وتجعل من الوجود الإنسانى عملية خلق مستمرة. ذلك أن الباحثين ينظرون إلى المسرح على أنه يتجاوز كونه مسرحاً : فهو واحد من أقدم الفنون جميعاً وهو أكثر وجوه الحضارة الإنسانية سطوعاً وشهرة وهو فن جذوره ضاربة فى القدم كما أنه أكثر الفنون ارتباطاً بالوجود الحى للتجربة الجمعية وأكثرها حساسية للهزات التى تمزق الحياة الإجتماعية التى تعبر فى ثورة دائمة.. لذلك يعد المسرح واحد من أهم الفاعليات أو المظاهر الإجتماعية.
ما بين المسرح والمجتمع من قدرة المسرح على التفاعل مع المجتمع:
كان من السهل أن نلاحظ قدرة الفن المسرحى على تحريك المعتقدات والمشاعر العميقة الكامنة فى قلب الحياة الوجدانية للشعوب، وقد أدركت السلطات فى العالم العربى قبل أن يدرك الفنان المسرحى – هذه القدرة العظيمة للمسرح والتى تعتبر أهم مقومات العملية المسرحية... فعندما ينجح المشهد المسرحى فى تحريك .. تلك المعتقدات الراسخة فى حياة المجتمعات والمشاعر التى شكلت وجدان الإنسان فإنه قادر بالضرورة على إثارة نوع من الاضطراب الجمعى ... ولعلنا نتذكر كيف أدرك حاكم دمشق قيمة هذا الفن ومدى تأثيره على الجماهير حينما ذهب الشيخ "سعيد الغبراء" إلى الأستانة خصيصاً ليندد بالمسرح و" بأبى خليل القبانى" وقام بعد صلاة الجمعة التى كان يحضرها السلطان بإلقاء خطاب طويل محذراً من خطورة هذا الفن ومحرضاً على التنكيل برجاله، وعلى أثر هذا أحرق مسرح "أبى خليل القبانى" وتوقف نشاطه فى دمشق.
المسرح وارتباطه بالمجتمع:
إن المسرح بسبب كونه أكثر الفنون ارتباطاً بالنسيج الاجتماعى وأكثرها حساسية للهزات والذبذبات التى تسرى فى التركيب الاجتماعى على مختلف مستوياته فهو فن يصل إلى درجات من الشمولية تتجاوز كل أشكال الأدب المكتوب من رواية إلى قصيدة إلى مقال.. ذلك لأن التأثير الجمالى على خشبة المسرح يمكن أن يصبح عملاً اجتماعياً فى الشارع أو المنزل أو فى قاعة العرض نفسها، فمن النادر مثلاً أن نكون قد سمعنا أن هناك نفر من رواد المعارض قد سخروا من تمثال ما أو من لوحة فنية، لكن المسرح بكل ما يملكه من قوة إيحاء وتأثير يثير اضطراباً فالتصفيق والتصفير والهتاف .. والتعليقات كل هذه أفعال موجهة إلى حقيقة حية، وعرض وتمثيل الأدوار الاجتماعية المنتزعة من الواقع يثير رفضاً أو قبولاً أو مشاركة لا يمكن أن يثيرها أى فن آخر مثال مسرحية " العرضحالجى" ليمخائيل رومان وتواجد وزير الثقافة فى قاعة المسرح وأثر ذلك على الجمهور.
المسرح يتواجد فى الأماكن التى يتجمع فيها الناس ولا يوجد فى الصالات الفارهة أو فى دور العرض الضخمة:
إن المسرح يتواجد ويتوالد نتيجة التلاقى والتبادل بين الناس، ذلك أن وظيفة المسرحية أن تكشف للمشاهد عن نفسه حتى يستطيع الأتصال بالناس الآخرين ويبين لهم جميعاً التآلف. ذلك أن الجوانب المتعددة للممارسة الاجتماعية للمسرح تؤلف كلاً حياً فهى – أى هذه الممارسة المسرحية – يمكن أن تهز فى بعض الأحيان كل المجتمع ومؤسساته، ولا شك تتحقق الصلة التى طال البحث عنها بين القيمة الجمالية وبين الحياة الاجتماعية بين الإبداع الفنى وبين بنية الوجود الجمعى وبمعنى آخر أن القيم الجمالية التى يبعثها المشهد المسرحى فى نفوس المشاهدين من الممكن أن تتحول بعد هضمها والتفاعل معها إلى قوة فاعلة فى صفوف المجتمع أو على أقل تقدير بين أفراد الجماعة.
العلاقة بين الممارسات الاجتماعية والممارسات المسرحية:
يتحدث الكثير من الباحثين عن المشابهات المثيرة بين الحياة الاجتماعية وممارسة المسرح ويبحث عن أكثر الأعمال البارزة فى الحياة الجمعية التى تتوفر فيها تلك المشابهات وعلى سبيل المثال عند بعض الشعوب البدائية مثل "هنود الزونس" عندما يضعون "الكاتشينا" فى ساحة العرض و" الكاتشينا " عبارة عن كائنات متوسطة بين الآلهة والبشر تقدسها هذه الجماعات. وهم يرمزون فى طقوسهم هذه إلى عملية إعادة خلق العالم، وفى "سيبريا " توجد صور الرقص الشامانية نسبة إلى كهنة " الشامان" الذين يتمتعون بقوى سحرية تستطيع رد الشر وجلب الخير ويرى الدارس للطقوس التى تقوم بها هذه الجماعات أعمالاً تشخيصية تمثل فيها جملة الرموز التى تجسد انسجام الجماعة وتجسد أيضاً لحظات زمنية جامدة خارج دائرة التاريخ ومن هذا التمثيل الطقوسى يستمد الإنسان القناعة المتكررة بوجوده. وتتأكد لديه وجود حياته الجمعية.
العلاقة بين المسرح والحياة المعاشة لدى الجمهور:
إن المسرح عمل أو نشاط يؤكد وجود الجماعة البشرية، فنحن لا نستقطب الناس إلا إذا نجحنا فى تمثيل دراما حياتهم أمامهم، وفى هذه الدراما الحياتية تحوى أفعالهم المتكررة فى حياتهم اليومية. إن المسرح لن ينقذ الناس من الخمول إلا إذا واجههم بالمشهد الذى يجسد حريتهم الفعالة فبالمسرح وبالتمسرح نلاحظ أن الإنسان يسعى إلى إعادة تشكيل أو تكييف نفسه، وبهذا المعنى كان "شيللر" يعتقد أن المأساة الاغريقية كانت قد كونت وأنشأت الإنسان الإغريقى كمثل أعلى للحياة لم تحقق إلا جزءاً من طموحاتها، ولكنها وجدت فى الفن انجازاً يغيرها إلى الأحسن مع الأيام.


المسرح فى المجتمع والمجتمع فى المسرح .. ظاهرة احتفالية:
إن المسرح ظاهرة احتفالية حيث يجتمع حشد من الناس هم مجموعتين الأولى هى جماعة الممثلين والمؤدين والثانية هى جماعة المشاهدين، وبإجتماعهم يتم الجانب الاحتفالى للمسرح.
وإذا تأملنا هذا الجانب الاحتفالى فى المسرح، والذى يعتبر الملمح الأخاذ الذى يحتوى جميع الحاضرين جمهوراً وفنانين فى احتفالية البهجة والحماس الذى يزكيه هذا الاجتماع العام، والبهجة النابعة من الإحساس بالجمال والحماس الذى يتولد فى النفس ويتصاعد نتيجة لتلاقى المجموعتين مجموعة الفنانين ومجموعة المشاهدين حيث يقوم الفنانون بالإفصاح والتعبير علناً عن آراء ومعتقدات لا يملك أحد الحضور الجرأة على إعلانها هو بنفسه فى الشارع أو فى أى مكان عام ويتولى الفنان إعطاء هذه الآراء والمعتقدات حق العلنية على خشبة المسرح تحت الأضواء وفى حضور الجميع.
ولهذه الظاهرة أى المجتمع فى المسرح والمسرح فى المجتمع ملامح أخرى منها الأدوار الاجتماعية التى يقوم بها الإنسان فى حياته ذلك أنه يستطيع أن يقوم بتمثيل عدة أدوار فى حياته فى الصباح يعمل فى أحد المصانع وبعد الظهر لاعب كرة فى فريق وفى المساء عضو نقابى فى أحد النقابات. ومثل هذا الدور وغيره أدوار تحتاج من صاحبها إلى مسرحه هذه الأدوار.
وهناك أوجه للاختلاف بين أدوار الإنسان فى الحياة الواقعية وبين الأدوار التى يلعبها الممثل والمحك هو جدوى هذه الأفعال فى الحياة هو إمكانية تحقيق ذلك فى الحياة أما على خشبة المسرح فالوضع مختلف.
ومهما تقاربت أدوات الاحتفال الاجتماعى من أدوات احتفالية المسرح، فإن المواقف التى يوجدها هذا أو ذاك مختلفة جذرياً اجتماعياً ومسرحياً .
اجتماعياً:
يندفع الموقف ويؤدى إلى عمل ملموس فى الواقع .
مسرحياً :
ينغلق الموقف على التأمل والمشاهدة، فكل عرض مسرحى فى حقيقة الأمر مقصود أن يكون عالماً مغلقاً للتركيز، وبحكم أن الإنسان يحكى أو يتحدث عن الفعل دون أن يفعل، ويضع فى إطار الرمز كل ما هو حقيقى فى الممارسات الاجتماعية الذى يمكن أن يتغير بالفعل .. إن تدخل المجتمع هو النهاية الضرورية اللازمة لأى احتفال اجتماعى، أما فى الاحتفال الدرامى فإن التدخل موقوف ومؤجل وهذا التدخل الموقوف باستمرار والمؤجل باستمرار يعبر عنه برموز وصور فالفن لا يغير العالم أبداً والجمال إنما ينتشر فى معانٍ أو دلالات خالصة.
الحيز المسرحى:
هناك نقطة التقاء وتمايز بين المسرح وبين الحياة الاجتماعية، ويمكن أن نتعرف على أبعاد هذا الالتقاء ومعطياته العديدة عن طريق تحديد الحيز الذى يجرى فيه ويقع عليه الاحتفال الاجتماعى، والاحتفال المسرحى .
إن طبيعة المكان المسرحى بخشبة المسرح ومقاعد المتفرجين ونظام الجلوس كلها سمات توضح وظيفة المسرح بواسطة بعض الفئات الاجتماعية فى كل مجتمع وهى الفئات الأقوى بالطبع .. إما مسرح للترفيه الخالص .. أما لنشر الثقافة ... أو مسرح دعائى أو تعبوى.
إن العوامل الثلاثة أى العامل الاجتماعى والاقتصادى والتكنولوجى هى التى تحكمت وسوف تتحكم فى تشكيل وتحديد شكل كل دور العرض على مر التاريخ وبالتالى فهى تتدخل إلى حد كبير فى تحديد المحتوى (الشكل الفنى) الذى يجرى عرضه أو تمثيله داخل هذه الدور المسرحية:
1- المسرح الإغريقى نصف دائرى والتى عرفت فيما بعد بالمسرح المصنوع على الطريقة الإيطالية.
2- المسرح فى العصور الوسطى وهو مسرح الأسرار.
3- المسرح فى العصر الحديث وله أشكال عديدة نستنتج مما سبق أن:
أ‌- المكان المسرحى يساعد فى معرفة وفهم البيئة الاجتماعية وعلاقات القوى السائدة، ويساعدنا تحليل المكان المسرحى على قراءة حضارة بعينها.
ب‌- مقاعد المتفرجين تدل على الأوضاع الاجتماعية السائدة، فمثلاً المسرح داخل القصر يختلف عن المسرح الجماهيرى عن المسرح الطقسى.
المعمار المسرحى وتحقق التقارب الاجتماعى من عدمه:
أ‌- المسرح المغلق:
إن المسرح الإيطالى الذى يطلق عليه المسرح المغلق والمسرح المكعب والمغارة الكلاسيكية أو الكهف الكلاسيكى بأماكنه المقسمة بقسوة والمنعزلة بينها حدود قائمة تجعل التواصل الاجتماعى والاتصال الجمعى أمر معدوم. ذلك أن الألواج منطقة والبناوير منطقة أخرى ثم الصالة، بدورها مقسمة إلى ثلاثة أقسام أو قسمين كل قسم له سعره الخاص. وهناك المقصورات الملكية أو الرئاسية ثم خشبة المسرح.. إنها جزر منعزلة تقوم. بينها حدود، وهنا يفتقد المسرح تحقق الحياة الجمعية للإنسان وهى عماد فن المسرح.
إذن ظل هذا المسرح المتجمد ذائعاً ومنتشرا .. قالب جامد محدد الأطر يصب فيه المؤلفون أفكارهم .. إن تاريخ سيادة هذا المسرح هو تاريخ التوسع الأوروبى نفس النمط نجده فى بيرو والمكسيك عندما دخل هناك فى القرن السابع عشر وفى البرازيل وأمريكا الشمالية فى القرن التاسع عشر وفى الهند والصين وأفريقيا وفى البلاد العربية فى القرن التاسع عشر، وجاء مع زحف أنماط الحياة الغربية على المجتمعات الشرقية. ولكن نمو المسرح كظاهرة اجتماعية واتساع رقعة جماهيره وإنغراسه فى الحياة الاجتماعية أوجد المسرح كمؤسسة فى المجتمعات الأوربية الجديدة وأمام احتياجات الإنسان الجديدة ومع التغير الذى بدأت ذبذباته تسرى فى نخاع المجتمعات الأوربية أصبح الإبداع المسرحى مقيداً ومكبلاً وقليلاً أقوى مما كان فى أى عصر سابق، وكان هناك شعور دفين بالتخلص من شكل مسرحى أصبح محنطاً . وبدأت عوامل التغير تقوى وتزداد بعد اندلاع الثورة الفرنسية وظهور القيم الاجتماعية الجديدة التى أرستها الثورة ، هذا إلى جانب ما أصاب المجتمع الأوروبى بل والعالم كله فى أعقاب الحربين العالميتين من تخبط وتمزق ورفض الأشكال والأفكار السائدة والتقليدية وكان ولابد أن يتضح هذا أيضاً فى المسرح (فى جانبى الشكل والمضمون).
ب‌- المساحة المسرحية الجديدة (المسرح المفتوح = الاحتفالية المسرحية):
عارض جان ك روسو المسرح المغلق للنمط الإيطالى حيث وجه النقد للمسرح السائد فى عصره وأتهمه بأنه أحد أدوات الإفساد الاجتماعى وقد ناشد صيغة جديدة هى الاحتفالات الشعبية. والاحتفالية كمصطلح أطلق لأول مرة فى القرن الثامن عشر. وهذا يختلف عن الادعاء الذى أطلقه المغربين على مسرحهم وأنه يعد ظاهرة احتفالية وأنها ترجع فى ظهورها إليهم وإن كنت أرى رأى آخر يخالف الرأين وهو أن الاحتفالية عرفت بدون أسمها فى المسرح الإغريقى (احتفالات ديونسوس ..).
إذن نستنتج مما سبق النقاط التالية:
1- دراسة الجمهور والعوامل التى تساعد على تعريف الميول الحقيقية التى تميز الشكل العام لجماهير المسرح فى بلد ما.
2- دراسة المكان المسرحى وعلاقته بالبيئة والإبداع وهذا الجانب من الدراسة السوسيولوجية مسرحى يتصل بمورفولوجية أشكال التمثيل والتعديلات التى يدخلها المخرج على المكان المسرحى (مبنى/ ملعب/ صالة/ ساحة...).
3- دراسة العلاقات الوظيفية لمحتوى العروض المسرحية وأسلوبها وعلاقته بالأطر الاجتماعية أو بالبيئة الاجتماعية السائدة.
4- دراسة الدور الإجتماعى الجمالى للممثل , فالأدوار التى يلعبها ليست أبداً أدوار مصطنعة لأنها تقابل تصعيداً لعناصر الحياة الجمعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا