الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة ثورية إنسانية ...وثقافة فاسدة

مهند عبد الحميد

2011 / 3 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تبرعت نجمتا (البوب) المغنيتان الأميركيتان (بيونسيه) و(ماريا كاري) بمليوني دولار كانتا تقاضتاهما من أسرة العقيد القذافي.. الأسرة المالكة في ليبيا، لقاء إحياء حفلات فاتنة على شرفها لمناسبة رأس السنة. والسبب من وجهة نظر النجمتين يعود إلى عدم قبولهما الأموال من حاكم يقصف شعبه بالمدافع والطائرات". وقد انضمت الفنانتان إلى المغنية الكندية (نيللي فورتادو) التي تبرعت بمليون دولار كانت قد حصلت عليها مقابل الغناء لمدة 45 دقيقة أمام أسرة القذافي في إيطاليا العام 2007".
الثورات في عالمنا العربي أنهت كل خلط وكل تماهٍ بين موقف وآخر بين إبداع وآخر بين فكر وآخر، ووضعت الخطوط الفاصلة بين ثقافة النظام المستبد الفاسد وبين ثقافة الشعوب الحرة الثائرة من أجل العدالة والكرامة والحرية. الثورة دفعت بالاستقطاب إلى مداه بين منتسبي الثقافتين المتنافرتين في كل مكان، وذلك بعد أن كشفت عن المستور ووضعت النقاط على الحروف.
الثقافة الثورية مهدت الطريق أمام قوى التغيير وسلحتها بالوعي، حرضت بالكلمة والصورة والأغنية ضد الظلم والنهب والفساد والخنوع، وزوّدت القوى الحية داخل المجتمعات بمواقف شجاعة ومتفانية غلبت مصلحة الشعب على المصلحة الفردية الخاصة، وكشفت عن عناصر قوة المجتمع وعناصر ضعفه. لم تأت الثورة إلا كحصيلة تراكم السخط المرتبط بوعي أطلقه مثقفون ومبدعون ملتزمون بقضايا شعوبهم، أمثال: أبو القاسم الشابي، عبد الله العروي، إدوارد سعيد، محمد أركون، نصر حامد أبو زيد، أسامة أنور عكاشة، الطيب صالح، محمود درويش يوسف إدريس، جورج طرابيشي، أدونيس، الشيخ إمام عيسى، أمل دنقل، عمر اميرالاي، إبراهيم نصر الله، مارسيل خليفة.... وعشرات بل مئات من المثقفين والمبدعين الذين حولوا مشاعر وأحاسيس الناس إلى فكر وإبداع يحرض على أفعال وثورة تقود إلى التغيير.
وما إن اندلعت الثورة حتى لازمها مثقفون ومبدعون في الميدان لم يبرحوا مواقعهم حتى اللحظات الأخيرة. يستوقفنا، الدور المميز للفنان خالد يوسف، عمر واكد، عبد الرحمن الأبنودي، علاء الأسواني الذي ساهم بسجاله الطويل والشجاع في دفع رئيس الحكومة اللواء شفيق إلى الاستقالة، نوال السعداوي، عمرو سلامة، بهاء طاهر، شريهان، حمدي قنديل، رامي دنجوان، محمد منير، والإعلامية الرائعة سهى النقاش التي قدمت استقالتها من التلفزيون الرسمي والتحقت بميدان التحرير .. وغيرهم من المبدعين والمبدعات البواسل الذين وضعوا ثقلهم المعنوي والأخلاقي والإبداعي مع شباب وشابات الثورة ومطالبهم المشروعة.
وفي الجهة الأخرى، وقف كم كبير من المثقفين والفنانين مع النظام، بعضهم عبر عن انتمائه العاطفي للنظام بمشاعر فياضة، وتمسك بمواقفه وحاول التأثير في الرأي العام لمصلحة النظام في اللحظة الحاسمة، دون أن يلتفت لحصاد النظام في النهب والتشويه والإفقار والترهيب والتخلف. وبعد الحسم حاول الانتقال إلى خندق الثورة، مقدماً تبريرات واهية، دون نقد موقفه المخزي والاعتذار للشعب وللثوار. لا غرابة في ذلك فهؤلاء ينتمون إلى ثقافة النظام بعد أن غلبوا مصالحهم الأنانية الخاصة على مصلحة شعبهم. كان أبرز هؤلاء جابر عصفور الذي قبل بحقيبة وزارة الثقافة في الحكومة التي شكلها حسني مبارك قبل تنحيه بأسبوع وكانت محط رفض الشعب المصري وثورته. ومع عصفور اصطف: عادل إمام، حسن يوسف، سماح أنور، غادة عبد الرازق، يسرا، أحمد بدير، إلهام شاهين، تامر حسني... وغيرهم. وكان من اللافت موقف الأديب الليبي إبراهيم الكوني الذي اتجهت نحوه الأنظار مع اندلاع الثورة الليبية كي يتعرف إلى موقفه لكنه التزم الصمت، واهتم بمهاجمة منتقديه وتقريعهم أكثر من اهتمامه بتوضيح موقفه.
تخندق هذا الطراز من المثقفين والمبدعين مع النظام عندما اعتقدوا أن سيطرته أبدية. وكان جذر الاعتقاد يتأتى من فقدان ثقتهم بالشعوب وبقدراتها على التغيير، فذهبوا إلى مشاريعهم الخاصة في كنف النظام والأنظمة الشقيقة، أغرتهم الامتيازات وجوائز التقدير والأموال، استبدلوا الهم الجمعي بالهم الفردي وحدثت القطيعة مع نبض شعوبهم ومع الاحتياجات والمصالح الجمعية.
هل سيعودون إلى خندق الثقافة الملتزمة بالمصالح الجمعية؟ لا شك في أن المدخل الجدي للعودة يبدأ بنقد التجربة السابقة ونقد الذات بجرأة ومسؤولية. أما الانتقال من خندق إلى آخر دون توضيح فلن يؤدي إلى مصالحة من موقع الانحياز لثقافة كانت رافعة للثورة. وخاصة أن دور الثقافة ما زال في غاية الأهمية لجهة طرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها، ولجهة رؤية التحولات وحراسة كل تقدم وقطع الطريق على كل محاولات سرقة الثورة.
يبقى سؤال المثقف الفلسطيني حول رؤية التحولات وانعكاسها على القضية الفلسطينية، هل تجاوزنا خرافة خمول الشعوب العربية وعجزها؟ هل انتهى النظام الإقليمي التابع للسياسة الأميركية؟ وما هو الدور الفلسطيني في ظل نظام إقليمي عربي جديد؟
عوضاً عن قبول المثقف لهذا التحدي، انصب الاهتمام الفلسطيني على إشغال منصب وزير الثقافة القادم! وانهالت عروض الترشيح والتنافس، وجرت المفاضلة بين قدرات وأخرى، وبين فئة عمرية وأخرى؟ في غياب المعايير الضرورية، وفي لحظة يتقرر فيها مصير شعوب وأنظمة ودول.
الوضع الجديد في ظل الثورات الشعبية والتحولات، يتطلب استجابة من نوع مختلف، لسنا بحاجة إلى إعادة إنتاج الصيغة القديمة، بحاجة إلى أشكال جديدة، عوضاً عن وزارة ثقافة، لماذا لا يتشكل مجلس أعلى للثقافة كهيئة مستقلة يضم كفاءات ثقافية مجربة ولديها هم ومشروع ثقافي ديمقراطي، تشمل مختلف المناطق داخل وخارج الوطن بما في ذلك داخل الخط الأخضر، فليس للثقافة حدود. وفي هذه الحالة سيتم وضع الثقافة لدى جهة اختصاص مسؤولة بعيداً عن الكوتا والتغيير المتكرر للوزراء وسياساتهم المرتجلة والتجريبية البعيدة عن الدور الثقافي المنشود. نظرياً تبقى الثقافة رافعة كبيرة، وعملياً يتم تهميش الثقافة ووضعها في آخر سلم الاهتمامات الرسمية، فإلى متى؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران