الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاجز الخوف من الأنظمة المستبدة

رشاد البيجرماني

2011 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


يتمثل الخوف من النظام، في خشية بطشه و قمعه للأصوات التي تنادي بمعارضة سياساته، و الخوف الذي نراه اليوم من الأنظمة ليس وليد الظلم و العقاب فقط، فهي متشكلة بالأصل من سياسة تتبعها الأنظمة لتأمين استمراريتها و دوما تجد لنفسها الحجج و البراهين لتعطي الشرعية لبعض ممارساتها التعسفية، و الأكثر تأثيرا هي الأفكار التي يؤمن بها المجتمع نفسه، كالطاعة العمياء للوالي أي إن الإيديولوجيات كانت لها النصيب الأكثر لصبر الناس على مختلف أنواع المظالم، فهي التي جعلتهم يغضون الطرف عن كل شيء و تحليل كل شيء على أساس المصلحة العامة للبلاد و المصلحة العامة عندنا هي مصلحة الحاكم قبل أي شيء آخر، و حسب نظرية النظام فالشعب مصلحته في بقاء نظام الحزب الواحد و الرئيس الحاصل على تركة أبيه التي لا يمكن أن يفرط فيها و لأجل استمراريتها يلجئ إلى كل أشكال الترغيب و الترهيب، و أبقاء النظام بدون قانون يحمي المواطن من ممارسات أفراده، و يلوح دوما بأن وحده هذا النظام يحفظ استقرار البلاد، و بدونه ستقع الحروب الاهلية و الطائفية و سيتدخل أطراف خارجية لتفتعل تفجيرات إرهابية تطال الشعب نفسه.
زوبعة هائلة من الفوضى، و كأننا في غابة، الجار سيقتل جاره، الجميع سوف يحملون بالطات و يقفون أمام بيوتهم كي لا ينهبها أحد، كل شيء سيتعرض للنهب، المحلات التجارية و البنوك، سوف تسرق سجادات الجوامع و سوف يقوم الغزاة بسرقة أحجار الرصيف و طبعا سيفجرون السدود و سنبقى بلا كهرباء في ظلام دامس، فالنظام يريد أن يصور للناس مدى الضرر الذي سيلحق بهم إذا سقط النظام، و كأنها ستكون نهاية العالم.
و ليس كل الأنظمة على هذه الشاكلة، فبعض الأنظمة الحاصلة على ثقة العالم خرجت من بطون العشائر، و مازالت تفتخر بثقافتها العشائرية و لكنها لا تقف حجر عثرة في طريق التغير بالعكس يمكن لبعض هذه الأنظمة أن تقود الشعوب إلى التغير المطلوب حتى، لأن قانون العشيرة يفرض بعض المبادئ الاساسية و هي سماع آراء مختلفة، بينما أنظمة البطش العلمانية الشكلية هي الأخطر على الأطلاق، و من بينها هناك بعض الأنظمة التي يمكن رفضها جملة و تفصيلا بالإضافة الى أنظمة أخرى تحتاج الى الإصلاح و ترميم بعض مؤسساته، فالنظام يمثل الأشخاص المنتسبون إليه على كل حال، و لا يوجد أنظمة منزلة من السماء فهي من نتاج البشر، و هي قابلة للنقد و الإصلاح إن كان من يمثلها يؤمنون بالنقد و الاصلاح و ديمومة التغير في الأزمنة و الأمكنة و قابلة للتغير إن توفرت بدائل أصلح منها.
القصد هنا من حاجز الخوف هو أن يشمل الخوف عقول الناس على التفكير الطليق اولا و من ثم المبادرة الى أبداء الرفض بجرأة، و المضي قدما في مسيرة حافلة بالمخاطر بدون أن يأبه بعواقب ما سيحصل.
لقد عان الإنسان منذ بدايات تمدنه من العبودية و القيود التي فرضت عليه من طرف أفراد كانوا أما أشخاص فريدين في محيطهم و أقوياء جسديا أو أشخاص ورثوا عن أبائهم الفريدين الحكم و جاءت الثورات الأولى لرفض حكم الأشخاص الغير كفؤ و الغير مرغوبين من قبل الناس، فضلا عن إن الثورات الأولى كانت ضد ما نستطيع تسميته الاحتلال، فقد بدأت العبودية في سيطرة قبيلة على قبيلة أخرى بالقوة و نهبها و تعبيد أفرادها القادرين على العمل، و أخذت من حقوقهم الكثير و زادت الظلم عليهم حتى وصل بالكثيرين إلى تقبل الموت بلهفة عن تقبل حياة الذل.
و بالناس تحارب الناس، و المجتمع سبب خوفه الأساسي هو المجتمع نفسه، فهل تثق مجتمعاتنا بأفرادها كي يعلم الأخ بأن أخوه يكره النظام أم لا؟ كم بيتا من بيوتنا تحمل في بنيتها عناصر الفساد و المناضلين على حد سواء، و ما بالك على مستوى القبيلة أو المدينة، لكن الشيء المؤكد في كل الحالات بأن التغير هي مشيئة الحياة و لا وجود لأنظمة أبدية.
الخوف و عدم الثقة بالاخرين وجهان لعملة واحدة، فالخوف ينافر و أنعدام الثقة مثلها تماما، و هما معا يشكلان بنيان المجتمعات الشرقية، التي ترزح تحت نير المستبدين، و المصيبة تكتمل حين يهتف الجميع بالهتافات التي لا يؤمنون بها مثل المناداة بحياة القادة الذين يلعبون على حبال التفرقة بين أطياف المجتمع، و رفع شعاراتهم ليلا نهارا، و كأنها فرض من فروض الأيمان، ففي كل يوم المجند في الجيش عليه أن يهتف أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة أو بالروح بالدم نفديك يا قائد، هذا القائد الذي يكلل وجه نظامه بممارسة سياسة فرق تسد. و هي بالضبط ما نراه في كل دائرة من الدوائر المهمة في المجتمع.
فنقابة الأطباء مثلا إذا كان فيها جاسوس واحد فلن تتمكن على مر أكثر من أربعين سنة على أن تنتخب شخصا مستقلا يمثل النقابة، و يدفع بها الى الامام كي تزيل الخوف و أنعدام الثقة بين أفرادها.
و نقابة المعلمين و نقابة الصحفيين و الصيادلة، المحاميين، المهندسين، التجار، النوادي الشبابية و الرياضية، المؤسسات الفكرية و دور النشر و المطابع، هذا و أن لم نرغب بإشراك الطلبة في الموضوع فهم المعرضون أكثر للملاحقة و المتابعة من قبل مخابرات النظام، و كل دائرة تخطر في بالك فهي عندنا و في نظامنا القائم لا يجوز إلا أن يديرها عميل مخابرات الأمن، كي يعطي تقارير مفصلة قبل و بعد كل اجتماع ليطمئن قلب الحاكم و زمرته بأن كل شيء يسير حسب الخطة...
ليس هناك شخص جبان بمعنى الكلمة، فالجبن وليد ممارسة عوقب الفرد من خلالها و تعلم كيف يصمت و كيف يغض الطرف عن ما يجري، و عرف كيف يدير شؤونه الخاصة وسط هذه الأجواء، و يظن نفسه ذكيا لأنه قادر على المضي ببعض الصمت و السكوت و اللامبالاة تجاه ما يحدث أمامه، و هذا الشخص الذي زرع فيه الجبن رويدا رويدا، سيكون رجل النظام بعد فترة و قبل أن يصبح كذلك عليه غسل نفسه من المبادئ و الضمير و بعدها سيصعد في مراتب الحزب الحاكم و يصبح شيئا مهما في محيطه و سيخشاه الجميع كما كان يخشى هو نفسه حاملوا المسدسات من أفراد الحزب قبل الانخراط فيه.
و لهذا السبب يعتقد أغلب المحللين السياسيين بأن أنظمة الاستبداد هي أنظمة هشة و جبانة، فهي وليدة أفراد عشش فيهم الجبن و باض، و بمجرد تجمع الناس و بدافع ذاتي يهتز النظام ويفقد شيئا فشيئا أركانه، وهذا ما حدث في بعض الدول العربية التي نجحت فيها المظاهرات فقط بالإطاحة بأشرس الأنظمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب