الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجربة الديمقراطية في البحرين (الجزء الأخير)

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


المبحث الثاني
الحياة السياسية النيابية ومستقبل الديمقراطية في البحرين
النظام التشريعي
أصدر ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة يوم 3 يوليو/ تموز 2002 مرسوما بقانون حمل رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية ويسمح بإنشاء مجلسين أحدهما للشورى والآخر للنواب. وفيما يلي نورد عرضا مختصرا لأهم بنود هذا القانون .
أولا- مجلس الشورى
يتألف مجلس الشورى البحريني من 40 عضوا يعينون ويعفون بأمر ملكي. وتستمر مدة العضوية فيه أربع سنوات، ويجوز للملك أن يعيد تعيين من انتهت مدة عضويته.
شروط العضوية
يشترط القانون في عضو مجلس الشورى أن يحمل الجنسية البحرينية وألا يقل عمره يوم تعيينه عن 35 عاما، وأن يتمتع بالخبرة، أو يكون ممن أدوا خدمات جليلة للوطن من بين أفراد العائلة المالكة والوزراء السابقين والسفراء والقضاة وكبار الضباط وكبار موظفي الدولة وكبار العلماء ورجال الأعمال أو من أعضاء مجلس النواب السابقين.
إسقاط العضوية
تسقط العضوية إذا فقد العضو أحد شروطها، أو فقد الثقة والاعتبار أو أخل بواجبات العضوية. ويجب أن يصدر قرار إسقاط العضوية بأغلبية ثلثي الأعضاء ثم يرفع إلى الملك لإقراره. وإذا خلا محل أحد أعضاء المجلس لأي سبب من الأسباب قبل انتهاء مدة عضويته، يعين بأمر ملكي من يحل محله خلال شهر من تاريخ إعلان المجلس لهذا الخلو.
رئيس المجلس
يعين الملك رئيس مجلس الشورى في حين ينتخب الأعضاء نائبين له في كل دورة انعقاد.
ثانيا- مجلس النواب
يتألف مجلس النواب من 40 عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقا للأحكام المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية.
ينتخب أعضاء مجلس النواب وفقا لنظام الانتخاب الفردي، ومدة العضوية أربع سنوات تجرى خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من تلك المدة انتخابات المجلس الجديدة، ويجوز إعادة انتخاب من انتهت مدة عضويته. ويجوز للملك أن يمد الفصل التشريعي عند الضرورة بأمر ملكي مدة لا تزيد عن عامين.
شروط الترشيح للعضوية
يشترط فيمن يرشح نفسه لعضوية مجلس النواب أن يكون بحرينيا ولا يقل عمره عن 30 عاما ومجيدا للقراءة والكتابة، وألا تكون عضويته في مجلس الشورى أو النواب قد أسقطت عنه بقرار من المجلس الذي ينتمي إليه بسبب فقد الثقة أو الاعتبار أو بسبب الإخلال بواجبات العضوية.
شروط إجرائية
أما الشروط الإجرائية فيمن يرشح نفسه لعضوية مجلس النواب فأهمها أنه لا يقبل ترشيح الوزراء ورجال القضاء والنيابة العامة لعضوية مجلس النواب إلا إذا استقالوا من مناصبهم.
فوز العضو
وبالنسبة لعدد الأصوات التي تتيح للمرشح الفوز فهي الأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة، فإن لم تتحقق هذه الأغلبية لأحد المرشحين في الدائرة أعيد الانتخاب بين الاثنين الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات.
حق الطعن
ولكل مرشح حق الطعن في نتيجة الانتخاب الذي جرى في دائرته أمام محكمة التمييز خلال 15 يوما من تاريخ إعلان النتيجة العامة للانتخابات، فإذا ثبت لهذه المحكمة صحة الطعن أبطلت نجاح العضو المطعون في انتخابه.
الدعاية الانتخابية
ووفق أحكام هذا القانون يجوز للمرشح القيام بدعاية حرة شريطة الالتزام بأحكام الدستور واحترام سيادة القانون والمحافظة على الوحدة الوطنية وعدم التعرض في الدعاية لغيره من المرشحين بصورة شخصية.
ويلفت النظر في هذه المادة المتعلقة بالدعاية الانتخابية الحظر المفروض على الاتحادات والنقابات من القيام أو المشاركة في أي دعاية انتخابية لأي مرشح. وحظر تنظيم وعقد الاجتماعات وإلقاء الخطب الانتخابية في دور العبادة والجامعات والمعاهد العلمية والميادين والشوارع والطرق العامة والأبنية التي تشغلها الوزارات والإدارات التابعة لها والأجهزة الملحقة بها والهيئات المؤسسات العامة. أما الأماكن المخصصة للدعاية فتحددها كل محافظة بمعرفتها, ويحظر على أي مرشح تلقي أموال للدعاية الانتخابية من أي جهة كانت. ويطالب القانون جميع وسائل الإعلام مراعاة المساواة في التعامل الإعلامي بين جميع المرشحين.
إنهاء العضوية
تسقط العضوية عن النائب إذا فقد أحد شروطها أو إذا فقد الثقة أو الاعتبار أو أخل بواجبات العضوية. وتسقط العضوية بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس ويكون التصويت في هذه الحالة بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم. وإذا خلا محل أحد أعضاء مجلس النواب قبل انتهاء مدة عضويته لأي سبب، يجرى انتخاب تكميلي في المقعد الشاغر خلال شهرين من تاريخ إعلان المجلس هذا الخلو، وتنتهي مدة العضو الجديد بنهاية مدة سلفه.
عقوبات
نص القانون على فرض عقوبة الحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر وبغرامة لا تتجاوز 500 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، على كل من خالف أحكام مواد هذا القانون.
أحكام مشتركة للمجلسين
لا يجوز الجمع بين عضويتي مجلس الشورى والنواب، كما لا يجوز الجمع بين عضوية أي من المجلسين وعضوية المجالس البلدية أو تولي الوظائف العامة. ولا يجوز لعضو مجلس الشورى أو النواب أثناء مدة عضويته أن يعين في مجلس إدارة شركة أو يسهم في التزامات تعقدها الحكومة أو المؤسسات العامة إلا في الأحوال التي بينها القانون، كما لا يجوز له خلال تلك المدة أن يشتري أو يستأجر مالا من أموال الدولة أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله أو يقاضيها عليه ما لم يكن ذلك بطريق المزايدة أو المناقصة العلنيتين أو بالتطبيق لنظام الاستملاك للمنفعة العامة. وبالنسبة للمكافأة التي تقاضاها عضو مجلس الشورى أو النواب فمقدارها ألفا دينار بحريني شهريا، أما رئيسا المجلسين فيتقاضيان راتبا يعادل راتب الوزير.
أما رقابة المجلسين فتكون على أعمال أفراد السلطة التنفيذية وتصرفاتهم، ولا يجوز التعرض لأفعالهم أو تصرفاتهم التي تمت قبل تاريخ انعقاد المجلسين في أول فصل تشريعي.
الانتخابات النيابية البحرينية 2002م
يشكل إجراء أول انتخابات برلمانية في البحرين منذ 92 عاما، حدثا تاريخيا في الحياة السياسية في البحرين، فهو يمثل علامة فارقة على مصداقية وجدية النظام السياسي في تعميق التحول الديمقراطي واستئناف الحياة النيابية والتي دشن عودتها المشروع الإصلاحي الشامل للملك الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة منذ إطلاقه هذه المبادرة التاريخية عبر مشروع الميثاق الوطني الذي نال إجماعا شعبيا فائقا (97.4%).
جرت انتخابات مجلس النواب على جولتين الأولى في 24 تشرين الأول/أكتوبر والثانية في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2002. تنافس في الانتخابات 174 مرشحا، منهم ثماني نساء، على 37 مقعدا نيابيا بعد فوز 3 مرشحين بالتزكية.
وفاز في الجولة الأولى من الانتخابات 19 مرشحا حصلوا على 51 بالمائة من أصوات الناخبين. وبقي 42 مرشحا لم يحصلوا على النسبة المذكورة في الدورة الأولى فتنافسوا في الجولة الثانية على قاعدة فوز من يحصل أعلى نسبة من الأصوات. وبقي بين مرشحي الجولة الثانية امرأتان من المرشحات الثمانية. وقد تجاوزت نسبة مشاركة المقترعين 53 بالمائة ممن يحق لهم التصويت.
وكانت أبرز نتيجة للانتخابات التشريعية الفوز الساحق لمرشحي التيارات الإسلامية وعدم فوز أية امرأة من المرشحات الثمانية. وفاز الإسلاميون بـ 24 مقعدا. وفازت الجمعيات الدينية السنـّية بـ 20 مقعدا والجمعيات الشيعية بـ 4 مقاعد.
ويرجع السبب الرئيسي إلى الفارق الكبير بين عدد مقاعد السنـّة والشيعة إلى مقاطعة "جمعية الوفاق الوطني" الشيعية للانتخابات. وقاطعت الانتخابات أيضا 3 جمعيات سياسية تنتمي إلى المعارضة التقليدية , والسبب الرئيسي لمقاطعة هذه الجمعيات للانتخابات اعتراضها على إعطاء صلاحيات متساوية تشريعية لمجلس النواب المنتخب ولمجلس الشورى المعيّن مما يعني استحالة إصدار أي قانون لا توافق عليه الحكومة , وعلى الرغم من مقاطعة الانتخابات ، صرّح الشيخ علي سلمان رئيس مجلس إدارة جمعية الوفاق الوطني بأن جمعيته ستحافظ على علاقات مع النواب المنتخبين ومع مؤسسات المجتمع الأهلي والرسمي لان نهجها يقوم على المعارضة الإيجابية.
واستكملت البحرين مؤسستها التشريعية في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2002 بتعيين 40 عضوا لمجلس الشورى برئاسة فيصل الموسوي و وتم تعيين 6 سيدات أعضاء في مجلس الشورى منهن سيدة مسيحية، واحتل رجال الأعمال ربع مقاعد مجلس الشورى , كما تم تعيين خمسة عسكريين أعضاء في المجلس وثلاثة إعلاميين ورئيسي جمعيتين سياسيتين , وأعيد تعيين عضوين من الأقليات المسيحية واليهودية واثنين من المصرفيين ومسؤولين حكوميين حاليين ومسؤولين سابقين. وضم مجلس الشورى للمرة الأولى ثلاثة أعضاء من العائلة الحاكمة.
كما أن إقرار الحكومة بأن نسبة المشاركة والتصويت في الانتخابات بلغت حوالي 53.2% دليل آخر على محاولة إرساء نهج أو تقليد سياسي يتسم بالمصداقية والشفافية والواقعية السياسية في إظهار حقيقة نتائج الانتخابات البرلمانية في التجارب الديمقراطية العربية، بعيدا عن صيغ التهويل والمبالغة التي لا تعترف بأقل من نسبة مشاركة تدور حول الـ(90%)، وكأنها تعتبر أي نسبة دون ذلك دليلا على عدم الشعبية أو فقدان الجماهيرية أو الشرعية السياسية لنظام الحكم.
المرأة في الانتخابات البرلمانية:
رغم عدم فوز المرأة بأي مقعد في البرلمان، إلا أنه يمكن القول إن المرأة البحرينية قد حققت سبقاً تاريخياً بمشاركتها في الانتخابات النيابية، كما أن مشاركتها تعد حدثاً خليجياً فريداً، حيث تعتبر المشاركة الأولى للمرأة الخليجية (تصويتا وترشيحا) في الانتخابات النيابية.
وتعد تلك الانتخابات هي المرة الثانية التي تشارك فيها المرأة البحرينية بالتصويت والترشيح، حيث سبق وأن شاركت في الانتخابات البلدية في مايو 2002 , ولم يحالفها الحظ أيضاً , وقد شاركت ثماني نساء في الانتخابات النيابية، استطاعت اثنتان منهن التأهل للجولة الثانية وهما "لطيفة القعود" والتي تنافست في المحافظة الجنوبية أمام مرشح إسلامي هو "جاسم السعيدي"، والمرشحة الثانية هي "فوزية الرويعي" من المحافظة الشمالية وقد تنافست أمام المرشح المستقل "يوسف زينل". ورغم خسارة المرأة البحرينية التأهل لمجلس النواب إلا أنها اكتسبت تجربة لابأس بها من المؤكد أنها ستمهد لتواجد نسائي في التجارب القادمة لاسيما إذا ساندتها جمعيات سياسية ذات ثقل جماهيري.
دور المعارضة في الانتخابات:
في الثالث من سبتمبر 2002 ، أعلنت أربع جمعيات سياسية عن مقاطعتها للانتخابات النيابية، بدعوى أن الدستور المعدل (2002) يعطي مجلس الشورى المعين نفس صلاحيات التشريع المخولة للمجلس المنتخب ، حيث تنص المادة 51 من دستور 2002 على أن "يتألف المجلس الوطني من مجلسين، مجلس الشورى ومجلس النواب" وهو ما يعني –حسب رأيها - تركيز الصلاحيات في يد السلطة التنفيذية.
وفي المقابل ، يرى المراقبون والمتابعون للشأن البحريني أن هذا الطرح يفقد مبرراته بالنظر إلى:
- أن موافقة المواطنين على "ميثاق العمل الوطني" بنسبة كبيرة بلغت 98.4% هي بمثابة تخويلاً للملك بإجراء التغييرات الدستورية اللازمة .
-التعديلات الدستورية التي أقرها الدستور الجديد تصب في اتجاه تدعيم المسار الديمقراطي ، وبالتالي لا يجوز التوقف أمام بعض الجوانب القانونية والفقهية في نصوص الدستور .
- أكد ولي العهد الشيخ سليمان بن حمد آل خليفة في مؤتمر صحفي عشية الانتخابات أن"الكلمة الأخيرة في التشريع ستكون للمجلس المنتخب ، أما في المجلس المعين فلن يحق لرئيسه التصويت وبالتالي ستكون الأغلبية للأول" في التصويت المشترك على مشاريع القوانين .
-لو لم تكن الدولة ترغب في تدعيم النهج الديمقراطي وتفعيل المشاركة السياسية، لما أقدمت على سلسلة التعديلات والإصلاحات الجوهرية ، وبالتالي يجب أن نترك التجربة تكتمل ثم يحدث التقويم في النهاية .
وقد حاولت الجمعيات المقاطعة التأثير على الناخبين لمقاطعة الانتخابات وقد تزعمت جمعية "الوفاق الوطني" حملة المقاطعة، وراهنت على شعبيتها في التأثير على نسبة المشاركة ، ولعل ذلك هو ما دفع ملك البحرين الشيخ حمد لتوجيه خطاب للشعب البحريني يحثه فيه على المشاركة في عملية التصويت وذكر:"إذا كان قرار المشاركة في التصويت أو الامتناع عنه حق ديمقراطي لأي مواطن ، فليس من حق أحد فرضه عليه أو حرمانه منه باعتبار ذلك من حقوقه الشخصية وحرياته التي يصونها القانون".
تقييم التجربة البرلمانية:
يمكن القول إن ما تشهده الساحة السياسية البحرينية من نشاط ومناخ سياسي يدل على أن البحرين أصبحت تتمتع بحالة من الديناميكية السياسية حيث مثلت الانتخابات الأخيرة قفزة نوعية في تطور البحرين الديمقراطي رغم أن الخريطة السياسية؛ البحرينية ما زالت قيد التشكيل.
وفي إطار تقييم التجربة البرلمانية الأخيرة تجدر الإشارة للملاحظات التالية:
- أن تقييم التجربة النيابية يأتي في إطار تقييم التجربة السياسية البحرينية ككل بصفة عامة والتي شهدت طفرة نوعية خلال العامين الماضيين ، وفي المحصلة النهائية تعد تجربة الانتخابات، ظاهرة صحية وتمثل دليلاً على صدق التجربة الديمقراطية، كما أنها تعد بمثابة تعبير حقيقي عما ستشهده الساحة البحرينية خلال الأعوام القليلة القادمة من تطورات ديمقراطية.
- يعود الجزء الأكبر للتحول في البحرين إلى قناعة قيادتها السياسية بضرورة التحديث والتطوير ، والتي لعبت في هذا السياق دورًا فاعلاً في نجاح تلك التجربة ، وبلوغ هذه النسبة من المشاركة حيث وجه الشيخ حمد خطابا يوم 21/10/2002 دعا فيه الشعب البحريني للمشاركة في الانتخابات حتى تتواصل مسيرة المشروع الإصلاحي ، وحث رئيس الوزراء الناخبين على المشاركة باعتبارها واجبًا وطنيًا ، كما أكد ولي العهد في مؤتمر صحفي عقد عشية الانتخابات أن البحرين ستمضي قدمًا في مشروعها الإصلاحي ولن تتراجع عنه. - عكست إدارة عملية الانتخاب في الجولتين الأولى والثانية قدرًا كبيرًا من الشفافية والنزاهة لاسيما مع مراقبة جمعيتين أهليتين هما الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان وجمعية عملية التصويت ، ومن هنا يحسب للتجربة النيابية في البحرين نزاهة عملية التصويت ودقة النتائج فقد وضعت الحكومة نظامًا من الضمانات والتوازنات حيز التنفيذ لضمان حرية وعدالة الانتخابات ، وقامت لجنة سلامة الاستفتاء والانتخاب التي تشكلت من قضاة ورجال قانون بالإشراف على مراكز الاقتراع لضمان اتباع الإجراءات الصحيحة في عملية التصويت وفرز الأصوات.
- ومن الظواهر التي تستحق الاهتمام في الانتخابات النيابية أنه لم تسجل حوادث عنف أو مظاهرات غاضبة أو تشكيك في نزاهة العملية الانتخابية، وهو مؤشر على احترام جميع الأطراف لرغبة وإرادة المواطن، فضلاً عن احترام قواعد اللعبة السياسية سواء من جانب الحكومة أو المعارضة. ولعل هذا الوضع يشكل حدثاً فريداً في الدول التي تعد في بداية عهد الأخذ بالديمقراطية.
وفي هذا الإطار ينبغي النظر إلى مقاطعة أربع جمعيات سياسية للانتخابات النيابية الأخيرة على أنها دليل حي وواقعي على مدى إيمان البحرين بحرية المشاركة السياسية. فبالرغم من المقاطعة، إلا أنه تم السماح لهذه الجمعيات بعقد ندوات ومؤتمرات عبرت فيها عن دورها السياسي بحرية كاملة ودون أية محاذير. كما أن المقاطعة في حد ذاتها تعتبر من الأساليب المتعارف عليها في أعرق الدول الديمقراطية، وليست وضعًا استثنائيًا في بلد ما دون الآخر.
- تجاوزت نسبة المشاركين في الدور الأول من الانتخابات النيابية 53.48% توقعات المراقبين بالنظر إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية التي شاركت فيها كافة القوى السياسية كانت 51% ، حيث شهدت عمليات الاقتراع إقبالاً ملحوظًا ، كما أن هذه النسبة تعد مرتفعة بالمقارنة مع مثيلاتها في العديد من الدول الديمقراطية فلم تتجاوز النسبة في الانتخابات الفرنسية 40% وفي بريطانيا 59% وفي سويسرا 43% .
- حقق التيار الإسلامي تفوقًا واضحًا حيث أعلنت جمعية المنبر الوطني الإسلامي (إخوان مسلمين ) فوز 8 من أعضائها وحصل التيار السلفي على 7مقاعد ، وجمعية الشورى الإسلامية على مقعد واحد وفي المقابل حصدت الرابطة الإسلامية 4 مقاعد.
- تتجه الجمعيات الفائزة إلى تشكيل كتل سياسية تضم قوى وشخصيات
مستقلة حيث سعت جمعية ميثاق العمل الوطني إلى تشكيل كتلة معارضة ، كما أعلن رئيس التجمع الوطني الديمقراطي عبد الله هاشم أن التجمع يتجه لتشكيل كتلة مماثلة بالتنسيق مع قوى سياسية أخرى تلتقى معها في البرنامج الوطني .
- وأخيرًا ، حازت الانتخابات على اهتمام دولي واسع النطاق و تغطية موسعة من وسائل الإعلام العالمية، حيث استضافت البحرين أكثر من 200 صحفي ومراسل لمختلف الصحف وشبكات الأنباء العربية والدولية لمتابعة وقائع العملية الانتخابية ، وقد نالت الانتخابات النيابية استحسان دول العالم فقد تلقى عاهل البحرين الشيخ حمد اتصالاً تليفونيًا من الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورسالة خطية من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير للتهنئة بنجاح الانتخابات، ونوهت حكومات الولايات المتحدة وألمانيا واليابان بالخطوة البحرينية ، كما رحب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان سيرجيو دي ميلو بالانتخابات ووصفها في بيان له بالحدث التاريخي والخطوة نحو النهج الديمقراطي ، وأعرب الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عن تقديره لما تم اتخاذه من خطوات لترسيخ دعائم الديمقراطية في البحرين.
وافتتح ملك البحرين أولى جلسات المجلس الوطني في 14 كانون الأول/ديسمبر الذي سيطر عليه المحافظون والإسلاميون، وانتخب في الجلسة الأولى التي كانت علنية الإسلامي خليفة الظهراني رئيسا للمجلس. كما تم انتخاب نائبين له.
ومن هنا، يحسب للتجربة الانتخابية البحرينية الجديدة هذا التمسك بمصداقية ونزاهة الأرقام والنتائج لعلها تقدم نموذجا للتجارب الانتخابية والديمقراطية العربية الأخرى أن تكون أكثر واقعية وعقلانية وموضوعية.
إن تجربة التحول الديمقراطي واستئناف الحياة البرلمانية والديمقراطية في البحرين تتبنى نهج (التدرجية السياسية) ولكن وفق أسلوب وبخطوات إصلاحية شاملة ومتلاحقة تعكس إيمانا بضرورة خلق بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية مواتية ومتكاملة لإنجاح المشروع الإصلاحي وتعزيز المسار الديمقراطي.
وبعيدا عن جدل المشاركة والمقاطعة في الانتخابات البرلمانية في البحرين، يتعين إدراك أن نقطة الانطلاق في هذه التجربة الجديدة ، كانت مبادرة ملك البحرين إلى إصدار ميثاق العمل الوطني.
وفي التحليل السياسي، يمكن القول: إن (صيغة الميثاق) كانت بمثابة مبادرة خلاقة لتجاوز واقع سياسي معين اتسم بالاحتقان وغياب الحوار السياسي البناء وسيادة أجواء من الشكوك وعدم الثقة بين أطراف العملية السياسية في البحرين.
ومن هنا، فصيغة البرلمان الجديد المكون من مجلسين متساويين في عدد الأعضاء (40 عضوا) لكل منهما، أحدهما منتخب مباشرة من الشعب (مجلس النواب)، والآخر معين من قبل الملك (مجلس الشورى)، ويتكفلان معا بالقيام بالمهام التشريعية والرقابية ، هي صيغة هدفها إتاحة الفرصة لاختبار مدى القدرة على ممارسة الحياة النيابية أو البرلمانية على مدى أربع سنوات قادمة، بروح تتسم بالعقلانية والرشادة السياسية والواقعية بعيدا عن لغة المزايدات والمهاترات التي تقود إلى الدخول في أزمات تصادمية أو مواقف إحراج مع السلطة.
فالهدف المرحلي لهذه التجربة البرلمانية الجديدة، هو محاولة استشفاف مدى القدرة على عدم تكرار تجارب الماضي، التي لم تراع طبيعة الواقع السياسي لدولة كالبحرين وسط محيط إقليمي يتسم بالاضطراب.
والملاحظ، أن الملك قائد المشروع الإصلاحي لم يقل يوما أن الصيغة الراهنة لاستئناف الحياة البرلمانية هي صيغة أبدية ونهائية، ولكنه أكد مرارا وفي مناسبات متعددة أن هذه التجربة مفتوحة على آفاق واسعة للتغيير والتطوير مع استمرار لغة الحوار واتباع النهج السلمي في المعارضة والإقرار بشكل ملموس وحكيم بنبذ اللجوء إلى أساليب العنف للضغط أو لتأليب الشارع داعيا إلى الصبر والتروي في العمل لتحقيق المطالب السياسية والدستورية والإيمان بحصافة وحكمة النهج التدرجي في بلوغ التطلعات الوطنية.
وأكد ملك البحرين محورية دور البرلمان في الاستمرار في تطوير التجربة الديمقراطية في البحرين بقوله : وبلا ريب فإن المجلس النيابي المنتخب هو ركيزة المشروع الإصلاحي ، ومنطلقه للمزيد من التطوير مع كافة مؤسساتنا الدستورية.
ومن هنا ، فإن التجربة الديمقراطية بعد الانتهاء من انتخاب المجلس النيابي، وتعيين أعضاء مجلس الشورى ستكون على مدى أربع سنوات قادمة مفتوحة على آفاق تكريس النهج الديمقراطي والتطوير المتواصل ، إذا ما استمرت كافة أطراف اللعبة السياسية ملتزمة بمنهج الحوار والعمل السياسي السلمي في مناقشة كافة القضايا الوطنية، سواء من قبل القوى السياسية التي تعمل من داخل البرلمان أو تلك القوى التي آثرت البقاء خارجه خلال فترات السنوات الأربع القادمة.

الانتخابات البلدية 2002م
كانت نتائج الانتخابات البلدية في البحرين التي أجريت مرحلتها الثانية يوم 17 مايو/ أيار 2002 مؤشرا على توزيع خارطة القوى السياسية في البلاد، وربما أوحت نتائجها كذلك بمؤشرات يمكن أن توضح ولو بشكل غير دقيق ما أسفر عنه تشكيل أول برلمان منتخب في البحرين منذ عام 1975.
فقد سجل التيار الإسلامي بجناحيه الشيعي والسني انتصاراً ساحقاً حصل فيه على كل المقاعد الخمسين ، وأظهرت النتائج النهائية أن الشيعة فازوا بـ23 مقعدا، في حين فاز السنة الذين تنحدر منهم أسرة آل خليفة الحاكمة بالمقاعد الـ27 الباقية. والملاحظ غياب دور المرأة في المجلس البلدي الجديد ، إذ لم تحرز المرأة البحرينية أي مقعد بالرغم من أن النساء شكلن أكثر من 50% من عدد الناخبين.
كما لم يسجل للتيار اليساري حضور يذكر، ولم يحرز عناصره ولو مقعداً واحداً، وتعليقا على ذلك قال رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان إن اليساريين كان بوسعهم الفوز بعدد قليل من المقاعد لو أنهم دخلوا في تحالفات.
وقال محللون ودبلوماسيون إنهم لم يندهشوا للانتصار الساحق الذي حققه الإسلاميون بسبب تنظيمهم الجيد لصفوفهم . غير أن بعضاً من المراقبين يرون أن نتيجة الانتخابات غير مقبولة لدى بعض المسؤولين النافذين في المملكة ، ويخشون التفرد الإسلامي بالانتخابات ويتخوفون من صعود التيار الشيعي، وسيبذلون جهدهم لتعديل النتيجة في الانتخابات البلدية القادمة.
آفاق ومستقبل التجربة الديمقراطية في البحرين
لعل ما يدعو إلى التفاؤل بمستقبل هذه التجربة الديمقراطية الواعدة هو ان النظام السياسي يقود مشروع الإصلاح باقتناع وإيمان كبيرين بضرورة ان يكون الإصلاح شاملا، وان تنعكس آثاره الإيجابية على كافة المواطنين ليحصدوا ثماره المختلفة في تحسين مستوى معيشتهم وتطوير نوعية الحياة التي يعيشونها في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
ذلك أن الديمقراطية السياسية لا يمكنها أن تتجذر وتزدهر إلا إذا قامت على قواعد راسخة من العدل الاجتماعي والإنماء الاقتصادي والتسامح الثقافي والفكري وهو ما يعمل المشروع الإصلاحي للملك في توجهاته المختلفة على ترسيخه.
فالملاحظ أن المشروع الإصلاحي لملك البحرين يسير في مسارات متوازية ومتضامنة تعمل على خلق البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المواتية لتجذير الممارسة الديمقراطية وهو ما يتمثل بإيجاز في الآتي:
أولا : إطلاق حرية التنظيم السياسي والنقابي، فبعد التجربة الأولية بالسماح بإنشاء جمعيات عامة تزاول النشاط السياسي، تواكبها جمعيات مهنية نقابية، فقد سمح النظام بقيام نقابات عمالية في خطوة غير مسبوقة في منطقة الخليج رافقها اعتماد الأول من مايو عيدا للعمال على نحو ما هو سائد في كثير من دول العالم وهي خطوة تاريخية تشكل مكسبا كبيرا للحركة العمالية في البحرين.
وعلى الصعيد السياسي، فقد بات من المرجح أن يتولى البرلمان الجديد البت في مسألة إنشاء أحزاب سياسية تعبر عن التيارات السياسية القائمة في المجتمع البحريني، وبذلك بات من المرجح أن تتحول الجمعيات السياسية إلى أحزاب سياسية خلال وقت قصير، الأمر الذي سيشكل نقلة نوعية كبيرة للتجربة الديمقراطية في البحرين ويعكس توجهها المتصاعد لتكريس المسار الديمقراطي.
ثانيا : الاعتراف بالدور الكبير للمرأة في الحياة السياسية، وكفلت التشريعات الدستورية الجديدة للمرأة حقوقها القانونية والدستورية في الترشيح والانتخاب على نحو غير مسبوق في منطقة الخليج، وتقود قرينة الملك سمو الشيخة سبيكة حركة نشطة وتلعب دورا بارزا في تكريس وتشجيع المرأة البحرينية على ممارسة حقوقها السياسية والدستورية، ويتوقع للمجلس الأعلى للمرأة الذي تترأسه ان يلعب دورا محوريا في النهوض بالدور السياسي والاجتماعي والمكانة الاقتصادية للمرأة خلال السنوات القادمة في ضوء الفاعلية الواضحة والملموسة لتوجهات قرينة الملك.
ثالثا: الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المتواصلة التي تقوم بها الحكومة، لتوسيع دائرة المستفيدين من عوائد عملية الإصلاح الاقتصادي عبر العمل على تقليص مظاهر البطالة وتدريب وتأهيل الباحثين عن عمل وتوفير فرص عمل لهم في القطاعات المختلفة، وإطلاق مشروع إسكاني عمراني شامل لتوفير مساكن لائقة لكل مواطن، وتمكين العائلات المحدودة الدخل من تملك أسهم في المشاريع الاقتصادية والتجارية الناجحة مثل تملك أسهم في مشروع (مجمع السيف) التجاري.
وفي موازاة ذلك، التخطيط لتطوير ميناء البحرين وبناء منطقة صناعية تجارية حرة، وفتح الباب واسعا لجذب الاستثمارات الخليجية والعربية والدولية بما يكفل تنشيط الحياة الاقتصادية وتوفير مستويات معيشة أفضل للأجيال القادمة.
رابعا: إفساح المجال لحريات واسعة في التعبير عن الرأي وكفالة حرية الرأي والرأي الآخر، وتعزيز حرية الصحافة والإبداع بما يكفل تنشيط الحركة الثقافية وتطويرها، وذلك من خلال مشروع حريات الصحافة والنشر الذي أوشك على الصدور، وسيكون وفق المؤشرات المتوافرة نقلة نوعية في حريات التعبير والصحافة بما يكفل ازدهار الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية وتعزيز مناخ الحوار وهي معطيات لازمة لإنجاح الحياة البرلمانية والتطور الديمقراطي.
إن البحرين بعد انتهاء التجربة الانتخابية واختيار أعضاء البرلمان الجديد بمجلسيه (المنتخب، والمعين) وتعديل الدستور , ومنح المرآة حق الترشيح والانتخاب , وتفعيل قوانين الإصلاح الإداري والمالي والسياسي , تكون قد بدأت مرحلة سياسية جديدة تستند إلى مبدأ المشاركة السياسية في الحياة السياسية وصنع القرار والإيمان بالخيار الديمقراطي سبيلا لصياغة المستقبل وحل المشكلات الاجتماعية والسياسية، وهو تطور تاريخي سيكفل للبحرين أن تقدم نموذجا يحتذى في المنطقة العربية في تبني الديمقراطية والشفافية سبيلا لتدعيم الاستقرار السياسي والانطلاق بخطى متناغمة في دروب النهوض الاقتصادي والحضاري.
خلاصة الفصل :
مما يدفع نحو استمرار المسيرة الديمقراطية في البحرين هو أن تلك التعديلات قد أدت إلى انفتاح القوى السياسية ليس باتجاه الدولة فحسب بل فيما بين مكونات الساحة السياسية بما يجعلها في وضع يمكنها من مواكبة تلك الإصلاحات الأمر الذي ينعكس بالإيجاب على المسيرة الديمقراطية، إلى جانب ذلك يرى المراقبون أن تلك التعديلات وعودة الحياة النيابية تحديدا ودعم المعارضة لذلك ورفضها العنف وتمسكها بالوسائل السياسية السلمية . كل ذلك يشجع نحو استمرار المناخ الديمقراطي ، بما يعني توافر الظروف الملائمة لمستقبل ديمقراطي في البحرين .
من جهة أخرى فإنه مما يزيد من مساحة التفاؤل إزاء مستقبل الديمقراطية في البحرين هو أن التعديلات الدستورية قد جاءت لتعالج قضايا ومشاكل عالقة إما من تجربة السبعينيات أو لمعالجة قضايا ومشاكل مرت بها تجارب مشابهة ، أو لمواءمة رؤية دقيقة للواقع السياسي الشعبي الحالي ، إلى جانب ذلك فإن الدستور المعدل قد شمل قضايا أخرى كثيرة ترقى به وتعالج قصورا كبيرا كان موجودا في السابق، وهذه القضايا تصب كلها في مصلحة المواطن في حفظ حقوقه، ولاشك أن مثل ذلك الأمر إنما يهيئ البنية السليمة لنمو الديمقراطية .
الخلاصة والنتائج
تناول الباحث في هذه الدراسة التجربة الديمقراطية الحديثة في البحرين والتي بدأت مع تولي الملك حمد بن عيسى مقاليد الأمور في مارس 1999م , حيث جاء الفصل الأول ليلخص تاريخ التجربة الديمقراطية والحياة السياسية خلال الفترة الممتدة من أواسط الخمسينات وحتى أواخر التسعينات , فضلا عن تناول شروط نجاح التجربة الديمقراطية في البحرين قياساً للمعايير الدارجة في أعرق الديمقراطيات الغربية , وتكريساً لطبيعة المجتمع البحريني كمجتمع عربي إسلامي خليجي يحتكم الى جملة عظيمة من القيم والثقافة الدينية والسياسية والاجتماعية .
وتناول الفصل الثاني التجربة الديمقراطية الحديثة في البحرين والتي بدأت في عام 1999م مع وعود ملك البلاد في الإصلاح والانفتاح السياسي , ومن ثم تنفيذ الوعود تدريجيا خلال الأعوام الثلاثة الماضية عبر سلسة إصلاحات وتحولات ديمقراطية جريئة , ممثلة في إصدار ميثاق عمل وطني جديد , وتعديل الدستور بآخر معاصر , وتحول نظام الحكم الى ملكي , وقيام الانتخابات النيابية والبلدية وترسيخ مفهوم المشاركة السياسية عبر قانون الحقوق السياسية , وتفعيل قوانين المحاسبة والرقابة الإدارية والمالية على موظفي القطاع الخاص , وفرض الإصلاحات القضائية والدستورية , والتي اعتبرت أمام أنظار العالم أجمع , نقلة نوعية للبحرين , نظاما وحكومة وشعباً , نحو دولة المؤسسات والقانون المعاصرة.
وأما أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة , فهي على النحو التالي :
أولا : كان عام 2001 عام التحولات السياسية المتسارعة في البحرين باتجاه الانفتاح السياسي وتبني الإصلاح نهجا للحكم على مستوى الشعار والممارسات الفعلية نحو بناء مجتمع ديمقراطي عصري ووفق رؤية شاملة ومتكاملة في تحقيق تحول سياسي وديمقراطي يعبد الطريق نحو إقامة حياة نيابية وبرلمانية قائمة على المشاركة الشعبية والعمل على بناء تجربة ديمقراطية تتبنى رؤية شاملة للإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي والدستوري.
ثانياً : مند أن افصح ملك البحرين سمو الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة عن مشروعه الإصلاحي بطرح فكرة ميثاق العمل الوطني وإخضاعه لمناقشة لجنة عليا من المثقفين والقوى والرموز السياسية والقانونية في المجتمع، ثم طرحه للنقاش على الرأي العام ومن ثم على استفتاء شعبي، نال تأييدا جماهيريا غير مسبوق (98.4%)، استطاعت البحرين هذه الجزيرة الصغيرة الوادعة في قلب الخليج العربي أن تلفت أنظار العالم العربي والعالم اجمع الى تجربتها الديمقراطية وتحولاتها السياسية ونهجها في الاتجاه الى الديمقراطية بإقامة الحياة السياسية والبرلمانية القائمة على المشاركة الشعبية واحياء العمل بالدستور الذي كان قد تم إيقاف العمل ببعض بنوده وخاصة ما يتعلق بالحياة النيابية في منتصف السبعينيات بعد تجربة برلمانية قصيرة.
ثالثاً : تستحق التجربة البحرينية في التحول الديمقراطي، وما اتصفت به من سمات خاصة ، وخطوات متسارعة ولكنها متكاملة وبناءة , أن يتم تسليط الضوء عليها، ودراستها كنموذج لتجارب التحول الديمقراطي والاصلاح السياسي في العالم العربي والدول النامية عموما .
رابعاً : ان هذه التجربة السياسية والإصلاحية ، تتسم بأن صاحب المبادرة فيها هو القيادة السياسية، فقد جاءت الخطوة الأولى في فتح الآفاق أمام جعل الإصلاحات السياسية والدستورية والديمقراطية أمرا ممكنا من قبل النظام الحاكم، وبالتحديد انطلاقا من رؤية أمير البلاد الذي أصبح ملكا بعد التعديلات الدستورية الأخيرة والذي كان وراء طرح فكرة الميثاق الوطني كسبيل لاستئناف حياة المشاركة السياسية في البحرين.
خامساً : أظهرت مبادرة القيادة السياسية نحو الانفتاح السياسي والممارسة الديمقراطية , أن الملك قد قام بإجراء دراسة مستفيضة وقراءة صحيحة للواقع السياسي والاجتماعي في البحرين ، وللظروف والمتغيرات الإقليمية والعالمية في نهاية القرن ومطلع الألفية الثالثة، أي خلال الفترة التي تولى فيها الحكم في البحرين بعد وفاة الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة عام 1999.
ويتضح من مبادرة الملك الإصلاحية انه خلص إلى أن تبني النهج الديمقراطي هو السبيل العصري لتحقيق الانفراج السياسي، وتمكين البحرين من تجاوز فترة التوتر وأحداث العنف التي شهدتها في تسعينيات القرن الماضي، في ذات الوقت وضع البحرين على طريق بناء مجتمع عصري قادر على التجاوب مع القيم والمتغيرات العالمية التي أضحت فيها الديمقراطية وحقوق الإنسان في طليعة القيم الراسخة والأسس القويمة لضمان الاستقرار وفتح الآفاق أمام التقدم والنهضة.
سادساً : كانت الإشكالية أمام القيادة الجديدة في البحرين، هي كيف السبيل لاطلاق إشارة البدء والانطلاق من نقطة جديدة تكون محل توافق سياسي عام، وتكون محلا للثقة والتجاوب الشعبي .
ومن هنا ، فقد كانت فكرة الميثاق الوطني فكرة خلاقة ومبدعة لخلق بداية جديدة في تاريخ الحياة السياسية في البحرين، يمكن من خلالها تأكيد المبادئ والقيم الأساسية التي تضمنها دستور البحرين ، وهو دستور ذو مبادئ وقيم ديمقراطية متقدمة، وفي ذات الوقت رسم مسارات المستقبل المأمول والمبادئ والأسس التي سيتم العمل بها لبناء التجربة الديمقراطية والإصلاحية الجديدة والأخذ بعين الاعتبار القيم الكبرى التي باتت تحظى بالاحترام والتقدير العالمي، وتشكل مقومات ثقافته الحقوقية والديمقراطية مثل الإعلاء من شأن سيادة القانون، والحريات العامة وحقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، وحرية الصحافة والتعبير وحماية البيئة، والتنمية المستدامة، والتنمية البشرية، والتنمية المتوازنة، والعدالة الاجتماعية.
سابعاً : اتسمت خطوات الانفتاح السياسي والتحول الديمقراطي في البحرين بجرأة القيادة السياسية والحكومة في تبني قرارات وإجراءات كان من غير المتوقع أن يتم الأقدام عليها خلال بضعة شهور من التحول الديمقراطي.
ومن ذلك، المسارعة إلى الاعتراف بحقوق المرأة السياسية والانتخابية والبرلمانية، وهو ما تضمنته مبادئ ميثاق العمل الوطني.
وتحتل هذه الخطوة أهميتها في ضوء مقارنة ذلك بأوضاع حقوق المرأة السياسية في منطقة الخليج العربي، أي في المحيط الإقليمي ، حيث لم تتمكن المرأة في اعرق تجربة ديمقراطية في الخليج أي في الكويت من نيل حقوقها السياسية والانتخابية رغم تبني أمير الكويت ذاته لهذه الحقوق وإصداره مرسوما اميريا بإقرارها .
وواكب ذلك العمل، على تشكيل مجلس أعلى للمرأة يتولى النهوض بحقوق المرأة ومعالجة مشكلاتها، وتترأسه سمو قرينة ملك البحرين بما يعكس الدور الكبير الذي توليه القيادة والدولة للارتقاء بمكانة المرأة في البحرين وجعلها عنصرا فاعلا على قدم المساواة مع الرجل في الحياة السياسية والنيابية والاجتماعية والاقتصادية.
ثامناً : إن تجربة التحول الديمقراطي في البحرين، قد كانت واعية منذ البداية الى ان الديمقراطية السياسية لا تكتمل ولا يكتب لها الاستقرار والنجاح ما لم تكن مستندة إلى قاعدة قوية وراسخة من الديمقراطية الاجتماعية.
ومن هنا ، رأينا المبادرات المتلاحقة لمعالجة المشكلات الاجتماعية وفي طليعتها البطالة، والتصدي لمعالجتها عبر خطط وبرامج شاملة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والعمراني.
ومن ذلك وضع برنامج شامل لإعادة التأهيل والتدريب للباحثين عن عمل، ومنحهم مساعدات مالية خلال فترة التدريب، ومنح العاطلين بدل بطالة على غرار ما يحدث في المجتمعات الديمقراطية الغربية، وهو توجه غير مسبوق في المجتمعات العربية.
ومن هنا، فإن العمل على بناء حياة سياسية قائمة على المشاركة البرلمانية، يواكبه عمل بالغ الأهمية للقضاء على البطالة وإيجاد فرصة عمل مواتية لكل مواطن قادر على العمل لتحقيق مبدأ المشاركة في الاستفادة من ثروات المجتمع ونيل الحق في حياة كريمة.
الأمر الذي يعكس قناعة القيادة السياسية البحرينية بالقيم التي اقرها ميثاق الحقوق المدنية والاجتماعية للأمم المتحدة، الذي اعتبر توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن من الحقوق الثابتة للإنسان ، وأنها مفتاح بناء حياة سياسية وديمقراطية مستقرة في أي مجتمع.
والملاحظ في تجربة التحول الديمقراطي في البحرين، ان المبادرات والقرارات الإصلاحية للملك والقيادة كثيرا ما تفوق وتسبق حتى مطالب القوى السياسية والاجتماعية، حتى أن بعض رموز هذه القوى السياسية قد اعترف بأن النهج الإصلاحي للملك قد اربك هذه القوى وفاعليتها السياسية لأنها لا تستطيع المزايدة عليه، بل أنها لم تكن تتوقع سرعة إقدام القيادة السياسية على تبني هذه الخطوات الإصلاحية الجذرية.
تاسعاً : رغم الظروف المناسبة للمسيرة الديمقراطية في البحرين فإن بعض المحللين يرصدون مجموعة من الشروط الأخرى اللازمة من أجل سلامة المسيرة البحرينية ومن أجل الحفاظ على التجربة وحمايتها من الإخفاقات وأهم هذه الشروط ما يلي:
1ـ عدم القفز السريع والذهاب بالبحرين إلى أعلى نقطة في المنظومة الديمقراطية ، بمعنى أنه يجب قبول التدرج المتواصل في سبيل بلوغ تلك المنزلة.
2 ـ صياغة إجماع وطني شعبي تلتف حوله جموع الشعب ولاسيما المعارضة ، وهو أمر لا مفر منه لنجاح مشروع الديمقراطية، ويمكن الاستفادة في هذا الشأن من تجربة الكويت التي لها خصائصها أبرزها التلاحم والإجماع على الثوابت التي من أهمها الحفاظ على النظام السياسي الذي يحتمي به ويدافع عنه الجميع ولا يشكل جدلا أو خلافا.
3 ـ يجب أن يتقبل النظام الانتقادات أو المواجهات التي قد يتعرض لها، وعليه أن يستوعبها ويروضها، وإذا كان النظام الكويتي قد استوعب الصدمات بسبب فضيلة السماحة فإن النظام في البحرين مطلوب منه أكثر في هذه الفترة أن يوسع مساحة هذه السماحة التي هي من أبرز حراس التجربة في هذه المرحلة.
4 ـ أن تتزامن الإصلاحات السياسية مع إصلاحات أخرى اجتماعية من قبيل تحقيق العدل الاجتماعي والتوزيع العادل للمغانم والمغارم على الطبقات الاجتماعية من أجل تضييق التفاوتات ، كما يجب أيضا محاربة الفساد ومكافحته حتى لا يفسد المسيرة الديمقراطية ، كما يلفت أصحاب هذا الطرح النظر إلى ضرورة الانتباه إلى أن أي اتجاه تجزيئي أو انعزالي يعتدي على الهوية والشخصية الثقافية لمملكة البحرين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية