الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ضحايا الاستبداد.
رائد الدبس
2011 / 3 / 19مواضيع وابحاث سياسية
ضحايا الاستبداد./ رائد الدبس
ربما يكون مفيداً في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا العربي الحديث، أن نفكر بضحايا الاستبداد. وأن نقوم بمزيد من الدراسات والأبحاث المعمّقة في هذا المجال، باعتباره يشمل من الناحية النظرية والعملية نوعين من الضحايا : الإنسان وكافة القضايا المرتبطة به . فالإنسان هو أول ضحايا الاستبداد وظلمه وإجرامه وتشوهاته، ثم تأتي القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. وعندما يعمّ ويطول أمد الاستبداد لقرون وعقود طويلة، تتشابك وتتعقد الروابط بين كل أنواع الضحايا، ابتداءً من الإنسان وانتهاءً بأصغر وأبسط القضايا والأفكار، إلى درجة يصعب تفكيكها أو فصلها عن بعضها، وإلى درجة يصعب معها تخيّل حجم الناجين من آثاره وتشوهاته، إن كان هنالك من ناجين أصلاً. ضمن هذه الرؤية للاستبداد، يكون أول الضحايا وهو الإنسان، حاضراً في جوهر كل القضايا- الضحايا.
واحدة من أكبر ضحايا قرون وعقود الاستبداد في العالم العربي، هي فكرة المواطنة، التي طالما عملت أنظمة الاستبداد على تغييبها من العقول والوجدان والتشريعات، عبر اللعب بأوراق التفرقة الإثنية والقُطرية والطائفية والمذهبية والقَبَلية والجهوية. فهذا مشرقي وذاك مغربي، وهذا قبطي وذاك أمازيغي أو أرمني أو شركسي، وذاك مسيحي وهذا مسلم سنّي أو شيعي أو درزي وغير ذلك. وكل هذه الهويات يُفتَرَض أن تشكل عامل ثراء وتكامل، في مجتمعات تسمو فيها وتسود فكرة المواطنة.
لكن أنظمة الاستبداد لا يمكنها أن تنظر لهذا التنوع بوصفه عامل ثراء وتكامل، بل كعامل تفرقة وتصادم وإفقار معرفيّ. لذا فقد أجّجت وأصّلت عقلية الإقصاء وروح العداء المصطنع، بين كافة الهويات المتنوعة ضمن إطار المجتمع الواحد، وبين كافة المجتمعات العربية. وبنتيجة ذلك التأصيل المصطنع، خلقت حالات مزمنة ومستعصية من التنافس غير المنطقي لهذه الهويات الجمعية والفردية فيما بينها، كما جعلت مفاهيم الأخوّة والصداقة والتضامن البشري الفطري والطبيعي تبدو شاذة وغريبة، بل مشكوكاً في أمرها ونواياها. كما شوّهت قيماً أخرى مثل الكرامة والانتماء الوطني والحرية والعدالة والتقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وكرّست كل أشكال التخلف دون استثناء.
ضمن هذا التنوع الاستبدادي، تمّ خلط كل المفاهيم الكبرى ببعضها، أو استبدالها برموز لا تشبهها. فمفهوم الدولة الحديثة الذي لم تعرفه شعوبنا العربية حتى اليوم، جرت الاستعاضة عنه بشعارات "حداثية" جوفاء زائفة، كانت تصاغ خلال القرون والعقود الماضية، ضمن سياقات تصادمية مع مخاطر أو فزّاعات مصطنعة ومزعومة. وفكرة المجتمع المدني جرى استبدالها بترييف المدن ونقل روح القبيلة إليها، ومحاولات تزييف مجتمع القرية، ولا بأس من بعض مؤسسات محلية وأجنبية تعمل تحت يافطة المجتمع المدني. أما فكرة الأمن القومي والوطني، فقد جرى استبدالها وخلطها بفكرة أمن النظام. وفكرة التنمية المستدامة الحقيقية، جرى استبدالها بفكرة الاستقرار والأمن الاقتصادي الزائف، القائم على التبعية الاقتصادية شبه المطلقة للخارج، في ظل ثراء وتنوع هائل في الموارد الطبيعية والبشرية، قلّ نظيره في هذا العالم. كما جرى تكريس أنماط فريدة من التخلف الاقتصادي والاجتماعي والمعرفي. أما فكرة الديمقراطية فقد جرى استبدالها بالشورى حيناً، وبالانقلابات السوداء والبيضاء، أو الانتخابات المزيفة غالباً. ولم تتمكن شعوبنا العربية من بناء نظام ديمقراطي حقيقي حتى اليوم. لكن الأسوأ من ذلك، هو أن ثقافة الديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية والثقافية، واحترام الرأي والرأي الآخر،واحترام الحق بالمعرفة وحرية التعبير وحقوق الإنسان، جرى خنقها وإضعافها إلى درجات مذهلة وخطيرة جداً. وإلى درجة ينطبق عليها تماماً قول شاعرنا الكبير محمود درويش على لسان الملك أوديب:
ما حاجتي للمعرفهْ؟
لم ينجُ منِّي طائرٌ أو ساحرٌ أو امرأة.
العرش خاتمةُ المطافِ، ولا ضفافَ لقُوَّتي،
ومشيئتي قَدَرٌ. صنعتُ أُلوهتي بيدي،
وآلهةُ القطيع مُزَيَّفةْ.
ما حاجتي للمعرفة؟
ضمن كل هذا الطوفان الهائل من الاستبداد الذي جرف عالمنا العربي لقرون وعقود طويلة، نشأت قضية فلسطين، كواحدة من أكبر ضحايا الاستبداد المتخاذل أمام الخطر الخارجي على عالمنا العربي. وفي ظل قمع حريات الشعوب العربية، كان الشعار الذي ترفعه الأنظمة العربية على الدوام، أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية، وقد تنافست على رفع ذلك الشعار، الأنظمة التي كانت توصف بالرجعية، مع تلك التي توصف بالثورية أو الممانعة. وعلى امتداد عقود طويلة، بقيت كل هذه الشعارات بالنسبة للأنظمة العربية، تعمل كوصفة ممتازة تُستَخدَم لشرعنة الاستبداد الداخلي، وحرمان فلسطين من الدعم السياسي الحقيقي والفعال. وبقي المواطن العربي محروماً من المشاركة في الحياة السياسية، ومحروماً من التنمية والعدالة الاجتماعية.
أخيراً، إذا عدنا إلى الإنسان، كأول ضحية من ضحايا الاستبداد. في كتابٍ ربما لا يقل أهمية عن كتاب "طبائع الاستبداد" للكواكبي، كتب الدكتور مصطفى حجازي قبل عقدين من الزمن، كتاباً بعنوان: التخلف الاجتماعي- مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور. ومثلما لم يحظَ كتاب طبائع الاستبداد بما يستحقه من الدراسة في بلادنا العربية، فقد جرت دراسة هذا الكتاب ضمن حلقات ضيقة من الباحثين والنخب والثقافية العربية. ولعل قيمته الرئيسية، تكمن في أنه طرح مقاربة منهجية لدراسة نفسيّة الإنسان المتخلف، بمختلف خصائصه الوجودية، كضحية من ضحايا الاستبداد والقمع..ضمن منهجية تظهر تلك الخصائص الوجودية على تنوعها وتشتتها، وعلى تجانسها وتناقضاتها، وبما تشكله في الوعي وفي اللاوعي، من شخصية الإنسان المقهور. فلعل هذه الثورات التي تطيح بأنظمة الاستبداد كأحجار الدومينو الآن، ستعيد الاعتبار لهذا النوع من الدراسات التي تهتم بالضحايا أولاً وقبل كل شيء، وعلى رأسهم الإنسان ثم ثقافة الديمقراطية وفكرة المواطَنَة الحرة، وباقي القضايا الكبرى والصغرى، وما أكثرها وما أثخن جراحها !!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الحملة الانتخابية لبايدن تجمع أموال أكثر من حملة ترامب |#امي
.. 33 قتيلا من المدنيين والعسكريين بينهم 5 من عناصر حزب الله ال
.. فيديوهات متداولة على منصات فلسطينية لاقتحام منطقة جبل النصر
.. حرب غزة.. محادثات مبكرة لتمويل مهمة قوات حفظ سلام في القطاع
.. هل فقدت الشهادة الجامعية أهميتها؟ |#رمضان_اليوم