الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح المصري في السبعينيات وقضايا الانفتاح الاقتصادي .

أحمد صقر

2011 / 3 / 21
الادب والفن


المسرح المصرى فى السبعينيات
وقضايا الإنفتاح الاقتصادي
الأستاذ الدكتور/ أحمد صقر- جامعة الإسكندرية
-------------------------------------------

هناك اعتقاد خاطئ ولكنه فى حكم اليقين الآن لكثرة ترديده، وهو أن المسرح المصرى فى السبعينات لم يكن له وجود، ويزيد الأمر صعوبة أن عقد السبعينات خاصة عرف فى مصر على أنه عقد الهزائم الكبرى، إذ أعقب حرب أكتوبر٧٣ مباشرة بركان الإنفتاح وصلح إسرائيل.
يضاف إلى هذا كله أن مصر كانت تعانى، ليس فقط من جملة التحولات السياسية والاجتماعية المتردية، ولكن أيضا من وجه المسرح التجارى الردئ الذى كان يعلب دورا مناقضا لدور المسرح ورسالته الإيجابية، مما دعم هذا الإعتقاد الخاطئ بعدم وجود مسرح فى مصر.

- - - - - - - - -

برغم ما ساد فترة السبعينات من تردى وسوقية ظهر كُتًاب دراميون، مثل دكتور "محمد عنانى" ، "سمير سرحان"، "عبد العزيز حمودة"، "فوزى فهمى".
وتميزت فترة السبعينات بحدة التفاوت الاجتماعى نتيجة لتبنى مصر سياسة الإنفتاح الإقتصادى عام ١٩٧٤.
وعلى مستوى البناء السياسى، فثمًة تحول طرأ على القيادة السياسية لحكم "أنور السادات"، وحدث أن تم إدخال أفكار تتعلق بالحياة الديموقراطية فى البلاد، ورفع شعارات سيادة القانون ودولة المؤسسات إلى غير ذلك، وانعكس هذا كله على كل مظاهر الحياة الثقافية، بما فيها المسرح بالطبع، وأغلقت المؤسسات الثقافية الرسمية مسارحها .
وكان للدولة دور أساسى وراء أزمة المسرح الذى عرفت منذ السبعينات فالدولة لم تعتمد إعانة كافية للمسرح الجاد، وامتد شبح الرقابة إلى مؤسسة المسرح بوصفها جهازا ثقافيا وفكريا، فراقبت الأعمال الفنية فى تشدد وبدأت فى المصادرة والمنع، وتمنع أسماء معينة من الكتابة للمسرح، فبدأنا نقرأ فى شوارع السبعينات أسماء كثيرة لمسرحيات تجارية من أمثال "اللعب على المكشوف"، "ياحلوة ماتلعبيش بالكبريت"، وإستهلاك قدرات كوميديا رفيعا فى أعمال مبتذلة من أمثال "هاللو دوللى".
والشئ المؤكد هنا أن الدولة بمؤسساتها السياسية والثقافية كانت وراء تردى المسرح، ونتيجة لتضييق الرقابة على المسرح بدأ الكتاب يصوغون إنتاجهم وإحتجاجهم فى شكل رمزى، فتحولت الأعمال الفنية إلى ما يشبه الألغاز التى تتطلب الحلول، وكأن الغرض من هذه الأعمال هو الهروب من الدلالة المباشرة والهروب من الإلتزام بفكرة لإعطاء دلالة تفيد توصيلها بغير هذا الأسلوب.

بالنسبة للكاتب "محمد عنانى" فقد كتب مسرحية سميت "حلاوة" وكانت تتهكم على المجتمعات الشمولية، فعارضتها الرقابة لفترة طويلة ما بين عامى ٧٧- ٨٨ على أنها قضية ضد النظام.
وعن ظاهرة الإنفتاح نجد نفس الكاتب يكتب "المجاذيب" من خلال "أبو صباع" رمز الإستغلال الجشع .

ونجد أن الكاتب "فوزى فهمى" قد تعرض لفكرة ملحة مثل "أصول الحكم" فكتب: "الفارس والأسيرة" فى نهاية السبعينات، فى الفترة التى كان "أنور السادات" فيها يحاول أن يصنع السلام مع إسرائيل فى معاهدة صلح، فإن قضية حكم الفرد كانت إلى جانب قضية تكريس السلام هى أهم القضايا التى أفرد لها المؤلف خيطا ملموسا، وبالرغم من أن النص كان يدعوا للسلام فإنه لم يقدم خيوطا تتحدث عن الحاكم وديكتاتوريته وحرية الناس.

أما الدكتور "عبد العزيز حمودة" فكانت قضية العلاقة بين الحاكم والمحكوم هى قضيته المفضلة، ويظهر هذا فى مسرحيته "الناس فى طيبة"، ويؤكد فيها على أن تعيين أى زعيم لابد أن يأتى بالإنتخاب، أى بالأسلوب الديموقراطى.
وثمًة ملاحظة هنا لابد من الإشارة إليها والتنويه عنها، ألا وهى أن الظاهرة الدرامية فى السبعينات إختلفت عن الظاهرة الدرامية فى الستينات من حيث التوجهات السياسية، ففى الوقت الذى كان فيه جيل الستينات يهتم كثيرا بنقد النظام ومواكبة تجربته الإشتراكية من الداخل فيكتب "عبد الرحمن الشرقاوى" هجوما عنيفا فى مسرحيته "الفتى مهران" على نظام الحكم السائد آنذاك، نجد العكس فى جيل السبعينات.
أما كتاب السبعينات فجاءت كتاباتهم من الخارج، بمعنى أنهم فى كتابتهم التى احتوت على إسقاطات سياسية جادة لم ينطلقوا من تحت مظلة النظام وإنما من طبيعة نظرة الفنان من الخارج، وبهذا لم يوجهوا انتقاضا عنيفا مباشرا للنظام.
ويرجع هذا لطبيعة العصر وطبيعة وجودهم ككتاب جاءوا فى فترة زمنية معينة، كانت تبذل الجهود الرسمية لتضييق الخناق على المثقفين، ففى الوقت الذى غلبت فيه الرؤية الاجتماعية والوطنية فى الستينات، غلبت فية الرؤيا السياسية فى السبعينات، وإذا كان جيل الستينات مهموما فى المقام الأول بالتجربة الناصرية من حيث أنها تجربة سياسية فريدة- يمثل البعد الاجتماعى أحد أبعادها- نلاحظ أن جيل السبعينات على النقيد، حيث أنه قد ركز جهودة على "قضية الديموقراطية".
فكانت أكثر القضايا التى أولاها جيل السبعينات هى قضية الحرية السياسية وكرامة الإنسان المصرى فى مجتمع يفتقر إلى التقاليد الطبيعية للعلاقة بين الحاكم والمحكوم.

أما ملامح جيل السبعينات كلها فيمكن أن نتبينها من خلال نص ينتمى إلى المسرح السياسى، وهو نص رجع كاتبة "محمد عنانى" إلى التراث ليصوغ أفكاره من خلاله، شأنه فى ذلك كتاب كل المسرحيات فى السبعينات ومن قبلها الستينات أيضا.
هذا النص هو "الغربان"، واعتمد هذا النص على عصر المماليك، وهو العصر الذى زاد فيه طغيان هذه الطبقة إلى درجة اغتصاب الدواب وانتزاع الكثير من الأقوات من أصحابها فضلا عن حالات الغلاء والأوبئة ونقص مياة النيل، وقد كان من الطبيعى أن يتجة الناس فى هذا المناخ المظلم إلى الدين (الدروشة) بمعنى أصح، وفى هذا العصر المتوتر حاول الكاتب الإفادة من بعض الخطوط الرئيسية ومحاولة توظيفها فى نسيج الدراما فى عصره، لقد حاول الكاتب أن يعبر عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم فى هذا النص.
وقضية الحكم تظل هى القضية المحورية منذ السبعينات، فالحاكم هنا يسعى لتوزيع الأرض على هيئة إقطاعات فى وقت دون أن يكون لأهل البلاد المصريين نصيب فيها.
ولأن الحاكم غير عادل فهو يفتقد إلى هذه الشرعية التى يمنحه إياها العدل والمساواة، ومن ثم لا يسلم الفلاحون إليه القمح، وخلال الصراع بين الحاكم والمحكوم يتطور مفهوم (الغربان).
ولأن قضية الحاكم هى قضية سياسية، فهى بالتبعية ترتبط بالقضية الاجتماعية، وبالتحديد بأهم شرائح المجتمع (المرأة) فقضية كرامة الإنسان لا تكون عند الرجل فقط وإنما تجاوزة إلى المرأة أيضا، فالمرأة فى هذا العصر هى شديدة التخلف بفعل عوامل كثيرة، فنراها راضية تماما بما هى فيه وراضية بأن تكون دائما تابعا للرجل.
والنص هنا يريد أن يؤكد على أن هذه المرأة التى يراد لها الخروج من مجتمع (الجارية) لاتريد هى ذلك، فهى لاتريد التحرر أبدا وإنما تستعذب الأسر وتحرص عليه .
ليس هناك شك فى أن فترة إنحسار المسرح المصرى تبدأ منذ عام ٦٧، ورغم أن عصر التوهج الوطنى بدأ فى أكتوبر ٧٣ فإنه لم يستمر كثيرا، إذ عاد رد فعل هزيمة ٦٧ ليجد إمتدادات كثيرة له ممثلة فى صلح (كامب ديفيد) وبركان زمن الإنفتاح، إلى غير ذلك من السلبيات التى وجدت إنعكاسا لها فى أكثر المجالات حساسية وإستجابة للأحداث، وهو مجال المسرح.
ويلاحظ أن بعض النصوص التى كتبت فى فترة السبعينات قد اتخذت موقفا من الشعب، وهو موقف اللوم وإلقاء المسئولية عليه، وربما أيضا التقليل من شأنه.
ويظهر هذا بوضوح منذ أول أعمال "عبد العزيز حمودة"، حين رأى "الناس فى طيبة" طيبين يقتربون من السذاجة ويجبرون على الخوف ولا يخيرون فى أن يظلو متفرجين على ما يحدث من الصراع على السلطة حولهم كأنه لايعنيهم شئ مما يدور، وبالتالى أصبحوا سلبيين فيما يخص حياتهم نفسها.

نصر أكتوبر فى المسرح المصرى:-

أما بالنسبة لأبرز أحداث فترة السبعينات وهو بدون شك (إنتصار أكتوبر)، فنجد أنه على الرغم من أهميته إلا أن الأعمال التى تناولته إنما تناولته كحدث عادة يحدث من خلال حدث اجتماعى آخر فيعرض مثلا الكاتب لحياة جندى شارك فى حرب التحرير وعلاقته لمجتمعه ومن حوله، فكان الحديث عن نصر أكتوبر عابرا- كما ذكرت من قبل.
ومن ناحية أخرى لم نجد كاتبا واحدا عرض لسلبيات حرب أكتوبر ونتائجها سواء سلبا أم إيجابا بطريقة موضوعية تنهض على وجهة نظر سليمة ومعقولة، اللهم إلا القليل جدا.
وإذا تناولنا إحدى المسرحيات التى تناولت حرب أكتوبر نجد أنه على سبيل المثال أن الكاتب "سعد الدين وهبه" كتب مسرحية "رأس العش" وهى من الأعمال التى تنتمى للمسرح السياسى.
والإطار العام لهذه المسرحية هو انتصار المصريين فى حرب ٧٣ وأثر هذا الإنتصار على الواقع المصرى، وداخل هذا الاطار أطل الكاتب على الواقع السياسى والاجتماعى للمجتمع المصرى من خلال قرية مصرية قريبة من مواقع المعركة.
إعتمدت المسرحية على جو المناقشة التى طرحت مشكلة الصراع العربى الإسرائيلى منذ حرب ٤٨ ومرورا بحرب ٥٦ وحرب٦٧، وأخيرا حرب ٧٣ وناقش المؤلف أسباب هزيمة العرب فى هذه الحروب التى ساندت فيها القوى الاستعمارية إسرائيل، كما ساعدهم على هذا عدم استعداد العرب بالقدر الكافى وعدم تكافؤ الفرص بين القوتين المتحاربتين وسلبية الواقع السياسي العربى ثم كيف تحقق النصرعندما اعتمد المصريون على قوتهم الخاصة وإستعدوا للمعركة بالقدر الكافى، وهكذا كان الإنتصار العسكرى عام ٧٣ إيذانا بالتغير الاجتماعى والسياسى الذى طرأ على الواقع المصرى.
لقد بدأ عهد جديد تستقبله الشخصيات بتحولها الجديد، فالفلاحون فى القرية ثاروا على سلبيتهم وتخاذلهم وشرعوا فى العمل الإيجابى، وكانت البداية وقوفهم فى وجه "جمعة" أمين الجمعية ورفضهم لما عودهم عليه حين كان يجمع أختامهم ويوزع عليهم الأسمدة كما يحلوا له بعد أن يستقطع لنفسه حصة إجبارية يأخذها إتاوة من الفلاحين، ثم إتجاههم إلى ردم الترعة لإصلاح الأرض وإستغلالها فى الزراعة من ناحية، وليقضوا على الأوبئة التى تسببها لهم من ناحية أخرى، وتنهض معهم "فتحية" الشابة الجميلة تستنشق عطر الإنتصار، رافضة أن تستجيب لوالدها الذى أراد أن يرسم حياتها كما يحلو له.
ويعود "كمال" إلى وعيه الذى فقده طوال السنوات الست السابقة عقب عودته من الأسر الإسرائيلى فاقدا للذاكرة فيقول لـ"آمنه" التى تزوجها فى "رأس العش" عقب عودته من حرب ١٩٦٧:

أنا مكنتش تايه يا آمنه، أنا كنت ناسى، وساعة ما طلعت الشمس واختفى الشبح، ماخفش من إنى أفتكره، علشان كده ذاكرتى رجعتلى على طول .

لقد أعاد الإنتصار الثقة إلى النفوس فنهضت تؤمن الحدود وتبنى فى الداخل، وهكذا لم تقتصر المسرحية على تقديم الواقع السياسيى وأثرة على الواقع الاجتماعى، وإنما تخطت ذلك إلى محاولة توجيه المجتمع نحو التغير.

على جانب آخر نجد "نعمان عاشور" ينجو فى اتجاه آخر لظروف السبعينات، مركزا على الإنفتاح كنتيجة للحرب، ففى مسرحية "برج المدابغط حرك "نعمان عاشور" شخصياته فى جو الحالة العامة التى عاشها المجتمع فى فترة الإنفتاح الإقتصادى، فقدم شخصيات تتصارع من أجل المكاسب المادية دون مراعاة لقيم دينية أو أخلاقية.
شخصيات تمثل الإنتهازية والتطلعات الرأسمالية، يجدها "عصام" الابن الكافر بكل القوانين الأخلاقية والدينية فقانونه الوحيد هو تحقيق الربح السريع، و"مدام دولت" صاحبة الشقة المفروشة فى عمارة "الشيخ فاضل سلامة" أو "سلامة بيه" فى زمن (الإنفتاح).
وتقابل شخصيات الإنفتاح الجديد شخصيات أخرى تبحث عن المكاسب الإجتماعية والإقتصادية التى يمكن أن يحققها هذا الإنفتاح، وتقف بالمرصاد لكل تحركات المستغلين الإنتهازيين، كما نرى فى شخصية "هشام" البطل الذى حارب وحقق النصر فى أكتوبر ٧٣ ودفع ثمن الإنتصار ساقا مبتورة ومقعدا للمعوقين، وهكذا أوجد "نعمان عاشور" حالة من الصراع بين فساد الإنتهازية المستغلة المستقلة وبين تحقيق العدالة الإجتماعية والإقتصادية .
هكذا نجد أن ٍحرب أكتوبر قد اشعلت جبهة الأدباء والفنانين العرب حماسة وإنفعال، فجاءت أعمالهم عفوية إنفعالية مليئة بالإنطباعات وردود الفعل السريعة وليس بالإبداعات الأدبية الفنية، لذا غابت الأعمال المسرحية الكبيرة عن الساحة الفنية فى تلك الفترة ما عدا- وكما ذكرت من قبل- بعض الأعمال التى أقتربت بعض الشئ من واقع تلك الفترة كما فى "رأس العشط لـ"سعد الدين وهبه"، "برج المدابغ" لـ"نعمان عاشور".

أكتوبر من وجهة نظر كوميدية سوداء:-

أما إذا بحثنا عن اتجاة آخر لمعالجة حرب أكتوبر، فنجد أنه على سبيل المثال كان هناك الكاتب "على سالم" الذى قدم مسرحية "عملية نوح" والتى يقدم فيها رؤيته لحرب أكتوبر من خلال مزيج يجمع بين المأساة والملهاة والواقع والخيال، ليصور العبور فى النهاية كحل لامفر منه لإنقاذ مصر من الإنهيار وبنائها من جديد، ولقد كتبها بعد النصر بعام واحد، ولذلك اعتبرها إحدى الأعمال التى استوفت حقوقها من الكتابة ومن التعبير عن الحرب بشكل جيد.
ويجسد "على سالم" رؤيته فى البداية- للهزيمة- وفى أسبابها وحلها، أما الحدث الرئيسى الذى يسيطر على المسرحية فهو الخطر المحدق بمصر والذى يهددها بالغرق من خلال رمز بسيط شفاف عن حدوث إنفجارات تحدث تشققات فى قاع البحر وتتحول إلى أخدود صغير يأكل شواطئ الدلتا ويتسع ليهدد مصر كلها بالغرق، تلك القضية المحورية تجسدها شخصيات المسرحية ومواقفها وأحداثها بذكاء وتركيز.
فـ"على سالم" يبلور من خلال المسرحية رؤيته الكوميدية السوداء للهزيمة وطرق الخروج منها، وتصور الشخصيات وهى أنماط فكرية ونماذج إجتماعية تجسد فكرته ورؤيتة، فجاءت كنماذج للإسقاط السياسى والشخصيات الجامدة عند مواقفها.
ويجمع "على سالم" بين الواقع والأسطورة باستخدام قصة سيدنا نوح وطريقته فى الخلاص من الطوفان عن طريق تجميع النماذج الممثلة للعقل المصرى والخبرة المصرية وحشد أهل الصفوة فى ثلاث سفن كبيرة على أن تتقدمهم إلى البحر سفينة نوح للأبحاث لتنذر السفن الثلاث باقتراب الطوفان، فتخرج بهم من مصر المهددة كلها بالغرق حتما تحت مياة الطوفان، ولا يمكن إنقاذها بل يجرى إنقاذ هؤلاء الصفوة أو روح مصر، ثم تتم إعادتهم إلى الصحراء المصرية ليبنوا مصر الجديدة، وتطلب من المسئولين- والذين يرمز لهم الكاتب للبيروقراطية- البدء فى تطبيق الخطة وحصد كل الكفاءات الفكرية والفنية والمهنية، فتنقذة هذه الكفاءات بينما يظل الشعب معمى عن حقيقة الطوفان القادم لإغراقه، هذه هى ذروة المأساة التى يقدمها "على سالم" ويرمز بها لحالة (اللا حرب) و(اللا سلم) التى سيطرت على مصر بعد هزيمة يونيو ٦٧.
وفى "عملية نوح" يعرض "على سالم" رؤيته لمغزى حرب أكتوبر ومعنى العبور، ولكن يعرض أيضا رؤيته البيروقراطية السياسية التى ترفض الحرب وتصر على الهرب من مواجهة الصدام الحتمى فى الخطة الرمزية المضادة المسماة بـ"عملية نوح" .

ومن أبرز ما كتب عن حرب أكتوبر نجد مسرحية "رسول قرية تميرة" للكاتب "محمود دياب" والتى كتبت عام ١٩٧٥- للإستفهام عن مسألة الحرب والسلام بواقعية قوية الإيحاء، وبمزج شديد المهارة بين العام والخاص، وبين المفهوم السياسى والاجتماعى لحرب أكتوبر، وبالكوميديا الراقية النابعة من مواقف المسرحية.
وقرية "تميرة" ترمز لمصر، والشخصيات معظمها فلاحين بسطاء وفقراء وشباب أقوياء وهم المشاركين فى الحرب.
أما الشخصية الممثلة للعدوان فى القرية فهى شخصية الثرى "الحاج دسوقى" الذى ينتهز فرصة غياب ابن أخيه "فكرى" المحارب فى حرب أكتوبر لاغتصاب أرضه، ويمتزج عدوان "الحاج دسوقى" على الأرض بترويجه لإشاعات العدو عن سقوط مدينتى "السويس" و"الإسماعيلية"، فلا ينفصل العدوان الإجتماعى الداخلى عن العدوان السياسى الخارجى، وتتجسد مشكلة الأرض الخاصة والعامة: أرض القرية وأرض الوطن فى أزمة العدوان الداخى والخارجى، فيتداخل الخاص بالعام وينبع العام من الخاص.
كما تنفرد الشخصيات بسمات واقعية متميزة وحية، وتعبر عن نفسها فى حوار المسرحية.
وفى النهاية نجد إستشهاد "فكرى" ابن القرية المقاتل وتصميم القرية كلها على مواصلة النضال ومنع العدوان الداخلى والخارجى على الأرض والوطن.
كذلك كتب الناقض "فؤاد دوارة" أول عمل مسرحى لعام ١٩٧٦ وهو "العبور" ليصور فيها وبدقة مرحلة ما قبل العبور من حرب الإستنزاف وعبور القوات الخاصة إلى تصوير المجتمع المصرى وإنتظارالشعب والجيش للخلاص من عار الهزيمة وأثرها والعبور نحو التحرير .

هكاذا أستنتج أن الأعمال التي قدمت وجهة نظر ممتازة وصحيحة، بعد عام الإنتصاربالتحديد، كانت أنضج فنيٱ وأدبيا مما قدم بعد الإنتصار وفي نفس العام، حيث أنه كانت كلها تقريبٱ ردود فعل سريعة ووقتية لم تنظر لأبعد من ذلك ولم تتمعن في أثار هذه الحرب ونتائجها بنظرة مستقبلية تطلعية ذات إدراك وفهم واعي ومنطقي.

ثمة ظاهرة أخرى نلمحها فى مسرح السبعينات وهى أن فى هذه الفترة حلت تجارب مسرحية جديدة محل الدراما الواقعية، فاقتربت هذه التجارب من المسرح التعبيرى، على سبيل المثال عند "عبد الغفار مكاوى" كمسرحية "زائر من الجنة".
واقتربت بعض التجارب من المسرح التسجيلى والملحمى عند "نجيب سرور"، "وشوقى عبد الكريم"، و"رشاد رشدى" فى مسرحية "بلدى يا بلدى".
واقتربت بعض التجارب الأخرى من مسرح العبث والتجريب الرمزى عند "السيد حافظ" و"رأفت الدويدى" و"محمد سلماوى" (العبث).
فتولدت تجارب جديدة فى هذه الفترة تماشت والوضع السياسي والإجتماعى وقتذاك، فنجد أن ثلاثية "نجيب سرور" "ياسين وبهية"- "أة ياليل ياقمر"- "قولوا لعين الشمس" قد ظهرت فيها ثمة الملحمية بوضوح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا