الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجرد لعبة

ميثم سلمان
كاتب

(Maitham Salman)

2011 / 3 / 22
الادب والفن


قصة قصيرة

أعشق لعبة تقمص الشخصيات. لعبتها مرارا مع أمي. غالبا ما أقلد شخصية الأب. أمسك حزاما أو مغرفة وأضرب أمي. أحيانا أقلد شخصية الشرطي، أربط يديها ثم أضربها. لا تحب هذه اللعبة لما فيها من عنف لكني كنت أبكي إن رفضت، فتنصاع لرغبتي.
طلبتُ من أبي مرة مشاركتنا هذه اللعبة. مانع كعادته وسخر من طلبي. يكره أي شيء يبعث على المتعة. مكفهر وغاضب على الدوام. لا أتذكر وجهه إلا والسخط يعلوه. صرخ: "تعالي يا امرأة خذيه. أريد متابعة الأخبار".
بكيت، فألحت عليه أمي. وافق كي يوقف صراخي. جر خطواته متبرما، أدى دور السجين صامتا والتذمر واضح على محياه. بكيت ثانية لانزعاجي من عدم إتقانه الدور. رضخ تحت وطأة بكائي وراح يمارس اللعبة ببراعة أكثر.
تأفف قائلا: "أفوض أمري إلى الله".
كان دوري هو الضابط المحقق وأمي الشرطي. أمرتها بربطه جيدا إلى الكرسي. جاءت بحبل طويل ولفته بإتقان، ساقيه ثم جزءه العلوي. استغرب لهذا الربط المحكم لكنه استجاب إلى رغبتها خانعا، ليتجنب صراخي.
كنت أردد: "لا تتحرك يا خائن". ضحك مندهشا من هذه العبارة قائلا: "من أين سمعتها يا ملعون؟ هل تعرف معنى كلمة خائن؟".
لم أكن أجيبه، فأصول اللعبة تحتم علي أن أكون أنا من يسأل وليس هو. أمي تطيع الأوامر وهي صامته مرتدية ملابس أبي. بدت مضحكة ببنطاله الفضفاض.
أتيت بحزام أبي، وأعطيتها إياه. اجلديه، قلت لها. ضحكا. قال أبي: "شيطان، قبل خمس سنوات كنت مجرد رغبة في رأسي والآن تريد جلدي".
- اخرس يا خائن! اجلده يا شرطي.
تأكدت أمي من شد وثاقه جيدا، وراحت توقع الحزام على فخذيه بلطف وسط استغرابه المشوب بالضجر من الاستمرار بهذه اللعبة.
- هذا خطأ فأنك تشجعين الطفل على التمرد.
- أنها مجرد لعبة! عليك أن تنزل إلى مستوى عقله كي يحبك.
استلذت أمي بضربه فزادت من قوة الجلد. أبتلعَ صوت التلفزيون صياح أبي ووعيده. لا أذكر بالتحديد ما القناة التلفزيونية التي كان يتفرج عليها حينها لكني متأكد من أنها عراقية.
شاط غضبا وزجرها: "هذا مؤلم يا حقيرة! كفى، كفى".
عاودت أمي التأكد من رباط الحبل، وراحت ترفع الحزام وتنزله بكل ما أوتيت من قوة، غير مبالية لتهديده ومحاولاته غير المجدية للإفلات. شاط به الغضب وفار فائرُه. دفع بأصابع قدميه الكرسي فأنقلب وصارت قدميه المربوطتين إلى رجلي الكرسي للأعلى.
ابتهجت كثيرا لهذا المشهد، صارت اللعبة أكثر أمتاعا. أحببت أبي أكثر من أي وقت مضى، وأمي كذلك، عندما شاهدتها تتصبب عرقا وهي تلف لاصق شفاف حول رأس السجين لكتم صرخاته المختلطة بصوت نشرة الخراب.
كانت ترمقه متجمدة التعابير كشرطي حقيقي بوجه نحاسي، فيما كان أبي يقاوم مثل سجين متمرد. لكزت رأس أبي بعصاي فرمقني بغضب محولا رأسه للجهة الأخرى. يا له من ممثل بارع! لكن ليس ببراعة أمي حيث أنها راحت تضيف مشاهد جديدة إلى اللعبة.
جلبت أبريق الشاي وطلبت مني التبول فيه. أذكر أني كنت فعلا في حاجة للتبول فملأته إلى آخره. وضعت رأس أبي بين ساقيها المطويتين. دفعت الكرسي إلى زاوية المطبخ وحصرته بالمنضدة كي لا يقلب الكرسي، مبقية رأسه ثابتا على البلاط. عندما ثبتت رأسه صبت البول في منخريه. قالت: "سينام بعد دقائق".
كان أبي بارعا جدا حيث غط في نومه، فعلا، بعد عدة دقائق. قالت بحزم: "يجب نقله إلى زنزانة انفرادية لمعاقبته على خيانته. عليَّ الاتصال بضابط آخر كي يساعدني".
جاء ضابط أكبر مني بعد أقل من ساعة، وكان أيضا يجيد اللعبة حيث يعرف مكان الزنزانة الانفرادية في غرفة نوم أبي. أفرغاها من الملابس. وضعا أبي فيها ثم حملاها إلى سيارة الضابط.
سألت أمي في اليوم الثاني عن أبي فقالت أنه سجين خطير حيث هرب من زنزانته الانفرادية.
يا لبراعة بالتمثيل فقد مضت أربع سنوات وهو يؤدي دور السجين الهارب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق