الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شباب اليمن الثائر ونظام العقيد الجائر !!

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 3 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كان الشعب اليمني على موعد مع انطلاق ثورة الحرية والاصلاح منذ منتصف يناير الماضي، إذ سرعان ما انطلقت شرارة الثورة الشعبية اليمنية من أمام جامعة صنعاء، ثم ما لبثت ان اتسعت دائرتها في كل بقاع المدن اليمنية مع اشتداد جذوة الصمود الشبابي، والاصرار الشعبي على تحدي سلطة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي يحكم البلاد منذ أكثر من ثلاثين عاما، فاتخذت ثورة الشعب اليمني من صمود ثورة اللوتس المصرية، وثورة الياسمين التونسية، هاجسا محركا لارادة الشعب اليمني لاثبات الذات وكسر حاجز الخوف بعد أن بلغت القلوب الحناجر بسقوط اثنين من أعتى طغاة العرب، الرئيس المخلوع حسني مبارك المصري، والرئيس الهارب زين العابدين بن علي التونسي .
وكالعادة ، يتكرر سيناريو مصر وتونس في اليمن، تماما كما نشهده اليوم في ثورة ليبيا المسلحة والفريدة من نوعها، وثورة البحرين التي اتخذت طابعا طائفيا مرسوما بدقة، وثورة المغرب وسوريا والجزائر، إذ بدأت المظاهرات سلمية وشعارها الاصلاح والحرية والتغيير، ثم وبفعل الرد العكسي على الثورة السلمية بالعنف والبلطجة والقتل، ارتفعت مطالب الشعب اليمني مباشرة الى شعار "الشعب يريد اسقاط النظام"، وتارة "الشعب يريد محاكمة السفاح" في اشارة الى العقيد الرئيس علي صالح الذي تتهمه قوى المعارضة وثورة شباب اليمن بسفك دماء الشعب واستخدام اسلوب القتل والترويع والارهاب للقضاء على الثورة، التي ازدادت وتيرتها واشتد عودها كلما ازداد قمع قوى الأمن لها!
ويكأن درس "الغباء الاستبدادي"، والتعنت الفوضوي، والدولة الأمنية، واستغباء الشعوب، هو درس مشترك واظب زعماء الدول العربية الشمولية على حضوره في جامعة الدكتاتورية العربية الممزقة! فلا يتعلم السلف من الخلف، ولا يتعلم الباقي من الساقط، ويصرون على ان وضعهم مختلف بشكل لا يمكن ان يقارن بقرينه المصري أو التونسي! هي كلمة رددها كل زعيم دقت ساعة رحيله، وحان وقت سقوطه بفعل الثورة والارداة الشعبية .
العقيد اليمني قالها منذ انطلاق شرارة الثورة الشعبية، اليمن مختلف عن مصر وتونس، لكنه حتما يواجه نفس مصير من سبقوه من الزعماء، مبارك مصر وبن علي تونس، وكررها معه ايضا عقيد ليبيا "المعقّد"، فما زال يصر على قتل شعبه وتدمير بلاده وفتح باب الاستعمار من جديد وبشكل شرعي، وهو يتشبث في سلطة "إلهية" فهو معبود الجماهير، كما يرى، ورمز ثورة، لا قائد دولة ، وتموت لأجله ملايين الشعوب في ليبيا وافريقيا!! أي زهو وجنون عظمة ومرض ينتابك يا "عقدة" الأمة العربية، ومجنونها الأول !!
لذا فليس من المستغرب أن يعرض الرئيس اليمني علي صالح على قوى المعارضة، التنحي عن السلطة قبل نهاية العام الحالي، قابلاً بذلك المقترحات التي سبق أن قدمتها لجنة الوساطة اليمنية، والتي تتضمن كذلك إبعاد ابنه وأقربائه عن المناصب القيادية في الجيش. وهي خطوة الهدف منها، المراوغة وكسب الوقت قدر الإمكان، تماما كما فعل الرئيس التونسي الهارب حينما أعلن في خطابه الأخير، انه لن يجدد ولايته، وهو ما فعله الرئيس المخلوع مبارك حينما طالب عدة مرات ان يمض ولايته حتى سبتمبر 2011م، لكن في كلا الحالتين رفض شباب الثورتين، التونسية والمصرية، عروض زعمائهم، وقرروا المضي في سبيل رحيل الرئيس ونظامه، وهو ما حدث بعد أيام قليلة على تلك العروض.
الرئيس علي صالح، يراوغ في نفس المربع الاستبدادي، الذي راوغ عليه من سبقوه في السقوط، ويحاول التشبث بالسلطة ولو لشهر أخر، في محاولة الهدف منها، كسب الوقت أولا لمحاولة الالتفاف على مطالب الثورة الشعبية اليمنية، وثانيا ليحصد لقب الرئيس السابق عوضا عن الرئيس المخلوع!! لكن تجارب الثورات الشعبية العربية، علمت ثورة شباب اليمن أن لا ثقة أبدا بكلام الرؤساء العرب، إذ سرعان ما ينقلبون على وعودهم بحجج مقولبة وجاهزة، كما أن بداية تنازل الرئيس اليمني، من الإصرار على إكمال مدته الرئاسية حتى عام 2013م، ثم موافقته على المغادرة بعد نهاية هذا العام، تعني في جملة ما تعينه، انه في طريقه للرحيل اليوم أو بعد أيام، فمن يتنازل مرة، من السهل عليه أن يقدم تنازلات متوالية، كلما ضاقت عليه مساحة المناورة، وتخلى عنه الحلفاء والأصدقاء .
وجاء عرض الرئيس اليمني في رسالة إلى العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، حملها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اليمنية أبو بكر القربي الذي وصل الرياض قبل يومين، وتوسط لدى المعارضة، خصوصا في الجنوب، لإقناعهم بقبول هذه المقترحات.
ورغم ان المعارضة أعلنت عن رفضها لهذا العرض بشكل قاطع، وطالبت برحيله فورا ودون مجال للحوار، فان ابن الرئيس اليمني، قائد الحرس الجمهوري أحمد علي صالح، وهو من المتشددين في النظام، يحاول إغلاق الحوار مع المعارضة نهائيا، كما أنه يعارض تقديم أي تنازلات لها أو التوصل إلى حلول معها تتضمن تنحي الرئيس.
ما يعني انه يقوم بنفس الدور المتطرف الذي قام به من قبل، نجل الرئيس مبارك، جمال، وهذا التشدد والتعنت سيسرع من عملية سقوط النظام اليمني برمته، باعتبار أن جيل الطغاة الجدد من الشباب، أبناء الرؤساء السابقين والحاليين ، يحاول الحفاظ على مكتسبات ورثة الطغاة المخضرمين، الزعماء المخلوعين والحاليين، طمعا في أن يكون ولي العهد القادم للبلاد، وهو الحلم الذي راود جمال مبارك وسقط بسقوط نظام والده، ثم يراود الآن أبناء الرئيس علي صالح، وسيسقط أيضا بسقوط نظام والدهم! في صورة تعكس حقيقة الأنظمة "الجملوكية" التي في ظاهرها أنظمة جمهورية ديمقراطية، وفي باطنها أنظمة ملكية مستبدة، تعتمد مبدأ الوراثة، وكان البلاد ملكا لعائلة الزعيم الملهم الذي لم تنجب البلاد له مثيل!! وهي ظاهرة للأسف رأيناها في سوريا حينما ورّث حافظ الأسد ابنه بشار رئاسة "مملكة سوريا الجمهورية" قبل عقد!!
وبعد أحداث البلطجة التي شهدها ميدان التغيير في العاصمة صنعاء يوم الجمعة الماضي، وما ترتب عليه من قتل وجرح العشرات بعد الهجوم على المتظاهرين سلميا، انتشرت ثورة الشباب في العديد المدن اليمنية، وتتسم المظاهرات والاعتصامات بمطالبات موحدة يساندها حتى الحراك الجنوبي في سبيل الحفاظ على وحدة اليمن والعدول عن فكرة الانفصال.
والرئيس علي صالح هو الرئيس الأول والحالي للجمهورية اليمنية منذ قيام الوحدة في عام 1990. وكان قبلها يتولى رئاسة الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) منذ 1978 إلى 1990. أي أنه يحكم البلاد منذ (33) عاما، وتعد فترة حكمه أطول فترة حكم لرئيس في اليمن منذ العام 1978. وهو صاحب ثالث أطول فترة حكم من بين الحكام العرب - الذين هم على قيد الحياة حاليا. ومطالب ثورة الشباب الشرعية لا تستند إلى منطق استيلائه على السلطة منذ ثلاثة عقود وحسب، وإنما تتهمه بالتسبب بالتخلف والأمية والفقر والفساد الذي تعاني منه البلاد لسنين طوال. فضلا عن سيطرت عائلته وأقاربه وحلفائه على مقاليد الحكم في البلاد، وفي بلد يحكمه منطق القبيلة والعشيرة، فأمر طبيعي أن تثور ضده باقي العشائر التي حرمت من التوزيع العادل للثروة وعاشت عقود طويلة بمبدأ "فرق تسد" ، حيث يستند النظام إلى مبدأ الاتساع الأفقي والعرضي للطائفية وتفتيت عضد الأمة الواحدة لتمكين نظامه من السيطرة على العشائر اليمنية القوية، فضلا عن دور نظامه في افتعال أزمات داخلية وحروب أهلية، خاصة مع الحوثيين في الجنوب، أدت إلى تمزيق جسد الأمة اليمنية، وانفق مليارات على التسلح ومحاربة ما يسمى وهما "بالإرهاب" على حساب التنمية الاقتصادية وبناء دولة المؤسسات القائمة على أساس "المواطنة" الصالحة !!
واليوم يخوض الرئيس علي صالح معركته الأخيرة بعد أن فقد معظم دعائم حكمه في الجيش ولدى القبائل والمؤسسة الدينية، خاصة بعد المجزرة التي جرت في ساحة جامعة صنعاء الجمعة الماضية، وقتل فيها (52) شخصا من معارضي النظام برصاص مسلحين موالون للنظام ، الأمر الذي ساهم في تسريع الانشقاقات وفي تأجيج حماسة المطالبين بإسقاط النظام. وهو الأمر الذي فسره الرئيس صالح بأنه محاولة للانقلاب على الشرعية، ما دفعه للتهديد ان هذه المحاولات ستؤدي إلى حرب أهلية في البلاد، وذلك ردا على استقالات عديدة جرت في صفوف الجيش، خاصة لجهة اللواء محمد علي محسن قائد المنطقة الشرقية وقائد اللواء (310) حميد القشيمي ، واللذين انضما إلى "ثورة الشباب"، إضافة إلى العميد في الجيش اليمني ناصر علي الشعيبي الذي أعلن انضمامه مع عشرات الضباط من حضرموت في جنوب شرق البلاد إلى الحركة الاحتجاجية الشبابية ، إضافة إلى عشرات الضباط من أجهزة وزارة الداخلية. ما يعني أن الرئيس فقد شرعية حلفائه ومقربيه من المؤسسات العسكرية والسياسية في البلاد، وهو ما يقوض حكمه آجلا ام عاجلا، وما مطالبه بالحوار ومحاولة البقاء في السلطة لنهاية هذا العام، والتهديد بحرب أهلية، إلا اللحظات الأخيرة من مسلسل نهاية نظام العقيد علي صالح .
ويحاول الرئيس صالح الآن التحصن في معاقله الأخيرة، والممثلة في قيادة الجيش التي أعلن قائدها وقوفه إلى جانب الرئيس الذي يمثل الشرعية، وهدد قبل يومين انه لن يسمح بالانقلاب على الشرعية الدستورية للبلاد، رغم أن الرئيس فقد الشرعية أمام شعبه واغلب مؤسسات الدولة وبعض الأجهزة العسكرية والأمنية، لكن يخوض معركة تكسير عظم، وهي بالنسبة له قصة حياة أو موت .
الشاهد على ذلك، ان المجزرة التي ارتكبتها قوى الأمن يوم الجمعة الماضي، هي الورقة الأخيرة التي لجأ لها النظام اليمني لمواجهة الاعتصام والثورة الشعبية، وهي سياسة ثبت فشلها بعد ان التف حول الثورة قيادات سياسية وعسكرية وقبائل يمنية عديدة، أمام ذلك، فان الحكمة يمانية من جانب الشعب اليمني المعروف انه مسلح بشكل طبيعي، ومع ذلك لم تنتفض القبائل عسكريا لمواجهة قوى الأمن والبلطجية، إيمانا من الشعب اليمني والشباب تحديدا، ان الثورة سلمية، ولن يسمحوا للنظام بتحويلها إلى مشهد شبيهة بالمشهد الليبي التراجيدي والدموي.
وقد تمكنت القبائل اليمنية من تحييد السلاح حتى اليوم، وهو ما دفع الكثير من الرموز السياسية والقبلية للانحياز لثورة الشباب، رغم ان تخوف ان تدخل البلاد حرب أهلية، كما يتصور البعض، في حال احتكام القبائل إلى عسكرة الثورة، أمر وارد بنسبة جيدة، لاسيما ان نفذ الرئيس المني تهديدات وحفّز بعض القبائل ضد بعض ودفع بالسلاح الى الشارع ليكون الفيصل والحاسم في معركته مع ثورة الشباب، وهو سيناريو مرتبط أساسا بإطالة أمد الثورة وتعنت الرئيس بعدم الاستجابة لمطالب الشعب والرحيل، فكلما استفاد الرئيس من عامل الوقت والجيش، كلما أفسح المجال أكثر لتحويل مسار الثورة السلمية الى ثورة مسلحة، وهو خيار يرجو الجميع ان لا يتحقق، لان لا أحد يعلم عواقبه سوى رب العالمين .
والأمل معقود على الشعب اليمني الذي أثبت حتى الآن انه موحد في ساحة التغيير، وانه شعب عظيم قادر على تجاوز منطق التجزئة والتفتيت الذي يسعى اليه النظام من خلال التهديد بالحرب الأهلية، وطالما استخدم النظام هذا المنطق لإدامة وجوده ، وبوسع الشعب اليمني أن يؤسس بعد سقوط هذا النظام، دولة مدنية ديمقراطية حديثة، تقوم على الحرية والعدل والدستور والقانون، دولة مواطنة، لا تميز بين شمالي وجنوبي، وشيعي وسني، ووطنا للجميع بلا تفرقة أو تمييز .
وفي الوقت الذي ينتظر فيه الشعب اليمني، والشعوب العربية أيضا، ساعة الرحيل والحقيقة التي تنشر الأمل والفرح في صفوف اليمنيين، وتحقيق انتصار اخر من انتصارات الحرية والديمقراطية، يتساءل البعض عن الخطوة القادمة والمستقبل المجهول الذي يمكن ان تسير فيه البلاد بعد رحيل نظام علي صالح !!
فالبعض يرى ان نائب الرئيس ليس لديه قرار او يملك صلاحية، ولا يمكن ان يحظ بقبول الشعب اليمني، والبرلمان شبه معطل بقرار الرئيس، رغم انه اجتمع عاجلا لتشريع قانون الطوارئ!! بدل ان يجتمع للمطالبة برحيل الرئيس، فيما يرى آخرون أن تشكيل مجلس انتقالي يقود البلاد لمرحلة مؤقتة هو الحل الأنسب في ظل بلد يقوم على القبائل والعشائرية، خوفا من النزاع والتنافس على السلطة بعد رحيل النظام اليمني، لكن آخرين يرون أن قيام الجيش بدور سياسي مؤقت، كماه و الحال في مصر، هو أفضل الحلول على الإطلاق، فالجيش بيده، رغم تأييد قيادته للرئيس، أن يجبر الرئيس على التنحي، وان يشكل مجلس اعلي لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة، للحيلولة دون دخول البلاد في أتون فراغ سياسي او فتنة أهلية ونزاعات قبلية ، فدور الجيش هام في المرحلة الحالية والمقبلة لحسم الأمور نهائيا وضمان استقرار البلاد والحفاظ على الأمن وإعادة الأمور تدريجيا إلى نصابها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة