الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطنة في العالم العربي وعقلية الرعية !!

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 3 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من ضمن ما كشفت عنه تسونامي الثورات الشعبية العربية، عقلية الأنظمة العربية التي تتعامل مع الإنسان العربي بعقدة البداوة والإقطاع والرعية، فلا حقوق وواجبات تحكم علاقة الدولة بالمواطن! بل قلما نجد مفهوم "المواطنة" هو الفيصل والأساس في تحديد شرعية تلك العلاقة التي تشوبها الحدود الدنيا من قيمة المواطنة الصالحة، فلا تعترف الغالبية العظمى من الدول العربية بحقيقة العقد الاجتماعي القائم بين مؤسسات الدولة والمواطن، ولا حتى تستقيم تلك العلاقة مادام أنها بنيت على حقوق المواطن المسلوبة التي وجد نفسه، بعد عقود من الاستعمار، في ظل أنظمة تستمد شرعيتها من الانقلاب العسكري او الثورة او النظرية الدينية والحاكم بأمر الله!!
من هنا، تبدو الديمقراطية بمثابة عقدة أو هاجس خوف مشترك لغالبية الأنظمة العربية، فالديمقراطية تتناقض ومفهوم الرعية والإقطاع، لان محورها هو أن المواطن صاحب الشرعية يمنحها عبر صناديق الاقتراع ويحجبها متى خرج الرئيس أو الحزب الحاكم عن قواعد الشرعية الموجبة التي حصل عليها بالأغلبية، وهذا ما تفتقده غالبية الأنظمة العربية اليوم، وهي ذاتها –وغيرها- التي واجهت –وتواجه- ثورات شعبية وطنية، خرجت صمتها في لحظة تاريخية فاصلة، وكسرت حاجز الخوف والاستبداد وانتفضت لانتزاع حقوقها التي سلبت منها بعد غي الأنظمة وفسادها الفاضح وخروجها عن كل أسس الشرعية السالبة التي قامت عليها !!
ونجد مظاهر تلك العقدة الرعوية الثنائية في العديد من الدول العربية : ففي مصر لم تخرج حتى بعد الثورة من ثنائية "المسلم والقبطي"، وفي سوريا ما زالت ثنائية "العربي والكردي" هي هاجس الحكم، وفي العراق والبحرين تهيمن عقدة "الطائفية "سني شيعي" على عقلية الأنظمة الحاكمة، وفي الكويت أيضا نجد عقدة ثنائية "الرعية والبدون" والأردن أيضا لا تخرج عن هذا التوصيف حيث عقدة "أردني فلسطيني"، وفي السعودية أيضا نجد المفهوم الصارخ لمفهوم الرعية لا المواطنة الصادقة الصالحة، حيث ثنائية "السنة والشيعة" وثنائية "السلفي المتشدد والسنة المعتدل" وثنائية "البداوة والإقطاع"، وفي دول المغرب العربي نجد بكل صراحة ثنائية "العربي والامازيغ، وفي اليمن نجد عقدة "الشيعة والسنة" وثنائية "البداوة والرعية"!! ويمكن قياس ذلك على بقية الدول العربية، كما هو الحال في لبنان، حيث عقدة "المسيحي والمسلم، وثنائية السني والشيعي" وثنائية مسيحية طائفية، وثنائية المواطنة المحدودة في العاصمة والأقلية المسحوقة في الشمال والجنوب" !! هذا هو حال ثنائيات العالم العربي اليوم في ظل مفهوم الدولة الوطنية التي استلبت حقوق المواطنة وأركانها من مواطنيها، ومنحتهم بكل سهولة "مفهوم الرعية وأوهامها" !!
والمواطنة كمفهوم، متعدد الأبعاد والمكونات، فهو يشمل مجمل الواجبات والحقوق على مختلف المستويات، فعلى المستوى القانوني يتضمن مفهوم المواطنة الحقوق والواجبات القانونية وفقا لأحكام الدستور والأنظمة المعمول بها في الدولة المدنية، وعلى المستوى السياسي يشمل حق المشاركة والحرية وإبداء الرأي والتعبير، وعلى الصعيد الثقافي يشمل القيم الثقافية والسلوكية النابعة من ثقافة الولاء والانتماء للدولة، وان كنا نرى بعض تلك المستويات للمواطنة في العديد من الدول العربية، فان المواطنة السياسية هي الحلقة المفقودة في معادلة العلاقة الطبيعية والعقد الاجتماعي بين الدولة المدنية والمواطن، فالموطنة السياسية هي أساس تطوير وتنمية الحياة السياسية وتحديد معاييرها وأبعادها وأشكالها، كما تعتبر المواطنة السياسية حجر الأساس لتعزيز الانتماء عبر المشاركة في الشأن السياسي العام.
والتعريف القانوني للمواطنة هو أنها علاقة تربط الفرد بالدولة وفق مؤسسات دولة قانونية، أما التعريف الاجتماعي لها، فهي علاقة تربط الفرد بالمجتمع السياسي شكل عام، وما يدخل في إطار هذا المفهوم من قيم الولاء والانتماء والمشاركة والحرية ..الخ، بشكل يعزز مشاعر الوطنية ويدفع المجتمع إلى التماسك والتعايش وفق قواسم قيمية عليا مشتركة.
والأزمة الحقيقية، على الصعيد العربي، أن مفهوم المواطنة كمصطلح غير موجود في القاموس السياسي العربي، فكلمة المواطنة ليس لها ذكر في المعاجم اللغوية العربية وإن وجدت كلمة "وطن أو توطين او أوطان أو موطن" وغيرها، فتلك المصطلحات تختلف كلية عن مصطلح "المواطنة" بمدلولاتها المختلفة، وبالتالي فالمواطنة ليست رديفة للرعية، لأن الأخيرة تعني –حسب تعريفها في دائرة المعارف البريطانية- "وجود مملكة وفيها أعضاء ليس لهم ذات حقوقية مستقلة ويديرها راعي يمتلك الذات الحقوقية وله كل الامتيازات وعلاقته بالأعضاء علاقة الراعي بالقطيع ويستمد قوته بالاستبداد والغلبة، فلا يحق لأفراد القطيع الاعتراض أو الاقتراح في موضوع ما يدل على المشاركة في أحسن الأحوال.." .
من هنا فان وظيفة الرعية تتلخص في الولاء الاعمي والانتماء الطاغي بالعاطفة لا بالعقل، وفي أشكال عديدة من المديح والثناء على الحاكم ومن يدخلون في زمرته، بوصفه ولي النعم وطويل العمر والقائد الذي طالما يفتديه الشعب المهج والأرواح، وكأنه إله منزل من السماء ويحكم باسم الله !! وهو النموذج الذي نجده –للأسف- في العديد من الدول العربية منذ زمن الأمويين وحتى اليوم .
فيما المواطنة، بمختلف مؤشراتها، تقوم على مفاهيم العدل والحرية والمساواة بين كافة المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية والطائفية والسياسية والإقليمية..الخ، فلا يحاكم مواطن لأنه لا يدين الولاء للملك او رئيس الدولة، فهذه حرية شخصية، وله وجهة نظر في ذلك، فربما لا يجد أن الرئيس قد وفر له الحياة الكريمة، فلماذا يدين له بالولاء والطاعة، والمواطنة تعني أن يكون حرا المواطن في أرائه وأفكاره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فيما تحاسب العديد من الدول كل من يعتنق أفكار تخالف توجهات النظام السياسي العربي في الحكم، سياسيا واقتصادية واجتماعيا ودينيا، فمثلا ان كان نظام الدولة إسلامي، فلكل مواطن الحق ان يعلن انه "علماني" ، وان كانت دولة إسلامية سنية، فلا ضير ان يعتنق مواطن ما "المذهب الشيعي" دون ان ينتقص ذلك من حقه في الحصول على مكتسبات المواطنة في العمل والحياة الكريمة والمشاركة السياسية وممارسة طقوسه الدينية، دون ان يؤذي غيره، عملا بمنطق الحرية التي تقوم على قاعدة، أن تنتهي حرية الفرد حينما تبدأ حرية الآخرين .
وإذا ما حققت الدولة العربية، هذه القيم والمفاهيم، فإنها بلا شك تحقق تجليات مفهوم المواطنة الجاد وتحافظ على خلق مجتمع مدني متحضر وتحفظ ديمومة تنمية الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، خاصة أن منظومة تلك التنمية ستعزز ثقافة الانتماء والولاء لدى كافة المواطنين، بوصف أن الدولة ستكون دولة قانون وهو ما يكفل السيادة والمساواة ويضمن الحريات والحقوق الأساسية.
ومن هذا الوعي بقيمة المواطنة، يمكن ان نحقق التالي :
- القضاء على الخلافات والتباينات الموجودة في المجتمع بسبب إرهاصات مفهوم الرعية الذي يميز بين المواطنين على أساس الولاء والانتماء، ما يؤدي إلى تطوير مفهوم المجتمع المدني بحيث يصبح القانون هو الفيصل والعدل هو الأساس والحرية هي الانتماء عبر التعبير عن الولاء الناجم عن الثقة المتبادلة بين النظام والمواطن، فحق المواطنة آلية ناجعة للقضاء على كل أشكال الفتن والصراعات المتباينة في المجتمع .
- يؤسس مفهوم المواطنة لدولة مدنية بامتياز تمارس دور الحياد الايجابي تجاه قناعات ومعتقدات وأيدلوجيات مواطنيها. فلا تمارس الإقصاء والتهميش والتمييز تجاه مواطن بسبب معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية. كما أنها لا تمنح الحظوة لمواطن بفضل معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية. فهي مؤسسة وطنية جامعة لكل المواطنين .
- المواطنة بهذا المفهوم تحفظ للمواطن حقوقه المتنوعة وتوجب عليه واجبات تجاه دولته، فتقوم العلاقة على أساس الحقوق والواجبات، وتؤدي إلى رفع منسوب الثقة لدى المواطن والدولة في تجاه أحدهما للآخر، ما وحدة النسيج الاجتماعي الواحد .
- كما تضمن المساواة والعدل والإنصاف بين المواطنين أمام القانون وخدمات المؤسسات، وأمام الوظيفة العمومية والمناصب في الدولة، فالكل سواسية في كل شي أمام الدولة ومؤسساتها، فلا تمييز على أساس الأقرب للنظام او الحكومة ، ولا تفريق بين المواطنين بالحقوق والواجبات، ويكون تطبيق عملي وواقعي للمواد الدستورية التي تشير –نظريا- لمساواة المواطنين، فيما يكون الواقع شي مختلف ومغاير.
- تؤدي المواطنة الصالحة إلى الاعتراف بالتنوع والتعدد العقدي والعرقي واللغوي والإيديولوجيا والسياسي والثقافي والطائفي والاقتصادي والاجتماعي، وتعمل على صون هذا التنوع والتعدد واحترامه، وتكون الدولة بذلك قاسم مشترك بين المواطنين وتحافظ على مسافة معينة من جميع مكونات المجتمع، فالمواطنة هي المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن التنوعات الدينية أو المذهبية أو القبلية أو العرقية أو الجنسية.
- كما أن المواطنة تؤدي إلى خلق مواطن مسؤول يتحمل دوره العام في كل قضايا الوطن، ويشارك بجدية في الانتخابات ويمنح صوته لمن يستحقه ولا يعزف عن نداء واجب الوطن مادام انه يعيش في ظل دولة قانون وعدالة، مما يعني أن المواطن يساهم في البناء الدستوري والسياسي والمدني للدولة من حيث ضمان الدولة لهذا الحق.
- والمواطنة تضمن حقوق الإنسان في المجتمع والوطن والدولة؛ لكونها تنقل الحق الإنساني إلى حق للمواطنة عبر تشريعه وتقنينه. وتضمن استمرار المجتمع في الإطار السياسي الذي يعبر عنه وهو الدولة.
- وتؤدي المواطنة إلى بناء نظام سياسي مدني متحضر يقوم على أساس التعدد في العرق والمؤسسات والثقافة والإيديولوجيا والدين .
وعليه فان المواطنة "أرقى من أن تكون مفهوما، لأنها بالحقيقة مبدأ الدولة الحديثة ومرتكزها بل عمودها الفقري في النشوء والاستمرارية، في التكوين والبقاء"، ومن ثم فإن المواطنة تحفز المواطن على المطالبة بالحقوق مع أداء الواجبات في صيرورة الاستمرار والتطور، مما يرقي المواطن نفسه إلى الوعي بمكانة المواطنة في حياته الفردية والمجتمعية.
على المستوى العربي ، وعند فحص دقيق لمفهوم المواطنة في العقلية العربية، نجد ان العقل العربي لم يتمكن بعد، رغم نشوء شكل الدولة الحديثة في العالم، من تجاوز عقدة البداوة والرعية، فقد بقي مفهوم الرعية هو الهاجس الذي يحكم العقل السياسي العربي ، ما انعكس على شكل العلاقة بين المواطن والحكومة، رغم كل مصطلحات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتباهى بها زعماء العرب عند الحديث عن انجازات بلدانهم تجاه الشعوب العربية المغلوبة على أمرها !!
وقد حاول كتاب "مفهوم المواطنة في الفكر العربي الإسلامي" للكاتب عبد الجليل أبو المجد، فك بعض مفاهيم المواطنة في العالم العربي او في الفكر العربي خصوصا، فيرى أن هذا العصر يشهد دوائر جديدة من العلاقات بين الفرد والدولة والمجتمع، وأن المواطنة بالمفهوم الكلاسيكي، التي تدور حول علاقة الفرد بالدولة، هي إحدى الدوائر، وليست الدائرة الوحيدة للمواطنة. ويخلص إلى القول إن "المواطنة ليست مجرد انتماء لمجال جغرافي وحمل جنسية وجواز سفر، بل هي أهداف وقيم، فلا توجد مواطنة من دون أهداف، وقيم الحرية والتضامن والحس المدني".
ثم يتطرق في باب اخر إلى تطور إشكالية المواطنة في الفكر العربي الإسلامي، بدءا بالفكر العربي الليبرالي إلى الفكر الإسلامي الجديد، ومرورا بالفكر السلفي الإصلاحي، ويتوصل الى ان أن "المواطنة حق أساسي مشروع لكل إنسان ينتمي إلى الأمة العربية، ولكل مواطن حقوق عامة، تقابلها واجبات والتزامات عامة، تفرض عليه تجاه مواطنيه ووطنه. وأن المواطنة أصبحت أم القضايا المطروحة على الساحة السياسية والثقافية والفكرية العربية، بسبب ارتباطها الوثيق بالديمقراطية.
ويؤكد أن "المواطنة في المجتمعات العربية في الوقت الراهن غائبة، وأهم أسباب هذا الغياب داخلي، ففشل الدولة العربية الحديثة في تحقيق التنمية الشاملة وضمان حماية قانونية واجتماعية لمواطنيها بأبعادها المختلفة، دفع إلى انتشار الإحباط والانهزامية لدى شريحة عريضة من المواطنين. فعدم إشباع الحاجات الأساسية للأفراد يؤدي إلى اللامبالاة على كافة الأصعدة، بل يدفع إلى الهروب من الوطن بحثا عن جنسية ووطن جديدين".
والواقع ان العالم العربي اليوم بحاجة لثورة ثقافية وسياسية للانقلاب على المفاهيم التقليدية لعلاقة الحاكم بالرعية، وذلك لتغيير ثنائية (السيد والعبد) الى ثنائية (الوطن والمواطن)، تماما كما هو حال علاقة الحكومات الغربية مع مواطنيها، فالمواطن في الغرب هو السيد وصاحب الشرعية وليس العكس .
والسؤال المطروح الآن بعد أن تعرفنا على مفهوم وحقيقة المواطنة الصالحة، هل تنتشر ثقافة المواطنة في الدول العربية وتُكرس الدولة العربية قيم الديمقراطية ونتخلى عن ثقافة الرعية ؟؟!!
وهل تشهد الدولة عربية في القرن الواحد والعشرين تطبيق عملي لقيم المواطنة في المجتمع العربي؟ خاصة بعد أن لاحظنا أن السبب الرئيس للثورات الشعبية العربية التي أطاحت في بعض النظم السياسية القائمة وفي طريقها للإطاحة بأنظمة أخرى قريبا، هو غياب قيم ومفهوم المواطنة عن شرعية الدول العربية اليوم !!
نأمل أن يحدث ذلك قبل فوات الأوان، وان تعود الأنظمة العربية عن عقلية الرعية، وتفّعل القوانين والدساتير المدنية والأنظمة الكفيلة بدفع المجتمع الرعوي الى مجتمع وطني مدني فعّال يساهم في تنمية المجتمعات العربية ويكرس قيم المساواة والحرية والعدل، لتلتفت الدول العربية إلى قضايا التنمية الإنسانية والاقتصادية التي غابت بفعل غياب مفاهيم وأسس المواطنة الصالحة، وانشغال العالم العربي في قضايا هامشية مزّقت شعوبه وسلخت المواطنين –الرعايا عن أداء دورهم الحضاري في البناء والتنمية والتطور في مختلف ميادين الحياة، ما أدى الى غياب الأمة العربية بأسرها عن مواكبة الحضارات الإنسانية اليوم، التي قدمت للبشرية الكثير، فيما ظل العالم العربي يعيش في نفق التخبط بين الماضي العظيم والحاضر الأليم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير