الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف ضد الطفولة في ربيع الثورات العربية

سعاد جبر

2011 / 4 / 8
حقوق الانسان



تروي حكاية التنين النائم ، في مهده البحري ، الذي تفأجا أهل المراكب يقظته ، في غير ميعاد بيقظته همةً وعزماً ، تحدياً واصراراً ، حتى أوشك أهل المدائن التي تنخر فسادا ، أن تدفنه ، فهو لا يحرك ساكناً، وكل يعمل في نومة التنين الطويلة الأمد ، من الطوابير المتهافتة طغياناً في نخر حياة الآخرين في دنيا الظلم والاستعباد ، ويحصد أموالاً لا تعد ، حتى تعجز الحسابات عن رصدها ، لأنها تتناسخ بطريقة هستيرية ، هو فراغ الأنا في عبادة الفساد والمال ، والكفر بالإصلاح والشفافية وتداول السلطة واحترام حقوق الإنسان ، وهاهو التنين يغدو ربيع مشرق في الثورات ، التي تنشد الحرية والعدالة التي طالما غابت عن الحياة ، حتى قيل أنها ضاعت بين أحرف الأبجديات ، وربما هناك أثمان هائلة تدفع مهراً للحرية ، وهي معادلة الحرية مع الطغاة في كل زمان ومكان .

ولكن في ظل تلك الظروف المبشرة المؤلمة في الآن ذاته ، الناشئة من توجيه العنف عمدا وبترصد ضد الطفولة البريئة ، ينبغي هنا وضع اليد على الجرح ، ورصد تلك الانتهاكات دولياً ، حتى تكون محرك هام ، في محاسبة تلك الأنظمة الظالمة ، التي لا ترحم طفلا ولا امرأة ولا شابا ولا عجوزا ولا حتى الماء والهواء ، والمهزلة الكبرى ؛ أنها تجعجع بالحرية والشفافية ، وهي ظلام قاتم دامس أنى للنور أن يشرق فيه ، لأنه مهد الخفافيش التي تعشق الظلام .

ودائما ولطالما رددنا ، وأثبته في كتاب " انتهاكات حقوق الإنسان وسيكولوجية الابتزاز السياسي " وكتاب " سيكولوجيا السياسة " قراءات في أحداث ساخنة وشخصيات بارزة" * أن المرأة والطفل هما ضحايا النزاعات المسلحة بأرقام هائلة ، واليوم يسجل عالميا الطفل هو ابرز ضحايا سلوك الأنظمة الفاسدة الطاغية في وجه الثورات العربية المطالبة بالحرية والعدالة ومكافحة الفساد ؛ التي ولدت من رحم الألم ، مثخنة بالجراح والفرح معا ، ونحذر من استهداف الأطفال في تلك الثورات التي ما زالت في رحم الولادة ، لم يتم مخاضها بعد، وهي معرضة للإجهاض بين الحين والأخر .

فالمتابع للأحداث يستهجن حبس الأطفال ، لصرخات بريئة من قبلهم ، بالحرية بين جدران صفوفهم التي سئمت الصمت والدكتاتورية ، ويستهجن أساليب التعذيب المشينة بقلع أظافرهم في سجون الأنظمة الباهتة الفاسدة ؛ ويستهجن تجنيد القصر في حروب هدفها حماية الطغاة ، والقتل الهمجي للأطفال في ميادين المظاهرات الممتدة بشرياً ، وتشكيل صدمات نفسية لهم مستقبلية من جراء ذلك الاستهداف ، من الصعب إزالتها مستقبلا ، وتبقى محفورة في الوجدان إلى الأبد .


ومن بدهيات القول ؛ أن أطفال العالم يتمتعون بالحرية وفقا لما نص عليه القانون الدولي حيث خص الأطفال بالإعلان العالمي لحقوق الطفل الصادر عام 1959، واتفاقية حقوق الطفل الصادرة عام 1989، والتي تعالج حرية الأطفال واحترامهم في ظل المجتمعات واعتبارهم جزء أساسي من تكوين المجتمع حيث اعتبرت حقوق الطفل القانونية جزءا أساسا من حقوق الإنسان، فلا بد من المحاسبة الجدية الدولية لكل من يخالف تلك البنود ويتجاهلها ويرمي بها عرض الحائط .

ومن المهم هنا التأكيد على القضية القديمة الجديدة ، وهي انتهاك حقوق الطفل الفلسطيني ليلا ونهارا ، من قبل الاحتلال الصهيوني الغاشم ، سواء باستهدافه بالقتل ، أو في مجال الاعتقال والمحاكمات والاحتجاز ضمن ظروف سيئة مؤلمة ، تفتقد للإنسانية ، في ظل التعرض لأشكال مختلفة من التعذيب والمعاملة القاسية السادية .
والحال ذاته يقال بشأن انتهاك حقوق الطفولة في العراق ، سواء من الاحتلال الأمريكي ، أو حكومة المالكي غير الشرعية ؛ التي يعد أهم بنودها التطهير الطائفي بديكتاتورية مطلقة ، وهنا نبشر بربيع الثورة في العراق في تحقيق دولة ديمقراطية حقيقية تقوم على التعايش بين الطوائف لا الحرب الشعواء بلا مبرر؛ التي تدعمها النخب الفاسدة في النظام العرافي الحاكم ، وهنا نؤكد على أهم بنودها من محاسبة الفاسدين ، وتحقيق المساواة بين كافة أفراد الشعب الواحد ، وبلوغ منصة الديمقراطية الحقيقية لا المزورة والقادمة على متن الدبابات الأمريكية وبطانتها الفاسدة من العملاء ، ومبدأ تداول السلطة ، والرقابة التي تطال الجميع.

وختاماً أقول أن نور الحقيقة اقوي من نور الشمس ، ولا احد يستطيع أن يخفي نور الشمس ، ولا بد أن تشرق ، والحرية قلب الحقيقة ونبضها ، ولا يمكن أن تختفي اشراقاتها ، التي اختلقت بالدماء في ربيع ثورات العالم العربي ، وبلغت أقصى النزيف في ليبيا ، فهي مشرقة لامحالة ، وأقوى من ظلام الأنظمة المستبدة ، ولكنها تحتاج بعض وقت ، وأنفاس طويلة ، وارداه حديدية ، ومطالب منظمة ، وأجندة ديمقراطية حقوقية عادلة ، في ظل يقظة التنين ، وعنفوانه ، وامتداداته الهائلة ، في بحر الحرية الهائج ، الذي سيهدأ عند إسفار الفجر ، وبلوغ شاطئ الحرية الهادئ ، وانسام الإنسانية المنشودة ، وكما قال محمود درويش تصبحون على حرية .

......................

* لمزيد من المعلومات حول العنف ضد المرأة والطفل يمكن متابعة كتاب انتهاكات حقوق الأنسان وسيكولوجية الابتزاز السياسي " مقاربات سيكولوجية " ، د.سعاد جبر ، الصادر عن دار عالم الكتب / اربد-الأردن 2008،وكتاب سيكولوجيا السياسة "قراءات في احدث ساخنة وشخصيات بارزة " ، د. سعاد جبر ، الصادر عن دار عالم الكتب الحديث / اربد- الأردن ، 2009.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب


.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا




.. الأمم المتحدة تدعو لتحقيق بشأن المقابر الجماعية في غزة وإسرا


.. سكان غزة على حافة المجاعة خصوصاً في منطقتي الشمال والوسط




.. هيئة عائلات الأسرى المحتجزين: نتنياهو يمنع التوصل إلى اتفاق