الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات العربية بعيون فلسطينية

رائد الدبس

2011 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


رغم كثافة وتسارع الأحداث التي تصنع الفصول الأولى من رواية ربيع العرب الذي ابتدأ بثورتي تونس ومصر، فقد تفاعل الفلسطينيون مثل باقي الشعوب العربية مع هذا الربيع، كما لو أنه تأخر وطال انتظاره كثيراً، لكنه جاء مُحمّلاً بالبشائر والآمال الكبرى. فمنذ أن انتصرت إسرائيل على سبع جيوش عربية وحدثت نكبة عام 1948، ثم ما لبثت أن تلتها هزيمة تلك الجيوش عام 1967، أدرك الفلسطينيون أن العالم العربي يُدار ويُحكم بطرق لا تقوده إلا نحو مزيد من الهزائم والنكبات. وبعد ما آلت إليه النتائج السياسية لحرب أكتوبر عام 1973، أدركت كل الأنظمة العربية أنها لم تعد تمتلك القدرة على تحقيق حسم عسكري أو حد أدنى من التوازن الاستراتيجي في مواجهة إسرائيل، فانصرفت عن تلك المواجهة، إما على نحو صريح ومعلن كما حدث في مصر، أو على نحو ضمني كما حدث في غيرها، لكن مع الاحتفاظ ببعض شعارات المواجهة، التي لم تعد تسمن أو تغني من جوع الشعوب العربية إلى الحرية والديمقراطية والتنمية التي تمّ تعطيلها تحت ذرائع مختلفة، منذ حصول الدول العربية على استقلالها وحتى يومنا هذا.

أما إسرائيل التي نشأت كمشروع احتلال استيطاني، فقد أرست قبل إعلان قيامها عام 1948، دعائم نظام مؤسساتي ديمقراطي يعمل بصورة حصريّة لصالح مواطنيها اليهود، وفقاً لآليات قانونية- سياسية معقدة. ولقد أثبت نموذج هذا النظام السياسي الديمقراطي عبر العقود الستة الماضية وحتى يومنا هذا، فاعليته القصوى بالنسبة لإسرائيل وقدرته على جعلها تتفوق على كل أنظمتنا السياسية العربية من المحيط إلى الخليج. إلا أن الأنظمة أجمعت إجماعاً عربياً فريداً على التعامي عن هذه الحقيقة الجوهرية، بل إنكارها والتعالي عليها، ورفض مبدأ الديمقراطية أو تعطيله على نحو كلي أو جزئي. وهكذا فقد ثابرت تلك الأنظمة على إدارة الشؤون الداخلية بشكل يفسد السياسة ويقمع الحرية والديمقراطية. وكان لا بد خلال ذلك من اختطاف شعارات القضية الفلسطينية وترك الفلسطينيين وحدهم في الميدان، ثم قمعهم وعزلهم عن محيطهم الشعبي العربي الطبيعي، برغم كل الادعاءات والتشدق بدعم فلسطين وشعبها. وكان من نتائج سياسات تلك الأنظمة، أنها أحدثت ردود أفعال دفعت الفلسطينيين للمبالغة باستقلالية القرار الفلسطيني. وكانت اللازمة الدائمة التي تكررها معظم الأنظمة كلما طالبت الشعوب بحريتها، هي أن النظام مُستَهدف بمؤامرة خارجية بسبب احتضانه لقضية فلسطين وتبنّيه لسياسة المواجهة، أو بحكم أهمية موقعه الإقليمي. ولم يكن أيّ من تلك الأنظمة مُستهدفاً بل البلاد هي المستهدفة. وقد عبّر الشاعر الراحل معين بسيسو عن هذه الحالة العربية بقوله: وقلبي في يدي جرسٌ يدقّ، فيعلن العسسُ انقلاباً اسمه القدسُ، ومعتمدٌ ومعتضدٌ وألقابٌ وأندلسُ، ولا قدسُ..!

لو نظرنا إلى واقعنا العربي بمنظور تاريخي، فإن عمر هذا الاستبداد لا ينحصر بالعقود الأخيرة من الزمن، بل إن جذوره تمتد إلى قرون طويلة. فبالاختلاف عن كثير من الأمم، نعيش نحن العرب والمسلمون منذ قرون طويلة على أمل انتظار جمعة عظيمة سعيدة نعلن فيها انتصاراً نهائياً على كل الآفات التي تفتك بنا، ابتداءً من الاستبداد المتعدد الأوجه المقترن بالفساد والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والفكري، والجهل والانغلاق على الذات، والفرقة والانقسام والعنف الداخلي والتعصب القبلي والديني والمذهبي والطائفي، وإفساد السياسة وتحويلها إلى حقل مغلق يشبه الأرض اليباب التي لا تعشش فيها سوى أنماط محددة إمّا من التفكير الانتهازي والانهزامي، أو الغيبي والظلامي والرغبوي، وكلها تؤدي إلى سلوك القطيع المبتعد عن قواعد المنطق والتفكير المنهجي، وانتهاءً بالتبعية والاحتلال والعجز عن بناء دول مستقلة وحديثة فعلاً وليس شكلاً. وما زلنا نعيش جُمَع الغضب الحزينة حتى إشعار تاريخي آخر. وبعد كل ذلك نجد من يسأل سؤالاً ساذجاً من قبيل: كيف استطاعت إسرائيل أن تهزم كل جيوش وأنظمة هذه الأمة المجيدة وتتفوق عليها؟ الثورات الشعبية العربية تجاوزت هذا السؤال الساذج لأنها تعرف جوابه تماماً، وهي الآن ستبدأ بمحاولة ترتيب أولوياتها ووضعها على مسار تاريخي جديد، هو مسار الحرية وبناء الأنظمة الديمقراطية الحديثة، وهذا المسار الجديد الطويل سيكون محفوفاً بالمخاطر والتحديات الكثيرة، لكنه سيشكل نهضة سياسية حقيقية لكل قضايا العرب، بما فيها قضية فلسطين. ولعل المكسب والإنجاز القريب الذي يمكن أن يتحقق الآن، هو تحرير السياسة ودخولها مع ثقافة الديمقراطية إلى حياة شعوبنا العربية من أوسع أبواب الحرية.

الشعوب العربية التي صنعت ثوراتها الحقيقية لأول مرة منذ الاستقلال، سوف تسهر على حمايتها والوصول بها إلى شاطئ الأمان الذي ترنو إليه. لكن هنالك أموراً تستحق التوقف عندها. أولاً: إن الولايات المتحدة قد بدأت فعلاً بتنفيذ إستراتيجيتها الجديدة تجاه الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية والإسلامية. ولكي تضفي المصداقية على هذه الإستراتيجية الجديدة، فقد ابتدأتها بالتخلي عن دعم الأنظمة المحسوبة عليها ورفع الغطاء عنها ودعوتها للرحيل، وخصوصاً نظام مبارك في مصر. وكل المؤشرات تشير، إلى استمرار العمل بهذه الإستراتيجية. وهذا يعني استمرار وتعميق حضور مصالحها وأجنداتها في المنطقة، بما فيها العلاقة الإستراتيجية مع إسرائيل وحماية أمنها. بل إن غالبية التقارير الإستراتيجية الأمريكية تعلن بوضوح، أنه كان لا بد من تبني هذه الإستراتيجية والتضحية بأنظمة الاستبداد والفساد العربي، للتخفيف من نقمة الشعوب العربية وغضبها، مع الاحتفاظ بالعلاقة الإستراتيجية مع إسرائيل وتعزيز أمنها واستقرارها في المنطقة. وكعادتها الدائمة، فسوف تسعى إسرائيل للاستفادة من هذه الإستراتيجية الجديدة، وسوف تستغل انشغال العالم العربي بالتحديات الداخلية الجديدة والطويلة المدى.
ثانياً: يمكن القول بأنه ستكون لدى الشعوب العربية وكذلك شعب فلسطين، فرصة تاريخية لبناء أنظمة ديمقراطية منفتحة ومنسجمة مع روح العصر، تستطيع أن تلبي احتياجات وطموحات شعوبها. وهي فرصة تاريخية لإعادة صياغة العلاقات العربية- العربية، والعلاقات العربية- الفلسطينية على أسس صحية متينة وخالية من تشوهات الاستبداد ومن اختطاف القضايا الكبرى. ثم يمكنها أن تكون قادرة على إعادة صياغة إستراتيجية عربية وفلسطينية جديدة، ومواجهة التحديات الخارجية من خلال بناء الديمقراطية، الذي طالما تباهت وتفاخرت إسرائيل بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، المحاطة من المشرق والمغرب بأنظمة استبدادية وبشعوب غاضبة من الاستبداد، فهل ننجح جميعاً بسحب هذه الورقة من يدها؟
ثالثاً: إن هذه الثورات سوف تعيد صياغة وتصحيح المفاهيم التي تمّ تشويهها في الماضي، فمفهوم التضامن العربي سوف تعاد صياغته على أسس شعبية واقعية. ومفهوم الثورية والمقاومة بالشعارات دون فعل حقيقي مثمر، سوف تعاد صياغته على أرض الواقع الجديد المليء بتحديات بناء الدول الديمقراطية الحديثة، وتكريس ثقافة المواطَنَة والتعددية السياسية والتنمية. ولقد أثبتت التجارب المريرة أن الابتعاد عن غوغائية الأنظمة، والابتعاد عن أنماط التفكير الغيبي والظلامي والرغبوي الشعاراتي، هي الوسائل الكفيلة بمواجهة هذه التحديات. وتلك تحديات أكثر صعوبة وتعقيداً من إسقاط الأنظمة المستبدة الفاسدة، فهل ننجح؟

أخيراً، هنالك وهمٌ سياسي يطل برأسه أحيانا، أن سقوط هذا النظام أو ذاك، سيخدم هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك. والحقيقة هي أن سقوط أنظمة الاستبداد يخدم المصالح الفلسطينية العليا وليس طرفاً دون غيره. لأن قضية فلسطين هي واحدة من أكبر ضحايا الاستبداد، بكل أنواعه ومبرراته السياسية والأيديولوجية والدينية. ولعل في القول التالي للشاعر محمود درويش، ما يلخص الكثير من رؤية الفلسطينيين لما يحدث في محيطهم العربي: طريق الساحل، طريق يؤدي إلى مصر والشام، قلبي يرنّ من الجهتين.. طريق المسافر من وإلى نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب