الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-لغز- وجود النفط في الأردن: أحجية عصية على الفهم

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 4 / 10
الادارة و الاقتصاد


من نافلة القول التأكيد على حقيقة قديمة متجددة مفادها بأن النفط عصب الحياة الصناعية العالمية ، وان اكتشاف النفط منذ مطلع القرن الماضي شكل انقلاباً نوعياً لمفهوم الطاقة التي عصفت بالثورة الصناعية التقليدية لصالح ثورة صناعية معاصرة عصبها الذهب الأسود ، ولعب ايضا دوراً في اثارة الفتن والنزاعات السياسية العربية والاقليمية والدولية ، وجعل الشرق الأوسط او المنطقة العربية مرتعاً خصباً للحروب والقلاقل ولقلب الأنظمة العربية ، وكان أخرها ما أسمته واشنطن حرب "الدفاع عن الحرية" في العراق عام 2003م وهدفها الرئيس هو السيطرة على نفط العراق الذي يمثل ثاني أكبر انتاج واحتياطي نفطي في العالم .
على أية حال ، لا أهدف من هذه المقدمة الكلاسيكية سبر غور الدور الأمريكي في العراق ، او للتعريج على أهمية النفط للحياة الصناعية في العالم ، وانما بدات هذا الاستهلال للخوض في غمار المعضلة الكبرى التي تواجه الصناعة الأردنية ، في خضم الجدال العقيم في الساحة المحلية والذي يحتدم منذ سنوات حول لغز وجود أو عدم وجود النفط في الأردن ، وتحديداً في منطقة البحر الميت ، خاصة بعد سلسلة التحقيقات التي قامت بها وسائل اعلام أردنية وأجنبية، والتي تزامنت مع تقارير علمية قدمتها شركة ترانس جلوبال الأمريكية منتصف العام 2008م تفيد بوجود النفط بكميات تجارية في منطقة البحر الميت، فيما تنكر الحكومات المتعاقبة صحة تلك التقارير!!
فالقضية التي كان مختلف بشانها بين الحكومة من جهة ، وشركة ترانس جلوبال الأمريكية من جهة أخرى ، والتي كانت مكلفة بالتنقيب عن النفط في الأردن ، لا تتعلق بمجرد ادعاءات تبعث بها الشركة لاثارة الرأي العام المحلي ضد الحكومة الأردنية لتعويضها أو تمديد عقدها للعمل في الأردن ، ولم ترتبط كذلك بتوجه رسمي مفاده رغبة الحكومة باغلاق ملف التنقيب عن النفط في الأردن لأسباب سياسية واقتصادية ، وانما بالأساس قضية وطنية تمس امن الاقتصاد الوطني بمجمله ، فان صحة فرضية الشركة بوجود النفط بكميات تجارية في الأردن مع وقف التنفيذ لحين توفر السيولة المالية الهائلة لاستخراجها ، فهذا يعني تحول استراتيجي كبير في موقع الأردن وتأثيرة في الخارطة السياسية والاقتصادية والصناعية في منطقة الشرق الأوسط ، وبالمقابل ان كانت رؤية الحكومة صائبة بافتراض أن توقعات الشركة الأمريكية مجرد تكهنات –وهذا ما ستبثته السنوات المقبلة- فيعني تبخر أحلام الأردنيين بتحول البلاد الى قائمة الدول النفطية .
على أية حال ، فان حاجة الصناعة الأردنية الى الطاقة النفطية لا يعدلها حاجة اليوم بعد الارتفاع الملحوظ في أسعار النفط العالمية وتجاوزها لسقف ال(100) دولار منذ أسابيع ، سيما بعد أن حررت الحكومة قطاع المشتقات النفطية دون مراعاة لاثار ذلك على مستوى وكفاءة وكلف الصناعات الوطنية المحلية ، فقد حذرت غرفة صناعة الأردن في دراسة قدمتها للجهات الرسمية قبل عامين من عواقب تحرير أسعار المشتقات النفطية والكهرباء والغاز المستخدمة للصناعة كونها مرتفعة في الاصل وتفوق كثيرا معدلات الأسعار الدولية بشكل كبير.
ودعت الدراسة الى وضع آلية لتوفير المشتقات النفطية والغاز بأسعار تنافسية على مستوى المنطقة، كما دعت الحكومة لتوفير البنية التحتية اللازمة لاستيراد وتخزين مشتقات الطاقة وان تسرع الحكومة في ايجاد المظلة التنظيمية التي تضمن المنافسة ومنع الاحتكار والعمل على توفير الغاز الطبيعي لاستخدامه في الغايات الصناعية.
وأظهرت الدراسة أن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في الأردن عن مثيلاتها في الدول المجاورة بنسبة تصل الى ثلاثة أضعاف لبعض المشتقات ، يضعف قدرة الصناعات الأردنية على المنافسة في السوق العربي والإقليمي ، خاصة وأن المنتجات الأردنية الصناعية لا تتوفر لها قاعدة الامتيازات التجارية التي تقدمها دول الجوار للقطاع الصناعي .
وأكدت الدراسة ان ارتفاع أسعار الطاقة والكهرباء على السواء في الأردن يؤدي الى ضعف مقدرة الصناعة الأردنية على منافسة صناعات الدول المجاورة سواء في الأسواق الخارجية او حتى في السوق المحلية, وإضعاف قدرة القطاع الصناعي على جذب الاستثمارات الأجنبية. وبينت الدراسة ان قطاع الصناعة في الأردن يعاني من مشاكل عديدة أهمها عدم وجود مصادر للطاقة الأولية خاصة النفط والغاز ، وضعف البنية التحتية اللازمة لاستيراد النفط من الدول المجاورة بسبب عدم صلاحية خط التابلاين الذي يربط الأردن مع السعودية وعدم بناء أي خط بديل له.
من هنا تبدو الأهمية البالغة لسبر غور أحجية وجود النفط في الأردن ، باعتبار أن معضلة الصناعة الأردنية الأساس هي الطاقة ، وتحديداً الذهب الأسود ، فان استمرت أسعار النفط في ارتفاع غير مسبوق ومتوالي خلال الشهور القادمة واستقرت فوق حاجز ال(150) دولار أمريكي ، فلا يمكن للقطاع الصناعي أن يستمر بالعمل او المنافسة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي والعربي ، هذا ناهيك عن ارتفاع كلف انتاج الصناعات المحلية , مما يضعف تسويقها محليا لضعف المقدرة الشرائية للمواطن الأردني في ظل موجة الغلاء العارمة التي تجتاج السوق الأردني ، وأيضا ترتفع كلفها التسويقية خارجياً بسبب ضعف منافستها مع المنتجات العربية والاقليمية التي تصدّر بتكلفة أقل من جهة ، ومن جهة أخرى لاستمرار ربط الدينار الأردني بالدور الأمريكي ، والذي شهد مؤخراً هبوطاً حاداً انعكس سلباً على حركة الاستيراد والتصدير الأردنية التي ارتفعت بنسب قياسية بسبب ارتفاع سلة العملات اليابانية والأوروبية مقابل انخفاض قيمة الدولار .
بدأت قصة لغز وجود النفط في الأردن ، خاصة في حوض الميت ، بتوقيع شركة ترانس جلوبال بتروليوم جوردان الأمريكية اتفاقية للتنقيب عن النفط في الأردن مع الحكومة الأردنية عام 1997م ، ممثلة بسلطة المصادر الطبيعية التابعة لوزارة الطاقة ، وبدأت بالمقابل الأزمة بين الطرفين، "بعد تسلم الدكتور ماهر حجازين مهامه مديرا عاما لسلطة المصادر الطبيعية بزمن قصير ، حيث تغيرت أجواء العمل، وتعرض فريق شركة ترانس جلوبال لبعض المناكفات التي استدعت توسيط شخصيات حكومية لتسهيل الحلول الوسط بين الطرفين وقبول تمديد المرحلة الثانية للشركة" ، ولكن ملامح التأزم الحقيقية في العلاقة بين الطرفين ظهرت بعد نشر خبر على موقع أويل جاس انترناشيونال ، بتاريخ 24/2/2005 يفيد باكتشاف احتياطي نفطي يقدر بنصف بليون برميل من النفط في حوض البحر الميت على الجانب الأردني.
أثار هذا الخبر غضب سلطة المصادر الطبيعية ، فخاطبت شركة ترانس جلوبال بهذا الشأن متهمة إياها بالتصريح للموقع المذكور دون إذن، منتهكة شروط اتفاقيتها الموقعة مع الحكومة الأردنية .
بعد ذلك حاولت الشركة استقطاب عدد من المستثمرين لمشاركتها تكاليف المرحلة الاستكشافية الثالثة لحفر آبار جديدة وإعادة تقييم ما تم حفره، حيث أن البيانات التحليلية المتوفرة لديها تدلل على وجود النفط بكميات كبيرة تتراوح بين نصف بليون إلى بليون ونصف برميل من النفط في المنطقة، ولكن المنطقة بحاجة إلى تطوير، وهو ما يتطلب إنفاق مبالغ طائلة غير متوفرة لدى الشركة. وكانت المفاجأة أن سلطة المصادر رفضت فكرة دخول مستثمرين من أي جنسية ، كما وقفت بوجه دخول الشركة للمرحلة الثالثة من التنقيب بحجة انها لم تنهي المرحلة الثانية بشكل كامل ، وبنهاية عام 2006م وقبل ثمانية أشهر من انتهاء عقد ترانس جلوبال ، وتحت ضغط المغامرة بخسارة عقدها كاملا وخسارة كل شيء بما في ذلك كل ما تم دفعه من مصاريف واحتمالات الربح الكبيرة المحتملة جراء اكتشاف النفط، وتعرضها لما تسميه الشركة "تدخلات وضغوط من قبل موظفين حكوميين في مراكز متوسطة" في سلطة المصادر الطبيعية ، وبعد بضعة أسابيع فقط من تأسيس شركة بوروسيتي لمتد المملوكة لأيمن الحريري ، تفوز الشركة الجديدة بحق التشغيل كاملا وبثمانين في المائة من حق الامتياز بعد موافقة سلطة المصادر الطبيعية على ذلك التنازل خلافا لنهجها السابق في رفض المستثمرين أو التشكيك في جديتهم .
ان ظهور شركة "بروستي" على خط الرغبة في التنقيب عن النفط في الأردن وحيازتها على 80% من حقوق التنقيب في وادي العسال والبحر الميت ، يطرح تساؤلات كبرى حول الأسباب والدوافع التي حدت باصحابها المعروفين الى الاستثمار في حوض البحر الميت إن لم تتوفر لديهم معلومات مؤكدة بوجود النفط. كما أن امتناع الشركة الجديدة عن القيام بأي عمليات حفر وهو ما كان يفترض أن تباشره بدءا من إبريل 2006، ولم يحدث حتى اليوم، يثير العديد من التساؤلات حول أهلية الشركة وكفاءتها وملاءتها المالية والفنية، كما يطرح تساؤلات أعمق حول دستورية وقانونية ذلك التنازل الذي تم بمعزل عن مجلس الأمة رغم أنه الجهة التي أصدرت القانون الخاص باتفاقية الشراكة مع ترانس جلوبال.
ويقول خبير نفطي: " إن هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها حكومة تنفي احتمالية وجود النفط في بلادها، في الوقت الذي تعلن فيه شركة نفطية عن وجود مثل ذلك النفط"، معتبرة أن الدلائل التي قدمتها الشركة لا تعني توفر النفط .
وأثارت الدعوى التي رفعتها شركة ترانس جلوبال بتروليوم على الحكومة الأردنية ممثلة بسلطة المصادر الطبيعية ووزارة الطاقة بقيمة 700 مليون دينار وتطالبها فيها بالتعويض عما لحق بها من أضرار جراء إيقافها عن العمل في منطقة امتيازها " حوض البحر الميت" في ديسمبر 2007 اهتمام وسائل الإعلام الأردنية والعالمية ، أولا لضخامة التعويض الذي تطالب به الشركة الحكومة الأردنية، وثانيها لأهمية الإعلان الذي كشفت عنه الشركة سابقا من احتمالية توفر النفط بكميات تجارية ضخمة في منطقة الامتياز، وثالثها للأسباب التي ادعت الشركة النفطية أنها تقف وراء تحريكها للدعوى.
وفي عام 2009م أعلن الطرفان ، الحكومة الاردنية وشركة ترانس جلوبال، عن الاتفاق على تسوية القضية وديا عبر المركز الدولي لمنازعات الاستثمار (ICSID) ، ورغم انهاء الزامة بين الطرفين، ورغم ايضا تجاهل مؤسسات الدولة التام لكل التقارير الرسمية والاعلامية التي تخص هذا الموضوع، إلا أن لغز وجود النفط في الأردن قد يأخذ منحنيات افقية وعرضية كثيرة، لا سيما ان القضية تجاوزت حد الخلاف القائم بين شركة ترانس جلوبال والحكومة لتدخل حيز الرأي العام الأردني أولا ، والاهتمام الرسمي العربي ثانياً ، باعتبار ان صحة وجود النفط في الأردن ستغير معادلات اقتصادية وسياسية كثيرة في المنطقة، أقلها حرمان الأردن من المساعدات والمنح العربية والأجنبية في السنوات القادمة ، وهذا ما تخشاه الحكومة ، وكذلك دخول اسرائيل على خط المطالبة بالتدخل الأمريكي بالقضية ، نظراً لاهمية منطقة البحر الميت استراتيجياً لأمن اسرائيل في مجال الطاقة والجيو سياسة .
ويعتقد علي نطاق واسع بان الحسابات المرتبطة بالعلاقة مع السعودية او مع الولايات المتحدة ، او الحسابات المتعلقة بالدور الاقليمي للاردن، قد تكون هي السبب في الموقف الرسمي غير الواضح بهذا الخصوص ، لا سيما بعدما شاهد الرأي العام الاردني شركات النفط تتزاحم وتتبادل التصريحات فيما بيها عبر الصحافة المحلية، فيما المواقف الرسمية لا تملك اسبابا فنية او غير فنية تدفعها للسماح بسقف منخفض في مداولات فك لغز النفط في الأردن !!
واذا كان قد اغلق ملف النفط في السابق لاسباب سياسية ، فقد فتح الان لاسباب اقتصادية وصناعية اضطرارية ، ويتوقع المراقبون ان تحفظ جهات رسمية على فك شيفرة ملف وجود النفط في الاردن، يعني دخول الملف النفطي في باب الاستحقاق الشعبي بعد ان كان مطروحا فقط علي مستوى النخبة .
حصيلة القول ، أن التقارير العلمية تؤكد أن الأردن بلد نفطي بامتياز ، لكن مع وقف التنفيذ ربما لأسباب سياسية أو اقتصادية بحتة ، فالبعض يروج لنظرية محاولة الأردن تأجيل اكتشاف النفط فيها ما أمكن للاستفادة من مسألة نضوب المخزون النفطي في المنطقة والتفرد لحظتها بمخزونها النفطي ، والبعض يعتقد أن غلق الملف من جانب الدولة حاليا نظراً للتبعات السياسية المترتبة على موقف الدول الداعمة للأردن ، وموقف دول الجور تحديداً ، خاصة إسرائيل .
على أن القول الذي لا خلاف عليه أن لغز وجود النفط في الأردن من عدمه احجية عصية على الفهم ، على الأقل بالنسبة للشعب الأردني بمختلف طبقاته ، والذي يسأل باستمرار وبتهلف هل حقا الأردن بلد نفطي مع وقف التنفيذ لحين الاقرار الرسمي بذلك !! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا ريت ما تقوله صحيح
م. جيولوجي عدنان الصوص ( 2011 / 4 / 10 - 16:44 )
على الرغم من محاولات الاردن الدؤوبة في التنقيب عن النفط المذاب الا ان حظنا لغاية تاريخه مش مشجع، وذلك كون ما استخرج منه لا يعتبر شيئا في قاموس الانتاج النفطي. لذا وبعد حدوث ارتفاع كبير في سعر النفط، توجهت النوايا لتعدين الصخر الزيتي كما هو معلوم، وعلى الرغم من أن ثلث الانتاج من البترول المنصهر من الصخر يذهب لعمليات الانصهار، وان المستثمر يريد هو كذلك حصته التي تصل الى الثلث تقريبا ، الا ان الاردن قرر ان يخوض هذه التجربة،،، تخيل لو ان النفط بعد زمن عاد سعره الى عشرين دولار للبرميل، فما هو مصير انتاجنا من الصخر الزيتي حينها، وهل ستستمر الشركات في الانتاج ام انها ستخسر؟ فالاحجية ليس وابدا في واقع النفط في الاردن لدى المتخصصين بل هي احجية لدى غيرهم، ثم ثمة احجية اخرى وهي اننا تربينا للاسف على عدم الثقة في الحكومات المتعاقبة لاسباب عديدة وشكرا

اخر الافلام

.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف


.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى




.. أسعار الذهب اليوم تعاود الانخفاض وعيار 21 يسجل 3110