الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع المهندس فوزي حبشي

حسان زين العابدين

2011 / 4 / 11
مقابلات و حوارات


حديث مع المهندس فوزي حبشي، أحد أعلام الحركة الشيوعية المصرية والعربية، صاحب كتاب "معتقل كل العصور" أو إذا صح التعبير" معتقل لدى كل الحكام“.
حاوره حسان زين العابدين، في وقت تتأجج فيه الإحتجاجات الشعبية في مصر وعدد من بلدان الشرق الأوسط.

س 1
في مقدمة كتابك الذي نشر في القاهرة إبان ظروف سياسية صعبة وتمت ترجمته إلى اللغة الإنكليزية، تطرح على نفسك السؤال عما إذا كان نضالك المرير وما عانيته في سجون الدكتاتوريات عديما للجدوى!

ج 1
في كل المجتمعات هناك حركة سياسية سواء بين الحكام والمحكومين أو بين المحكومين بعضهم وبعض، وكانت أحزاب تلك الحركات تستمد آراءها من الثقافة الإنسانية عموما، وطرق نقل هذه الثقافة تطور، فأيامنا كان يتم هذا النقل بالكتب أو الجرائد أو الإذاعات. وكانت الحكومات المستبدة تحاكم الرأي المعارض المدني أمام محاكم عسكرية، وقد تلقي بصاحبه إلى معتقلات لمدة غير محددة وإزدادت فيها الأساليب الوحشية. مثال ذلك عبود الزمر الذي حوكم عسكريا وحكم عليه بالمؤبد، وبعد نهاية مدة حكمه عاد إلى المعتقل لمدة غير محددة. لذا أرى أن أول أهداف الثورة يجب أن يكون حرية الرأي بإلغاء الأحكام العرفية، فيفرج عن المعتقلين فورا ولا يحاكم أي مدني أمام محكمة عسكرية، بل أمام قاضيه الطبيعي.

س 2
في كتابك تروي قصة حياتك وحياة عائلتك والمعاناة التي مررت بها في سجون الحكام المتعاقبين بدء بالملك فاوروق ووصولا إلى حسني مبارك، ما الذي جعلك وزوجتك، ثريا شاكر، تصمدان طوال تلك الفترة، مع أنك كنت في إحدى المرات تكاد تموت تحت التعذيب؟

ج 2
إن تغيير المجتمعات سياسيا لايتم بسهولة. وللديمقراطية ثمن كان لا بد لنا أن ندفعه وأن نصمد لتحقيق مطالبنا. ومن الجميل فعلا شعار شباب ميدان التحرير"الجمعة المليونية، والتي يتلوها جمعات...“ فإن سياسة النفس الطويل هي أهم صفة للثورات الشعبية. فهذا الصمود من الشباب يلفت نظر فئات شعبية أخرى، كانت قد تحرقت في السابق، كعمال مصانع المحلة الكبرى، وموظفي الضرائب العقارية وخلافه، ليروا ان الوقت هو المناسب لتحقيق المطالب التي وعدوا بها ولم يتم تحقيقها. وهنا يهمني أن أوضح الفرق بين شعار مضاد لشخص وليكن للرئيس السابق وشعار مضاد لنظام ينادى بإسقاطه، فالصمود يحقق مكاسب فعلية أكثر أهمية، مثل مطلب إلغاء الأحكام العرفية.

س 3
يشهد بلدكم في الوقت الحاضر ثورة شعبية عارمة لم يقم أي حزب بتنظيمها أو قيادتها. هل لك أن تحدثنا عن العوامل التي أدت إلى إنفجار هذا البركان؟ وماهي برأيك آفاق هذه الثورة؟

ج 3
إن هذه الثورة لم يقم بها أي حزب لأن الأحزاب الحالية كلها ورقية فلم يكن لدينا أحزاب في عهد عبد الناصر إلا حزبه، وطورها السادات بشكل هزلي فأعطى اليساري "التجمع" مقرا ودعما ماليا، ورأينا كيف تطور ذلك إلى الموقف المشين من الإنتخابات الأخيرة التي دخلها مخالفا الرأي العام فمنحته السلطة 5 مقاعد في مجلسها المشوه، وأحزاب الوسط التي يكاد لا يعرف المواطن العادي عددها أو حتى أسماءها. أما حزب اليمين وهو " الحزب الوطني" فقد تطور إلى أن صار هو حزب الربط بين رأس المال والسلطة. فتطور الفساد وكثر الحديث عن أصحاب المليارات وما أكثر ما تم تهريبه من ثروة البلاد... ويكفي ماكان له من خاتمة غير سارة من هروب أغلب قادته أو إدانتهم جنائيا وحرق أغلب مقراته.. كل هذا كان المفجر الرئيسي لثورة ال25 من يناير، أما وسائلها فكانت التكنولوجيا الحديثة مثل الفيس بوك والمدونات وخلافه، التي لم تقو السلطة الحاكمة على حجبها، ويذكر أنها حينما أبطلت العمل بالكمبيوتر لو تقو على إستمرار القرار إلا أياما وعادت عنه لتناقضه مع مصلحتها.

س 4
النظام يعلن أن الإخوان المسلمين هم الذين حرضوا على هذه التظاهرة، كما يزعم النظام أن التظاهر هو السبب في الإنفلات الأمني. ماقولك؟

ج4
إن العمل السياسي وهو يعالج أمور المجتمع وكلها قواعد مادية لاشأن لها بعلاقة الإنسان بخالقه... وخير شعار في هذا الصدد مانادت به ثورة 1919 „ الدين لله والوطن للجميع". وإذا تدخل الدين بالسياسة فغالبا ما يكون خطوة إلى الخلف، فالأحزاب المسيحية في أوروبا أغلبها في أقصى اليمين، وعندنا يسلب الأخوان المسلمون المرأة والأقلية القبطية حقهما في الترشح للرئاسة. أما ثوار 25 يناير فقد كان موقفهم من الدين رائعا. فقد كانوا متضامنين بحراسة أماكن العبادة، عكس ماقامت به الرجعية من حرق كنيسة الإسكندرية.

س 5
الولايات المتحدة الأميركية قلقة على مصالحها في مصر والشرق الأوسط. كما تبدي إسرائيل مخاوفها من أن تؤدي هذه الإنتفاضة إلى حكم إسلامي على غرار إيران.

ج 5
إن الولايات المتحدة تعلم أن مصر دولة عريقة لدرجة أنها تعكس تطورها السياسي على التاريخ في المنطقة وقد إتضح هذا في موقف شباب ٢٥ يناير من الأديان، فلا يمكن أن تتطور إلى دولة دينية كما في إيران، ولكن تخشى أمريكا أن تتطور الثورة إلى الحد الذي تتعامل فيه بجدية مع الملف الإسرائيلي، فتوقف تصدير الغاز لإسرائيل وهذا بدوره قد يؤدي إلى إعادة النظر بإتفاقية ١٩٧٩ بكامب ديفيد و ما شابهها من سلبيات.

س 6
ثمة قوى سياسية تسعى إلى جني ثمار الثورة. ما هو الدور الذي بوسع أحزاب المعارضة التقليدية أن تمارسه، بما في ذلك حزبكم، وهل بوسع هذه الثورة العفوية أن تكتسب زخما أو لوناإجتماعيا تقدميا، كما حصل في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية؟

ج 6

إن جميع شباب الأحزاب اليسارية التقليدية كان ضمن شباب ميدان التحرير، مثل شباب الجبهة الديموقراطية أو الناصري و غيرهما ولكن لم تكن لهم القيادة، ولكن الزخم الذي أحدثته ملايين ميدان التحرير كان قويا وله إنعكاساته في باقي محافظات الجمهورية مثل الإسكندرية والمحلة التي حدثت بها تحركات عمالية نجحت في الحصول على بعض مكاسبها، ولكل ثورة شعبية مكاسب إجتماعية . فبعد سقوط حسني مبارك صار شعار ثوار التحرير سقوط النظام بمعني تغيير إجتماعي شامل. وبدأنا نرى محاكمات لبعض عناصر النظام الفاسدة يزداد عددهم كل يوم.

وأرى تشابها بين الدول النامية سواء بشمال إفريقيا والبلدان العربية أو أمريكا اللاتينية. ففي كلاهما تزاوج رأس المال بالسلطة. وهنا أود أن أشير بأني لا أدعي شرف المشاركة في تلك الثورة، رغم تأييدي الكامل لها، وذلك لصعوبة حركتي، إذ إقتربت من سن التسعين، وخوفي من أن أكون عبئا على شباب التحرير، وإكتفيت بتشجيع أولادي وأحفادي للذهاب والمشاركة الفعلية في جميع التحركات التي قامت بها ثورة 25 يناير.

س 7
نعود إلى التاريخ! كتابك بمثابة كتابة للأحداث التاريخية، فقد رويت فيه الأحداث التاريخية عن كثب ، من قلب الأحداث، موقفكم من ثورة يوليو، قيادتكم لمقاومة العدوان الثلاثي في بورسعيد، بالرغم من أن قسما كبيرا من رفاقكم كان يقبع في السجون. ماهو تفسيركم لعلاقة الإتحاد السوفييتي مع نظام عبد الناصر، بالرغم من الإضطهاد العنيف للشيوعيين؟

ج 7
أرى أن خير توصيف لجمال عبد الناصر أنه كان عظيم المزايا، عظيم الخطايا. فالكل يؤكد كم كان موقفه عظيما في مؤتمر باندونج والحياد الإيجابي وأعطاه كاريزما عالمية فقاد منطقة الشرق الأوسط كلها وساعد ثورات شعوبها ومثال تدعيمه لثورة الجزائر واضح.
وأمجاده الداخلية لا تخفى على أحد، فبعد أن رفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي، أضطر عبد الناصر إلى اللجوء للإتحاد السوفييتي، الذي سارع لتمويله لمحاولة إزاحة أمريكا من منطقة الشرق الأوسط فأمم قناة السويس. وإندفعت البلاد نحو التصنيع. كل تلك الأعمال يذكرها له التاريخ ويضعه في مصاف القادة العظام.

كل هذا لا يخفي طابعه الدكتاتوري وشعاره المشين حين فضل أهل الثقة على أهل الخبرة، وحكم بالأحكام العرفية أغلب سني حكمه، وأعدم عمال كفر الدوار "خميس والبقري" . وكان أول من أنشأ معتقل الواحات وأول من إعتقل السيدات من دون محاكمة وحاكم السياسيين أمام المحاكم العسكرية.
ورغم خطايا عبد الناصر، التي لن يغفرها له التاريخ، فقد نزلت الجماهر العظيمة يومي 9 و 10 يونيو، وكنا ضمنها، زوجتي وأنا ، وطالبت بعودته عن قراره بالتنحي عن السلطة.
ومما يظهر علاقةالسياسية الدولية بالوضع الداخلي المثال التالي حين كان عبد الناصر في زيارة ليوغوسلافيا وقتل الشهيد، أستاذ الجامعة، شهدي العطية على باب معتقل أبو زعبل، فطلب "تيتو" ، رئيس يوغوسلافيا الحضور بالوقوف دقيقة حداد على الشهيد، مما أضطر عبد الناصر إلى الأمر من هناك بإيقاف التعذيب في معتقلاته.

س 8
شهدت الفترة الأخيرة نموا للتيار الإسلامي. ماهو برأيكم أسباب ذلك وكيف يجب على الحركات والأحزاب اليسارية في العالم التعامل مع الدين أو بالأحرى مع الحركات الدينية؟

ج 8
في ثورة 25 يناير/ كانون الثاني رأينا تحرك الشارع بجميع أطيافه. ومن البديهي أن يتحرك معه التيار الإسلامي ومع ذلك فالشعار الذي كان يرفع سابقا وهو " الإسلام هو الحل" كان من الغموض بحيث إتفق الجميع على عدم ذكر أي شعار ديني. ومع أنني أرى فصل الدين عن السياسة لأن الدين مسألة ذاتية معنوية وللسياسية مواقف مادية ملموسة. ولذلك أرى على الحركات والأحزاب السياسية اليسارية أن تدخل مع الحركات الإسلامية في جبهات لكل موقف على حدة. والشعب المصري وعلى الأخص في جيلنا يذكر أن الإخوان المسلمين كانوا ضد تأميم أراضي الإقطاع. وأتصور أن تأثير الإسلاميين في الريف قدري بطبيعته، أكثر من تأثيرهم في الأوساط العمالية، حيث العامل يحرك الماكينة بإرادته. ومع ذلك لا أشجع أي نقاش ديني في المواقف السياسية ويقتصر النقاش مع الإسلاميين في برنامجهم السياسي حين يعلنوه.

س 9
التضامن الأممي كلمة لم تعد تذكر كثيرا. هل هو شيء لم تعد له آنيته؟ وكيف على أحزاب اليسار في العالم أن تتعاون مع بعضها؟

ج 9
التضامن الأممي كان في أوجه مع بدء الثورة السوفييتية أيام "لينين" ونشأت وقتها الدولية (الأممية) الأولى " الكومنتيرن" فكانت تأتينا أحيانا توجيهات من الحزب الشيوعي الفرنسي. ثم تطور هذا بعد الحرب العالمية الثانية إلى التفاهم الدولي أو تبادل المعلومات "كومن فورم" وذلك بعد تحالف المجتمع الشيوعي بقيادة السوفييت مع المجتمع الرأسمالي بقيادة أمريكا ضد الدول الفاشية ألمانيا وإيطاليا... أما الآن وقد إنتهى عصر الصراع المسلح بين الدول الكبرى، فأصبحت الأحزاب اليسارية تتعاون مع بعضها بالجدل وليس بالتوجيه وأصبحت هناك إمكانية الإختلاف في الرأي وأرى في ذلك تطبيقا صحيحا لجدلية الماركسية.

س 10
فوزي حبشي، وثريا شاكر شاطرتك النضال والصمود وكانت بدورها مرارا عديدة في السجن! هل لك أن تحدثنا عن تلك الفترة وكيف تمكنتما من الجمع بين النضال السياسي وتربية الأطفال؟

ج 10
أحب أن أذكر هنا أننا كثيرا ما كنا نناقش السياسة أثناء لقاءاتنا المنفردة، فتقاربت آراؤنا ودخلنا المعتقلات في وقت متزامن. وفي هذا السياق أذكر لثريا موقفها العظيم حين سفهت موقف البوليس السياسي، بأن تطلقني ليفرج عنها.
أما في معرض الجمع بين نضالناالسياسي و تربية أطفالنا الثلاثة فأذكر لثريا موقفا في غاية الأهمية، فقد إعتقلت هي في 27 مارس 1959 وتمكنت من الهرب لفترة أرسلت لها أقترح توزيع أطفالنا على منازل أقاربنا فجاءني ردها حازما مقنعا. „ يكفيهم فقدان الأبوين فلا تفقدهم المناخ العام الذي يعيشون فيه" وفعلا جاءت والدتي التي تجاوزت السبعين من العمر لتعيش معهم بنفس المنزل وكان من الأقارب السيدة نادية التي هي في عمر ثريا وكانت تعمل مديرة لأحد مدارس الأطفال فأشرفت على كل تفاصيل حياة الأطفال، أما عن التمويل فقد تكفل به أساسا المهندس رمزي شاكر، أخو ثريا وآخرون كثيرون، وعلى سبيل المثال أحد زملائي المهندسين الذي كان يحضر للأولاد ملابس في كل الأعياد، على الرغم من أنه كان يختلف معي سياسيا تماما. ومثال آخر هو صديق إسمه عبد الرازق حسن كان قد أعتقل بضعة أشهر ثم خرج ورأس البنك الصناعي. كان يمر على الوالدة كل أول شهر ليعطيها مبلغا من المال مؤكدا أنه قد إستلفه مني قبل الإعتقال, مرت السنين العجاف الخمس التي اعتقلنا فيها وفصلنا من أعمالنا وحاول جمال عبد الناصر بخطاياه العظيمة أن يثنينا عن رأينا دون جدوى.

س 11
فوزي حبشي، وقد بلغت الثامنة والثمانين من العمر، الذي قضيت قسما كبيرا منه مسلوبا حريتك. كيف ترى مستقبل اليسار والحركة الإشتراكية بالتحديد؟ وماذا تقول للجيل الشاب؟

ج 11
الآن وقد قاربت نهاية القرن التاسع من العمر وقد قضيت جزءا كبيرا في السجون والمعتقلات، أود أن أقول للأجيال الشابة، أن كل إنسان عليه مسئولية المشاركة في بناء المجتمع و هذا يتطلب.

أولا: الدراسة المتأنية لمعرفة أسلوب قيادة المجتمع والعلاقة بين الحكام والجماهير وأي السياسات تتبع وماهي حقوقنا في إختيار من يحكمنا، وكيف تسير عملية الإنتاج وما حجم الإستغلال والفساد … وكيف نستأصلها.

ثانيا: وطبيعي أن تلك الدراسة المتأنية ستكشف للإنسان وجود تكتلات أو أحزاب سياسية كل منها له طابع خاص أو رأي سياسي واضح . فأنصح الشباب أن يطالبوا كل حزب بتوضيح برنامجه بوضوح وشفافية، حتى إذا إنضم إليه يكون ذلك بإقتناع كامل.

ثالثا: حين تتشكل الأحزاب بحرية تامة ويعلن كل منها برنامجه فأنصح شباب هذه الأيام بعد الإنضمام إلى الحزب الذي يقتنع به أن يسعى إلى العمل الجبهوي بين الأحزاب المتقاربة حتى تنجح في تنفيذ خططها. فالجدل غالبا ما يدفع إلى الأمام وليس الإقصاء، وفي التكاتف قوة تؤدي إلى النجاح. وقد رآى العالم كله كيف نجح شباب ٢٥ يناير وكيف أطاح بأخطبوط حسني مبارك … وسيتلوه قطعا نجاحات أخرى حين المتابعة والإصرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير