الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفاق التعدديه وحرية الصحافه في العراق بعد 2003

توفيق حميد كاطع

2011 / 4 / 12
الصحافة والاعلام


أفاق التعددية وحرية الصحافة فى العراق بعد 2003

توفيق السعد
المقدمة
بعد الزلزال المدوي الذي هد أركان الدولة العراقية في 9/4/2003 وتغير نظامه السياسي بإسقاط نظام الحكم فيه, وبغض النظر عن الظروف الدولية والاقليمية والداخلية وبعيدا عن التوصيفات والمسميات للعملية برمتها إحتلالاً أم تحرير... وما صاحب هذه العملية من تدمير بكل معنى الكلمة لكل البنى التحتية للعراق العسكرية منها والاقتصادية والتعليمية والخدمية ، ولم تسلم المنشأة الاعلامية قطعاً من أيدي المخربين محتلين أو لصوص أو ميلشيات وكما حلت وزارة الاعلام الذي ينضوى كل العاملين في الاعلام تحت سمائهابقرار من الحاكم المدني الأمريكي "بول بريمر"،ومن المسلّم به انه لا يمكن فصل المتغير السياسي عن الاعلامي المرتبط به أصلاً في الأنظمة الشمولية أو الديكتاتورية كما توصف. وهو توظيف وسائل الاعلام والصحافة خصوصاً لتجميل صورة النظام وعرض مميزاته بمواجهة حركات التحديث الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية حفاظاً على طبيعة النظام أو الشخص الحاكم .. وعلى الرغم مما قد يقال عن التغيير السياسي في العراق وما شابه من ظروف ومتغيرات دولية وإقليمية الا أن الخطوة الأولى بدأت بالتغيير الفعلي واستبدل النظام الدكتاتوري بالنظام الديمقراطي واطلقت الحرية لكل المواطنين ومنها التعددية والحرية السياسية والصحفية ، ومثلما ينتشر اليوم في العراق أكثر من "150" حزباً وتنظيماً سياسياً تنتشر على الساحة نفسها أكثر من "150" صحفية ومجلة بين خاصة وحزبية وعامة ومتخصصة وقطاعية وهزلية وغيرها .
وسنتعرض في ورقتنا البحثية هذه الى موضوع تعدد الصحف في العراق وحرية العمل الصحفي الذي لم يعرف الاستقرار بعد لا سياسياً ولا أمنياً وإقتصادياً وحتى قانونياً .وما يمكن أن توفره التركيبة الأثنية والعرقية والطائفية للمجتمع العراقي وأثر هذا التنوع والتعدد. ومحاولة لتسليط الضوء على دور الصحافة العراقية بعد 2003 في التنمية الشاملة الموازية للتغير, وامتلاك وسيلة الاتصال الجماهيرية
كما سنتعرض الى القفزات التطورية للصحافة العراقية خصوصاً ، لكن ليس من جانبها التقني فقط بل في ظل هذه القفزات التطورية ومدى ارتباط الصحافة بمحركات التغير المجتمعي كالـ (المتغير السياسي) .

أهمية الموضوع
يكتسب موضوع تعددية الصحف فى العراق بعد 2003 أهميه خاصة من أوجه عدة, فبقدر حجم المتغير السياسى وتداعياته الداخلية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً بأتجاه تغيير أنماط الحياة العراقية المكونة اصلاً من تركيبة أثنية وقومية ومذهبية مختلفة حاولت الاستفادة من هذا المتغير أعلامياً فى التأكيد على هوياتها الخاصة كمكون ضمن النسيج الاجتماعي العراقى فالعرب الشيعة والسنة والاكراد والمسيحيون والازديون والشبك والصابئة المندائيون ... كل يريد الظفر بمكتسب ما, وهى فرصة تاريخية لتأصيل وتثبيت هوياتهم الثقافية أو القومية وعلى حساب تفتيت هوية المواطنة ظمن الوحدة الوطنية للمجتمع العراقى حتى وأن كانت حتى وان كانت هويات ثانويه طائفية .
ومن جانب أخر يكتسب الموضوع اهميتة من حجم المتغير السياسى وتداعياته الاقليمية حيث تواجد 150 ألف جندى أمريكى فى قلب الوطن العربى وأن لم يكن بسابقة تاريخية, فوجود الاجنبى ( الامريكى ) منذ عام 1990 فى الكويت وقبلها قواعده العسكرية فى السعودية وقطر والامارات ولكن المهم هنا أستهداف العراق لمواقفة من الوجود الصهيونى ( الاسرائيلى فى فلسطين ) وأن أختلفت المواقف العربية أزاء ذلك .
وهناك بعد أخر وهو الدولى حيث وجود هذه الكثافة للقوات الامريكية وما يمكن ان يشكل من ثقل دولى حيث القرب من منابع النفط والقرب من أيران العدو الاستراتيجى , ثقل يمكن أن يديم أحادية القطبية للنظام العالمى بوجود عسكرى فعلى بعد أنهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتى عام 1989. والتبشير بقيم العولمه ، أقتصادياً بتفويض سلطة الدولة على التجارة الحرة ، و ثقافياً للترويج لنموذج القيم الامريكية والغربية بالديمقراطية وحقوق الانسان .
فهل حقق المنتج الثقافى والاعلامى والصحفى خصوصياً فى العراق بعد 2003 بتعددية الصحف هذه دوره فى عملية التنمية الشاملة أو فى ديمقراطية الاتصال على مستوى المقروئية وحريه التعرض اوالتعبير,اومدى امكانية اعداد وتهيئه الكوادر الاعلامية القادره على تشكيل الصوره الذهنية للمواطن للعراقى وفعاليته الحياتية وتفاعله مع المتغيرات السياسة والاجتماعية والثقافية كأحد اولويات الخطاب في الاعلام الدولى .

مدخل تاريخى لمميزات الصحافة العراقية
تميزت الصحافة فى العراق بالتعددية والحرية الصحفية وعمرها فى ذلك يزيد على القرن من السنين , فمنذ صدور أول صحيفة عراقية رسمية وهى ( الزوراء ) فى 16/6/1869 و أستطاعت أن تأخذ موقعها المتقدم فى المجتمع والحياة السياسية فلعبت دوراً مؤثراً فى الدفاع عن حقوق العراقيين منذ اواخر الحكم العثمانى وحتى الان , وفى شحذ الهمم لتحقيق أستقلال العراق وحريته وبلورة الرأى العام تجاه مصالح وحقوق الشعب المختلفة كالديمقراطية والحريات العامة والانتخابات البرلمانية كما كشفت مواطن الفساد والخلل فى الحكومات المتعاقبة فى العهد الملكى وبعده العهد الجمهورى ( 1958 ) كما لعبت دوراً فى التثقيف و تعزيز الفكر التقدمى والديمقراطى .كما أمتازت الصحافة العراقية ومنذ نشوؤها وعبر مراحل تطورها فى سرعة أنتشارها وفى أنحاء العراق .وأمتازت كذلك فى تدوينها وتسجيلها لوقائع تطور العراق السياسى الوطنى والاجتماعى والفكرى . وفقد صدرت عشرات الصحف فى كل مراحل تاريخ العراق المعاصر فعلى سبيل المثال .صدرت خلال فترة الانقلاب الدستورى العثمانى ( 1908 – 1914 ) 69 صحيفة وفى فترة ( 1918 – 1936 ) وصدرت أكثر من 150 صحيفة ومجلة .ومنذ أندلاع الحرب العالمية الثانية ( 1939 ) حتى قيام ثورة 14تموز( 1958 ) صدرت أكثر من (350 ) صحيفة ومجلة وبلغت فى العهد الجمهورى الاول ( 1958 – 1963 ) , ( 120 ) صحيفة ومجلة , مثلت مختلف الاتجاهات السياسة والاجتماعية والاقتصادية والدينية. * لقد مرت التعددية والحرية الصحفية فى العراق بفترات مختلفة _ فمن حرية نسبية الى تقييد لتلك الحرية ليصل الى التعطيل او الغاء للامتياز , وفى عام 1967 صدر قانون الصحافة والطباعة فى محاولة لتأميم الصحافة وجعلها قطاعاً حكومياً فى محاولة لالغاء تنوع الرأى والفكر وبالتالى الغاء حرية الصحافة , وفى عام 1969 , منحت الحرية للصحافة مع أعلان 11 آذار لعام ( 1970 ) والحكم الذاتى للأكراد فى كردستان , وقيام الجبهة القومية التقدمية فى تموز 1973, لكن تلك الحرية النسبية والتفاعل الديمقراطى لم يستمر . ففى 1975شُنت الحرب مع الاكراد ليتبعها التضييق على الصحف الماركسية والديمقراطية. وبأنقضاء عام 1977 لم تعد بالساحة فى العلن ايه صحيفة او اى فكر سوى صحف النظام وهى معدوده (الثورة،الجمهورية، القادسية،العراق،بابل ) وهى كلها تمثل وجهه نظر السلطة وهكذا هوديدن أغلب النظم الشمولية الديكتاتورية .

المتغير السياسي في العراق 9/4/2003

ارتبطت وسائل الإعلام عموماً ومنذ نشأتها وحتى في كل مراحلها التطورية بعلاقة جدلية مع محركات التحديث المجتمعية المتمثلة بالعوامل : ( أ- السياسية وطبيعة نظمها ، ب- والإقتصادية وطريقة إدارتها ، ج- الثقافية ومحاولة تشكيل الهوية عبر الانساق القيمية المستمدة من الدين والعرف الاجتماعي والجنس وحتى الطبقة الاجتماعية .ولا زال هذا الارتباط مستمر بين هذه المحركات ووسائل الاعلام على اختلاف انواعها من صحافة أو تلفزيون أو اذاعة أو انترنت وحتى السينما والكتاب ... فإذا كانت النظم السياسية هي الاطار الرئيسي في تحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم – المواطن ومؤسسات الدولة – في ما يخص الحقوق والواجبات (داخلياً) وعلاقة الدولة بباقي دول العالم الأخرى ( خارجياً)
والإقتصاد في استثمار وإدارة ثروات البلاد وتسخيره لتمويل مشروعا الدولة وفق ساستها التنمويه ، وثقافياً في تحديد الهوية الثقافية أو القومية عبر تبني أو تعديل أو تأصيل أنساق قيميه و ثقافية خاصة بالمجتمع المعني تشكل عمومها نمط اواسلوب حياة ممكن أن يعبر عنه بوضوح ... وللإعلام في ذلك الدور الرئيسي والأساسي والمؤثر الفعال في المحركات الثلاث بوسائلة ذات الفعالية خاصة في التأثير عبر تشكيل الصورة الذهنية والقوميه التي يمكن أن يخاطب بها الآخر ويمكن أن يؤثر به وفق أساسيات الخطاب ظمن التفاعل المجتمعي وإمكانية فهمه أو اندماجه في الانساق القيمية المطروحة في نهضة المجتمعات وتحديثها من أجل دفع قيم التقدم الى الامام لبلوغ مراتب التنمية والتحضر ... فبعد أن كان النظام السياسي في العراق نظاماً شمولياً منذ عام 1968- 2003 ، حيث كان توجهه الإعلامي محدداً واضحاً مسخراً لخدمة النظام وتجميل صورته عبر قناتين تلفزيونيتين وخمسة صحف فقط – فحق الملكية لوسائل الاعلام مملوكة للدولة فقط وهي : (جريدة الثورة والجمهورية والعراق والقادسية وبابل) كلها موجهة لخطاب النظام ولم ترتقي لمستوى الفاعلية في إحداث التنمية الشاملة كما كانت تروج وذلك لإنشغال الدولة بكل أجهزتها بحروب عبثية مع إيران لمدة ثماني سنوات وغزو الكويت وحصار دام أكثر من اثني عشر عاماً شوه صورة العراق والعراقيين لأسباب واهية بمواقف ومزايدات عربية وعالمية ...لم تستطيع مواجهة الحركة الإعلامية العالمية ولا حتى الدفاع عن مواقف وجهة النظر المتبناة ، ولا توازي حجم كبت الحريات العامة وحرية التعبير مما نمى قوى المعارضة الذي تواجدت خارج العراق هرباً من بطش النظام وقسوته .. حيث شكلوا طبيعة القوى الموجودة الآن في الساحة السياسية العراقية .
وبعد تغير النظام في 9/4/2003 واحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية ، وتمت إدارة الحكم في العراق من قبل الحاكم المدني الأمريكي "كارنر" ثم " بريمر " مع أنشاء مجلس الحكم بعضوية "25" شخصية تم اختيارها وفق المحاصصه الطائفية تولى تسعه منهم الحكم لمدة "شهر " وبعدها تم أستلام السيادة الصورية وتشكيل حكومه أنتقالية برئاسة " اياد علاوى " وفى كانون أول 2004 , أجريت انتخابات صار بموجبها " أبراهيم الجعفرى " رئيساً للحكومة وجلال الطلبانى رئيساً للجمهورية وفى 31 كانون اول 2005 أجريت انتخاباً برلمانية صار بموجبها نورى المالكى رئيساً للوزراء ومحمود المشهدانى رئيساً لمجلس النواب.
وقد أصدر الحاكم المدنى الامريكى " بول بريمر " قراراً بحل وزراة الاعلام مع وزراتى الدفاع والداخلية والاجهزة الامنية مما خلق جملة مشاكل مستعصية كالفوضى الامنية وعدم الاستقرار والبطالة وغيرها ...
لقد ساهمت تركيبة المجتمع العراقى الاثنية والمذهبية بالأضافة الى جملة الضغوط السياسية والنفسية لكبت الحريات العامة والحرمان من التعددية على مدي الثلاثون عاماً الماضية أسهمت فى أزدياد التفاعل مع المتغير السياسى الذى حصل فى العراق فى 4/9/2003 للأعوام الاولى من الاحتلال لولا تدخل بعض العوامل الخارجية وأستشراء الفساد المالى والادارى , وفى ضل غياب هيبه الدولة وسلطة القانون .والمهم هنا أن المكونات الاساسية لنسيج المجتمع العراقى وهم (العرب السنة والشيعة والاكراد والتركمان والاشورايين الصابئة والايزديون ) مكونات طالما عاشوا متأخين على مدى العصور وقد نال كل منهم نصيبة من الاقصاء وتهميش الهوية الثقافيه فى زمن الحزب الواحد .والهوية الثقافيه كما يعرفها " كلود فايريزيو " (هى خصائص تصرفات مجموعة بشرية متجانسة نسبياً تنعكس على طريقة العيش وسلم القيم وأساليب الانتاج والعلاقات الاجتماعية واخيراً الانتاج الثقافى والفنى ووضوحها ورسوخها فى الوجدان ) .
شكلت الأحزاب السياسية المنبثقة من هذه المكونات المختلفة النخبة السياسية الآن وهي مجموعة الأحزاب الكردية بانواعها ما بين ليبرلية دينية وقومية وأبرزهم الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني, ومجاميع الأحزاب العربية الشيعية منهم كالدعوة والمجلس الأعلى وبدر والتيار الصدري وأحزاب أخرى ترتبط بهذه الأحزاب بمسميات مختلفة وهي جميعها أحزاب دينية .. والحزب الاسلامي للعرب السنة ، ومجموعة الأحزاب العلمانية والوطنية كما تحب أن تسمى نفسها, المهم أن كثرة هذه التنظيمات الحزبية جعل لكل حزب أو منظمة صحيفة خاصة به.. ففي كردستان ما يقارب خمسون صحيفة ناطقة باللغة الكردية الا صحيفتين تصدران بالعربية وهما صحيفتي الاتحاد والتآخي. وأصدر الحزب الاسلامي مجموعة من الصحف منها البصائر والساعة ودار السلام. وأصدر مؤتمر أهل العراق صحيفة الاعتصام ، وصحيفة المنبر والرافدين عن هيئة علماء المسلمين ومجموعة صحف كالعدالة وبدر للمجلس الأعلى والدعوة واشراقات الصدر، البينة ،و العراق وبغداد والمؤتمر وطريق الشعب والمواطن والمنار وجريدة العهد والأمة العراقية والدستور وكل العراق ومن الصحف الخاصة الزمان والمشرق وغيرها عشرات الصحف الحزبية الأخرى....،
ناهيك عن الأعداد الكبيرة التي صدرت ولم تسطع الاستمرار بالصدور منذ 2003 حتى الآن. بعد أن حلت وزارة الاعلام وتشكيل هيئة الاعلام المستقلة أو شبكة الاعلام العراقي والسماح لأي كان إصدار صحيفة. وتملكت الحكومة حق إصدار صحيفة الصباح ومجلة الشبكة وقناة العراقية الفضائية .. والصباح كصحيفة رسمية ناطقة باسم الحكومة لا الدولة لأن أصل القانون هو ما أصدره بريمر الحاكم المدني عام 2003 وليس هناك قانون عراقي مشروع في مجلس النواب ينظم العملية الاعلامية واجازات العمل الصحفي والاعلامي عموماً، وحتى نقابة الصحفيين لا تملك الحق في ذلك وليس لها حتى إحصائيات بعدد الصحف التي تصدر في العراق اليوم حسب تصريح مؤيد اللامي نقيب الصحفيين العراقيين .
ولذلك عجزت الصحف الرسمية عن أن تكون – كما يجب- سلطة الشعب بمراقبة أداء الحكومة وطرح ومناقشة مشكلاته المستعصية .كما عجزت عن أن ترتقي بمستوى خطابها الى أن تكون بمستوى الدولية سواء على مستوى مهنية كوادرها البشرية على الرغم من الامكانيات المادية الهائلة المسخرة
وذلك لارتباطها برئاسة مجلس الوزراء هرم السلطة التنفيذية وبذلك ما يحدد سياستها قطعاً وما يمكن أن يمليه عليها من شروط ، ويرى المتتبع ذلك من تعاقب الحكومات الثلاث حكومة " إياد علاوي ، الجعفري ، والآن نوري المالكي"...

العراق الجديد وآفاق التعددية وحرية الصحافة

على الرغم من التراث الصحفي العراقي العريق وما ميزه بارتباطه بالحركة المجتمعية وحرية من الأحداث ومتغيراتهاومطالبة بالحقوق والحريات العامة والخاصة كراصد ومعبر عن طموحات الشعب العراقي عبر تاريخهاوعلىمدى المتغير النسبي للتعددية والحرية الصحفية . اما بالنسبة للتنوع القومي والاثني و الديني والمذهبي المكون لنسيج المجتمع العراقي والتي من شأنه أن يغنى الحركة التطورية المجتمعية في ظل التحديث كعنصر أساسي لتقبل الأفكار الحديثة في حركته التطورية وتفاعله مع المجتمع العالمي للاسهام في بناء للحضارة الأنسانية
وبالرغم من حجم المتغير السياسي الذي ان هى حقبة ال"35" سنة الماضية وبداية تأسيس العراق الجديد بالمفاهيم الجديدة المتمثلة بالديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وهي مفاهيم معاصرة جديرة بالاحترام والتقدير والتبني ولكن ليس كما حصل في العراق واستوردت هذه القيم حيث حاول الاحتلال زرعها في أرض لم تهيئ لمثل هذه المفاهيم والأعراف كسياسة دولة تنظم العلاقات بين المكونات الأساسية المتناقضة أصلاً ( فكرياً وعقائدياً) سيما وأن تاريخ هذه القوى كمعارضة للسلطة السابقة اعتادت ثقافة رفض الآخر "فإن لم تكن معي فأنت عدوي" وهو يتناقض قطعاً مع المفهوم الجديد الذي يعتمد أصلاً على قبول الآخر أياً كان خلافي الفكري والعقائدي معه .. سيما وانها مرحلة التأسيس لمثل هذه المبادئ الا أنها تبقى الخطوة الأولى وعلى الرغم من أنها يجب أن تجني ثمارها سواء على مستوى تأسيس دولة المؤسسات الديمقراطية أو على مستوى الحرية الشخصية وتبني الآراء وما ينتج عنه من منتج ثقافي أو اعلامي معبر عن طبيعة علاقات اجتماعية خاصة وموروث تشكل في جملتها طبيعة الهوية الثانوية للمكون القومي أو الأثني أو المذهبي ..
بالاضافة الى هشاشة طبيعة النظام السياسي القائم أولا في ظل الاحتلال الجاثم على القرار والسيادة الصورية الممنوحة على القرار السياسي والاقتصادي والامساك بزمام الملف الأمني المتعثر اصلاً بالعمليات الارهابية باختلاف اسبابها وعدم القدرة على التنسيق مع قوى المعارضة للإحتلال سواء داخل العملية السياسية أو خارجها .
وعلى الرغم من الكم الهائل من الصحف الذي تصدر يومياً وأسبوعياً وشهرياً وعلى اختلاف أنواعها رسمية وحزبية وخاصة حسب مملوكيتها وطبيعتها عامة ومتخصصة والسؤال المهم هنا: مدى مشاركتها وفعاليتها كوسيلة اتصال ضمن ثنايتي الاعلام والتنمية والاعلام وديمقراطية الاتصال كأطر عامة لتحديد فعالية الصحافة كمنتج اعلامي ثقافي . ذات تأثير خاص وفعال في أحداث التأثير المطلوب لدى الجمهور في الغاء او تعديل سلوك ما أو تأصيل آخر حسب ما تقتضيه منظومة القيم المعتمدة في المجتمع ، وامكانياتها المهنية في تشكيل الصورة والنهضة لرسم ملامح الصورة المشرقة للعراق والعراقيين ضمن أولويات خطابها دولياً وللحديث عن دور الصحافة العراقية والتي هيئت لها كل هذه المساحة من الحرية في الامتلاك والتعبير – برغم الظروف السياسية الغير مستقرة لطبيعة النظام – ديمقراطية المحاصصة – وما يشوبها من تردي في الوضع الأمني والخدمي بالاضافة الى طبيعة الأحزاب المشكّلة للطبقة الحاكمة. فأنحسر دور الصحافة تحت هذه الظروف على كثرة عددها بضيق خطابها ومحدوديته وعلى اختلاف توجهاتها,.
فالحكومية ملتزمة بخطاب الحكومة في تبرير عجزها عن توفير الخدمات وانجاز مشاريع التنمية متشبثة بالأعمال الارهابية وتركة النظام السابق الثقيلة ؛ وذلك لأن هذه الصحف مثل " الصباح " ممولة من الدولة فحتماً يتحدد خطابها ضمن سياسة الحكومة لهذه المرحلة ، وذلك لعدم وجود قانون مشرع من مجلس النواب لتنظيم العملية الاعلامية . فارتبطت إدارياً بمجلس الوزراء . مستفيدة من ذلك مما تبقى من البنى التحتية الاعلامية والتي لم تُدمّر كالمطابع وبعض أبنية الصحف السابقة بالاضافة الى الاعلانات الخاصة بالوزارات ومؤسساتها الحكومية واحتكارها ، كما أن التطور الحاصل في وسائل الاعلام الأخرى كالإنترنت ودخول البث الفضائي والذي كان ممنوعاً في العراق لغاية 2003 وتنوع مصادر المعلومات فقد فضح أحادية وجهة النظر لهذه الصحف ومحاولة اخفاءها للحقائق الكارثية التي تعصف بالمجتمع العراقي مما حد من درجة مصداقيتها لدى القارئ.
أما الصحف الحزبية والتي انشغلت منذ نشأتها وعلى اختلاف توجهات أحزابها دينية أو علمانية أو قومية . انشغلت بالترويج لأيدولوجيات وأفكار أحزابها في محاولة للتأكيد على طبيعة الهويات الثانوية الفرعية متناسية ً هوية المواطنة والانتماء للوطن الواحد وهي بذلك تدعو الى تفتيت هوية الوحدة الوطنية للمجتمع العراقي متناسية بذلك دورها والتزاماتها المهنية والأخلاقية كسلطات حرة وأدوات فعالة في إحداث التنمية المطلوبة لمجتمع تعصف به الأزمات .
وقد حملت بمحدودية خطابها الطائفي أوالعرقي أو القومي أحد أهم أسباب فشلها كوسيلة اعلامية سواء على مستوى الانتشار أو إحداث التأثير المطلوب ناهيك عن امكانيتها البشرية في تشكيل الصورة الذهنية المشرقة للتعبير عن الصورة القومية وامكانية استخدامها كصورة اعلامية يمكن أن تخاطب بها عبر الحدود الجغرافية الثقافات الأخرى لقصورها في امكانية التفاعل أصلا مع الثقافات الأخرى
وهكذا بالنسبة للصحف الخاصة وأن وجدت بعض الاستثناءات في صحيفة أو صحيفتين كالزمان والمشرق فأغلب الصحف الخاصة والمملوكة لرجال أعمال أو تجار غالباً ما يكون الهدف من وراء اصدارها الربح المادي فهي بالتأكيد لم يكن ضمن سياستها المشاركة في التنمية المفترضة أصلاً ..
الخلاصة

على الرغم من التحولات الكبيرة التي عصفت بالمجتمع العراقي عبر تاريخه الاعلامي وما ميز الصحافة بالعراق بالتعددية وحرية الصحافة التي مرت بفترات مختلفة فمن حرية نسبية الى تقيد لتلك الحرية ليصل الى التعطيل أو الالغاء .
وبالرغم من التحول الجذري بعد 2003 للنظام السياسي في العراق من الدكتاتوري الى الديمقراطي وفتح الحريات الاعلامية على مصراعيها فكانت هناك أكثر 150صحيفة ومجلة تصدر في بغداد وحدها ومثل هذا العدد في المحافظات الاخرى .
إلا انها تواجه من المعضلات والمشاكل ما يعطل فاعليتها كأداه ووسيلة اعلامية مؤثرة , فحجم المشكل الامني والتهديد الفعلي الذي يهدد حياة العاملين بالصحافة على اختلاف توجهاتهم مازل الاخطر في العالم حسب بيانات المراكز والمراصد الصحفية العالمية .
وبما ان اغلب الصحف مملوكة لاحزاب وقوميات واتجاهات سياسية اغلبها طائفية وعنصرية لذلك يشكل محدودية خطابها الاعلامي الخطوة الاهم في فشلها على مستوى الاداء المهني المؤثر والانتشار , بالاضافة الى فشلها في المساهمة في عملية التنمية البشرية الشاملة للعراق والتي لم يخطط لها اصلا على اعتبار اهم اولويات السلطة الحاكمة هو توفير الامن الغائب اصلا منذ ستة اعوام في ظل الاحتلال الامريكي وتنافر الاحزاب الحاكمة ,
ومع ان اعداد الكوادر الاعلامية العاملون الان قد ازداد الى أكثر من مائة ضعف عن السابق الا أن نقصاً كبيراً في جملة المهارات الفنية والتقنية التي تؤهل الاعلامي في تشكيل الصورة الذهنية ما زالت قاصرة ، ناهيك عن انها لا تستطيع أن تغض النظر عن الاشكاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تنهش في جسد المجتمع العراقي المنهك أصلاً في ظل هشاشة النظام السياسي الحاكم وفق نظام المحاصصة الطائفية .. تحت مسمى الديمقراطية التي لم تستطع الأحزاب المكونة للسلطة استيعابها والعمل بها كسياق سياسي لانها أول ما تفترض قبول الآخر وهو ما لا تستطيع العمل به لطبيعتها الدينية المتعصبة أو القومية الشوفينية مشكلة لطبقة سياسية حاكمة للدولة. فالديمقراطية يجب ان تنبع كمتغير من حركة تفاعلية للمجتمع ذاته حيث المناخات الفكرية السياسية والاجتماعية لا أن تفرض بتأثير خارجي واحتلال عسكري لدولة مهدمة البنى التحتية ويعصف بها الارهاب والاحتلال والميليشيات .. وعاجزه عن توفير أبسط الخدمات الأساسية للمواطن كالكهرباء والماء الصالح للشرب وتأمين الغذاء " عبر بطاقة الحصة التموينية" المتعثرة في التجهيز نظراً لحجم الفساد المالي والإداري للتجارة بكل مؤسساتها .وكذلك تفاقم البطالة حيث تصل الى 60% ومشكلة المهجرين داخل وخارج العراق والعجز عن حل اشكالية عودتهم الى مواطن سكناهم وتزايد أعدادهم الى ما يزيد عن 4 مليون, وهناك قضية هجرة العقول العلمية ، وكذلك تزايد أعداد النساء الأرامل الى ما فوق المليونين حسب إحصاءات وزارة العمل والشئون الاجتماعية وما يزيد على المليونين طفل يتيم. وهكذا التعليم وكوارثه بكل بناه التحتية المهدمة وكوادره المهاجرة ومناهجه والذي لم تكتشف بعد المشكلات النفسية التي يعاني منها الطلاب على اختلاف المراحل الدراسية جراء الوجود العسكري المباشر سواء في الشارع أو المؤسسة العلمية أو من وجود عبث المليشيات التي حلت في أغلب المناطق في غياب القانون وسلطة الدولة .
ويمكن أن نستنتج مما تقدم بأن الصحف العراقية بعد 2003 وإن كثر عددها الى ما يربو الى فوق المائة صحيفة ومجلة في بغداد ومثلها في المحافظات الأخرى . وعلى إختلاف أنواعها رسمية وحزبية وخاصة وبمختلف توجهاتها عامة ومتخصصة .. فشلت في لعب دورها المفترض كوسيلة اعلامية مؤثرة في المشاركة في التنمية البشرية والمفترضة ,لطبيعة النظام السياسي والمشكلات المترتبة على طبيعته (المحاصصة ) وتردي الوضع الأمني بوجود الاحتلال ... ولا نغفل طبيعة توجه الصحف وسياساتها التي تخدم أجندات خاصة حكومية كانت أم حزبية ضيقة طائفية أو قومية ، والتي استفادت هي وحدها من الديمقراطية في حرية التملك والتعددية وحرية الصحافة دون أن تشارك أو تسهم في تأصيل المفهوم الحديث على مجتمع حديث العهد بها ومكونات سياسية لم تألف التعامل به كأحد أبجديات العمل السياسي المعاصر .
كما انها عجزت على الرغم من تضاعف عدد العاملين في المجال الاعلامي من أن توفر الكوادر الصحفية المدربة مهنياً والمهيئة لسبل الخطاب الاعلامي دولياً .
المصادر
1- الصحافة الإسلامية فى العراق. طه أحمد الزيدى
( 1869- 2007 )

2- أصوات قليلة وعوالم كثيرة . مايكل تريبر و كارل نورد نسترينج
3- تدويل الأعلام العربى "الوعاء والهوية"
4- ديمقراطية الأعلام والاتصال د. محمد عبد القادر حاتم
5- قضايا تبعية الأعلامية والثقافية فى العالم الثالث د. عواطف عبد الرحمن
6- موقع بوابة العراق الكبري
7- موقع صحيفة الصباح العراقية
8- www.global media journal.com موقع معهد جلوبال



ومن الله التوفيق

توفــيق حميد الســـــعد
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن