الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


همس النخيل.. صراخ مصر

أيمن بكر

2011 / 4 / 18
الادب والفن


همس النخيل فيلم تسجيلي بديع سيناريو وإخراج شيرين غيث. الفيلم يتناول حياة أسرة مصرية مكونة من ثمانية أفراد تعمل في صناعة "الأقفاص" وهي حاويات تصنع من جريد النخل وتستخدم في نقل الفواكه والخضروات في الريف المصري.
ينفتح عالم الفيلم من أعين الأم التي تقدم نفسها في البداية، عمرها 45 عاما وتعمل "قفاصة" من 30 عاما مع زوجها؛ أي إنها تزوجت وهي في الخامسة عشرة من عمرها تقريبا، لديها ستة أولاد اثنان منهما ولدا بعاهة الصمم. يستعرض الفيلم النظام اليومي للأسرة: يعمل منها أربعة أفراد في مهنة "القفاصة" يبدأ يومهم من الخامسة صباحا؛ الأم توقظ أبناءها، الأب يتوضأ، ثم تأتي مشاهد الإفطار المصري: البطاطس تقلى في الزيت، إحدى البنات تمد يدها في برطمان الجبنة القديمة والمش لتستخرج قطعة جبنة كبيرة يعرف المصريون كم هي شديدة الملوحة، كي تكفي عددا كبيرا من الآكلين وتمنحهم الأملاح اللازمة لتعويض ما سيفقدونه من العرق في يوم عمل طويل من السادسة صباحا حتى الثامنة مساء. يتوسع الفيلم في تصوير يوم العمل بكل ما فيه من مشقة، وفي خلال ذلك ينكشف العالم الداخلي للأم وهو مركز الحكي في الفيلم، ويتركب من خلطة مشاعر تعبر حقا عن الأم المصرية بشكل عام وفي هذه الطبقة الكادحة بشكل خاص: طبيعة العمل القاسية- أوجاع الأم حين تتأسف على مصير أبنائها خاصة المعوقين منهم- صعوبة تقسيم ميزانية الأسرة (القفص الواحد يكسب 57 قرشا والطفلين المعوقين فقط يحتاجان سبعة جنيهات يوميا بسبب بعد المدرسة المخصصة لحالتهما..الخ)- زواج إحدى بنات الأسرة وعملها في صناعة الأقفاص مع زوجها ووجع الأم لأنها لم تستطع إنقاذ البنت من هذه المهنة الشاقة، وغير ذلك من المشاعر التي تعبر بصورة حقيقية عن المرارة التي يعيشها الإنسان المصري الفقير. ينتهي الفيلم الذي يستغرق حوالي 15 دقيقة بمشهد البطلة/ الأم التي أصبحت جدة بعد أن أنجبت ابنتها طفلة صغيرة، وهي تحلم بأنها تخرج حفيدتها من القفص كتعبير رمزي لتغير المصير إلى الأفضل، ترفع الجدة حفيدتها نحو عين الشمس وتبتسم، وهي من الابتسامات النادرة في الفيلم.
ما يقدمه الفيلم هو همس أقرب إلى صراخ ارتفع من ربوع مصر كلها على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، وهنا يبدو أن الفيلم يقدم عالما خاليا من فكرة الدولة المسئولة عن حل مشكلات الناس، كأن هذه الأسرة التي لا تتلقى أي دعم أو رعاية (باستثناء ما يلقاه الطفل المعوق في المدرسة المتخصصة) هي أسرة تعيش في عصور ما قبل التاريخ قبل نظام الدولة. كما أن المشاهد الدالة على المدنية نادرة في الفيلم، وتقتصر تقريبا على مشهد سيارة يركبها الأبناء، ومدرسة للمعاقين، ومشهد سريع يبدو فيه جهاز تليفزيون يشاهده الابن الاصم. وسواء قصدت المخرجة هذا الغياب شبه التام لمظاهر المدنية أو لم تقصده، فهو يؤكد فكرة غياب الدولة وبدائية الحياة التي ألقي فيها ملايين من أبناء الشعب المصري عمدا مع سبق الإصرار على سرقة موارده ومستقبله.
أما عن التقنيات السينمائية؛ فالسيناريو يتسم برشاقة لا تترك مساحة للملل أو غياب الدهشة، الموسيقى متناسبة مع الفيلم دون مفارقة أو فجاجة، الإضاءة لم تحاول الإبهار بانفصال عن الجو العام للأماكن الأساسية (البيت/ ورشة القفاصة)، المونولوج الطويل الذي قدمته الأم كان رشيقا ومعبرا وإن بدا مرتفعا أحيانا عن حدود وعي الشخصية، تحديدا حين قامت بالمقارنة بين القفص الذي تصنعه وعالمها الذي تعيش فيه بوصفه قفصا آخر.
من زاوية ثانية يتميز الفيلم بتركيز شديد على نقطة أساسية هي عالم الأم الذي يعد أيقونة رمزية لمصر كلها، وهو ما يعكس ألما شديدا ومشروعا لدى صناع الفيلم أنفسهم (المخرجة شيرين غيث تحديدا) بسبب تدهور حالة الإنسان المصري بصورة لم يشهدها تاريخ مصر إلا فيما ندر، هذا الألم تسبب في غياب الكثير من تفاصيل عالم "القفاصة"، وهي تفاصيل ثرية توارت لصالح التركيز الأحادي على الأم وعالمها الداخلي، من هذه التفاصيل علاقات أسرة القفاصة في القرية التي كان من شأنها أن تمنح زخما لعالم الأم يؤكده ويوسع دائرة الإحساس بما في هذا العالم من مرارة، أو أزمة الطفلين المعاقين مع المحيط الاجتماعي، أو عالم القفاصة الأبناء، كل هذا كان بالإمكان التعبير عنه في مشاهد قصيرة وسريعة لا تضيف عبئا على الفيلم بقدر ما تعمق الإحساس بعالم الأم وبمأساتها. كل ما يمكن أن أوجهه للفيلم من انتقاد هو وجهة نظر شخصية إن كانت صحيحة فهي لا تنتقص من قيمة الفيلم الذي يعبر عن نمط من السينما أظنه سيجد مساحة كبيرة في عالم ما بعد 25 يناير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج