الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ الاهواز –عربستان - منذ عصر الافشار حتى الوقت الراهن - الفصل التاسع ، الحلقة الثانية

جابر احمد

2011 / 4 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تأليف : موسى سيادة
عرض وترجمة : جابر احمد
ثورة الدستور وتداعيتها :
مع ظهور عصر الاستعمار وازدياد وتيرة النشاط التجاري والاقتصادي بين ايران " الممالك المحروسة" ، و بين دول العالم بخاصة بريطانيا و روسيا القيصرية ، اخذت البنية الاقتصادية الاجتماعية التقليدية تنهار شيئا فشيئا ، وتبدلت بعض المدن الايرانية مثل طهران ، تبريز، رشت و اصفهان الى مراكز تجارية هامة ، وبذلك ارتفعت معدلات التبادل التجاري بين ايران و جيرانها ، كما ان اقليم عربستان ليس اسثناءا من هذه التطورات ، فشهدت بعض مدنه مثل المحمرة و مدينة الاهواز و شوشتر نموا تجاريا ملحوضا . وفي هذا المجال يقول " كرزن " ان ميزان حجم التبادل التجاري بين ايران وبريطانيا وصل عام 1899 الى 75 مليون جنيه استرليني ، ومع روسيا الى 50 مليون جنيه استرليني ، كما اظهرت احصائيات الموظفين البلجيكيين الذين يشرفون على ادارة الجمارك في ايران ، ان حجم التبادل التجاري بين ايران وكل من بريطانيا و روسيا في الفترة الواقعة ما بين عامي 1901 – 1902 بلغ على التوالي 59 مليون" فرنك " مع بريطانيا و 96 مليون " فرنك " مع روسيا .
ان هذا التطور الهائل التي شهدته البنية الاقتصادية الاجتماعية بالاضافة الى نظام الاستبداد الذي يمارس في المركز و اطراف " الممالك المحروسة " و في الريف و المدن على حد سواء تطلب تغيرا جذريا تمثل في ثورة الدستور " المشروطة " التي اندلعت عام 1906 .
كانت ايران في عهد الملك مظفر الدين شا ه القاجاري ، ( 1896-1906 ) تعيش اوضاعا مضطربة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ، وادت السفرات المتعاقبة لمظفر الدين شاه الى اروبا وفساد النظام الملكي بالاضافة الى انتشار الرشوة الى تبذير المال العام وتدهور اوضاع العاملين في الجهاز الحكومي، بحيث اصبحت الدولة تواجه مشاكل لا حصر لها في سبيل تأمين رواتب هؤلاء الشهرية ، كما ان انتاج الفلاحين وصل الى اقل مستوى له . وعم الجوع و الفقر عموم البلاد . ولمواجهة هذه الحالة اضطرت الحكومة الايرانية وعلى رأسها الملك عام 1901 الى اخذ القروض الكبيرة من روسيا مقابل منحها ضمانات كثيرة في ايران من بينها المعاهدة الجمركية التي عقدت معها عام 1901 بعد المعاهدة الجمركية التي عقدت عام 1882 المعروفة بمعاهدة " تركمانش " و التي تعهدت فيها ايران بدفع 5% من قيمة البضائع الواردة و الصادرة بين الدولتين الى روسيا .
وما ان انتشر خبر عقد هذه الاتفاقية ، حتى اصرت بريطانيا على عقد معاهدات ممثالة ، وقد نجحت بذلك فعقدت معاهدتين منفصلتين ، الاولى معاهدة تجارية عقدت عام 1841 و الاخرى معاهدة للسلام عقدت عام 1875 ،حيث كانتا تلك المعاهدتين اكثر اهمية من المعاهدات التي عقدت مع روسيا ومنها معاهدة "تركمانش" الانفة الذكر .
الاوضاع في عربستان في فترة حكم مظفر الدين شاه .
عندما اعتلى مظفر الدين شاه العرش خلفا لابيه ، كانت العلاقة في البدابة ما بينه و بين حاكم عربستان الشيخ خزعل ودية للغاية مثل ما كانت في عهد والده ، كما ان الشيخ خزعل بالاضافة على حصوله على أوسمة ملكية كان في تلك المرحلة يحكم اقليمه بعيدا عن تدخلات الدولة المركزية الايرانية . وكان يتمتع بأخذ الرسوم الجمركية المفروضة على البواخر المبحرة في مسير شط العرب ونهر كارون، الا ان القوميين من الوطنيين الايرانيين اقترحوا على الملك ، انه في سبيل التخلص من منافسة الدول الكبرى في المنطقة بامكانه ان يمنح الاشراف على استلام العائدات الجمركية الى احدى الدول الاوربية الصغيرة وهي بالتحديد بلجيكا التي لا تنافس اي من الدول الكبرى . ولهذا الغرض جاء الى ايران شخص يدعى " نوز " وفريقه من اجل الاشراف على الجمارك الايرانية و تنظيمها ، و بعد استقراره في طهران ارسل وفدا لمقابلة الشيخ خزعل. و الغاية الاساسية من السفر هو التباحث معه من اجل الاشراف على جمارك ميناء المحمرة ، وعندما علم الشيخ خزعل بخطط الوفد عارضه بشدة ، لانه ومنذ استلامه السلطة وبدعم مباشر و احيانا وغير مباشر من البريطانيين كان حاكما مطلق لعربستان ، لذلك من حقه ان يقاوم اي توجه من شأنه ان يسلبه الاشراف على جمارك ميناء المحمرة هذا ، من جهة و من جهة اخرى كان الملك القاجاري يخطط وبمساعدة الروس لايجاد ميناء على ساحل الخليج وتحديدا في منطقة عربستان ، حتى يتسنى للدولة المركزية الحد من نفوذ الشيخ خزعل في المنطقة .
مقارنة مع ذلك دخلت الولايات المتحدة ساحة المنافسة كلاعب قوي واقترحت وعبر ممثلها في طهران " " كريسكوم " ان يكون لها دورا تجاريا مهما في اقليم عربستان ، ان هذه الامور وغيرها والمقترنة بتدخل الدولة المركزية في شؤون اقليم عربستان الداخلية اوجدت الخوف والهلع لدى الشيخ خزعل ، لذلك استدعى الشيخ عام 1898 القائم باعمال السفارة البريطانية في بغداد الى المحمرة و اطلعه على تطورات الاوضاع الجارية في المنطقة ، ولم يكتف بذلك وحسب بل التقى مع ممثل بريطانيا في الخليج العقيد " ميد " وطلب منه تدخل بريطانيا العاجل في هذا المجال ، من جهة اخرى حذر القائم بالأعمال البريطاني في طهران " المستر سبرنك رايس " وزارة الخارجية الايرانية بأن لا تمارس الحكومة المركزية ضغوطا سياسية على الشيخ خزعل ، لماذا؟ لان الشيخ يعد من اصدقاء بريطانيا المقربين . الا ان " نوز " اصر على تنظيم العائدات الجمركية و اخذها . وحتى انه هدد انه اذا اقتضى الامر سوف يستخدم القوة العسكرية لاجبار الشيخ خزعل على الرضوخ لمخططه .
وفي ظل هذه الاوضاع المتوترة انذر الشيخ البريطانيين ان عمل الشاه في السيطرة المباشرة على جمارك ميناء المحمرة ما هو الا مخطط روسي للتدخل المباشر في الامور الداخية و التجارية لامارته ، كما انه يعد تهديدا مباشرا للمصالح البريطانية في الخليج . و بعد هذا الانذار اعلن وزير الخارجية البريطاني في الخامس مارس من عام 1901 ان حيل الشاه لا تنطلي على بريطانيا واننا سنعارض بشدة فتح اي منفذ للروس سواءا في المحمرة او في عموم الخليج . وعلى اثر هذا الانذار تحسنت العلاقات البريطاانية - الايرانية الى حد كبير وتم تحقيق الاهداف التي كانت تسعى اليها بريطانيا ولعل من بينها معاهدة " دارسي" النفطية في اقليم عربستان عام 1901 ، وقد وصلت هذه العلاقات الى اوجها بعد ان سافر مظفر الدين شاه القاجاري الى لندن عام 1902 ، حيث منح وسام الصداقة البريطانية ، الا ان المنافسة بين الروس و البريطانيين حول الحصول على امتيازات سياسية واقتصادية استمرت اكثر فاكثر ، الا ان الروس كانوا وحتى عام 1907 اصحاب القرار و السلطة في ايران وقد منحوا مظفر الدين شاه عام 1907 قرضا من اجل التصدي لمؤيدي ثورة الدستور ، حيث يعتبر ذلك من العوامل الهامة ، في التقارب بين الروس و الايرانيين .
اوضاع الطبقات و الفئات الاجتماعية عشية ثورة الدستور .
كانت اوضاع الطبقات و الفئات الاجتماعية عشية ثورة الدستور على النحو التالي : الفلاحون وصلوا الى حافة اليأس دون اي مأوى وهم يتحطمون تحت وطأت الضغوط الاقتصادية من جهة وعرضة للنهب من قبل شيوخ العشائر و القبائل و الملاكين الجدد من جهة اخرى ، كما كان رجال الدين يخطفون رغيف خبز هم من بين ايديهم ، وعملت الدولة وعبر فرض المزيد من الضرائب لاخذ آخر دينار في حوزتهم، الجميع اتخذ موفقا معاديا للفلاحين . كما ان الطبقة المدينية الوسطى هي الأخرى اثرت السكوت على استغلالهم و حرمانهم ونهب ما تبقى لديهم من اموال ، كما انه اذا حصل وثاروا مطالبين بحقهم يقمعون دون رحمة ، يحرقونهم ويذرون رمادهم في الهواء دون ان يعلم بهم احد .
اما القبائل و العشائر فانهم يتبعون رؤساءهم وزعمائهم ، البعض من هؤلاء الروساء آثر التعايش مع الرأسمالية والانجراف نحو الدول العظمى مثل روسيا و بريطانيا ، من هنا يمكن القول ان الطقبة الوسطى والصغيرة بحكم تضررها هي من اكثر الطبقات ثورية وهي التي شاركت بالثور لانها اكثر ادراكا لحقوقها الاجتماعية و الاقتصادية ، كما هذه الطبقة تكن احتراما خاصا للتجار الكبار و لقادة الحرفيين . وحتى انهم اذا ما ثاروا وحملوا السلاح بدونهم ، تبقى آمالهم معلقة عليهم واخيرا فانهم يصبحون ضحية سياساتهم ومساوماتهم ايضا .
وانطلاقا من هذه الظروف وكذلك الاوضاع السياسية السائدة في ايران اخذا مؤيدي الدستور يمارسون الضغوط على الملك ونظامه من اجل اجراء الانتخابات و تشكيل مجلس وطني ، وقد تمكنوا عام 1906 من اعلان ثورتهم ، ولتحقيق هذا الهدف اعتصم ما يقارب اكثر من 20 الف شخص داخل ساحة مبني السفارة البريطانية وخارجها .
وكان السيد " عبد الله البهبهاني " وقبل تحركه نحو قم كتب رسالة الى القائم بأعمال السفارة البريطانية في طهران يطلب فيها تأييد بريطانيا للمنتفضين ، وفي المقابل بذل البريطانيون قصارى جهدهم لمنع رجال الدين من التعبير عن استيائهم ضد النظام في ايران ، ولكن عندما جاء اول وفد يمثل التجار و اراد الدخول الى حديقة السفارة الواقعة في شمال مدينة طهران والتي كانت حينها خالية بسبب ذهاب اعضاء السلك الدبلوماسي البريطاني الى منتجع " قلهك " وافقوا على هذا الاعتصام . ترى هل هذه كانت حركة موجه ضد الروس ؟ .
تزايد عدد المعتصمين في السفارة البريطانية يوما بعد يوم ، وقد ابلغ الكسبة والحرفيين و الطلبة الشباب ان ابواب السفارة البريطانية مفتوحة امامهم ، و بامكانهم المبيت هناك بكل سهولة، و على اثرها اخذت كل فئة من فئة المتعصمين تنصب لها خيمة كبيرة خاصة بها ، وقد بلغ عدد الخيم ما يقارب ال 152 خيمة ، وقدر عدد المعتصمين بها وكما قلنا سابقا 20000 معتصم ، واثناء المباحثات التي جرت بين الحكومة وممثل السفارة البريطانية في طهران اظهر الانجليز للحكومة انهم يسعون الى اقناع النساء عن عدم المشاركة في هذا الاعتصام ، كما ان جمهور كثير من المواطنيين أم السفارة البريطانية اما للفرجة او لتناول الطعام بالمجان . بالاضافة الى استماعهم الى المواعظ و الخطب التي كان يلقيها رجال الدين او السياسين ، مع العلم ان التجار قد تحملوا جميع نفقات هذا الاعتصام .
لقد ايدت السفارة البريطانية وعبر القائم باعمالها في طهران السيد " جرانت داف " مطالب المعتصمين و بعد ان التقى المعتصمين رحب بهم مباركا لهم تحركهم ، هذا وكان القائم بالاعمال قد تلقى اوامرا من بلاده ان يسمح للمواطنين الاعتصام في ساحة حديقة السفارة .
لقد كان المعتصمين غير مستوعبين تمام للامور التي دفعتهم الى الاعتصام ولكن الانجليز الذين كانوا مستائين من النفوذ الروسي في البلاط القاجاري ، كانوا يوحون الى المعتصمين بامور من مثل ان يكون النظام ملكي دستوري ، و ان يتم تشكيل مجلس وطني ، وكانوا بذلك ياملون ومع استقرار الحكومة الملكية الدستورية البرلمانية الحد من صلاحيات الملك و من سلطة الاستبداد وكذلك محاصرة الروس و الحد من اندفاعهم داخل ايران بكل الوسائل الممكنة .
و يروي احد شوهد العيان البريطانيين ان المتحصين ليس لهم دراية بمفهوم مصطلح " الدستور " وكيفية عمل النظام البرلماني ، فاخذ يشرح لهم هذا البريطاني الامور ويوضحها ، بعد ذلك اعترف " محمد تقي بنكدار " وهواحد الثوريين المعتصمين ومسؤول الامور المالية للثورة قائلا: اننا لا ندري تماما ماذا نريد ، اما الشعارات التي رفعها المعتصمين في ساحة السفارة البريطانية في طهران فكانت مجموعة من الابيات بالفارسية يمكن ترجمتها على النحو التالي .
آه ايها الاحرار الشاكون من الاستبداد ، ما نملكه خلال ستة الآف عام ذهب مع الريح بسببه ، يولد الشخص من بطن امه حرا ، لماذا يسلم نفسه الى الظلم والاستبداد ، الناس يأتـون من كل حدب وصوب يهتفون ، آه ايها الاحرار من الاستبداد .
وان كان هناك من يعتبر ان الاعتصمام في السفارة البريطانية وصمة عار لحقت بثورة الدستور ، وعليه يمكن القول ان المعتصمين ليس لديهم برنامج عمل ، وكان السيد محمد الطبطبائي ، احد المجتهدين الكبار الذي قاد الانتفاضة الشعبية يرافقه السيد عبد الله البهبهاني يخطبون بالناس خطب دينية مقرونة بالعدالة الاجتماعية . وهم يكرون اقوال المفكر المصري المرحوم عبد الرحمن الكواكبي ( المتوفي سنة 1902 ) و الذي يعتبر فيه الاستبداد نوعا من انواع الشرك بالله ، لان الحاكم المستبد يضن انه طليق ، و يقارن نفسه مع الذات الألهية " ظل الله في الارض " ، او يتدخل في الامور الالهية ، حيث لا يمكن استعادة الوحدة الألهية الا بمشاركة وتفاهم جميع فئات المجتمع ، في النظام البرلماني تنتفي الخلافات بين المواطنين مع بعضهم البعض و يتحدون مع بعضهم البعض في ما يتعلق بامور البلاد فيما اذا تعرضت الى الاعتداء من قبل دول الجوار او الكفار .
انتهت الحلقة الثانية من الفصل التاسع وتليها الحلقة الثالثة
تمت الترجمة عن اللغة الفارسية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق