الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زينب..!

يوسف العاني

2011 / 4 / 23
الادب والفن


لم تكن شجنا واجدا، برغم انها كانت واحدة! واحدة غادرت العراق لتعيش الغربة في الغربة، في اكثر من بلد لتستقر مع (لطيف) زوجا في السويد لاجئة، تحمل معها تاريخ حياة باسلة شامخة في سياق الفن النضالي- ان جاز لي هذا التعبير.. قد يكون بالامكان ان اصفها وحدها.. (شجنا) كبيرا كان يمكن ان يكتب مع من كتبت عنهم حين فارقونا ثم فارقوا الحياة..
لكنها عندي وعندنا وعند الشعب العراقي تظل حالة من حالات النهوض المؤطر بالفخر والريادة الشجاعة.. والاعتزاز الذي عاش مع الناس عن قرب وبعد لتظل في البال والخاطر وفي القلوب المخلصة للوفاء الدائم. آخر مرة استمعت الى صوتها كان عبر الهاتف من لندن! بعد ان انهت علاجها هناك.. كانت تبكي، فقد شاهدت على شاشة التلفزيون في اليوم نفسه (السادات) يوقع صك الاستسلام في اسرائيل.. كما وصفته.. قالت: ليتني كنت عمياء.. كي لا ارى هذا المشهد، سالتها وانا اضحك مباركا على سلامتها.. متى تعودين الينا؟. قالت: نهاية هذا الاسبوع.. انا مشتاقة لكم ولمسرحنا. في اليوم الثاني نشرت خبر سلامة زينب.. وموعد عودتها.. زينب.. البدايات حين بدأنا التحضير لانتاج فيلم (سعيد افندي) في اواسط الخمسينيات، كنا نسعى لتوفير كل متطلبات الانتاج بعناية وثقة، وان تكون العناصر العاملة مثقفة وواعية بطبيعة العمل ومسؤولياته.. واوشكنا على توفير اهم مانريد.. لكن امرا واحدا كان علينا الحصول عليه ليكون معنا وفق المواصفات المتصورة.. كان.. العنصر النسائي وبكلمة ادق.. (بطلة الفيلم فهيمة) اي زوجة سعيد افندي لم نكن مقتنعين بواحدة، وذات يوم حدثت مفاجأة لم تكن في الحسبان! فقد تسلمت الرسالة التالية: (استاذي الفاضل المحترم.. تحية كريمة كلها احترام وتقدير) قد يدفعك الاستغراب من وصول هذه الرسالة اليك، من شخص مجهول، ولكن بعد ان تقرأها وتدرسها جيدا ترى كل شيء واضحا وماعليك الا ان تجيب! لقد قرأت في جريدة الاخبار الغراء.. في احد اعدادها، موضوعا يبحث عن عدم اشتغال الفتاة العراقية بالتمثيل وخاصة المسرح، وكنت موفقا كل التوفيق في توضيح وضعها الاجتماعي والظروف القاسية التي تكبلها بالقيود الرجعية والمحافظة على بعض التقاليد الموروثة البالية التي لو خرجت عنها لعدت – مع الاسف- ساقطة!! والحقيقة انني قرأت قولك واستوعبته فوجدته مطابقا لشعوري الفياض بحبي للتمثيل وخاصة المسرحي.. لانني اعتقد كما يعتقد كل مثقف.. (ان المسرح مدرسة الشعب الكبرى).. فأنا ان كنت قد ابعد بيني وبين المدرسة التي ادرس فيها،، فباستطاعتي ان ادخل مدرسة اعظم واكبر هي المسرح.. ولاسيما ان كان القدوة فيها (يوسف العاني) بالذات.. تلك الشخصية التي اجلها واحترمها بدرجة لاحدود لها.. وان كنت لا اعرفك شخصيا لانني لم ارك.. لكنني قد سمعت عنك من اخوتي الشيء الكثير الذي يليق بشاب له مكانته القيمة في نفوس المثقفين الواعدين ولعلك تسأل ماعلاقة شخصيتي بالموضوع الذي تبحثين فيه فأقول.. لو لم تكن انت في الفرقة المسرحية لما تقدمت للانضمام اليها.. ولو لم اعهد فيك الشرف والامانة وفي فرقتك الفن النزيه.. لما رغبت في الاشتراك معكم لاؤدي واجبي على المسرح كما اديته في الصفوف وعلى اللوحات السود.. اذا.. انا ارغب في الانضمام وتحت لواء فرقتكم- المسرح الحديث- التي احترمها واتمنى لها كل خير ونجاح.. ولكن؟.. هناك عقبات كثيرة ارجو ازاحة الغموض عنها وتبسيطها لي بالقدر الذي تستطيعونه.. هل هناك شروط في ما يتعلق بسن الممثلة وجمالها، اي ان تكون شابة جميلة جدا ولا تتعدى مثلا الخامسة والعشرين من العمر.. هل يجب ان تكون انسة.. اولا فرق ان كانت انسة او سيدة هذان سؤالان مهمان.. لا ادري طبعا ردكم عليهما، فانا في السادسة او السابعة والعشرين.. متوسطة الجمال اي انني لست في درجة جمال (صوفيا لورين) او (مارلين مونرو).. انا اعتقد ان الجمال ليس ضروريا الى هذا الحد في التمثيل وخاصة المسرحي.. فالمهم هو شخصية الممثل وتعبير وجهه وحركاته التي توضح لنا شعوره واحساسه بدقة وبلا غموض.. والمهم عندي ان اكون انا (الاولى) التي تتقدم للاشتراك مع اخوانها في تقديم المسرحيات.. فأكون بذلك قدوة لاخواتي الفتيات فتكون هناك.. ثانية وثالثة ورابعة.. فهي تضحية مني لبلدي ولكنها ستعود عليه بالخير.. ولاثبت ان المرأة المثقفة باستطاعتها ان تدخل كل ميدان دون خوف او وجل مادامت واثقة من كرامتها وواثقة من نبل الغاية التي تريد تحقيقها.. وهناك عقبة اخرى هي ارضاء ذوي الامر واعتقد انك تعرف (احمد) وشقيقه (محمد نادر) من دورة الاحتياط فهل باستطاعتك اقناعهما؟. وعقبة اخرى هي ان زوجي حين صارحته برغبتي في الانتقال معكم هددني بالطلاق! وحاولت بكل الطرق لكني فشلت معه.. المهم ان اخط مستقبلي معكم اولا.. وبعد ذلك فليغضب او يرضى حسبما شاء له هواه.. ثم فلنفرض انكم اجبتم على طلبي ووافقتم على انتقالي معكم اولا ومعناه انني اسافر الى بغداد.. وهناك كيف أعيش؟ لانني كما تعلم (مفصولة) من الخدمة التعليمية ولا املك شيئا من المال الذي يكفيني،، سيما وان وضع عائلتي المالي مرتبك جدا لايسمح ان اكون عالة عليهم.. فأين اسكن؟ ومن اين اصرف لاعيش؟ هل بامكانك ان تجد لي عملا اعيش منه؟ فاني ان وجدت العمل في بغداد هان كل شيء واصبح سهلا.. هذه هي رسالتي التي اود الاجابة عنها بتفصيل.. لانني سأسير على هدى اجابتكم.. كما اود النصيحة خالصة ان كانت هناك نصيحة تود اسداءها لي.. وانني منتظرة ردكم ودمتم.. وفقتم الى مافيه الخير والصلاح.. وارجو ان تكون هذه الرسالة سرا بيني وبينك حتى يقضي الله امرا كان مفعولا.. وارجو لك كل فوز وانتصار.. المخلصة.. فخرية عبدالكريم الجواب على العنوان التالي: رئيس التجنيد السيد (.....) ومنه الى : (ام كوثر) وسوف استلمها فذلك اضمن لي؟.. هذه كانت المفاجأة وكان علي ان اتصرف وارد على الرسالة.. زينب زوجة سعيد افندي بصراحة امتلأت بأمل كبير وانا اقرأ الرسالة.. فالاصرار فيها والايمان الحار يجعل من كل الصعوبات التي اشارت اليها امورا يمكن التغلب عليها بل تجاوزها مادام الامر الاول قناعتها وثقتها الكبيرة بنفسها.. ورحت ازف البشرى لمن حولي سيما الفنان العزيز ابراهيم جلال.. والمخرج كاميران والاخ جعفر السعدي وعبدالكريم هادي الحميد مدير الانتاج.. وبحثت عن اخويها والتقيت بأحمد.. فكان موقفه ايجابيا من حيث المبدأ.. فهما اي كلا الاخوين من الشباب المتفتح الواعي بطبيعة واهداف عملنا الفني كله ولاسيما تجربتنا السينمائية الاولى.. لقد ظل الحل بيدها – هكذا قال محمد نادر- الاخ الثاني فقد لايقبل زوجها وقد يطلقها.. هذا امر يخصه هو.. قلت لهما دعوا هذا الامر لي فأنا سأحاول.. وهيأت نفسي للاجابة على رسالتها تفصيلا وتشجيعا مع تحفظات لاتحط من عزيمتها وقرأت الرسالة على ابراهيم جلال فسر بها كثيرا.. وفي اليوم نفسه وصلتني رسالة ثانية من.. ام كوثر.. هذا نصها: (وبعد فقد طال انتظاري لتسلم رسالة منك تخبرني فيما تم من امري.. الامر الذي يتعلق باشتغالي معك في المسرح او السينما.. فقد كان من الاحسن ايها الاخ العزيز ان تبحث الامر سريعا مع اخوتي.. ولا ادري هل واجهتهم ام لا؟.. وماذا قالوا لك.. فان كان جوابهم الرفض فليس معنى هذا ان تسكت عن اخباري كي لا احزن.. انني مستعدة لتلقي الجواب بصبر وثبات واذا كنت لم ترهم حتى الان.. فكان من الواجب ان تخبرني بذلك.. اي انك في كلا الامرين كان يجب ان تكتب لي.. ايها العزيز.. لقد اسفت اشد الاسف لانني ازعجتك في رسالتي السابقة وكان علي ان لااشكو اليك امرا محزنا وان كنت في قرارة نفسي اعتقد انك اقرب من صديق.. ولكنك مشغول بامور كثيرة كان الاجدر ان افكر بها واريحك من هذا الهم الجديد.. فالاضطراب الذي يسود حياتنا العائلية ماهو الا جزء ضئيل مما يسود المجتمع العراقي القلق المضطرب.. ومشكلتي هي مشكلة المرأة العراقية في هذا المجتمع الحافل بالمشاكل والمتناقضات فارجو الا تفكر بها.. لان حل قضية كهذه مرهون بالزمن.. لكني ارجو يا عزيزي ان لاتنسى البحث عن (عمل) لي لانني جادة في طلبي وسوف ابحث انا حين سفري الى بغداد.. اذ من المؤمل اننا سنذهب الى هناك في الخامس او السادس من حزيران (يونيو).. اخي العزيز.. لقد فرحت جدا للخبر الذي نشرته جريدة (الاخبار) فيما يخص امر موافقة الداخلية على سيناريو الفيلم وانني اتمنى ان تكون بداية مستقبل باهر مفروش بالورد تطؤه قدماك الى الابد.. ولا انسى ايها العزيز حين تحدثت بذلك الى صديقاتي المعلمات..لقد احسست بزهو وفخر ولاسيما ان الفيلم سيدور حول حياة (معلم) مسكين في مدرسة ابتدائية.. حتى قالت احداهن.. اراك فخورة جدا.. كأنك انت الكاتبة وانت الممثلة.. فقلت.. انني افخر ويجب ان تفخري انت ايضا لوجود انسان يفكر جديا في المعلم ويعمل على بسط الطريق للاخذ بيده نحو حياة افضل. لقد اصبح الكل ينتظر (سعيد افندي) بفارغ الصبر واشد ما اتمنى ان اكون معك للاشتراك في تأدية اي دور فيه ولكن من يدري فقد يخيب الامل.. وارجو لك مستقبلا باهرا حافلا بالفوز والنجاح ودمت لي! وقررت ارسال الرسالة صباح اليوم الثاني.. ولكن في ذاك الصباح حدثت مفاجأة وسمعت رنين الهاتف فقلت: الو..! سمعت الصوت يقول.. (انا فخرية ام كوثر.. انا في بغداد)!! والتقينا.. وحين استفسرت منها.. كيف جئت وجواب الرسالة مازال عندي لم ارسله اليك وفيه كل التفاصيل؟.. قالت بمنتهى الشجاعة والفخر.. (شعرت ان العمل معكم في المسرح والسينما مسؤولية وطنية.. فجئت متحملة المسؤولية).. وقلت لها: وزوجك.. قد يطلقك! قالت: لاتخف.. انه يحبني.. وهو رجل مخلص لوطنه!.. وضحكت!.. زينب: اني امك ياشاكر في اليوم نفسه الذي التقينا فيه سلمتها نسخة السيناريو العائد لي، ففيه بعض شروح وتفصيلات سجلتها على صفحاته.. وقلت لها.. اقرئيه اليوم. قالت: متى نبدأ العمل؟. قلت: غدا.. قالت: تمنيت لو بدأنا اليوم.. وضحكت.. زميلاتي يسمونني (فخرية) المستعجلة على وزن عباس المستعجل!. وبدأنا العمل الفعلي بقراءة سيناريو (سعيد افندي) باجتماع جميع المشاركين.. وقبل القراءة اتفقنا: المخرج وانا وابراهيم جلال وجعفر السعدي وعبد الكريم هادي وهي معنا على ان يكون الاسم الفني لفخرية عبدالكريم الملقبة بأم كوثر.. (زينب) وصفقنا لها. واحمر وجهها وشكرتنا بأدب جم. بدأنا القراءة بعد ان شرحت لهم تصوري للفكرة والاحداث والشخصيات.. وشرح كامران تصوره.. كنت ارقبها بل ارقب ردود افعالها.. وحين بدأت القراءة كانت تمثل لا تقرأ.. لاسيما حين كانت تنادي بحنو ودعابة.. على اولادها.. لتشعرنا بأنها ام حقيقية من دون اي ملاحظة من احد. كان بجانبي ابراهيم جلال.. يرقبها مثلي ويردد بين حين وآخر (ياسلام).. صارت زينب واحدة من اسرة.. سعيد افندي واقعا عمليا وعلاقات انسانية ومحبة احاطت بالجميع.. زينب الام حقا والاخت والراعية حقا والمدللة عند الجميع. واكملنا تصوير الفيلم بمعاناة صعبة لكنها لذيذة.. وعرض في اوائل شهر كانون الاول (ديسمبر) من عام 1957 ولم اكن ببغداد بل كنت في المانيا الديمقراطية.. عرض الفيلم بزهو وكانت زينب المتألقة فيه ابداعا واقناعا وصدقا موثرا.. وسارت الايام والشهور وبيني وبين ابراهيم جلال حديث آخر ليس عن السينما بل في المسرح.. فمسرحيتي التي كتبتها في السر.. اني امك ياشاكر.. كانت مخبأة في صندوق (قاصة) في المصرف اللبناني برعاية المرحوم مجيد العزاوي،، لا احد يدري بها غيره.. املا في ان يأتي يوم يمكن لنا ان نقدمها فيه على المسرح فالمسرحية وجه من وجوه المسرح السياسي لام مناضلة استشهد ولدها (شاكر) في السجن.. وليس امامنا انا المؤلف وابراهيم جلال المخرج بطلة للمسرحية غير زينب.. ودارت الايام وابتعدت عن الوطن قرابة عام لاعود بعد ثورة 14 تموز (يوليو) 1958.. وكان المسرح ينتظر هذا الحدث وكانت (ام شاكر) تنتظر اطلاق سراحها من (قاصة) المصرف اللبناني لتحد مكانها على المسرح وتألقت من خلال زينب وادائها الفذ.. واحمرت اكف المشاهدين اعجابا لجميع من شارك زينب.. ناهدة وسامي وازادوهي وعبدالواحد وهاشم الطبقجلي وكامل الصفار وباخراج مبدع لابراهيم جلال.. احمرت الاكف وانهمرت الدموع لترش في القلوب بداية رصينة لمسرح الشعب الاصيل.. ويسرع الزمن وزينب في الطليعة من مسرحية لاخرى وعلى شاشة التلفزيون تتألق بمحبة في (ليطة) وفي السينما تضيف ادوارا اخرى بعد دورها في سعيد افندي في فيلم ابو هيلة ثم الحارس.. وتتوالى المسرحيات: فوانيس، النخلة والجيران، تموز يقرع الناقوس، الشريعة، الخيط، نفوس ، الخان، الخرابة، وغيرها مسرحيات مرحة متفائلة حلوة واخرى صعبة المراس تنفيذا وبحثا عن آفاق ارحب وابعد عن الشائع والمتعارف عليه.. فتقف زينب مع مجموعة من ممثلات فرقتنا المسرح الفني الحديث في قمة من قمم مسرحنا (بيت برناردا البا) بابداع مضاف من سامي عبدالحميد.. ومع قاسم محمد ومع مخرجين يتمنون ان تكون زينب واجدة من مبدعات عروضهم.. و.. و.. تغيب زينب زمنا واستمع لصوتها من لندن – كما اشرت في البداية- وهي تبكي بعد ان شاهدت السادات يوقع صك الاستسلام- كما قالت وانتظرت وانتظرنا وانتظر مسرحنا عودتها.. لكنها لم تعد حتى كتابة هذه السطور! شجن متواضع اكتبه بعد سنوات في حق زينب الفنانة الشامخة والانسانة المناضلة،، فقد كان شجنا مؤجلا لم استطع نشره يوم فارقت الحياة بعيدة عنا، قريبة منا! كان ذاك اليوم ومازال.. كأنه البارحة.. يازينب!. فيلم الحارس اعاد الحديث عن زينب بعد الشجون الاربعة التي نشرتها باعتزاز عن فنانة الشعب (زينب).. فوجئت بعرض (الحارس) عبر تلفزيون شبكة الاعلام العراقي ليلة الثلاثاء المصادف 20 ايار (مايو) فالحارس واحد من الافلام السينمائية العراقية الممنوع عرضها بسبب مشاركة فنان او فنانة من المعارضة او من (غير المرغوب فيهم).. وزينب كانت واحدة من الممنوعات.. وهي بطلة الفيلم وكذلك قاسم حول ممثلا في الفيلم وكاتب قصته.. الفيلم انتج وعرض عام 1967.. كتب السيناريو والحوار واخرجه خليل شوقي عن قصة لقاسم حول كما اشرت.. شارك في التمثيل.. زينب – مكي البدري—عبدالباقي الدوري- قاسم حول- سليمة خضير وكريم عواد- وقام بادارة التصوير نهاد علي. وفيلم الحارس علامة جادة في مسار السينما العراقية وقد حاز الجائزة الفضية لمهرجان قرطاج السينمائي بتونس. وكان عرضه التفاتة مهمة كسر الطوق عن افلام وتمثيليات وبرامج كثيرة ظلت- وما زالت – فوق الرفوف وفي المخازن المظلمة. حين راجعت (الشجون) التي نشرت في جريدتنا (الزمان) عن زينب وجدت ان هناك قفزة في تسلسل الحديث عنها، فكان علي ان اعود اليها.. وان يعود الحديث عنها من جديد يوم لم تعد للعراق بعد شفائها واكمال علاجها في لندن في الاسبوع الذي قالت انها ستعود فيه.. ولا الاسبوع الثاني ولا الشهر ولا السنة!.. بقيت اتابع اخبارها واتتبع تنقلاتها من بلد لبلد ومن مكان لمكان يرافقها زوجها الطيب (لطيف).. وتباعدت المسافات واقتربت.. وتراكمت الاحداث وتباينت.. وصار المسرح من بين الاحداث المهمة التي شغلتنا حتى العظم، فظروف العراق منذ الثمانينيات وما قبلها قليلا قد خلقت ظروفا حادة غيرت سمات الكثير من شؤون الثقافة والفن، بل غيرت الناس في بعض مواقفهم ليتغير وجه مجتمع بأكمله.. كنا في حدود الفن والمسرح بالذات نصارع على عدة جبهات بعضها معلن والاخر في السر كي (نبقي) جوهر الحالة على نقائها من دون خلل او انكسار.. فكان ما كان من تسميات لمسرح تجاري وآخر جاد.. وصمد من صمد،، ليكون في الموقع الحقيقي والاصيل الذي نشأنا فيه.. وكانت (زينب) على بعدها.. نموذجا لما كنا.. لنأتي بها مثلا يحتذى في الريادة الاصيلة.. وتأتينا اخبارها. وازعل عليها احيانا!.. وابعث لها برسالة من (قرطاج) بتونس بيد (سعد الله ونوس) ادعوها كي تظل في المسرح وجها وحركة عراقية مع شباب معها في دمشق.. وتبكي!.. وابكي انا عن بعد.. وتركض سنوات العمر وتنتقل مع زوجها لطيف (الى السويد) ويأتيني خبر مرضها.. فأبعث لها برسالة طويلة مسلية تمتلئ بالنكات والطرائف لكي اجعلها تنشرح وتفرح.. ولكي اعيد واستعيد ضحكتها المجلجلة التي احبها الجميع.. ويأتيني خبر فرحها الكبير بالرسالة.. ومعه اعتذارها لعدم استطاعتها كتابة رد على الرسالة.. لكنها تؤكد رغبتها في العودة الى العراق.. ذات يوم!. وننتظر كلنا ذاك اليوم لنقول لها: زينب مرحبا بك بيننا!.. لكنها لم تعد.. فقد فارقت الحياة وحلمها ان يكفنها تراب العراق.. هذا شجن مضاف لما كان قد نشر.. ولابد ان نربطه بشجن –البدايات- فقد بدأت معنا زينب اول مرة حيث كانت البدايات الاولى لشموخها فنانة وانسانة مناضلة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زينب
نبيل عبد الأمير الربيعي ( 2011 / 4 / 23 - 21:06 )
زينب مهما كتبت عنها استاذي المربي في المسرح والفن والقامة العليا من قامات العراق الفنية لن تفي ونفي بحقها هذه المناضلة التي انتمت لرابطة المرأه منذ شبابها وفي اتحاد الشبيبة وصعدت المسرح لتنقل معانات العراق وتوفيت في الغربة لكن اسمها وفنها لم يتوفي استاذي العزيز


2 - أمريكا
أبو أثير ( 2011 / 4 / 24 - 01:55 )
كل الذي يكتب عن هذة المبدعة العظيمة قليلا بحقها ويبقى أسمها نبراساً كما ولكل المبدعين من امثالها في ساحات الفن


3 - فنانين في قلوب العراقيين
صالح حبيب ( 2011 / 4 / 24 - 08:18 )
ستبقى فنانة الشعب زينب في قلوب كل العراقيين فهي من أؤلائك الشخصيات الذين انغرست وجوههم و أصواتهم و ضحكاتهم و أدائهم و أعمالهم الفنية الرائعة في قلوبنا و ضمائرنا وذكرياتنا الجميلة
تحياتي لك أستاذنا الكبير يوسف العاني و نشكرك على هذه القصة الواقعية الجميلة التي أشركتنا من خلالها في أجمل تأريخ لواحدة من فنانات العراق الخالدات الطيبات الذكر و كم شعرت بالجذل و السعادة وانا أقرأ مقالتكم التي أعادتني بالزمن الى الايام العظيمة في حياة العراقيين التي كنتم انتم فناني مسرح الفن الحديث الجزء الأجمل و الأروع فيها و الذي صنع تلك المرحلة الخالدة و علقها في قلوبنا
دمت لنا سيدي الكريم منارا و عنوانا رائعا للفن العراقي الذي كان اللبنة الأولى لكل الأبداع الذي تلاه
أتمنى لك العمر المديد و الصحة والعافية و دام لنا عطائك الثر الكريم.


4 - ابكيتني استاذي
حسين طعمة ( 2011 / 4 / 24 - 17:30 )
غريب انت يا وطني ..الم يصعد بي فيقتلني حين اجدك كما انت .وطن غريب لا يعرف سوى النسيان ..وطن عاق ..أنى لك ان تعرف مواسم العشق أنى لك أن تصحو ..لقد طال سباتك ..ونسيت أبناؤك النجباء الذين اعطوا لك بل احرقوا سني اعمارهم من اجل ان تفيق ..ولكن ..انى تفيق.. قافلة من الرائعين مثل زينب والعاني والرماح وشوقي وحول وقاسم محمد واخرين كان همهم الوطن وليس سوى الوطن ..ايها الوطن العاق متى تصحو


5 - انا امك ياشاكر
ازهار البياتي ( 2011 / 5 / 9 - 11:14 )
استاذي العزيز ارجو ان يتسع صدرك لما سأقولهفأنا اعتبر نفسي ابنتكم لانني نشأت في اسرة مثقفة متابعة للمسرح والسينما مما انشأت مممثلا فيما بعد اسمه فلاح البياتي رحل عنا مبكرا- والان اعتقد ان كلامك عن الراحلة الخالدة في نفوس من احبها جاء متأخرا- كنت اتمنى ان اقرأ منك بالذات مقالات وليس مقالا واحدا عن ابدع ممثلة من الزمن الجميل الذي كنتم وزينب وناهدة الرماح رموزه وانجمه المتلألأة.

اخر الافلام

.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع