الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إستهلاك لبناني.. للقضايا

عصام سحمراني
(Essam Sahmarani)

2011 / 4 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


من الغريب أنّ لبنان، رغم صغر مساحته، وعدد سكانه القليل نسبياً، يملك هذا الكمّ الهائل من القضايا "الصغرى" التي تشغله وتحرّك زعاماته وقياداته، وسلطاته السياسية والأمنية، وقواه الحزبية والشعبية على مدار الأيام، من دون توقف أو استراحة في مكان، إلاّ للبدء في مكان آخر.

قضايا تسابق بعضها وتجد طريقها للبروز في فترة معينة إلى أن تختفي، ويستدعى بعضها مجدداً في ظروف مشابهة أو مختلفة. فالأساس هو بروز قضايا معينة وأزمات معينة حين يراد من خلالها التغطية على قضايا أكبر، لن نعرف يوماً طبيعتها، إلاّ إذا ألهم الله أحد سياسيينا الصناديد في كشف المستور، خلال جلسة مسجلة ومسرّبة مع سفير أميركي يرمي له عظاماً يشتهيها.

وإذا ما تجاوزنا فترة ما قبل الإنسحاب السوري من لبنان في نيسان 2005، رغم كلّ ما فيها من أحداث لا حصر لها، فالقضايا التي غرق فيها اللبنانيون بعدها عديدة وخطيرة، وتبدأ كعادتها كبيرة بشكل لا يوصف، إلى أن ينساها الجميع فجأة بغرابة ما بعدها غرابة.

فمثلاً كان هنالك عشرات الإنفجارات بين أعوام 2005 و2007 في مناطق عديدة من لبنان، بعضها أدى إلى مقتل مسؤولين كبار، وبعضها الآخر أدى إلى مقتل وإصابة مواطنين عاديين، وتخريب ممتلكات خاصة وعامة، ولا نعرف حتى اليوم أي نتيجة تحقيق لأيّ من هذه العمليات.

عام 2006 كذلك شهد حرب تموز التي شنها الصهاينة على لبنان، واتهم حزب الله بعدها أطرافاً لبنانيين عديدين بالعمل لصالح الصهاينة تسهيلاً وتحريضاً ودفعاً للإستمرار في العدوان. لا بل أنّ قضية ثكنة مرجعيون التي سلّمت فيها القوى الأمنية أسلحتها وعتادها للعدو الصهيوني، واستسلمت له من دون قتال، أشهر من أن تعرّف، خاصة حين يحكى عن دور وزير الداخلية بالوكالة في تلك الفترة أحمد فتفت و"أوامره" باستضافة جنود العدو على موائد الشاي والليمون! ولم يتغير شيء بعدها، ولم نر أحداً يحاسَب على ما ارتكب!!

قضية أخرى شقت طريقها إلى الواجهة، بازدواجية شغل هجوم الجيش اللبناني على مخيم نهر البارد عام 2007 شقها الأول. حيث حُكي الكثير عن دور لتيار المستقبل ومن خلفه بندر بن سلطان وسعود الفيصل في تشكيل ما يسمى بتنظيم "فتح الإسلام"، وتصدى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لحماية الفلسطينيين، وقال في خطاب شهير إنّ "مخيم نهر البارد خطّ أحمر"، وما أن أنهى خطابه حتى بدأت خطوط الرصاص والقذائف والصواريخ من كلّ الألوان تهبط على المخيّم بتشجيع من تيار المستقبل نفسه! واليوم لم يرجع سكان مخيم نهر البارد إليه، بعد ما يقرب يكاد يصل إلى أربع سنوات، من دون أن يفهموا لماذا دمّرت منازلهم بين "حانا" الجيش و"مانا" فتح الإسلام.

أما الشقّ الآخر من القضية فيتمثل بما بعد انتهاء حرب نهر البارد، والكشف عن جثة قيل إنّها لقائد التنظيم شاكر العبسي، حيث جرى تنظيم بيت عزاء لدى شقيقه في الأردن، ليتضح بعدها بأيام أنّ الجثة ليست لشاكر العبسي، وأنّ تلاعباً جرى في نتائج الحمض النووي. ومنذ ذلك اليوم لا يُعرف بالتحديد إن كان شاكر العبسي قد قُتل أم هُرّب، ولا يُعلم كذلك دوره الحالي إن كان حياً يرزق.

ومن القضايا التي يمكن لنا أن نمرّ عليها مروراً سريعاً كلام أحد نواب 14 آذار عام 2005 أنّ السوريين يأخذون حصة من كل صفيحة بنزين تصل إلى 10 آلاف ليرة، ولكننا لم نر حكومة السنيورة بعد انسحاب السوريين تلغي هذه الحصة من سعر الصفيحة المفروض على المواطن بل ارتفعت الأسعار أكثر بكثير منذ ذلك الحين، ولا ندري حتى اليوم من يأخذ هذه الحصة إذا افترضنا أنّ ذلك النائب كان صادقاً منذ الأساس! وهنالك أيضاً قضية إحدى القرى التي نفذت "حكماً شعبياً" بمواطن مصري ارتكب جريمة، حيث قتله أبناء القرية ومثلوا بجثته كما لو كانوا في أحد أفلام ميل غيبسون!! ونجد كذلك قضية إشكال برج أبي حيدر وكمية القذائف والرصاص التي انهمرت، وعاد كلّ شيء بعدها إلى ما قد كان، باعتباره إشكالاً فردياً بين حلفاء! وهنالك أيضاً خطاب سعد الحريري الذي هاجم السلاح وهو يخلع جزءاً من ملابسه أمام جمهوره، ليثبت للعالم بأكمله أنّ هنالك أموراً أخرى سوى السلاح زينة للرجال! وفي قضايا سريعة أخرى يبرز اختطاف صياد في صور جنوباً، واختفاء ثلاثة صيادين في العريضة شمالاً، دون ظهور أيّ منهم حتى اليوم. أمّا قضايا التسمم الغذائي وحملات وزارة الزراعة فحافلة، كما قضايا المداواة بالأعشاب والدعاوي المرفوعة والمحلات المقفلة أو الما زالت مفتوحة حتى اليوم. ويمكن أيضاً المرور على الحملات الأمنية العديدة التي تثور وتخبو فجأة؛ من حزام الأمان إلى الأطفائية، إلى الدراجات النارية والفانات واللوحات المزورة، والبناء غير الشرعي، وصولاً إلى نكتة العام الماضي الخاصة برادار مراقبة الطرقات، الذي كلّف خزينة الدولة المفلسة ما كلّف، من دون أن نعرف ما الهدف الأساسي منه.

كما أنّ هنالك قضايا أكبر تتعلق بزيارات رسمية إلى لبنان لكلّ من الرئيس السوري والرئيس الإيراني الذي جعل اللبنانيين يتذكرون عبارة "خوش آمديد" الفارسية، ورئيس الحكومة التركية، والملك السعودي والأمير القطري. وهنالك كذلك قضية ما يسمى بخلية حزب الله في مصر؛ في الكشف عنها أولاً، ومن بعدها التمكن من تهريب قائد الخلية سامي شهاب من سجنه المصري إلى لبنان مع بشائر ثورة يناير.

أما قضية القضايا فتلك التي تحدث عنها النائب وليد جنبلاط في أيار 2008 حين تطرّق إلى المدرّج رقم 17 في مطار بيروت الدولي "المراقب بكاميرات حزب الله"، وتطرّق كذلك إلى شبكة خطوط الهاتف الأرضية الخاصة بالحزب والممتدة في بعض الأراضي اللبنانية. بعدها نتذكر القرارات الشهيرة المسرّبة على عجل فجراً لحكومة السنيورة التي جمّدت قائد جهاز أمن المطار، وأمرت بضرب بنية الإتصالات الخاصة بحزب الله!! كانت قرارات الحكومة (الخالية من الوزراء الشيعة المستقيلين) غريبة بالفعل، وتضع نفسها ومعها تيار المستقبل في مواجهة مع الحزب الذي لم يستطع الأميركيون والصهاينة أن يقضوا على 20 بالمئة من قدراته خلال 33 يوماً قبلها بعامين فحسب.

وكان ما كان بعدها في السابع من أيار وما تلاه من مواجهات واتفاق دوحة وميشال سليمان، حتى وصلنا إلى يومنا الحالي من دون أن يجرؤ أيّ كان على التحدث فحسب، عن شبكة اتصالات حزب الله أو عن رئيس جهاز أمن المطار!

بعدها بعام واحد فقط انقلب وليد جنبلاط على 14 آذار ولم نفهم حتى اليوم ما سرّ انقلابه رغم كلّ ما قد قيل. كما أنّ تلك الفترة شهدت أغرب عملية تضليل على جمهور 8 آذار حين رُوّج لشهور عديدة قبل الإنتخابات لاكتساح حزب الله وحلفائه أكثرية المقاعد، ولم يحصل هذا! بل فاز المستقبل وجاء بسعد الحريري أخيراً رئيساً لحكومة "وحدة وطنية" بعد شهور أيضاً من التشكيل.

الإنتخابات بالذات عام 2009 ارتبطت بقضية بالغة الخطورة لكنّها اليوم في طيّ الأدراج والمحاكم والكتمان، هي قضية اكتشاف شبكات العملاء للصهاينة من كلّ حدب وصوب. وللغرابة فقد جرى التمييز إعلامياً وشعبياً بين عملاء يلتقطهم الجيش اللبناني، وعملاء تلتقطهم الأجهزة الأمنية وخاصة شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، للإشارة إلى أنّ شبكات القسم الثاني فيها نوع من التوظيف السياسي في صالح فريق 14 آذار.

وخلال كلّ تلك السنوات كانت المحكمة الدولية، ومن قبلها التحقيق الدولي الخاصين باغتيال الحريري، تقفز عند كلّ مفترق لتبدّل في المعادلات وتساهم في التغييرات؛ هنا عبر تسريبة من لجان التحقيق وهناك عبر زهير الصدّيق وغيره، وبينهما القادة الصهاينة ولوفيغارو الفرنسية وديرشبيغل الألمانية. وكلّ خبر من هذه الأخبار يعمَّم، كان يعطّل مسيرة البلد لعدة أيام وأسابيع أيضاً. والغريب أنّ القرار الظنّي الذي بات الجميع يعلم أنّه متعلق باتهام عناصر من حزب الله لم يصدر بعد، رغم جهوزه منذ عام، حتى أنّ الأمين العام لحزب الله تحدث عنه منذ تسعة أشهر!! ومرت عليه الحقيقة ليكس والويكيليكس والحريري والمرّ وسواهما.

كشف وثائق الويكيليكس كان غريباً أيضاً بعض الشيء، حيث لم تتوان جريدة الأخبار، المقربة من حزب الله، عن الكشف عن وثيقة تسيء للتحالف بين الحزب وحركة أمل من الداخل، بعد كشفها لكثير من الوثائق التي تدين أطراف 14 آذار. واستغربنا الرسالة التي أراد حزب الله أن يوجّهها من خلال هذه القضية، رغم ظهور السيد حسن نصر الله وإعلانه أنّ جريدة الأخبار ليست جريدة الحزب، وهي تقرر ما تنشر وما لا تنشر من الوثائق من دون أيّ تدخل.

استمرت هذه القضية قليلاً حتى مسحتها بالكامل قضية طارئة متعلقة بالبناء غير الشرعي، الذي ظهر آخر فصوله أمس في اتصال "مزعوم" بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ومفتي الطائفة السنّيّة محمد رشيد قباني، والحديث عن إقفال بري للخط بوجه قباني!

أما حكومة تصريف الأعمال التي أُسقطت دستورياً، والحكومة التي لم تشكّل بعد بتكليف نجيب ميقاتي فرواية كاملة، حيث يستغرب الكثير من اللبنانيين كيف يسير البلد من دون حكومة!! الغريب أنّها تسير فعلاً ولا شيء يتغير! علامَ إذاً تشكيل الحكومة!!؟ فلنتركها على طبيعتها أفضل، ولننتظر البال غير المشغول لسوريا والسعودية ومصر وفرنسا والولايات المتحدة كي نتمكن من تشكيل مجرّد حكومة!

هنالك أيضاً قضية التظاهرات المنادية بإسقاط النظام الطائفي، التي بدأت كثورة طموحة تحت سيول الأمطار، وانكفأت وتفرقت بعدها، حتى وصلت إلى زيارة الوفد الأميركي إلى صيدا، وربط خيمة الإعتصام هناك بالهجوم على الوفد، حتى أزيلت الخيام هناك، وركنت إلى اليأس في بيروت وغيرها بعد خصام واختلاف بين أفرادها وأقطابها على ما يبدو. كما قام تلفزيون "أن بي أن" بدوره أيضاً في تسخيف الحملة عبر ربطها بحركة أمل التي ينطق التلفزيون باسمها، حيث اعتمد التلفزيون بثاً يومياً لمناقشة "النظام الطائفي" على اعتبار أنّ رئيس حركة أمل ومجلس النواب نبيه برّي هو أبرز المطالبين بإسقاط النظام الطائفي.. لكن على طريقته.

والمناداة بإسقاط النظام الطائفي بالذات جعلت ذريعة لإسلاميين شبه مجهولين بالنسبة للبنانيين للظهور على أساس حقهم في التظاهر دعماً "لثورة الشعب السوري" ضد النظام. ومرّت كذلك قضية حزب التحرير الإسلامي مرور الكرام بعدما أخذت نصيباً جيداً من الإهتمام الإعلامي والشعبي. كما ينتظر اللبنانيون فصولاً أخرى من اتهام الإعلام السوري وبعض السياسيين اللبنانيين لأطراف وأشخاص معينين بالتدخل في الأحداث السورية، وهو اتهام خطير له ما له من تبعات، لكنّه سينتهي آخر المطاف إلى لا شيء ككل القضايا الأخرى!!

في هذا الشهر أيضاً انشغل اللبنانيون بقضية سبعة إستونيين كانوا على دراجاتهم الهوائية واختطفوا، ولا يعلم أحد، حتى اليوم، لهم مكاناً، بعدما حكي الكثير الكثير، حتى بات للإستونيين حصة من النكات الشعبية اللبنانية!!

هي قضايا تشبه إلى حدّ بعيد حبوب التخدير والحشيشة اللبنانية الأصيلة، التي يمكن الحديث عنها أيضاً، إن في حقولها أو في سجن رومية. هي قضايا لبنان باختصار لا بدّ أن ينسحب عليها كلّها، علّنا نبتعد قليلاً عن ربطها كما كلّ شيء آخر باستهلاك نعيشه منذ الأزل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة