الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناطق التغريب في مسرحيات بريخت

صباح هرمز الشاني

2011 / 4 / 28
الادب والفن


مناطق التغريب في مسرحيات بريخت

صباح هرمز الشاني

إذا كان التغريب حسب تعريف جفرسون، بأنه (مضاد لما هو معتاد)(1) فأنه في عمل مسرح بريخت (يصنع شيئاً خاصاً من حدث إعتيادي)(2)، أو كما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي: (إحداث الغرابة في نفس المشاهد مع إدراكه لما يشاهد، فالصورة المغرية هي التي تجعلنا ندرك الموضوع وفي نفس الوقت تشعرنا بأنه غريب عنا)(3).
إذ مثلما تختتم القصة القصيرة ذروتها بالضربة الاخيرة، وتكمن متعتها وجماليتها بهذه الضربة، لتحفيز ذهن المتلقي على غرائبيتها، أو لنقل بقصد ترك عصارة موضوعها، كذلك فأن كل مشهد من مشاهد مسرحيات بريخت، تأتي الى نهايتها بأستخدام أسلوب التغريب، وذلك من خلال اللعب على التناقض القائم بين موقفين للشخصيات في نفس المشهد، أو مشهد واحد.

وتختلف في بناءها مع بناء القصة القصيرة، بعدم اكتراثها لبناء فني محكم، لتأتي عن طريق السرد، والقصة القصيرة ببناء فني محكم. وهذا يعني كما يقول شفيق مقار: (ان المسرحية الملحمية قابلة للتقطيع الى شرائح تظل كل شريحة منها محتفظة بمعنى مستقل وقادرة على الامتاع بمفردها ومعزولة عن الكل)(4).
ومطمح هذا المقال هو متابعة أماكن وقوع هذه التناقضات وتحديدها في مسرحيتيه (الام شجاعة وابناؤها) و(بونتيلا وتابعه ماتي).
ا
ولا: (الام شجاعة وابناؤها):
كتب بريخت مسرحية (الام شجاعة وابناؤها) عام 1939. ومثلت عام 1949 على مسرح برلينز إنسامبل أربعمئة مرة، حيث أستمر عرضها أثني عشر عاماً.
وهو مثل شكسبير، يستوحي أفكار مسرحياته من المادة التأريخية. فقد أستوحى فكرة مسرحية (دائرة الطباشير القوقازية) عن حكاية صينية شبيهة بحكاية (حكيم سليمان) ومسرحية –اوبرا القروش الثلاثة-عن (اوبرابكر) للكاتب جون كاي، ومسرحية - بونتيلا وتابعه ماتي-عن قصة للكاتبة الفنلندية هيلا فوليوكي، ومسرحية-الام شجاعة وابناؤها - عن (كتاب المؤرخة ودجوود عن حرب الثلاثين، وأخذ شخصية شجاعة واسمها والجو العام للعمل عن كتاب الباردن فون جريملز هاوسن الذي يحمل ذلك الاسم)(5).

ولأن المسرح الملحمي، يعتمد على (تطور الافعال بطريقة القفزات)(6) في بناء معماريته، الفنية وليس ترتيبها كالمسرح الأرسطي، لذلك فأن احداث مسرحية الأم شجاعة تستغرق أثني عشر عاماً تحديداً من عام 1624 الى عام 1636، موزعة على أثني عشر مشهداً.
ويعمد بريخت الى إنشاء هذا التناقض في موقف شخصياته، إنطلاقا من فهمه للأقتصاد السياسي، (على أن الظروف الاقتصادية ولا سيما في الأحوال غير الأعتيادية تحكم ليس في العواطف والمشاعر الانسانية فحسب، بل في الغرائز البشرية أيضاً)(7). وبأعتبار ان الشخصية لديه، (لا تنبع الاَ من الوظيفة الأجتماعية للفرد، فتلك الشخصية لا يجب النظر اليها كما لو كانت بقعة من الدهن على مقعد سروال، كلما حاول المرء إزالتها وتنظيف السروال منها عادت في عناد الى الظهور. والواقع ان المشكلة دائماً تتمثل في استظهار الكيفية التي تستجيب بها الشخصية لمجموعة معينة من المواقف والظروف)(8).
ويبرز هذا التناقض في مسرحية (الام شجاعة وأبناؤها) في المشهد الأول، بالجرأة التي تبديها الأم في البداية، عبر إشهار السكين بوجه الضابط والرقيب الواقفين على الطريق لتجنيد أهالي المدينة، وتهديدهما بتمزيق أوصالهما كالكلاب، وطلب (ايليف) من أمه أن يناول لكمة في خطم الضابط، وتحول هذه الجرأة قبل نهاية المشهد من لدن الأم والأبن الى خضوع واستسلام تامين للرقيب والضابط، وذلك لقاء مساومة رخيصة، بأنشغال الام في بيع الحزام للرقيب بنصف جلندر، وانصراف ذهنها بما يدور حولها، وهي في غمرة سعادتها بكسب هذا المبلغ، وحصول الأبن على عشرة جلندرات من الضابط، ليصبح جنديا من جنود الملك، ويشارك في الحرب القائمة.
الموقف الأول للام: (الى ابنها الأصغر) إذهب الى المدينة عدواً وأخبرالناس انهم يحاولون اختطاف أخيك (تشهر سكيناً) نعم حاولا فقط. ولسوف امزق أوصالكما كالكلاب..اننا نبيع القماش ولحم الخنزير، اننا اناس طيبون مسالمون
الموقف الثاني للأم: لحظة واحدة يا كاترين ان الجاويش يدفع ثمن الحزام والان لنذهب. ولكن اين ايليف؟
الجبن السويسري: اخذه ضابط التجنيد
الام: (تبتسم في مكانها في سكون تام)، ثم.. يالك من أبله غبي، لِمَ لَمْ تحذرني (الى كاترين) اعرف ذلك انكِ بريئة.
ولو تمعنا بالموقف الأول لوجدنا انه يبدأ بجملة موضوعة بين قوسين وهو نهج متبع في معظم مسرحياته بهدف توضيح الفكرة المطروحة في المشهد. والجملة هي (دعينا نذهب أنا وأنت لصيد السمك) قال الصياد لدودة الأرض.
والمفردات الثلاث، الصياد ودودة الأرض والسمك، ترمز كل واحدة منها الى معنى معين فالصياد هو الأم، ودودة الأرض أولادها، والسمك هي التجارة، او الربح المادي.ويتلخص معنى هذه الجملة، بسحق الحرب لأبناء الأم، وعودتها من تجارتها خاوية اليدين، وها هو أول أولادها يًساق الى الحرب.
ولعل الحوار الذي يأتي على لسان الرقيب يوضح معناها اكثر وهو يقول للام: عندما تمن عليك الحرب بكل ما تملك فلا تنسي أنها قد تطالبك يوماً بالسداد.
إن الأم تعرف تمام المعرفة، بأن الرقيب والضابط سيأخذان احد ابنائها الى الحرب، الاَ إن الاحوال غير الأعتيادية التي تعيشها، تجعل غريزة الأمومة لديها أضعف من الربح التي تجنيه من الحرب، او كما يقول بريخت نفسه ( انها تفقد أبنائها الواحد تلو الاخر في الحرب الطويلة الشريرة ولكنها لا تفقد جشعها نحو الربح على حساب تلك الحرب ومآسيها)(9).

وتحدث عملية التغريب في الموقف الثاني، بتسمرها في مكانها في ركود تام، ولكن حتى هذا التسمر مشكوك في أمره لأنها في قرارة نفسها كانت تضمر شيئاً أخر هو على الأرجح بعكس ما أظهرته للمتلقي، بدليل انها سرعان ما تقول لأبنتها كاترين يجب أن تساعدي أخاكِ الان يا كاترين: 0الاخ والاخت يتعاونان في جر العربة. الام تسير بجوارهما، تتحرك العربة).
وهذا ما ينطبق على الموقف الثاني لأيليف ايضا، اذ كوالدته يجد نفسه ضعيفاً حيّال إغراءات الضابط، سواء بالمال أو الجنس، لا بل تتحقق أمانيه بحصوله عليهما. ولعل عدم توقعه ذلك. جعله أن ينسى إبلاغ افراد عائلته، بصدد تجنيده، ولا حتى كأدنى درجة، توديعها.
الموقف الاول لأيليف: أماه هل أناوله لكمة في خطمه؟
الموقف الثاني لأيليف: ان الامر يروق لي فعلا أماه ، (ويقصد التجنيد).
الضابط: (وقد أخذ ايليف من ذراعه واتجه به ناحية الخلف) هاك عشرة جيلدرات مقدماً. لقد أصبحت الآن جندياً باسلا من جنود الملك وفتى شديد البأس، ولسوف تجن النساء بك بل انه يمكنك ان تعطيني واحدة في خطمي ان اردت، محواً لأساءتي.
وتجري أحداث المشهد الثاني بعد مرور عامين على أحداث المشهد الاول، اي في عام 1926، اذ تنتقل الام بين ارجاء بولندا في أعقاب الجيش االسويدي، تلتقي بابنها الاكبر بجوار قلعة بوولهوف عند بيع أحد الديكة والايام العظيمة للأبن الشجاع، حيث خيمة القائد السويدي وبجوارها خيمة مطبخ، طباخ القائد يتعارك مع الام التي تحاول ان تبيعه ديكاً.

ويوجز معنى هذا المشهد، وكل مشاهد المسرحية بالانشودة، التي ينشدها ايليف في خيمة القائد تحت عنوان (بائعة السمك والجندي)، بالأشارة إليه والى أمه حيث تجلس في خيمة الطباخ المجاورة لغرفة القائد الذي يحتفي بـ ايليف لشجاعته في قتل أربعة فلاحين واخذ ثيرانهم منهم. اذ تلتقيه في هذا المكان بعد عامين على تجنيده، واصفة اياه بالبارع الشجاع لا لأنه قتل أربعة فلاحين، بل لأنه لن يأتي بالثيران الا غداً أو بعد غد، ذلك انه لو كان قد أتى بها اليوم، لما كان ديكها قد اشتراه الطباخ بجيلدر كامل. ويحدث التغريب في الصفعة التي تنزلها على وجهه، بعكس موقفها الأول، وتوقع المتلقي بأحتضانه، نتيجة شجاعته، إذ تنزل عليه هذه الصفعة لأنه لم يعرف كيف يحافظ على نفسه في مواجهة الفلاحين الأربعة.
الموقف الاول، الام شجاعة: كم هو بارع أبني ايليف، أنه لن يأتي بالثيران الاّ غداً او بعد غد، ولو كان قد أتى بها اليوم، لما كان ديكي قد لقي كل هذا الترحيب.
الموقف الثاني، الام ! نعم لقد سمعت كل شيء (تصفعه على وجهه)
ايليف: ألأنني اخذت الثيران؟
الأم : لا لأنك لم تستسلم عندما هاجمك الفلاحون الأربعة وحاولوا أن يجعلوا منك قطعة من اللحم المفروم ألم أعلمك كبف تحافظ على نفسك؟
ولعل إغلاق بريخت كل الطرق امام العاطفة في مسرحياته، جعل من شخصياته ان تتصرف بشكل قاسٍ وعنيف، بهدف ان يؤدي هذا السلوك الى المفارقة، وبالتالي التغريب، اذ من غير المعقول، أن تلجأ الام في المسرح الأرسطي، بعد غياب ابنها عنها لعامين، الى مثل هذا السلوك، بقدر ما كانت ستأخذه بالاحضان وتقبله وتذرف الدموع بحرارة وشوق كبيرين، ومسوغ بريخت بأبراز هذا السلوك، هو لربط الشخصية بالموقف والظروف الاجتماعية ذلك ان بطل بريخت، يمثل اتجاها محدداً، ويعمم كنموذج قبل أي شيء).

ومن جانب آخر يعرض بريخت مسؤولية البطل لقاء تصرفاته، ويدفع الممثل عبر ذلك الى التفهم النشط لتصرفات الشخصية الدرامية، ويعلم المتفرج كيف يجب ان يتصرف في الحياة.

وتجري أحداث المشهد الثالث بعد مرور ثلاث سنوات على المشهد الثاني، وهو من أطول مشاهد المسرحية، بهذه الجملة الموضوعة بين قوسين والتي توضح فكرته: تمر ثلاث سنوات. تقع الام شجاعة، هي وفلول فيلق فنلندي في الاسر. أبنتها تنجو من الهلاك وكذلك عربتها، ولكن أبنها الأمين يلقى مصرعه.
وعند هذه النقطة، نقطة مصرعه يحدث التغريب، بأتخاذ الأم مواقف متناقضة، سعياً لأنقاذه من الأعدام، نتيجة القاء القبض عليه، وإعترافه بأنه كان أميناً لصندوق الفيلق الثاني، بدفع المبلغ المطلوب في المرة الاولى، وتراجعها من دفع كل المبلغ في المرة الثانية، بعد معرفتها بضياع الصندوق الخاص بالنقود الذي بحوزته، في محاولة لتخفيضه من مائتي جلندر الى مائة وعشرين، ودفع كل المبلغ في المرة الثالثة، ولكن بعد فوات الاوان، مبرراً بريخت سلوك شخصيته، كما في المشهدين السابقين، مرورها في ظروف اقتصادية غير طبيعية، تحتم عليها، ان تتجاوز غريزة الأمومة وهذا ما يأتي على لسانها بعد معرفتها بضياع صندوق النقود: لقد حدث كل شيء فجأة ماذا أستطيع ان أفعل؟ ليس في وسعي أن أدفع لهم مائتي جلندر، كان يجب ان أساومهم من بداية الامر. يجب ان احتفظ بشيء لنفسي والاّ أصبح بوسع أي عابر سبيل ان يركلني في عرض الطريق. اذهبي وقولي لهم انني لن ادفع اكثر من مائتي وعشرين جلندر.
المرة الاولى الام: .. أدفع أنا لذلك الرقيب مائتي جلندر وتحصل هي على العربة. (في يأس مطبق) لا أستطيع..أنني لم أكف عن العمل منذ ثلاثين عاماً.، وها هي أبنتي قد بلغت الخامسة والعشرين ولم تتزوج بعد، يجب ان أفكر فيما عساه ان يحدث لها. دعيني في حالي، اني اعرف ما فاعلة. مائة وعشرون جلندر أو نلغي الصفقة.
بيفت: (تدخل عدواً) انهم لم يقبلوا. لقد حذرتك! كان الأعور على وشك ان ينفض الامر يده من الأمر كله. قال اننا سنسمع صوت الطبول بعد قليل. وقد عرضت عليه مائة وخمسين، لكنه لم يكلف نفسه حتى مشقة هز كتفيه.
المرة الثالثة. الام: أخبريه انني سادفع المائتين: اذن اجري (يسمع صوت طول على البعد).
بيفت (تدخل شاحبة واجمة) والأن هل انت راضية، تستطيعين أن تحتفظي بعربتك الأن. فقد تلقى ابنك احدى عشرة رصاصة في جسده.
ويعزز بريخت اسلوبه التغريبي باللوحة الأخيرة لهذا المشهد عن طريق أخذ جثة أبنها الى خيمتها، بهدف ان تفضح صلتها به، عندما يقع بصرها عليها، الا انها تواجه هذا الأمر بأعصاب باردة، وهي تهز رأسها نفيا والرقيب يأمر الرجلين بأن يرفعا الجثة ويلقيا بها في حفرة الجيف المجهولة بلا دفن، مادام هذا الشخص لا أهل له.
أما المشهد الرابع الموسوم (الام شجاعة تنشد نشيد الاستسلام العظيم)، فيحدث التغريب فيه لشخصيتين في موقعين متناقضين لكل منهما، وهما شخصية (جندي شاب) وشخصية (الام شجاعة). الاول بتهديد الرقيب في تمزيق جسده لأنه لطش مكافأته وأنفقها على الخمر والعاهرات، والام، لمهاجمة الجنود عربتها وتمزيقها وفرض الغرامةعليها، وتراجع الاثنين من موقفهما الاول، بجلوس الجندي حال الايعاز له بالجلوس، وعدم ايجاد الأم مبرراً لشكواها.
الموقف الاول: جندي شاب: (يندفع داخلا عيله سيماء الغضب) لعنة الله على النقيب اين ابن الحرام؟ لقد لطش مكافأتي وانفقها على الخمرة والعاهرات. سأمزق جسده.
الموقف الثاني،(جندي شاب) حسن سنرى اذا كنت سأمزقه أم لا (يستل سيفه) عندما يخرج سوف أمزقه.
الكاتب: (يطل رأسه من الخيمة) سيخرج اليكم حضرة النقيب بعد لحظة (في لهجة عسكرية آمرة) : جلوس (الجندي الشاب ينحط جالسا وسيفه في يده).
الموقف الاول، الام شجاعة: ولِمَ لا أشكو؟ اني بريئة... لقد هاجم جنودكم عربتي ومزقوا ما فيها بسيوفهم، ولم يكفهم هذا ففرضوا عليَّ غرامة قدرها خمسة تالر بلا سبب.
الموقف الثاني، الام شجاعة: لقد تدبرت الامر ملياً، ووجدت انه ليس لديَّ ما اشكو منه (تخرج)
وفي المشهد الخامس يحدث التغريب بين موقفين متناقضين للاخر حيال قضيتين هما الاخرين متناقضتين مع بعضهما. وهما قضية الانسانية واللانسانية، أو العقل والعاطفة، بين موقف كاترين الانساني، وموقف أمها غير الانساني، متمثلا موقف كاترين بمساعدة الجرحى والمصابين وهدهدة الاطفال، وموقف أمها بالجشع والقسوة والانانية، وذلك من خلال تصدي كاترين لأمها، بتناولها للوح من الخشب مهددة اياها، لامتناعها إعطاء ضمادات للجرحى.
فلاح: (يدخل مستنداً الى الواعظ) لقد فقدت ذراعي.
الواعظ: اين تلك الضمادات؟
الجميع ينظرون الى الام شجاعة التي لا تتحرك من مكانها
الام شجاعة: ليس لدي ما أعطيه لكم. يكفيني ما أتحمله من ضرائب ورسوم ورشاوي (كاترين تتناول لوحا من الخشب تهدد به أمها وهي تصرخ فيها صرخات بكماء) ها جننتِ؟ الق هذا اللوح من يدك.... لن اتبرع بشيء بلا مقابل. انني لا اجرؤ. يجب ان افكر في نفسي.
بينما يحدث التغريب في المشهد السادس في شخصية الام. بالتناقض بين موقفها الاول من الجرح الذي اصاب جبين أبنتها، بانه من حسن طالعها ظناً منها، بأن الاشجار الباسقة تقطع وتجتث فروعها وتستخدم في بناء سقوف المنازل، وبين موقفها الثاني للجرح، بأعتباره اللحظة التأريخية، لتشويه وجه ابنتها.
الموقف الاول، الام شجاعة: أما جرحك فلن يترك أثراً، ولو أنني لن أحزن حتى ان ترك اثراً. فأن مصير الفتاة الباهرة الحسن التي تعجب الرجال هو المصير الاسوأ، ان الرجال يجرجرونها وراءهم حتى يأتون عليها. أما الفتاة التي لا تستشيرهم فانهم يدعونها في سلام.

الموقف الثاني، الام شجاعة: ان اللحظة التأريخية بالنسبة لي هذه اللحظة التي شوهوا فيها وجه أبنتي. لقد قضي الأن عليها تماماً لن تستطيع أن تجد من يتزوجها، وهي تجن بالاطفال جنوناً، وحتى ذلك البكم الذي تعاني منه أصابها من تحت راس الحرب. والمشهد السابع يتكون من صفحة واحدة فقط، وفيه تحاور الام الواعظ بزراية، وهي في ذروة نشاطها التجاري، من ان الحرب تطعم أهلها بافضل مما يفعله السلام.
وفي المشهد التاسع تأبى الام، ان تشترك مع الطباخ في ادارة الحان، لا لأنه رفض أن تأتي كاترين معهما الى (اترخت) حيث ورث الحان بعد أمه، وانما لانها لا تستطيع أن تترك عربتها.
الموقف الاول، الام شجاعة: يجب ان احدث كاترين، فقد فاجئتيني باقتراحك ولست أحب ان أقرر شيئاً في أمر كهذا وبطني خاوية...
الموقف، الام: لا توهمي نفسك اني تخلصت من هذا الطباخ لأجل سواد عينيك! انني لا استطيع ان اترك عربتي، لا توجد قوة على الارض تستطيع أن تفرق بيني وبين عربتي القد اصبحت جزءاً من حياتي. ولا دخل لك انت بالامر كله. انها العربة. والان هيا بنا، ولنترك ثياب الطباخ الغني وحاجياته وراءنا.
والمشهد العاشر كالمشهد السابع يتكون من صفحة واحدة، اذ تسمع فيه الام شجاعة أبنتها كاترين لصوت غناء انسان داخل دار ريفية يبدو عليها شيء من الميسرة، وهما تجران عربتهما فوق طرق المانيا الوسطى، في اعقاب الجيش التي مزقتها الحرب شر ممزق.
ويظهر هذا التناقض في هذا المشهد بين نتائج الحرب متمثلة بالام ونتائج السلام متمثلة بالشخص الذي يغني لحياته الامنه سعيداً.
ومشهد الحادي عشر بالتناقض القائم بين سعي الفلاح وزوجته ايقاف المذبحة المحتمل حدوثها بالمدينة عن طريق الصلاة، ورغبتها بايقاف كاترين من القرع على الطبل، لأيقاظ اهالي المدينة من نومهم، خوفاً من عواقب الكاثوليك، مع أن لهما أقارب داخل المدينة، أي بالتناقض الساعي الحصول على هدفه المنشود بالمثالية. وبين الساعي الحصول عليه بالمادية.
المرأة الفلاحة: اليس في قلبك شيء من الرحمة؟ أليس لك قلب؟ ان لنا أقارب هناك نحن ايضاً، اربعة من الاحفاد الصغار ولكن ليس بوسعنا ان نفعل شيئاً. فالكاثوليك متى وجدوا اننا نحن الذين أحدثنا هذا الضجيج فأنهم سيقضون علينا، سينحرون رقابنا. (كاترين لا هية عنهما بالنظر تجاه المدينة وهي تقرع طبلتها)
ومشهد الثاني عشر بين عدم كف الام عن مزاولة تجارتها وعجزها عن جر عربتها المتهالكة.
ثانيا: (بونتيلا وتابعه ماتي)
كتب بريخت هذه المسرحية عام 1940 وتتكون من أثنتي عشر لوحة. ولا يظهر التناقض فيها الى سطح الاحداث بالحدة التي ظهر في (الام شجاعة وابناؤها). ولعل مرد ذلك يعود الى انها ليست من النوع الأيدولوجي، بالاضافة الى غلبة الطابع الكوميدي من شخصية بونتيلا فيها على الجانب السياسي.
واذا كان هذا التناقض في مسرحيته السابقة. ينحو منحى المواقف، فأنه في هذه المسرحية، لأعتماده على سكر وصحو بونتيلا، فأنه أقرب الى مزاج هذه الشخصية. ويلاحظ هذا التناقض في اللوحة الاولى، عبر ثلاث حالات. فالحالة الاولى هي عدم معرفة بونتيلا لسائقه ماتي الذي مضى على الاشتغال عنده خمسة أسابيع، ولكنه عندما يعرفه، ويرى النادل يحمل زجاجة الكونيال يصفه بصديقه، ويدعوه الى الشرب معه. والحالة الثانية يترك ماتي ليومين متتالين في انتظاره بالعربة، ويرجوه ان عاد الى هذا الفعل ان يضربه بالمفك على راسه. والحالة الثالثة، اذ في الوقت الذي فيه يسعى الى ان يتدبر مهر أبنته بأي وسيلة، يعطي محفظته لماتي، ليدفع الحساب، ويطلب منه أن يضعها في جيبه لأنه يفقدها دائماً.
المزاج الاول(ح 1) بونتيلا: هذا شيء يستطيع ان يقوله كل انسان: أنا لا أعرفك.
المزاج الثاني(ح 1) بوتيلا: عظيم (مشيراً الى ماتي) هذا صديقي. اذا فأنت سائق. لقد كان من رأيي دائماً ان يقابل أظرف الناس في اثناء السفر. حسب!
المزاج الاول (ح 2) بونتيلا: اية عربة؟
المزاج الثاني (ح 2) بونتيلا: هل تركتك حقا امام الباب؟ لم يكن هذا يصح مني، لن أغفره لنفسي. ارجوك اذ اعتدت الى هذا الفعل أن تضربني بالمفك على رأسي.
المزاج الاول(ح 3) بونتيلا: والان نريد أن نصبح حقراء، لأن علينا أن ندبر بأي وسيلة مهر ابنتي الوحيدة. هذه مسألة ينبغي أن ننظر اليها الأن نظرة موضوعية جادة، حاسمة، أمامي امكانيتان، فأما أن أبيع غابة، أو أبيع نفسي ، اليهما تفضل؟
المزاج الثاني (ح 3)بونتيلا: الأن حسمت المشكلة وبينت لي أيهما اكثر قيمة: غابة كغابتي. او انسان مثلي، انت انسان رائع. هاك محفظتي. ادفع الحساب ثم ضعها في جيبك. فأنا أفقدها دائماً. (مشيراً للقاضي): ارفعوه! ارموه في الشارع! إنني أضيع كل شيء.
واللوحة الثانية بين إستحالة التشاجر مع الملحق لعدم إستطاعته تسلية (ايفا) أبنة بونتيلا، وبين كونه إنساناً ذكيا وطيب القلب.
المزاج الاول، ايفاً: اوه لا ادري من المستحيل ان يتشاجر الانسان مع واحد مثيله.
المزاج الثاني، ايفاً: ...لقد اردت ان اؤكد لك أن الملحق انسان ذكي وطيب القلب.
واللوحة الثالثة بين عدم شربه غير الخمر القانوني وبين خطوبته لثلاث فتيات في آن، واللوحة السادسة بين رفض ايفا الزواج بالملحق وايثارها الزواج بـ ماتي، وعدولها عن قرارها الاول، بعدم الزواج به، لأنها لا يعجبها الانسان الاناني. وفي اللوحة التاسعة بين طرد بونتيلا للملحق، لعدم رضاه بزواجه بأبنته، والاحتفال بخطوبتها لماتي.
المزاج الاول، بونتيلا: لا فائدة! (يزأر فجأة) اخرج حالاً من هنا ولا تجعل احداً يرى وجهك. لن ازوج ابنتي من جرادة في رد نجورت!
المزاج الثاني، بونتيلا: أريد ان اقول كلمة عن عريس أبنتي . ماتي، لقد درستك في السر وكونت فكرة عن اخلاقك. لا أريد أن اقول أنني سعيد لأنه لم تعد هناك الات مكسورة منذ حضورك الى بونتيلا، بل اقول انني احترم الانسان فيك.
أما في اللوحة الحادية عشرة، فأن هذا التناقض يظهر بين طرد بونتيلا لـ سوركالا من العمل، واعطائه ورقة بعشرة ماركات بدلاً من ذلك، وبين اتخاذ القرار بعدم شرب الخمر، والعودة اليه في نفس اللحظة.
المزاج الاول (ح 1) ، بونتيلا: هذه وقاحة مني، يأخذ مني عشرة ماركات بعد ان قلت له مراراًوتكراراً عليه أن يترك الضيعة قبل ان يحل موعد الطرد.
المزاج الاول (ح 2) بونتيلا: انا سأكسرها بنفسي ايها الوغد. يجوز ان يعجبك هذا الكونياك العظيم (يرفع الزجاجة في يده ويفحصها) فتحاول ان تصده بأفراغه في جوفك.
المزاج الثاني (ح 2) ، بونتيلا دعيني لأتخافي عليَّ! أنا أجربه فقط لأتأكد من ان التاجر لم يغشني وأحتفل بقراري الذي لا يتزعزع!
(لماتي) ولكنني كشفتك من أول لحظة، وكنت أراقبك أن تفضح نففسك، ولذلك شربت معك بدون ان نشك في شيء..

المصادر.
1-الانزياح من منظور الدراسات الاسلوبية د. احمد محمد ويس
2-(اوبرا القروش الثلاثة) بريخت. ترجمة يوسف عبد المسيح ثروة.
3-(دائرة الطباشير القوقازية) بريخت. ترجمة وتقديم د. عبد الرحمن بدوي
4-(الام شجاعة وابناؤها) بريخت. ترجمة وتقديم شفيق مقار
5-الام شجاعة بريخت شفيق مقار
6-ستانسلافسكي وبريخت تمارا سرينا , ترجمة ضيف الله مراد
7-اوبرا القروش الثلاثة: بريخت. يوسف عبد المسيح ثروة
8-نفس المصدر السابق.
9-الام شجاعة: بريخت . شفيق مقار










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با