الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا ليست أكوام الحجارة

إيمان البغدادي

2011 / 5 / 4
الادب والفن


هناك ..عند بداية الطريق لقاسيون ..مجموعة من الشباب والشابات يتمشّون بحرية..دون تأنقٍ في المسير
يتراكضون جانب بعضهم البعض .. يتسامرون.. و يضحكون من القلب


وعلى الرصيف ..تبدو تلك السيدة مع زوجها الستيني مستمتعة بطعم البزر الأسود المحمّص.. بينما هو يأكل الفول المسلوق أمام العربة المزيّنة بالليمون والخرز و منمنمات دمشقية كثيرة.. يأكلان و يستمتعان ...يمسكان بأيدي بعضهما كعاشقين في العشرينيات..يقهقهان بصوت عالٍ بينما يلقيان بالقشور على سفح الجبل دون اكتراث


وعند ذلك المفرق.. يشارك النسيم برسم قصة حبٍّ جديدة ..فيرطّب حرارة عاشقين هاربين من قبضة الزمن يسرقان بعض القبلات الدافئة


و على قمة قاسيون ..تقف فتاة بشعرها الناعم الكستنائي..لا تكترث لمعاكسات الهواء الذي تسلل لساقيها فباعد بنطالها الفضفاض عن جسدها النحيل.. تقف كالوتد المشدود مشغولة بمحاكاة المشهد الرائع و كاميرتها الاحترافية .. يلتقطان الكثير من الصور... التي أعتقد أنها ستكون صوراً مميزة وجميلة ستضيفها تلك الصبية لألبومها وذكرياتها الخاصة


وعند ذلك المطعم يحاول طفلٌ في العاشرة أن يقنع شاباً بأن يشتري الورود الحمراء للفتاة التي يتأبّط ذراعها ...و يدعو لهما بأن يتزوجا بسرعة

وفي منتصف الشارع ..شابٌ يقود سيارته بسرعتها القصوى وصوت الأغاني يصدح منها بأعلى الصوت
و قبل بوابة مقهى " أحلى طلّة" ببضع أمتار ..وقبل أن ألتقي بأصدقائي هناك..و بالقرب من أزهار المنتور أُطلّ على دمشق..ألتهم هواءها المجنون دون أن أخشى التخمة..هناك حيث أعشق تقبيل وجه دمشق الجميل مرات كثيرة..و أعشق معانقتها كلها دفعة واحدة ..هناك حيث أسترخي باستسلام لذلك النسيم الطيب ليعبث بي و بمشاعري و بذكرياتي العتيقة


هناك في قلب دمشق النابض..وعلى قمة قاسيون.. لا أحد يحاسب أحد.. لا على طريقة مشيه.. ولا على طريقة حُبّه.. ولا على طريقة ضحكه..و لا أحد يُشكّك بهويّة أحد.. ولا أحد يترصّد لأحد.. ولا أحد يسرق فرح أحد.. ولا أحد يُهين أحد..هناك..مهما فعلنا ..يبقى قاسيون يحملنا على كفّه بمحبة وأمان ..لا يرمينا و لا يخنقنا ...ولا يتنكّر لنا..و لا يرجمنا بحجارته..و لا يطالبنا بشيء كي نمشيه ويمشينا.. ولا يطردنا مهما أطلنا عليه الغياب

هناك ..في سوريا..كم أحتاج لدعاء أجدادي و جدّاتي على اختلافاتها وكثرتها...وكم أحنّ لأحاديث أمهاتي ولأطباقهن الشهيّة..وكم أشتاق للنقاشات الطويلة والساخنة مع آبائي ..فمن مثلنا نحن السوريّون والسوريّات؟؟ حيث لنا بدل الأم الواحدة آلاف الأمهات..و بدل البيت الواحد آلاف البيوت..وبدل الأب الواحد آلاف الآباء .. وبدل الصديق الواحد آلاف الأصدقاء

في سوريا من المستحيل أن يصبح المرء يتيماً أو أن يكون وحيداً


سوريا ليست مساحة جغرافية جميلة كما يظنها البعض.. سوريا ليست حدود مشتركة مع دول أخرى..سوريا ليست أكوام الحجارة...سوريا هي أولئك الناس الرائعين الطيبين المبدعين الذين لا يعرفون سوى الحب والعطاء..سوريا هي البيوت المشرّعةٌ أبوابها للجميع .. هي رعشات الحب...هي شتلات الياسمين التي تزرعها أمهاتنا..هي قهقهات البحرات ..هي زهر النارنج والليمون..هي فرحة جدّةٍ بحفيدها الأول ...حيث تنسى وجعها و ترقص حينها حافية القدمين..سوريا هي حديقة رائعة متنوعة من الفراشات والأشجار ..كلها تنتمي لنفس التربة وكلها تشرب نفس الماء وتتنشق ذات الهواء..سوريا هي نحن ..سوريا هي الإنسان والحب و الحرية و العفوية والجمال والأمان..و غير ذلك لا تكوني سوريا يا سوريا


كم أشتاقك يا سوريتي..كم أشتاقك يا حبيبتي
كم أشتاق لأعانقك من جديد
ولأبكي على صدرك ...أبكي و أبكي دون أن يحاسبني أحد

إيمان البغدادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا