الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوة السياسية لوسائل الإعلام الاجتماعية: التكنولوجيا، مجال النشاط العام والتغيير السياسي (4)

هاشم نعمة

2011 / 5 / 6
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر


معضلة المحافظين

تتمتع، دائما، المجموعات المنظمة التي تعمل بتنسيق سواء تلك العاملة في مجال الأعمال التجارية أو المجال الحكومي بميزات أفضل مقارنة مع المجموعات الأخرى غير المنظمة: فهي تتوفر على ميزة الاستفادة من الوقت بطريقة أسهل للاشتراك في العمل الجماعي بسبب امتلاكها طريقة منظمة لتوجيه عمل أعضائها. وتستطيع وسائل الإعلام الاجتماعية أن تعوض عيوب المجموعات غير المنظمة عبر خفض تكاليف التنسيق. فقد استخدمت الحركة الموجهة ضد الرئيس استرادا في الفلبين أسهل وسيلة في إرسال وإعادة توجيه الرسائل النصية لتنظيم مجموعة ضخمة من السكان بدون الحاجة إلى الإجراءات الإدارية المعهودة التي تستغرق وقتا طويلا. النتيجة، إن المجموعات التي تتمتع بمرونة أكبر يمكنها الآن أن تقوم ببعض أنواع العمل المنسق، مثل حركات الاحتجاجات وحملات وسائل الإعلام العامة، والتي كان استخدامها في السابق مختصرا على المنظمات الرسمية. بالنسبة للحركات السياسية، فإن واحدا من الأشكال الرئيسية للتنسيق هو ما يسميه العسكريون "الوعي المشترك"، المتمثل في توفر الإمكانية لكل عضو في المجموعة ليس في فهم الوضع الذي هو في متناول اليد فقط لكن أيضا في فهم بأن الجميع يشتركون بذلك، أيضا. وتزيد وسائل الإعلام الاجتماعية من الوعي المشترك عبر الترويج أو نشر الرسائل من خلال الشبكات الاجتماعية. فقد اكتسب المحتجون ضد ازنار في أسبانيا زخما ـ بسرعة، بالضبط، بسبب نشر ملايين من الناس رسالة لم تكن مرسلة عبر تسلسل التنظيم الهرمي.

الاحتجاجات في الصين ضد الفساد التي اندلعت بعد الدمار الذي أحدثه زلزال مايس (ماي) عام 2008 في سيتشوان هي مثال آخر على مثل هذه الإعلانات المخصصة لقضية معينة والمتزامنة معها. كان المحتجون من الآباء، خصوصا،الأمهات، الذين فقدوا فقط أطفالهم في انهيار المدارس المبنية بشكل رديء، نتيجة التواطؤ بين شركات البناء والحكومة المحلية. وقد كان الفساد في صناعة الإنشاءات في البلد قبل هذا الزلزال يعد أمرا سريا. ولكن عندما انهارت المدارس، بدأ المواطنون يشاركون في توثيق الأضرار وفي الاحتجاجات من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية. لذلك أصبحت نتائج الفساد الحكومي واضحة للعيان على نطاق واسع، وما عادت أمرا سريا بل باتت حقيقة عامة.

في الأصل، سمحت الحكومة الصينية، بالتقارير التي تحدثت عن الاحتجاجات التي أعقبت الزلزال، لكن بشكل مفاجئ ناقضت نفسها في شهر حزيران (يونيو) بخصوص هذه المسألة. وبدأت قوى الأمن باعتقال المحتجين وهددت الصحفيين عندما بدأ واضحا لها بأن المحتجين كانوا يطالبون بإصلاح محلي حقيقي وليس مجرد الحصول على تعويضات من الدولة. من وجهة نظر الحكومة، التهديد لم يكن يتمثل بإدراك المواطنين لطبيعة الفساد، حيث من الممكن أن لا تعمل الدولة شيئا لمعالجته في فترة قصيرة. لكن كانت بكين تخشى من التأثيرات المحتملة فيما إذا أصبح هذا الوعي ذات سمة مشتركة: فإنه سيتعين عليها في هذه الحالة إما أن تشرع بالإصلاحات أو تستجيب بطريقة من شأنها أن تزيد أكثر من تنبيه المواطنين لهذه المسألة. ثم أن، انتشار تلفونات الكاميرات يجعل من الصعب عليها أن تقدم على تنفيذ هجوم واسع النطاق بدون أن تكون هناك وثائق تشير إلى ذلك.

هذه الحالة من الوعي المشترك- التي تتضح بنحو متزايد في كل الدول الحديثة- تخلق ما يطلق عليه عادة "معضلة الدكتاتور" إلا إنه يمكن وصفها بدقة أكثر باستخدام عبارة صيغت من قبل منظر وسائل الإعلام برغز وهي: "معضلة المحافظين،" وقد سميت بهذه التسمية بسبب انطباقها ليس فقط على المستبدين لكن أيضا على الحكومات الديمقراطية والزعماء الدينيين وقادة الأعمال التجارية. نشأت المعضلة في الأساس من وسائل الإعلام الجديدة التي زادت من إمكانيات الجمهور في الحديث أو التجمع؛ ومع انتشار مثل هذه الوسائل سواء كانت آلات التصوير أو تصفح شبكة الانترنت، وجدت الدولة نفسها مدعوة لمراعاة الحالات التي تتباين فيها وجهة نظرها للأحداث مع وجهة نظر الجمهور في حين اعتادت في السابق على احتكار الحديث في الشأن العام. وتتمثل ردود فعل "معضلة المحافظين" باستخدام الرقابة والترويج أو الدعاية. لكن لا هذه ولا تلك من هذه الوسائل تمثل طريقة فعالا للتحكم كما يفعل الصمت القسري للمواطنين. لذلك، في هذه الحالة، ستراقب الدولة المنتقدين أو تنتج دعاية أو ترويجا كلما احتاجت إلى ذلك. لكن كلا الإجراءين تكاليفهما تكون أكثر من مجرد إسكات المنتقدين. حيث إذا توجهت الحكومة لإغلاق وسائل الوصول إلى الانترنت أو منعت الهواتف المحمولة، فإن النتيجة ستكون عكس ذلك إذ ستخاطر بتزايد تطرف المواطنين المؤيدين للنظام أو تضر بالاقتصاد.

يعود وجود ما يسمى بـ "معضلة المحافظين" ،جزئيا، إلى أن الجانب السياسي والخطاب السياسي لا يستبعد بعضهما البعض. حيث أن الكثير من الفتيات في سن المراهقة في كوريا الجنوبية اللاتي خرجن في بارك شيونغيشيون في سيئول عام 2008 للاحتجاج ضد استيراد لحوم البقر من الولايات المتحدة كن راديكاليات أثناء مناقشة قضية في موقع شبكة الانترنت تخص مجموعة بانغ دونغ شين كي، وهي من الفتيان في كوريا الجنوبية. هذه المجموعة لم تكن سياسية، ولم يكن المحتجون من الفاعلين السياسيين النموذجيين. لكنها كانت مجموعة من الناس تتواصل عبر الانترنت، حيث بلغ عددها حوالي 800.000 عضو فاعل، وتضخم العدد في المرحلة الثانية من النقاش من خلال السماح للأعضاء بتشكيل أراء سياسية من خلال الحوار.

تساهم الثقافة العامة، أيضا، بزيادة حدة تأثير "معضلة المحافظين" من خلال توفير غطاء لاستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية أكثر في المجال السياسي. حيث يكون من السهل على الدولة من الناحية السياسية غلق الوسائل المصممة خصيصا لاستخدام المنشقين، بينما تصبح مراقبة الأدوات ذات الاستخدام الواسع النطاق أكثر صعوبة بدون المخاطرة بتسييس بطريقة أخرى مجموعة كبيرة من الفاعلين السياسيين. إثان زوكرمان من مركز بيركمان للانترنت والمجتمع التابع لجامعة هارفارد أطلق على ذلك "نظرية القطط الجذابة للنشاط الرقمي." حيث هناك أدوات معينة تهدف لهزيمة أو التغلب على مراقبة الدولة، رغم أن (الخدمات التي تقدمها الوكالات) مثلا يمكن غلقها مع دفع ثمن سياسي قليل جراء ذلك ، لكن الأدوات ذات الاستخدام الأوسع والتي يستخدمها قسم أكبر من السكان، يقول إثان، يكون من الصعب غلق الصور المشتركة للقطط الجذابة.

لهذه الأسباب، من المعقول أو الأكثر صوابا أن يتم الاستثمار في مجال وسائل الإعلام الاجتماعية بشكل عام، بدلا من الاستثمار فيها لأغراض سياسية معينة. حيث أن معيار حرية التعبير بطبيعته يكون سياسيا لكنه بعيدا عن أن يكون ذات سمات مشتركة عالميا. وعندما تجعل الولايات المتحدة حرية التعبير هدفا من المرتبة الأولى، فإنها ينبغي أن تتوقع بأن تحقيق هذا الهدف يسير بشكل جيد نسبيا في البلدان الديمقراطية الحليفة، ويتحقق جيدا ولكن بدرجة أقل في البلدان غير الديمقراطية الحليفة، ويتحقق بدرجة أقل من كل ذلك في جميع البلدان غير الديمقراطية وغير الحليفة. لكن تقريبا كل بلد في العالم يرغب في النمو الاقتصادي. وبما أن الحكومات تعرض للخطر النمو الاقتصادي في حالة أقدامها على حضر التكنولوجيا التي يمكن استخدامها في التنسيق السياسي والاقتصادي، أذن ينبغي على الولايات المتحدة أن تعتمد على تقديم المحفزات الاقتصادية للبلدان من أجل السماح بانتشار استخدام وسائل الإعلام. بكلمات أخرى، ينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل على تهيئة الظروف التي تزيد من "معضلة المحافظين" من خلال تلمس المصالح الخاصة للدول بدلا من تفضيل الجدل حول الحرية، كوسيلة لتعزيز مجالات النشاط العام في البلدان المختلفة.

الترجمة عن مجلة Foreign Affairs, January-February 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليوم العالمي لمكافحة الملاريا: المرض بات يقاوم الأدوية، ما


.. الموناليزا تغنّي الراب.. -مايكروسوفت- تعرض قدرات أداتها الجد




.. حرب غزة: ما حقيقة المقابر الجماعية في مجمع ناصر الطبي؟ | بي


.. حديث السوشال | مشاهدة مذهلة لأعماق الكون .. ناسا تنشر لقطات




.. ممرض يشكو سوء الوضع الطبي في شمال غزة